الشباب وأهمية أجواء التحرر في عالمنا المعاصر

رؤى من فكر الإمام الشيرازي

شبكة النبأ: من الحكم والكلمات الجميلة للإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، ما جاء في هذه الجملة التي وردت في مؤلَّفه الموسوم بـ (الشباب) إذ يقول فيها: (التنافس والحريات أمّ التقدّم والرقي).

هذا يعني، أن لا رقي للشعوب والامم، ولا تقدم لها، ما لم تعش في أجواء الحرية، التي تصنعها بتضحياتها وسعيها وجهودها المتواصلة، من اجل بناء الدولة الافضل، وهذه الاجواء ستؤدي بالضرورة الى صنع اجواء رديفة ومهمة لها، ألا وهي اجواء التنافس التي تؤدي بدورها، الى الانجازات المتواصلة، في ظل تنافس ايجابي، تدعمه الحرية التي تكفل للجميع، سبلا راقية للابداع، ولتنمية المواهب والمهارات معا.

وهذا ما يحتاج إليه الشباب في أي بلد يطمح الى تغيير نمط حياته البائس، الى ما يواكب عصر الانفتاح والتحرر، لاسيما من ربقة الحكومات السلطوية، التي تحارب طاقات الشباب، وتقمع روحهم المتجددة، لانها تشكل خطرا على نفوذها وسلطاتها القائمة على المنفعة وحماية العروش، بكل الاساليب المتاحة لها، بغض النظر عن كونها غير مشروعة، فالدكتاتورية تخشى الحريات، وتخشى الشباب وطاقاتهم المتنوعة، لذلك تحاول بأقصى ما تستطيع، أن تهمش هذه الشريحة الهامة، وتحاول أن تقتل طاقاتها، من خلال عدم الاهتمام بقدراتها، ونشر وسائل التخدير بين صفوفها، كالمخدرات ووسائل الإلهاء كافة، إضافة الى نشر البطالة، بين عموم الشباب، ومنعهم من تحصيل المعرفة، وخاصة ما يتعلق بحقوقهم السياسية، كالانتخابات الحرة التي يكون بمقدورها صنع الدولة المعاصرة.

لهذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه، على أهمية تدريب الشباب، فيقول في هذا الصدد: (من الضروري تنظيم وتعليم وتدريب الشباب على الانتخابات الحرة والمؤسسات الدستورية والتنافس الإيجابي ومختلف الحريات الصحيحة الإسلامية، فان الإنسان إذا لم تتوفر له مناخات الحرية.. لن يبدع ولن يتقدم فلا تظهر ولاتنمو كفاءاته).

لكننا حين نتابع المشهد السياسي في الدول الاسلامية، فإننا سنلاحظ عدم الاهتمام بالشباب، وعدم منحهم الحريات المطلوبة، لهذا تكون النتائج نشر التخلف والجوع والحرمان، بين الطبقة الواسعة من الشعب، فيما يتم تكديس الثروات وحصر السلطة والنفوذ، في الطبقة الحاكمة التي لا تشكل سوى نسبة قليلة من الشعب، لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (من الواضح عدم وجود شيء من الحريات في البلاد الإسلامية.. من كل الجهات وفي كل الميادين. وحينئذ ولعدم وجود الحريات والانتخابات الحرة بشكل عام، فاللازم إيجاد البديل المناسب لنمو الشباب فتؤسس هناك منظمات ومؤسسات اجتماعية وما أشبه ويكون فيها نظام الانتخاب للفرد الأجدر في إدارة الأمور أو شورى الإدارة في أجواء استشارية، سواء الأمور المرتبطة بالتنظيم الشبابي أو بالعمل أو بسائر الشؤون...).

إذن لابد من صنع اجواء التحرر والمنافسة الايجابية، بين الشباب، من اجل الانتاج الافضل والاوسع، ولابد أن تكون الانتخابات، هي الوسيلة التي تدفع بالشباب نحو بناء دولة المؤسسات الدستورية المعاصرة، التي تكفل لهم حياة أفضل، وهنا يؤكد الإمام الشيرازي، على اهمية ممارسة الانتخابات من لدن الشباب، وجعلها عنصرا مهما من بين العناصر العملية، التي تحتل جانبا مهما من حياة الشعب، لذا يقول الإمام الشيرازي في هذا الخصوص: (لقد جرّبنا - الانتخابات- في بعض مؤسساتنا الطلابية فأتت بنتائج رائعة كما أنها جعلت التنافس الجيد بين الأعضاء والقيادة في أمور مختلفة من الخطابة والكتابة وسائر النشاطات الإدارية والثقافية والإبداعية).

ويضيف الإمام قائلا: (يجب ترقية الشباب إلى مرحلة أعلى وأسمى، وجعلهم في منطقة أو منظمة متقدمة على ما كانوا عليه سابقاً سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو التجاري أو ما أشبه ذلك).

وينبغي أن لا تنحصر عملية التنافس والابداع في جانب محدد، ولا ينحصر الاهتمام بالانتخابات فقط، بل يجب أن يرافق ذلك، بحث دؤوب عن سبل تطور الاقتصاد، كونه الدعامة الاساسية لنهوض البلد، ومن ثم اتاحة الفرص للشباب، من اجل الابداع والتطور، يقول الإمام الشيرازي بكتابه نفسه: (يلزم إيجاد التنافس في الصناعة والزراعة والتجارة والتربية وغيرها من الأمور فإنها تنمو وتتبلور بالتنافس.. لأن طبيعة الإنسان جبلت على حب الارتفاع والسمو والغبطة، كما قرر في علم النفس، فإذا وجهت هذه الطبيعة الخيرة باتجاه وجهة صحيحة، تكون النتائج حسنة كماً وكيفاً وإلاّ فلا).

ويعطينا الإمام دلائل من تجارب الشعوب في هذا المجال فيقول في كتابه ايضا: (أذكر أنّ اليابان قبل الحرب العالمية الثانية كانت متخلّفة إلى أبعد الحدود حتى أن الصناعة اليابانية كانت من الصناعات التي لا يرغب أحد فيها، وكانت رخيصة جداً، وبعد الحرب حيث تجرّدت اليابان من الدكتاتورية والاستبداد وانتقلت إلى رحاب التنافس والحرية والأحزاب... أخذت اليابان تتقدم بخطوات واسعة وسريعة حتى أنها لم يمض عليها نصف قرن إلاّ وأصبحت صناعتها من الصناعات الرائدة والرابحة جداً).

لذا فإن الابداع والاستبداد يتقاطعان ويحتربان، ودائما ما يكون الشباب هم الضحية بالدرجة الاولى، لذا يجب أن يتنبّه المعنيون من قادة الشباب، الى أهمية حماية الطاقات الشبابية، وعدم انحرافها ودخولها في مسارات لا تخدم الشعب، وهنا يؤكد الإمام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه المذكور نفسه: (من الضروري على القيادة الشبابية أن تحوْل دون انزلاق الفتيان والفتيات في مهاوي الرذيلة والفساد.. وذلك ما يسرع إليه الشباب في الوقت الراهن، حيث أنّ الحائل الوحيد دون الانزلاق هو الإيمان بالله والخوف من الحساب في اليوم الآخر، وإلاّ فالقانون والبوليس والاستخبارات وما أشبه بذلك، لا يحول دون وقوع الأمر، وإنما قد يعالج القانون بعض الامور ولا يحول إلاّ دون ما يظهر منها، أما الباطن فأكثر من الظاهر بكثير وكثير).

إذن نحن بحاجة الى الشباب الواعي والمؤمن في الوقت نفسه فـ (رأس الحكمة في مخافة الله)، أي عندما يخاف الشاب من عواقب العمل الخاطئ، فإن أعماله تأتي في الطريق السليم الذي يخدمه شخصيا، ويخدم المجتمع ايضا، لهذا على الشباب أن يكافحوا من أجل حماية الحقوق، والحريات الفردية والجماعية، وفي الوقت نفسه، يشجعون روح التنافس الايجابي، بين الجميع، كونه الطريق الى الرقي والمعاصرة في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تموز/2011 - 16/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م