كيف نكوّن رؤية واقعية؟

رفعت الواسطي

لانختلف كثيرا في تشخيص السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط المبنية على أساس تأمين مصالح الولايات المتحدة الحيوية ومنها فيما يتعلق بقضية السلام في الشرق الاوسط والوجود الاسرائيلي كدولة أصبحت واقعا على حساب كثير من المعادلات الامنية في المنطقة ومنها حق الشعب الفلسطيني في قيام دولة مستقلة ونزع كافة السلاح المهدد لوجود الدولة العبرية.

تلك الرؤية الامريكية تتعارض مع افكارنا او انتماءنا القومي، وحين تتوفر الظروف الخصبة للمعلومة الاعلامية فيما يتعلق بمجريات الوضع السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الاوسط ندرك أن هنالك التباسا او غسلا للعقول او مسخا في آدمية المواطن العربي تجاه قضايانا المصيرية.

 فعلى سبيل المثال عرفت المنطقة رئيس جمهورية العراق صدام حسين منذ العام 1979 والى العام 2003، أذاق شعبه ويلات الحروب الداخلية والخارجية والازمات المتعددة منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نتيجة تفرده في الحكم هو وأفراد عائلته، حتى بلغ به الامر الى استخدام الاسلحة الكيماوية المحرمة دوليا ضد أبناء شعبه وعمليات ابادة بحق الشعب الكردي بالاضافة الى عمليات القمع المستمرة ضد المواطنين العراقيين من ابناء جنوب العراق.

هذه المعلومة المبسطة لم تكن خافية على أحد ومع ذلك كان صدام زعيما قوميا ومجاهدا بل ذهب شهيدا في نظر كثير من العرب لانه استخدم التطهير القومي ضد الكرد واستخدم التمييز الطائفي ضد الشيعة، وحين توفرت الظروف الدولية الملحة على صدام للخروج من السلطة وتفادي العراق من الوقوع تحت طائلة الاحتلال الاجنبي رفض ذلك مستخدما مصطلحات استغفال للعقول وبعيدة عن منطق العقل والقانون.

 حتى دخل العراق من جديد في أزمات تلو الازمات والى يومنا هذا، اليوم اليس السيناريو العربي ذاته يعاد من جديد ومن قبل من وقفوا الى جانب صدام وقدموا له الدعم اللامحدود؟ كليبيا واليمن وسوريا؟ لم يفهموا رسالة المجتمع الدولي واشارات واضحة من الادارة الامريكية فيما يتعلق بترك السلطة وترك القوى الوطنية والشعوب تقرر مصيرها بنفسها وتسليم السلطة سلميا دون اراقة الدماء؟ ما الذي جد مع وضع ملصق العلم الامريكي والاسرائيلي عند بوابة المجلس الوطني العراقي زمن حكم صدام لتدوس عليه الاقدام ثم تحول العراق اليوم الى دولة تابعة في كثير من القرارات الى الادارة الامريكية ونحن هنا لانتحدث عن الشعارات الوهمية والمزايدات للكتل السياسية في العراق والتي تدعي خلاف ماتعمل تجاه الوجود الامريكي في العراق كما هو الموقف الخليجي من قضية اسرائيل وفلسطين.

لقد عانى كثير من العراقيين من تبعات السلطة الوهمية للقادة العرب والذين لايفقهون شيئا فيما يفكرون ويتحدثون وقد بينت الازمات التي مرت بها عروشهم الوهمية كم هي ضحلة عقولهم ليتضح لنا جليا المنطق العربي الذي لايستحق سوى الرثاء والسخرية ونثير السؤال اليس في العرب حكماء ومثقفين ينظرون للمجتمعات العربية رؤية مستقبلية تضمن للجميع حياة حرة وكريمة؟.

ان عالمنا العربي اليوم يعج بالكثير من التناقضات نتيجة حكم الاقليات او الاسر التي ورثت الحكم وفق نزوات سلطة العائلة علينا ان نثير كثير من الاسئلة في هذا الواقع السيء وان لانتردد ولو لحظة واحدة في فتح قنوات الاتصال مع الدول التي من شأنها فضح تلك الانظمة والعمل من اجل اسقاط عروشها لس بطريقة التدخل المباشر بل بتحشيد الدعم الاعلامي على الاقل لتبيان الحقيقة الى الآخرين فكم عانى العراقيون وهم يتحدثون الى أشقائهم العرب عن مظلوميتهم ودموية حزب البعث وأزلام صدام حسين دون أن نجد اذنا واعية وقلبا ينبض بالانسانية والتعاطف تجاه أشقاء لهم في العراق، واليوم تتكرر نفس الصورة لاسقاط زين العابدين ومبارك والدعوة للمحاكمة العلنية لمبارك ونجليه علاء وجمال وتمسك علي عبد صالح بالسلطة وبطريقة هزلية تفضح عقله وهمجيته البدوية.

 من هذا المنطلق اقول للاخوة العرب عليهم ان ينظروا الى الامور وفق رؤية واقعية للاشياء من منطق الانتماء الانساني وان يتركوا للعقل والضمير مساحة في الحكم على الأحداث لان الجميع ليسوا ببعيدين عن همجية الحاكم حين يتهدد عرشه الكاذب. فنحن في العراق نتعاطف مع دعوات المتظاهرين في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا والبحرين والسعودية وايران بلا تمييز ولا أتحدث عن اولئك الطائفيين الممسوخين بل عن أصحاب العقول اليقظة. عليكم برؤية واقعية للاحداث.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/تموز/2011 - 15/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م