أطفال عالقون وسط أجندات بشعة

الحلقة الأضعف في الحروب والنزاعات

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: يعتبر الأطفال الحلقة الأضعف في المجتمعات والتي يمكن بسهولة شديدة ان تتعرض لمختلف انواع العنف والاستغلال، حيث يقع ملايين الاطفال حول العالم ضحايا لرغبات الاخرين وانتهاكاتهم المستمرة برغم التحسن الكبير الذي تشهده الإنسانية في مستوى المعيشة والتعليم والصحة خصوصاً بالنسبة للأطفال، لكن تبقى مشكلة الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها اجيال المستقبل شاخصة امام انظار الجميع، ففي الحروب والجريمة المنظمة والعمالة والسخرة ...الخ، يكون الطفل الاداة الرئيسية والمادة الدسمة لهذه العناوين وبلا رحمة او عطف، في واقع مرير ومستقبل محفوف بالمخاطر.

العراق بالنسبة للأطفال

فلقد حولت عقود من الحرب والعقوبات الدولية العراق إلى أحد أسوأ الأماكن بالنسبة للأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ يعاني نحو 3.5 مليون طفل من الفقر و1.5 مليون طفل تحت سن الخامسة من سوء التغذية بينما يموت 100 رضيع يومياً في البلاد، وفقاً لتحذيرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وقال اسكندر خان، ممثل اليونيسف في العراق المنتهية ولايته، في مقابلة مع بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، أن الحكومة قادرة على فعل المزيد من أجل الأطفال ويتوجب عليها القيام بذلك، وأوضح اسكندر قائل، "تقع على عاتق الحكومة مسؤولية دعم الآباء من خلال الاستثمار في مجالي الصحة والتعليم وغيرهما من الاحتياجات الأساسية لجميع الأطفال، كما يمكن للحكومة المركزية أن تتخذ خطوة هامة عن طريق ضخ استثمارات إضافية لرعاية الأطفال الأكثر حرماناً"، وأضاف أنه من غير المرجح أن يحقق العراق معظم الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية، والتي يتعلق ستة منها بالأطفال، حيث قال، "لسوء الحظ، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة، يبقى تحقيق معظم هذه الأهداف في العراق بحلول عام 2015 بعيد المنال"، ومن أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ينبغي أن يحصل أكثر من 400،000 طفل عراقي يعانون من سوء التغذية على الغذاء الكافي، كما ينبغي أن يتم تسجيل ما يقرب من 700،000 طفل في المدارس، بالإضافة إلى ذلك، يتعين على البلاد خفض معدل وفيات الأطفال بمقدار 100،000 طفل، وتوفير مرافق صرف صحي لائقة لنحو ثلاثة ملايين غيرهم، وقال خان، "هذه ليست مجرد إحصاءات، فوراء كل احصائية هناك طفل يعاني في صمت،" مضيفاً أن "تحقيق هذه الأهداف ممكن إذا تمكن العراق من التركيز على أكثر من أربعة ملايين طفل هم الأكثر حرماناً". بحسب ايرين.

ويتم استغلال الأطفال العراقيين لأغراض الحرب، حيث يتم تجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة للقتال والتجسس والاستكشاف ونقل الإمدادات والمعدات العسكرية وتصوير الهجمات على شرائط فيديو لأغراض الدعاية وزرع المتفجرات، وفقاً لتقرير أعده الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يغطي الفترة من يناير 2008 إلى ديسمبر 2010، كما يتم استخدامهم في عمليات انتحارية لأنهم أقل إثارة للشك ويمكنهم التنقل بسهولة عبر نقاط التفتيش الأمنية، كما أشار التقرير إلى أنه من الصعب التأكد بدقة من عدد للأطفال المشتركين في جميع هذه الأنشطة، وأضاف أن الأطفال يُستخدمون أيضاً لجذب قوات الأمن إلى الكمائن، ففي أغسطس 2010، دخل مسلحون أحد المنازل في السعدية، شمال بغداد، وقتلوا ثلاثة أشخاص، وأرسلوا طفلين يبلغان من العمر 10 و12 عاماً، لإبلاغ قوات الأمن العراقية عن الهجوم، وقبل وصول الجيش والشرطة العراقية، تم زرع متفجرات في المنزل تسببت في مقتل ثمانية جنود وجرح أربعة آخرين، وفي عام 2008، قُتل حوالي 376 طفلاً وجُرح 1،594 آخرين، بينما شهد عام 2009 مقتل 362 طفلاً وإصابة 1،044 غيرهم، وفي عام 2010، قُتل ما لا يقل عن 194 طفلاً وأصيب 232 بجروح خلال الصراع، معظمهم في محافظات بغداد وديالى ونينوى، والتهديد الآخر للأطفال الذي حدده التقرير هو المتفجرات من مختلفات الحرب التي تحصد الأرواح وتتسبب في الإصابة بعد فترة طويلة من انتهاء العمليات القتالية، وتشير التقديرات إلى أنه لا يزال هناك 2.66 مليون قنبلة عنقودية صغيرة و20 مليون لغم على الأراضي العراقية، تلوث مساحة قدرها 1،700 كيلومتر مربع، ويعود العديد منها إلى زمن الصراعات السابقة، مثل الحرب بين إيران والعراق في ثمانينيات القرن الماضي وحرب الخليج الأولى.

يولدون عند الحواجز

الى ذلك تعمل دورية "ذي لانست" الطبية البريطانية على مدار ثلاث سنوات حتى الآن مع الباحثين والمتخصصين الفلسطينيين في المجال الصحي من أجل توثيق آثار العيش تحت ضغوط نفسية والتعامل مع العجز والصعوبات الاقتصادية والقيود المفروضة على الحركة والتوترات السياسية والخوف من الهجوم الخارجي على الفلسطينيين، وقد قامت الدورية الطبية بنشر آخر النتائج التي توصلت إليه، وتعتبر القيود المفروضة على الحركة في الأرض الفلسطينية المحتلة مصدر إزعاج يومي، وبصرف النظر عن عمليات التفتيش المملة والمهينة عند الحواجز الأمنية، لا يعرف السكان أبداً على وجه اليقين كم من الوقت ستستغرق رحلاتهم أو ما إذا كانوا بالفعل سيتمكنون من القيام بتلك الرحلات، لكن في الحالات الطبية الطارئة يمكن أن تكون تلك القيود مسألة حياة أو موت، وفي العام الماضي، وصف المتعاونون مع"ذي لانست" بشكل واضح رعب النساء اللائي كن ينتظرن الولادة أثناء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة في أوائل عام 2009، فقد كن يدركن أنهن قد يحتجن إلى رعاية طبية عاجلة في الوقت الذي كن فيه محاصرات في منازلهن أثناء تلك الهجمات، وقد قام باحثة أخرى تعمل مع "ذي لانست" هذا العام بدراسة ما يحدث للنساء اللائي يجيئهن المخاض بالفعل وهن محتجزات عند الحواجز الأمنية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وقد قدرت هاله شعيبي، من جامعة آن أربر بالولايات المتحدة، أثناء فترة دراستها (من عام 2000 إلى 2007) أن 10 بالمائة من النساء الفلسطينيات الحوامل قد تم تأخيرهن عند الحواجز الأمنية أثناء انتقالهن إلى المستشفى للولادة، وكانت إحدى نتائج هذا التأخير زيادة كبيرة في عدد الولادات التي تتم في المنازل حيث تفضل النساء تجنب رحلات الطرق أثناء الولادة خشية عدم التمكن من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب، وقد بنيت مخاوفهن على أسس متينة، فتقول شعيبي أن 69 طفلاً ولدوا عند الحواجز الأمنية خلال فترة السبع سنوات تلك، كما توفي 35 طفلاً وخمسة أمهات، وهي نتيجة تعتبرها الباحثة جريمة ضد الإنسانية.

وعندما قامت مجموعة "ذي لانست" بعقد اجتماعها الأول في مارس 2009، كانت غزة لا تزال تعاني من الهجمات الإسرائيلية المعروفة باسم عملية "الرصاص المصبوب" التي أدت إلى مقتل ما يزيد عن 1،000 شخص، وفي النشرة الأخيرة، قام الباحثون بالعودة إلى تلك الفترة وقاموا بالمزيد من التحليل للدراسة المتعلقة بآثار الهجمات على السكان المدنيين، وقد شهدت تلك الفترة تعطلاً كبيراً للحياة الطبيعية، فقد اضطر 45 بالمائة ممن شملتهم الدراسة إلى ترك منازلهم والانتقال للعيش مع أناس آخرين لمدة 24 ساعة على الأقل، بينما قام 48 بالمائة ممن شملتهم الدراسة باستقبال أشخاص آخرين في منازلهم، كما تعرضت 48 بالمائة من المنازل للأضرار، بالإضافة إلى ذلك، عانى الجميع تقريباً من انقطاع الكهرباء في جميع الأوقات أو بعضها، وعانى كثيرون أيضاً من تعطل الخدمات الأخرى مثل الهاتف والإمداد بالمياه وجمع القمامة، ومن ناحية الآثار النفسية، ذكر أكثر من 80 بالمائة أن فرداً من أفراد الأسرة يعاني من البكاء أو الصراخ أو الكوابيس، كما أن التقارير عن المعاناة من فقدان الشهية كانت شائعة، ولكن على الرغم من أن غزة تعتبر منطقة صغيرة نسبياً، إلا أن التأثيرات اختلفت بشكل كبير وفقاً للمكان الذي يعيش فيه الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، ففي محافظات غزة وشمال غزة كان السكان أكثر تأثراً، بينما كان السكان أقل تأثراً في رفح وخان يونس (بالقرب من الحدود مع مصر)، كما تناولت دراسة أخرى الشعور بانعدام الأمن الذي دام حتى بعد انتهاء الهجمات بستة أشهر، وكانت بعض النتائج متوقعة كمعاناة النساء من درجات أعلى من العصبية وعدم الأمان مقارنة بالرجال. بحسب ايرين.

كما وُجد أن المجموعات الأقل إحساساً بانعدام الأمن كانت المجموعات التي تلقت تعليماً أفضل والتي تتمتع بمستوى معيشة أفضل وكذلك كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 65 عام، ولا ترتبط جميع الدراسات التي تم نشرها ارتباطاً مباشراً بالموقف السياسي الفلسطيني، لكنها تضمنت موضوعات أخرى منها التدخين بين المراهقين وعدد الصيادلة الذين يعملون بالأرض الفلسطينية المحتلة (وهو عدد مرتفع كما تبين من الدراسات) وكذلك استخدام المضادات الحيوية في مجال الطب البيطري، وقد ركز ريتشارد هورتون، رئيس تحرير "ذي لانست" على أهمية تشجيع البحث الأكاديمي في جميع مجالات الصحة كجزء من عملية إعادة بناء المجتمع الفلسطيني وتعزيز مؤسساته الأكاديمية، وقال ذكر ريتشارد أنه يرى اثنتين من الأولويات العاجلة "الأولى هي أنه على الرغم من أن التعاون بين العلماء في غزة وزملائهم في الضفة الغربية أمر مشجع، لكن هناك حاجة إلى استثمار المزيد من الجهود لخلق تحالفات مثمرة بين المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية، والثانية أنه في الوقت الذي توجد فيه الكثير من القوة في مجال أبحاث الصحة العامة، هناك فجوة في العلوم الإكلينيكية، لذلك هناك حاجة إلى المزيد من الاهتمام لتعزيز البحث في العديد من المرافق الإكلينيكية الممتازة في المنطقة".

مشروع كابويرا 

على صعيد اخر من الصعب على أي طفل أن ينشأ في مخيم شعفاط للاجئين، الذي يقع في حي عربي في القدس الشرقية بالأرض الفلسطينية المحتلة، إذ يقول ايزيك هاينريك، وهو مدير مشروع في منظمة غير حكومية تدعى بدنا كابويرا أن "هذه المنطقة تضم فرصاً قليلة جداً للأطفال للانخراط في نشاطات بناءة وايجابية"، وأضاف هاينريك قائل، "المكان ليس نظيفاً، كما يتم حرق القمامة خارج مدرسة المخيم أثناء وجود الأطفال في الفصول، يقع هذا المخيم على الحدود مع إسرائيل، ويحاصر الجدار العازل نصفه، بالإضافة إلى ذلك، تعد مستويات العنف مرتفعة ويبدو التهديد القادم من الخارج ساحقاً"، وقد بدأت بدنا كابويرا مشروعها هنا في شهر مارس من أجل مساعدة الأطفال على التغلب على الصدمات النفسية عن طريق تعلم الكابويرا، وهي فن قتال إفريقي برازيلي قديم، ويهدف المشروع إلى دعم الأطفال المتأثرين بالصراع المسلح وتحسين تنمية ورفاه المجتمع، وأوضح هاينريك أن "هناك حاجة ماسة لخلق قدوة بين الشباب والكبار في شعفاط، وجزء كبير من عملنا هو تعزيز قدرات الشباب وتطوير مهاراتهم القيادية"، ويروي هاينريك قصة أربعة شبان جاؤوا إلى أول دروس الكابويرا في وقت سابق من هذا العام، "كانوا متعجرفين جداً، يمشون ويتحدثون بشكل فيه صلف وعدوانية، وكان أول انطباع لدينا أنهم سيكونون مصدراً للمشاكل، ولكن المعلم، هارامي، قال لهم، 'لدي مهمة خاصة لكم أنتم الأربعة، ستقومون بتعليم الأطفال الصغار، وهو ما سيتطلب منكم الكثير وسيعني تحملكم مسؤولية خاصة'، ثم أخذهم جانباً وأعطاهم الدرس الأول، وفي الأسبوع التالي، جاءوا قبل موعد الدرس بنصف ساعة، وكانوا على استعداد لمساعدة الأطفال الصغار".

ويشارك الآن ما يقرب من 500 طفل ومراهق فلسطيني في مختلف أنحاء الضفة الغربية في هذا المشروع، وهناك خطط للمزيد من التوسع. وتمول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وغيرها من الشركاء هذا المشروع، نشأ فن الدفاع عن النفس هذا في القرن السادس عشر، عندما بدأ العبيد الأفارقة يخلطون تقنيات مختلفة من القتال مع الرقص والغناء والموسيقى، وتتميز اللعبة، التي تُمارس في شكل دائرة، بالركلات والألعاب البهلوانية، ورغم أن الكابويرا ظلت محور الثقافة الأفرو برازيلية لمئات السنين، لم يتم تصديرها إلى الخارج إلا خلال الخمسين سنة الماضية، وقد انتشرت الكابويرا في جميع أنحاء العالم الآن، وأصبح أشخاص كثيرون من جميع الخلفيات والثقافات ينجذبون إلى هذا المزيج الخاص من النواحي الاجتماعية والفنية والبدنية، كما انجذب العديد منهم إلى أسس الكابويرا الفلسفية وروح الجماعة، وعلى النقيض من الفنون القتالية الأخرى، لا يوجد في الكابويرا فائزون أو خاسرون، كما أن هذه اللعبة لا تتعلق بضرب الخصم أو التعرض للضرب، بل هي تعبير عن المرح والتعاون، حيث قال هاينريك، "الكابويرا هي حركة شعبية حقيقية من البداية، وقد سميت كذلك نسبة إلى حشائش مرتفعة تنبت في الحقول البرازيلية كان العبيد يقطعونها لعمل دائرة يمكنهم لعب الكابويرا داخلها خفية، دون أن يراهم أحد من الخارج"، وقبل أن تنتشر في فلسطين، تجذرت هذه اللعبة في سوريا، ثم امتدت إلى مخيمات اللاجئين ومؤسسات الأحداث ومراكز الشباب، ووفقاً لليونيسف، يواجه الأطفال الفلسطينيون خطر القتل والإصابة والفقر والتشريد والاعتقال والمعاناة النفسية وانخفاض الإنجاز التعليمي، وفي عام 2009، كان ما يقرب من 22 بالمائة من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر (15.5 بالمائة في الضفة الغربية)، مما أدى إلى تعريض 430،000 طفل إلى أوجه الضعف التي يسببها الفقر، وفي القدس الشرقية، ارتفع معدل الفقر "الذي يُعرف بأنه مجموع الأشخاص الذين يعيشون على أقل من دولار واحد يومياً" من 59 بالمائة في 2008 إلى 71.2 بالمائة في 2009، كما أن حياة الأطفال صعبة بشكل خاص في البلدة القديمة، حيث أثر الفقر والتسرب المدرسي وتعاطي المخدرات سلباً على اليافعين. بحسب ايرين.

وقبل ثلاثة أشهر، وصل مشروع الكابويرا إلى مخيم الجلزون للاجئين (في رام الله والبيرة، على بعد 7 كيلومترات شمال رام الله والمتاخم لقرية جفنا) حيث بدأت فتاة كانت تُعرف بأنها مصدر للمتاعب تشارك في دروس الكابويرا لتأخذ على عاتقها بعد ذلك دوراً آخر، إذ بدأت بتعليم الأطفال كيفية غناء الأغاني والقيام بالحركات، وقد تأسس مخيم الجلزون عام 1949، وهو يقع في منطقة جبلية بالقرب من واحدة من أكبر المستوطنات الإسرائيلية، وهي بيت إيل، وبينما يتمتع الأولاد في سن المراهقة بخيار الذهاب إلى رام الله للعثور على أشياء يقومون بها، لا تحصل معظم الفتيات والأطفال على نفس الميزة، وقال هاينريك، "على الرغم من أن ثلاثة أشهر يعتبر وقتاً قصيراً لمعرفة التغيرات الطويلة المدى في سلوك الطفل، إلا أننا لاحظنا نتائج إيجابية للغاية، لقد تعرض العديد من الأطفال الذين نعمل معهم لصدمات نفسية مختلفة، ولديهم صعوبات في التعلم، وطاقة زائدة وغالباً ما يكون بداخلهم الكثير من العدوانية، لكنهم بعد بضعة أسابيع فقط من ممارسة الكابويرا، ينسجمون مع رسالتها السلمية".

اللعب من اجل التسامح

من جانبهم تعلو ضحكات الأطفال وهم يقفزون على سطح مسجد في حين يلعب آخرون "الغميضة" بين كنيسة ومعبد في مدينة فريديريكا الدنماركية، حيث يختبر هؤلاء الصغار المسلمون والمسيحيون والهندوس "التسامح"، وهذه المساحة المخصصة للعب في مدينة فريديريكا التي يبلغ تعداد سكانها 50 ألف نسمة والتي تقع على مدخل شبه جزيرة يوتلند، شيدت على الميناء البحري كمبادرة تجمع الاديان المختلفة التي تأهل هذه المدينة الرائدة، ففريديريكا هي المدينة الدنماركية الوحيدة التي تتمتع منذ القرن الثامن عشر بحرية ممارسة الشعائر الدينية، وقد تحولت إلى ملجأ للمنفيين، وهذا المشروع الذي يحمل اسم "جسر بين الأديان" كان قد "انبثق من نقاشات بين مختلف المجتمعات، ليثبت أننا قادرون على القيام بأمور معا متخطين اختلافاتنا وعقائدنا"، بحسب ما توضح كارينا داهلمان وهي قسيس بروتيستانتية في فريديريك، تطل هذه الأبنية التي شيدت خصيصا للمشروع على البحر، مسجد أخضر مع قبة ذهبية، وكنيسة من القرميد الأحمر والأبيض، ومعبد هندوسي متعدد الألوان، وقد طلى متطوعون من ديانات مختلفة هذه الأبنية التي راحت تجذب أعدادا كبيرة من الفضوليين، يويدال سريثاران (12 عام) دنماركي ذو أصول سريلانكية، يقود أقارب له أتوا من هولندا في جولة على مساحة اللعب الجديدة هذه "التي تتيح لنا بواسطة الألعاب أن نتعرف أكثر على الديانات الأخرى"، بحسب ما يشرح لهم، بالنسبة إلى عم والده الهندوسي "من المفيد تعليم أطفالنا وسائل جديدة للتعارف"، متمنيا أن يطبق مشروع مماثل في هولند، اما كارولاين (9 أعوام) فقد حضرت مع جديها المدرسين المتقاعدين، وهي تجد أنه "من الممتع أن أكتشف ما هو المسجد وما هو المعبد الهندوسي وأن ألعب مع أطفال من ديانات أخرى". بحسب فرانس برس.

وتبدو جدتها بينتي "سعيدة بهذا المكان الذي يدعو إلى الحوار بين الأديان وإلى تعلم التسامح"، لكنها تأسف "لعدم وجود كنيس"، وتذكر هنا أن "فريديريكا كانت تضم ثاني أكبر المجتمعات اليهودية في الدنمارك بعد كوبنهاغن، وقد شكلت ملجأ لهم في العام 1700"، يؤكد سيريف إيسيك أحد مطلقي المشروع ورئيس الجمعية الثقافية التركية، على "أننا طلبنا من جميع الاديان الانضمام"، وتلفت داهلمان أن في فريديريكا اليوم "أعدادا متواضعة من اليهود، لذا لم يلبوا دعوتنا"، وتأمل أن "ينضموا في يوم إلى هذا المشروع الذي يشكل رمزا للاندماج الناجح"، هاني رافن حضرت خصيصا من مدينة مجاورة للاطلاع على ما يحصل، وهي تتأمل هذه الأبنية الدينية، وتعبر عن "دهشتها لمساحة اللعب التثقيفية هذه"، وتقول "من المهم أن يتحدث الأهل مع أولادهم ليعلموهم كيف يكونوا متسامحين ومنفتحين على الآخرين، منذ حداثة سنهم"، أما توماس بانكي رئيس بلدية فريديريكا فهو فخور بهذا المشروع الذي يموله صندوق الاندماج في البلدية، وهو كان شاهدا على "ما قد يتسبب به الدين من انقسامات وحروب"، خلال سفره إلى الشرق الأوسط بحسب ما يلفت.ويؤكد "لذا من الضروري أن يتعلم الأطفال أن الدين يستخدم ليس للاقتتال وإنما للحوار وللعب معا مهما كانت معتقداتنا"، ومساحة اللعب هذه بالنسبة إلى بانكي هي "تكريم لماضي فريديريكا التي شكلت ملجأ قبل 300 عام للملاحقين والمضطهدين أمثال البروتستانت الفرنسيين أو اليهود"، واليوم ما زالت المدينة تأوي ممثلين "لأكثر من 100 جنسية"، بحسب ما يشير رئيس البلدية الذي يأمل أن "يشجع هذا المشروع على المنافسة ويساهم في جعل العالم مكانا أكثر تسامحا للأجيال القادمة".

أكثر ذكاء ومهارة

من جانب اخر شككت دراسة جديدة تتعلق بعلم النفس السلوكي لدى الأطفال في النظريات السائدة حول ذكاء الصغار، والتي طورها الطبيب جون بياجيه قبل عقود، وأشار فيها إلى أن الأولاد دون سن السابعة لا يفكرون إلا بأنفسهم، ولا قدرة لهم على فهم الظروف المحيطة بهم أو تحليل ردود فعل الكبار، وقالت الدراسة التي نشرت في مجلة "علم النفس" إن الأطفال يطورون القدرة على تحليل رغبات ومشاعر ومعتقدات الكبار في فترات مبكرة للغاية من حياتهم، كما يظهر لديهم منذ السنوات الأولى من عمرهم فهم دقيق لتصرفات الكبار وقدرة على توقع تصرفاتهم وحسابات دقيقة للسيناريوهات التي قد تحصل جراء أعمالهم، وقد أشرف على الدراسة ثلاثة أطباء هم تمار كوشنر، وهنري ولمن، وفيو زو، وهم من جامعات مختلفة، وقاموا بإجراء اختبارات على الأطفال لإثبات النظرية، وقام الاختبار على إدخال 72 طفلاً في السنة الرابعة من عمرهم إلى قاعة فيها صناديق مغلقة تحتوي على كرات صغيرة مطلية، بعضها يمثل كرات القدم وبعضها يمثل كرات المضرب، ومثلت كرات القدم نسبة 18 في المائة من كرات الصندوق الأول، بينما مثلت نسبة 50 في المائة من كرات الصندوق الثاني و100 في المائة من الصندوق الثالث، وجرى وضع دمية على شكل سنجاب في القاعة، وقيل للأطفال إن السنجاب يحب أن يلعب بكرات القدم فقط، وجرى فتح الصناديق أمامهم، والمفاجأة كانت أنه لدى فتح الصندوق الذي لا تتجاوز نسبة كرات القدم فيه 18 في المائة، عمد الأطفال إلى مساعدة السنجاب، من خلال انتقاء كرات القدم وتقديمها له، أما لدى فتح الصندوق الثاني، الذي تشكل كرات القدم نصف الكرات الموجودة فيه، انقسم الأطفال، فقام بعضهم بانتقاء كرات للسنجاب، بينما لم يتجاوب بعضهم الآخر، أما عند افتتاح الصندوق الثالث، فلم يتكلف الأطفال عناء انتقاء الكرات باعتبار أنها كلها من النوع الذي يفضله السنجاب، وتركوه على افتراض أنه سيختار ما يشاء منه، وقال الأطباء الذين عملوا على الاختبار إن ما جرى يظهر أن الأطفال فهموا وجود نسب مختلفة من الكرات في كل صندوق، وعرفوا بالتالي وجوب انتقاء أمور معينة، كما اكتشفوا نوع الأمور التي يحبها السنجاب وساعدوه على اختيارها. بحسب السي ان ان.

في السياق ذاته كشف علماء امريكيون عن قدرة الأطفال الرضع على التوصل إلى استنتاجات منطقية من خلال التفكير الخالص، وقام العلماء بعرض تسجيلات مصورة على اطفال رضع لم تتجاوز اعمارهم العام الواحد تضم مشاهد ممكنة من الناحية الطبيعية "الفيزيقية" ومشاهد أخرى مستحيلة وثالثة ذات احتمالية حدوث بعيدة، وشاهد الأطفال المشاهد الممكنة والمرجحة لفترات أطول وفق ما نشر من نتائج في صحيفة "ساينس"، واستنتج واضعو التقرير أنه كلما زادت فترة مشاهدة الطفل للفيديو، كلما زادت دهشته من محتواه، ويقول جوشوا بي تينينباوم من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا، أحد المشاركين في وضع التقرير، إن الذكاء الحقيقي هو القدرة على استخدام الخبرة الماضية في الوصول إلى الاستنتاجات المجردة من المواقف الجديدة، ويضيف الأطفال قادرون على فهم أن الشيء الملموس لا يمكن أن يتلاشى في الهواء أو أن يمر من خلال حائط صلب وهم أيضا على دراية بأن الشيء الملموس ليست لديه القدرة على الانتقال لمسافة طويلة خلال فترة قصيرة من الزمن، وشملت التسجيلات التي عرضت على الأطفال الرضع المشاهد التالية، أربعة أشياء بأشكال وألوان مختلفة تتحرك داخل وعاء، وتمت تغطية الوعاء لوهلة قبل أن يخرج أحد الأشياء منه، بذلك تكون التسجيلات قد لفتت إلى ثلاثة عوامل، تنوع الأشياء وقرب الأشياء من فتحة الوعاء والفترة الزمنية التي تم حجب الوعاء خلالها عن المشهد.في المشاهد التي تم تغطية الوعاء خلالها لفترة وجيزة "04ر0 ثانية" اندهش الأطفال عندما خرج شيئ كان الأبعد عن الفتحة، وفي المشاهد التي تم حجب الوعاء فيها لمدة أطول "ثانيتان" اندهش الأطفال عندما خرج الشيء الشاذ الوحيد "الشيء الوحيد المطلي باللون الأزرق وسط المجموعة المطلية بالأحمر"، ووجد الباحثون أن الأطفال قادرون على خلط عدد من الحقائق للوصول إلى استنتاجات منطقية، ويخطط تينينباوم لإعادة الدراسة مرة أخرى باستخدام مبادئ فيزيقية أخرى يبدو أن الأطفال لديهم قدرة على فهمها مثل الجاذبية الأرضية والاحتكاك.

تراجع الوفيات

في سياق متصل قالت الامم المتحدة ان عدد الاطفال الذين يموتون دون سن الخامسة تراجع بمقدار الثلث منذ العام 1990 لكن هذا التراجع لا يزال بعيدا عن المستوى المستهدف المتفق عليها عالميا والذي من المقرر الوفاء به بحلول 2015، واوضحت بيانات من صندوق الامم المتحدة لرعاية الاطفال (يونيسيف) ان العدد الاجمالي لوفيات الاطفال دون الخامسة تراجع الى 8.1 مليون سنويا في 2009 من 12.4 مليون سنويا في 1990، ويتضمن الهدف الرابع من اهداف الامم المتحدة الانمائية للالفية خفض معدل الوفيات بمقدار الثلثين بين الاطفال دون سن الخامسة في الفترة بين 1990 و2015، وطبقا لارقام اليونيسيف التي نشرت في نسخة خاصة من دورية لانست الطبية فان معدل الوفيات العالمي للاطفال الذين تقل اعمارهم عن خمس سنوات تراجع بمقدار الثلث منذ 1990 من 89 حالة وفاة لكل ألف طفل الى 60 في 2009، وقال اليونيسيف في بيان "الانباء السارة هي ان هذه التقديرات تشير الى تراجع عدد الاطفال الذين يموتون يوميا في انحاء العالم بمقدار 12 ألف طفل مقارنة بعام 1990، "لكن مأساة وفيات الاطفال التي يمكن منعها مستمرة. بحسب رويترز.

ولا يزال حوالي 22 ألف طفل دون سن الخامسة يموتون يوميا وتحدث حوالي 70 بالمئة من هذه الوفيات في العام الاول من حياة الطفل"، وأظهرت ارقام اليونيسيف ان وفيات الاطفال تتركز بصورة متزايدة في عدد قليل فقط من الدول، وحدثت نصف الوفيات تقريبا بين الاطفال دون سن الخامسة في 2009 في الهند ونيجيريا وجمهورية الكونجو الديمقراطية وباكستان والصين، وأعلى معدلات لوفيات الاطفال كانت في الدول الواقعة جنوبي الصحراء في افريقيا حيث يموت طفل بين كل ثمانية اطفال دون سن الخامسة وهو ما يعادل تقريبا 20 ضعف متوسط الوفيات في المناطق المتقدمة، ويوجد في جنوب اسيا ثاني اعلى معدلات حيث يموت طفل تقريبا من بين كل 14 قبل سن الخامسة.وطبقا لملخص النتائج الذي نشر في لانست فان الدول التي احرزت أكبر قدر من التقدم تمكنت من ذلك بسبب التوسع السريع في خدمات الصحة العامة الاساسية وخدمات التغذية مثل التطعيمات والرضاعة الطبيعية ومكملات فيتامين أ وتوفير مياه الشرب النظيفة.

اطفال الشوارع

على صعيد مختلف توفي اكثر من 30 من اطفال الشوارع نتيجة التسمم بمادة الميثانول في مدينة الخرطوم وفي مدينة ام درمان التي تشكل الجزء الغربي من العاصمة السودانية، كما اعلنت الشرطة التي عثرت على جثثهم، وقال بيان بثه الموقع الرسمي للشرطة السودانية "اشارت التقارير الواردة للمكتب الصحافي للشرطة ان حالات الوفاة التي تم تسجيلها في جملتها خمس عشرة وفاة، في اوساط المشردين"، وبث الموقع نفسه بيانا اخر جاء فيه "تلقت شرطة ولاية الخرطوم بلاغات بوفاة سبعة عشر متشردا في محليتي ام درمان والخرطوم"، ونقل الموقع عن مدير ادارة الجنائيات بشرطة الخرطوم قوله "ان اسباب الوفاة تعود لتناول المتوفين لمادة السبيرتو (الميثانول) والمذيبات الطيارة كالسليسيوم وان هذه المواد اتيحت للمشردين بواسطة ضعاف النفوس بالمحال التجارية والاسواق، وهي تؤدي للوفاة لانها تحتوي على مواد سامة"، لكن يتوقع ان ترتفع حصيلة الوفيات بين الاطفال المشردين، حيث قال مصدر في الشرطة غير مخول له التصريح لاجهزة الاعلام "انه خلال ثلاثة ايام، بلغ عدد الوفيات 60 من اطفال الشوارع"، واضاف ان "الشرطة تجري تحرياتها للكشف عن تفاصيل ما حدث"، وتقدر الارقام الرسمية عدد المشردين بولاية الخرطوم بحوالي 37 الفا اغلبهم تعود اصولهم لجنوب السودان، كما ينتمي بعضهم لاقليم دارفور غرب السودان الذي يشهد اضطرابات منذ 2003، ويمنع تناول الكحول في شمال السودان تطبيقا لقوانين الشريعة الاسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/تموز/2011 - 22/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م