
شبكة النبأ: مع انطلاق الثورات
العربية رصد تباين المواقف التركية إزاء ما يحدث، سيما انها عارضت
أحيانا تلك الثورات وأيدتها أحيانا، مما دفع بالمراقبين الى تحليل
الموقف السياسي لتلك الدولة، والبحث في وراء ما تسعى من خلال ذلك.
فتركيا على الرغم من ضغوطها المستمرة على دمشق لإجراء إصلاحات الا
أنها لم تطالب برحيل النظام السياسي، الى جانب معارضتها في بادئ الأمر
لمناصرة قوات الناتو للثورة الليبية قبل ان تعود وتطالب برحيل القذافي،
كما أنها غضت الطرف عن أحداث الانتفاضة البحرينية بشكل ملحوظ. الى جانب
توثيق علاقتها بحكومة نجاد ومعارضتها للعقوبات الغربية على الرغم من
قمع الثورة المخملية التي حدثت هناك.
وبين تذبذب الموقف التركي يرى معظم المحللين للشؤون السياسية إن
أنقرة بعيدة جدا عن الشعارات التي تطلقها، سيما الإنسانية منها،
ودافعها الوحيد هو أما التمهيد لزعامة سياسية مفترضة، او اللهاث وراء
المال العربي، وهو ما خلف ارتياح ملحوظ لدى الإدارة الأمريكية ابرز
حلفاء تركيا حاليا.
مرحلة التحول
فقد اشادت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بتركيا معتبرة
انها مثال يجب ان يحتذى به العالم العربي الذي يمر بمرحلة تحول ومعترفة
بدورها المتنامي في المنطقة، لكنها ابدت في المقابل اسفها للمساس بحرية
الصحافة في هذا البلد.
وقالت وزيرة الخارجية الاميركية في مؤتمر صحافي مشترك في اسطنبول مع
نظيرها التركي احمد داود اوغلو ان "المنطقة وخصوصا شعوب الشرق الاوسط
وشمال افريقيا تريد استخلاص الدروس من التجربة التركية. ومن المهم جدا
ان تتعلم هذه الشعوب الدروس التي تعلمتها تركيا وان تطبقها كل يوم".
واضافت ان "تاريخ تركيا يذكر بان التطور الديموقراطي يعتمد على قادة
مسؤولين" مشددة على انه "من المهم ان يقوم هؤلاء القادة المسؤولون بدور
المعلم للجيل الجديد من قادة هذه الدول".
وبعد اجتماع مجموعة الاتصال حول ليبيا، خصصت كلينتون اليوم الثاني
والاخير من زيارتها لتركيا للمباحثات الثنائية ولحديث تلفزيوني لنحو
ساعة. وانتهزت كلينتون الفرصة في هذا الحديث التلفزيوني لتاكيد
العلاقات "المتينة" التي تربط بين واشنطن والدولة الاسلامية الوحيدة
العضو في حلف شمال الاطلسي.
وفي هذا الاطار اكد داود اوغلو "علاقة ثنائية من افضل العلاقات
رسوخا في العالم". كما اشاد الوزير التركي ب"شراكة معاصرة" تتعدى كثيرا
مجرد علاقة المصلحة الاستراتيجية مشددا على الاستثمارات الاقتصادية
المشتركة بين البلدين التي ارتفعت بنسبة 50% منذ مطلع العام الحالي.
وتاتي هذه التصريحات الودية بعد مواضيع جدلية اثارت القلق في
الولايات المتحدة من "نزوح تركي نحو الشرق". من ذلك، الفتور الذي لا
يزال يسود العلاقة بين تركيا واسرائيل، الحليف الاقرب للولايات المتحدة،
منذ ازمة اسطول المساعدة لكسر الحصار على قطاع غزة عام 2010 عندما قتل
تسعة ناشطين اتراك في هجوم للجيش الاسرائيلي على سفينة تركية مشاركة في
هذا الاسطول.
كذلك اعتراض تركيا بشدة العام الماضي على فرض عقوبات جديدة على
ايران في الامم المتحدة بسبب برنامجها النووي. وقد التزمت تركيا، التي
تتمتع بمعدل نمو سنوي يزيد على 10%، بهذه العقوبات مع الاستمرار في
تنمية علاقاتها التجارية مع ايران.
وتحت ادارة حكومة المحافظة لرجب طيب اردوغان لا تتردد الدبلوماسية
التركية في ابداء مواقف مخالفة وايضا التاثير بشكل اكبر على الملفات
الاقليمية الرئيسية من ايران الى عملية السلام مرورا بسوريا ولبنان.
ومثال على ذلك انتقدت انقرة في الربيع الماضي الضربات الجوية الغربية
ضد ليبيا قبل ان تشدد موقفها ضد النظام الليبي مع دعوة اردوغان في ايار/مايو
الماضي الزعيم الليبي معمر القذافي الى ترك الحكم.
من جهة اخرى، اثارت تركيا اعجاب واشنطن باستقبالها الاف اللاجئين
السوريين على حدودها. واعترفت كلينتون بهذا التاثير واصفة تركيا بانها
"زعيمة في المنطقة وما عداها وحليف عظيم القيمة في مواجهة التحديات
العالمية الملحة". كما اعترضت الوزيرة الاميركية على فكرة ان يكون على
تركيا الاختيار بين الغرب والشرق مؤكدة دعم واشنطن "التام والقوي"
لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.
وكان الظل القاتم الوحيد على هذه اللوحة المشرقة هو انتقاد كلينتون
للمساس بحرية الصحافة في تركيا مع اعتقال اكثر من خمسين صحافيا منذ
مطلع العام الحالي، وهو الاتجاه الذي اعتبرته "مثيرا للقلق" و"لا يتفق
مع كل ما حققته تركيا من تقدم". وقالت كلينتون "لا اعتقد ان من الضروري
او من مصلحة تركيا قمع الصحافيين والمدونين او الانترنت".
وسيط إقليمي
من جهة أخرى نشرت الصحيفة تقريراً عن تركيا ووزير خارجيتها أحمد
داود أوغلو ودورها فى المنطقة فى ظل اندلاع الثورات العربية. وقالت
الصحيفة إن أوغلو استطاع فى السنوات الأخيرة أن يحظى بالإعجاب وفى نفس
الوقت السخرية، بسبب سياساته فى عدم إحداث مشكلات مع جيران تركيا.
لكن مع استعداد أنقرة لاستقبال تدفق اللاجئين من سوريا، واستمرار
الرئيس بشار الأسد فى تجاهل دعواتها لإجراء إصلاحات، فإن مراقبين يرون
أن الثورة فى سوريا وفى الشرق الأوسط قد شوهت صورة تركيا الذاتية كوسيط
إقليمى قوى.
فقد أرسل داود أوغلو وفوداً فى محاولة لجذب حكومات سوريا وليبيا
وإيران فضلاً عن التنسيق مع حماس وحزب الله والجماعات الأخرى التى يرفض
الدبلوماسيون الغربيون التعامل معها.
لكن رؤية الحكام المستبدين فى العالم مثل الليبى معمر القذافى وهم
يديرون ظهورهم لأنقرة قد كشفت عن عجز فى الخارجية التركية حسبما يقول
جيرالد كناوس، رئيس مبادرة الاستقرار الأوروبى فى أسطنبول. ويشير كناوس
إلى أن الأحداث الأخيرة قد أثرت على ثقة تركيا فى أداتها الدبلوماسية،
وكل الجهود التى بذلوها لإقامة روابط شخصية مع هذه الأنظمة لم تمنحهم
النفوذ الذى أرادوه.
فى حين يرى جنكيز أكتر، أستاذ الدراسات الأوروبية فى أسطنبول أن
تركيا كانت شديدة الثقة بقدرتها على الوساطة، لكن الصيغة كانت خاطئة
منذ البداية، فالتاريخ يقول لنا إننا لا نستطيع أن نتحدث مع ديكتاتور
عن تحقيق الإصلاح.
كما ظهر تصور يشرح ردود الفعل المتباينة للحكومة التركية، برئاسة «حزب
العدالة والتنمية»، تجاه الثورات العربية. ويتجه التركيز إلى أن علاقات
تركيا التجارية مع البلدان التي تشهد هزات ثورية هي الأساس الذي تقوم
عليه ردود أفعالها.
ويضيف المحللون أنه بدءاً من الدعوة إلى الحاكم المصري المستبد حسني
مبارك لترك منصبه في بداية مظاهرات "ميدان التحرير" - حيث كانت تركيا
البلد الأول الذي طالب بتنحي مبارك -- إلى إبداء الدعم للديكتاتور
الليبي معمر القذافي ومحاولة إعاقة عمليات منظمة حلف شمال الأطلسي ضده،
فإن سياسات تركيا تجاه الثورات العربية تقوم بوضوح على عوامل اقتصادية.
وهم يشيرون إلى أن المصالح المالية التركية القوية في ليبيا أرغمت
أنقرة على دعم القذافي؛ بيد، بما أنه لم يكن لأنقرة مخاوف مالية مماثلة
في مصر، فقد شعرت بالحرية في الدعوة للإطاحة بمبارك.
بالإضافة إلى ذلك، فعلى النقيض من سياسة المواجهة التي اتبعها «حزب
العدالة والتنمية» تجاه مبارك، تعهد «الحزب» بدعم الديكتاتور السوري،
داعياً إلى إدخال إصلاحات وليس إلى رحيل بشار الأسد. والسؤال هو ما
الذي يحدد موقف «حزب العدالة والتنمية» تجاه الثورات العربية؟
يظهر بحثنا أن الدافع الرئيسي وراء موقف «حزب العدالة والتنمية»
تجاه الأنظمة العربية هو ليس المال. وبدلاً من ذلك، يبدو أن الرغبة في
إظهار التضامن مع أنظمة معينة معادية لأمريكا فضلاً عن البغض والكراهية
لتلك المؤيدة للولايات المتحدة هي التي جسدت سياسات «حزب العدالة
والتنمية». ومن بين الدول الثلاث المشار إليها، ترتبط تركيا بمصالح
مالية في مصر هي أكبر بكثير من تلك التي ترتبط بها في سوريا أو ليبيا.
ومع ذلك، فقد أعربت عن دعمها لأنظمة هذه البلدان في ترتيب عكسي.
ويبدو أن التضامن السياسي هو الذي يدفع الاستجابات المتباينة لـ «حزب
العدالة والتنمية» تجاه الثورات العربية. ومن ثمّ فإنه إذا امتدت
الثورات إلى بلدان عربية أخرى، على المرء أن يتوقع بأن حزب «حزب
العدالة والتنمية» سيدعو إلى الإطاحة بالأنظمة الصديقة للولايات
المتحدة، بينما سيجعل من الصعب إبعاد الأنظمة التي تعارض واشنطن.
تحقيق التغيير السلمي
الى ذلك افاد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن بلاده
المحاطة ببحر من الانتفاضات تخطط لاستخدام علاقاتها المميزة مع جيرانها
لتحقيق التغيير السلمي. وقال أوغلو في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز
"إن الاستقرار في المنطقة لم يعد ممكناً من دون حرية، وتعمل تركيا على
استخدام علاقاتها المميزة مع الجيران لدفع التغيير السلمي، ولكننا لسنا
سذجاً في هذا التوجه".
واضاف أن تركيا "طوّرت علاقة جيدة جداً مع الدول العربية من القاهرة
إلى دمشق فضلاً عن علاقة ثقة مع الحكومات العربية، لكن المستقبل وصل
الآن والواقع أنه جاء متأخراً وهو عملية طبيعية للتغيير، ونحاول الآن
تعزيز المطالب المشروعة للشعوب وفتح الطريق نحو التحول السلمي، وهذه هي
سياستنا والتي حققت نجاحات".
وقال أوغلو "هناك ثلاثة أنواع من القادة في هذه المنطقة، قادة
ينظرون إلى التغيير على أنه ضرورة ويريدون قيادته وتنظيمه، وقادة
يعترفون بالحاجة إلى التغيير لكنهم لا يقودونه بأمل كسب الوقت، وقادة
يقاومون التغيير".
واضاف وزير الخارجية التركي "النموذج الثالث من القادة سيختفي، وأنا
ابلغت الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً بذلك، وسيحصل النموذج الثاني
على بعض الوقت، لكن النموذج الأول هو الذي سيبقى فقط".
وقال "ابلغنا اصدقاءنا في المنطقة بأننا نريدهم أن يكونوا ضمن
النموذج الأول، ونحن من طرفنا حققنا التغيير بعد وصول حزب العدالة
والتنمية إلى السلطة عام 2002، وقبل أن يبدأ الناس المطالبة بالتغيير".
وشدد أوغلو على أن المبدأ الحقيقي للسياسة الخارجية لحكومته هو "ايجاد
التوازن بين الأمن والحرية"، مضيفاً أن تركيا "اثبتت أن الديمقراطية لا
تجلب الفوضى بل الحرية والتنمية الاقتصادية والاستقرار".
التراث الاسلامي
من جهته حين كان في الثامنة من عمره رأى مصطفى أكيول عبارة صدمته
وهو يقلب في مكتبة جده..عبارة تنصح الاباء بضرب الاطفال العاقين. والان
يعمل أكيول صحفيا في تركيا ويتعشم ان يظهر ربيع العرب جانبا مختلفا
للاسلام.. جانبا لا تضارب فيه بين الاسلام والحرية السياسية.
ويهدف كتابه الجديد "اسلام بدون متطرفين.. قضية مسلم من أجل الحرية"
الذي يطرح في الولايات المتحدة يوم 18 من يوليو تموز الى ان يقول للناس
ان هناك تاريخ طويل للحريات في العالم الاسلامي.
وقال أكيول "حقيقة ان العديد من الدول العربية تخضع لحكام مستبدين
عززت اسطورة ان هذا هو النوع الوحيد من الحكومات الذي يمكن لهذه الدول
ان تنتجه. الانتفاضات الحالية بينت أن ذلك خطأ." بحسب رويترز.
ومع هيمنة أنباء المفجرين الانتحاريين والعنف والزعماء المستبدين
على أخبار منطقة الشرق الاوسط يخشى أكيول من سهولة تكوين فكرة خاطئة عن
دينه. وفي كتابه يجادل أكيول أن للاسلام تاريخا طويلا في دعم الحريات
والتسامح.
وسرد أكيول سجلا عن التسامح الديني في ظل الحكم الاسلامي متتبعا ذلك
حتى عصر الرسول محمد. وعرض أكيول بلده تركيا دليلا على ان الديمقراطية
يمكن ان تنجح في العالم الاسلامي.
وانتقلت تركيا سلميا للتعددية الحزبية في خمسينات القرن الماضي ويرى
أكيول ان بوسع تركيا الهام المسلمين في ربوع المعمورة. ويجادل الكاتب
التركي بأن وصفة نجاح تركيا هي الاقتصاد الحر المطعم بالقيم الاسلامية.
وقال "الحكومة هنا تثمن علانية التقاليد الاسلامية. التقدم
الاقتصادي مهم أيضا. انه محرك التغيير في تركيا."
ويتعشم أكيول ألا تقف أفكار المدارس القديمة عن الاسلام عائقا في
وجه التوجهات الديمقراطية التي تتحرك بسرعة في أنحاء المنطقة. وقال
"كانت الديمقراطية مرفوضة رفضا تاما من قبل كثير من المفكرين
الاسلاميين زمنا طويلا. الا ان ذلك يتغير. الان هناك مزيد من الفهم بأن
الديمقراطية يمكن ان تتسق مع القيم الاسلامية أيضا." وتخشى الدول
الغربية ان يخطف المتشددون الدينيون ربيع العرب لكن أكيول ركز على
اسلام أقل تهديدا.
وقال "بهذا الكتاب أرغب في ان أقدم ذخيرة للمسلمين اليبراليين في
أنحاء العالم ليجادلوا من أجل اسلام يدعم الحريات الفردية بدلا من
الشمولية." |