دوستويفسكي في رواية الأبله

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: الإسقاط؛ هو أن يعكس الإنسان مكنوناته الداخلية على الشيء الخارجي، بدلا من أن يحاول أن يستشف ما فيه. المريض في تعليقاته أو رسوماته أو كتاباته، حين يفعل ذلك، يعطي مفتاحا لفهم ما يعانيه، ويكشف عن نفسه النقاب بطريق غير مباشر.

الروائي الروسي دوستويفسكي كان ذا معاناة نفسية متشابكة قل نظيرها عند الأدباء والكتاب والفنانين الذين نقلوا تلك المآسي الى نتاجاتهم ولوحاتهم ورواياتهم لينطق ويتصرف بديلا عنهم الأبطال. أخذت معاناته حيزا كبيرا في أعماله، حتى كان بعض الأبطال بديلا عن شخصيته الحقيقية المأزومة. مشكلات كثيرة ومحطات حياتية أكثر، لم تكن استراحات أو انتظارات بقدر ما كانت جراحات، تلك التي مر بها الروائي، منها العوز، المرض، السجن، النفي.

تناوله بالدراسة سيجموند فرويد وصفه  بأنه يستحق الخلود لكونه قام بتشريح سلوكيات ومعاناة أبطال قصصه.

روايات كثيرة كتبها، أبطالها يعانون من الأمراض النفسية والعقلية والعصبية، السؤال: هل عمل الكاتب في التشريح الطبي النفسي والعقلي أم ثقافته المتقدة ؟. لنحاول تسليط الضوء وإلقاء نظرة جديدة على الأمير مشكين بطل رواية الأبله، الذي يعاني من نوبات  صرعية حملها إياه الروائي، ليكون بديله، لكن الأمير مصاب أيضا بالتخلف العقلي! أية شخصية لدى الروائي كان يعكسها التخلف؟.

هناك صعوبة في ايجاد تعريف مرض  للتخلف العقلي mental deficiency  حين يحاول الفرد وضع تعريف ينطبق على حالات ذات أشكال متنوعة ودرجات مختلفة بالإضافة الى أن عواملها وأسبابها متعددة.

توجد عدة مفاهيم تدور حول الضعف العقلي معظمها مترادف، يؤدي نفس المعنى، منها: النقص العقلي، التأخر العقلي..الخ. لكن، يجب أن لا نخلط بين التخلف العقلي والمرض العقلي. فالتخلف العقلي ليس مرضا وإنما هو حالة تظهر منذ الطفولة المبكرة فيضعف النمو العقلي ويختل التوافق الاجتماعي والنفسي ويصعب شفاؤها والجسم قد يستمر في نموه أما المرض العقلي فقد يصيب الأفراد كافة حتى الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء في أي مرحلة من مراحل النمو.

لتقريب ذلك، في امثولاتنا الشعبية نقول:(الطول طول النخله والعقل عقل السخله) حيث أستطيع تقريب مفهوم التخلف العقلي للقارئ. هو حالة نقص أو تأخر أو تخلف أو عدم اكتمال النمو العقلي، يولد بها الفرد أو تحدث في سن مبكرة نتيجة لعوامل وراثية أو مرضية أو بيئية تؤثر على الجهاز العصبي للفرد ويؤدي الى نقص الذكاء وتضع أثارها في ضعف مستوى قدرات الفرد وأدائه في مجالات التعليم والتكيف الاجتماعي، بحيث ينحرف هذا عن المتوسط.

تصنيف التخلف العقلي الى فئات يحتاج الى معيار، وقد اختلف علماء النفس والاجتماع والتربية والطب في تصنيفهم للتخلف العقلي بسبب اختلافهم في المعيار الذي اتخذته كل مجموعة منهم أساسا للتصنيف. بعض التصنيفات التي تعتبر أكثر شيوعا، هي: التصنيف على أساس الأسباب الخاصة البيولوجية، أو على أساس الأنماط الاكلينكية، أو النفسي الاجتماعي، أو التربوي،  أو نسبة الذكاء.

ينظر علماء النفس الى القدرة العقلية(الذكاء)على أنها قدرة تتوزع بين الناس توزيعا سويا يمثله منحنى التوزيع السوي للصفات البشرية والمعروف بمنحنى غوس gouss  .على هذا نسبة الذكاء تقسم الى فئات على أساس الانحراف المعياري عن المتوسط الحسابي لنسبة أفراد المجتمع. يتفق معظم علماء النفس بينهم وكسلر على أن التخلف يبدأ عند نسبة ذكاء 70 درجة التي تقل عن المتوسط بدرجتين معياريتين.

هناك فروقات بين أفراد تلك الفئة في نسبة ذكائهم، لهذا السبب فقد حاول علماء النفس تصنيفهم على هذا الأساس الى ثلاث فئات حسب نسبة الذكاء كما تقيسها اختبارات الذكاء، هذه الفئات هي: المأفون أو المورون، الأبله، المعتوه.

الأبله ، وهو الشخصية الروائية الرئيسية موضوع الدراسة التي جاء منها اسم الرواية نلاحظ:

1ـ تتراوح نسبة ذكاء أفراد هذه الفئة بين 25 ـ 50 درجة.

2ـ يبلغ عمرهم العقلي بين 3 ـ 7 سنوات في حده الأقصى.

3ـ يتميز أفرادها من الناحية العقلية بأنهم غير قابلين للتعلم.

4ـ أنهم قابلون للتدريب على بعض المهارات التي تساعدهم في المحافظة على حياتهم ضد الأخطار مثل قطع الشارع بسلام أو تفادي حريق.

5ـ من الناحية الاجتماعية فان الأبله لا يستطيع التوافق الاجتماعي ولا يتحمل المسؤولية.

6ـ نسبتهم لا تزيد على 20% من مجموع المتخلفين عقليا.

7ـ الانفعالات لديه رتيبة وواضحة فبعضهم يكون مرحا وبعضهم متوعك المزاج وبعضهم يكون هادئا والبعض الآخر غير مستقر.

رغم أن هذا التصنيف يحمل قساوة تسميات ترتبط في الغالب باتجاهات اجتماعية أخلاقية سلبية، لكنه، يساعد مع اعتماد قدرة الفرد على التكيف الاجتماعي وادائه السلوكي بالإضافة الى نسبة الذكاء التي من خلالها، كما أعتقد، يمكن ملاحظة شخصيات كثيرة على هذا المنوال، منها شخصية بطل رواية الأبله بأنه كان مصابا بالتخلف العقلي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/تموز/2011 - 22/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م