ليلة النصف من شعبان فرحة كبرى وأمل متجدد ورحمة دائمة

أ.د. موفق عبدالعزيز الحسناوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين.

بفرح غامر وأمل متجدد باشاعة الفضيلة ورجاء كبير برحمة واسعة من الله سبحانه وتعالى يستقبل المسلمون في مشارق الارض ومغاربها ليلة النصف من شعبان. هذه الليلة المباركة التي اشرقت فيها شمس الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) لتعيد الابتسامة والامل الى وجوه المؤمنين بالخلاص والعودة الى مبادئ الدين الاسلامي الحنيف في وقت تكالبت عليه قوى الطغيان والفسوق والتجبر واشاعت الرذيلة والمعاصي في المجتمع الاسلامي مما جعله يتحرف تدريجيا بزاوية تكبر وتتسع عن الاسلام الحقيقي الذي جاء به هادي الانسانية الاول وسيدها الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ودافع عنه وحماه ونشره المسلمون الاوائل واهل بيته وصحابته بالسيف والاموال.

 لقد وصلت الامور في الدولة الاسلامية قبيل ولادة الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) الى حالة كبيرة من الانحراف والابتعاد عن الدين وشيوع المعاصي لايمكن السكوت عليها او الانتظار اكثر وهذه الحالة أدت بمرور الزمن وتراكمات افرازاتها السلبية الكثيرة وضعف من يتصدى لهذه المفاسد نتيجة الظلم والتجبر والطغيان والتعذيب الذي كانت تمارسه السلطات ابان الخلافة العباسية لكل من ينادي بالإصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعودة الى مبادئ الاسلام الحقيقية والتمسك بذرية الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من اهل بيته الكرام (عليهم السلام)، أدت الى ايجاد حالة من الاحباط والخضوع واصبحت الامة الاسلامية عبارة عن مملكة كبرى يملكها بنو العباس يعيثون فيها ظلما وفسادا ويكمموا فيها الافواه المنادية بالتمسك بنهج الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته والمؤمنون من اصحابه والتابعين.

 وهنا يأتي التدخل الالهي للخالق العظيم سبحانه وتعالى من اجل ان يجعل المؤمنون الحقيقيون اصحاب الرسالة الاسلامية وحماتها والمدافعين عنها يرون ان ما وعدهم به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اصبح حقيقة واقعة اشرقت بنورها في ليلة الخامس عشر من شعبان فأضاءت قلوبهم بنور ساطع اسعدهم وبث فيهم الامان وجعلهم يعيشون على امل جميل برحمة كبرى من الله سبحانه وتعالى حيث ولد في تلك الليلة آخر الائمة المعصومين وباعث الرسالة الاسلامية ومجددها الامام الحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام).

 لقد جاءت ولادة الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) لتخلق فرحة كبرى لاتوصف في نفوس المسلمين في مشارق الارض ومغاربها وخاصة المؤمنون الرساليون الصابرون الذين طالما انتظروا هذه الولادة الميمونة طويلا وحلموا بها كثيرا. حيث كانت بمثابة عيدا كبيرا وسعيدا جعلت الامل يشرق عندهم ويتجدد بأنه لابد لهذه الامة الاسلامية من منقذ ومصلح يقيم اعوجاج الحق ويعيد نور الاسلام ومنهله الصافي من جديد مهما طالت مدة الانتظار ومهما تكالبت قوى الشر والطغيان والانحراف وتكاثرت ومهما شاعت الرذيلة ومهما ابتعد الناس عن الاسلام وبقي شكلا بلا روح واسما بلا هدف.

لذلك استقبل المؤمنون هذه الولادة المباركة بفرح غامر لانه انعش قلوبهم وحاكى ارواحهم النقية التي لاهم لها في هذه الدنيا القصيرة الفانية سوى العمل من ارجل رضاء الله سبحانه وتعالى والاستعداد ليوم الحساب الكبير يوم لا جاه ولا مال و لابنون سوى رصيد المؤمن من العمل الصالح والتمسك بالاسلام ونبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته من العترة الطاهرة (عليهم السلام) رحة الله والوسيلة اليه التي لابد ان يتمسك بها كل من اراد النجاة من اهوال يوم القيامة مع وجود العمل الصالح والشفاعة الدائمة التي لاتتخلى عن من احبها وعمل بسيرتها.

 لقد بعثت ليلة النصف من شعبان الامل مجددا في نفوس المسلمين في كل ارجاء الامة الاسلامية وخاصة اولئك المؤمنون من اصحاب العقيدة المحمدية الحقة والصادقة والذين رأوا ان دينهم الذي استطاع ان ينير ظلام الجاهلية ويهديها أبان صدر الرسالة الاسلامية والذي بذل من اجل نشره المسلمون الاوائل من اهل بيت النبوة والصحابة ارواحهم واموالهم واولادهم وجاهدوا في سبيل الله بكل غال ونفيس حتى انتشر الاسلام وملأ بقاع الدنيا بعد ان بدأ برجل واحد لايوجد في الكون من هو اعظم منه منزلة ومكانة عند الله سبحانه وتعالى وهو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يضيع شيئا فشيئا وينحرف كثيرا عن مبادئه وتعاليمه السمحاء بحيث لم يتبقى منه سوى الشكل والمظهر.

 وهنا كان لابد من انطلاق صرخة كبرى ومدويه تجعل كل المسلمين في مشارق الارض ومغاربها يسمعون صداها ويجعلهم هدير صوتها يفيقون من سباتهم وينظرون الى المستقبل نظرة امل وتفاؤل متجدد ومستمر لانه في تلك الليلة المباركة العظيمة اشرقت شمس من انتظرته الاجيال طويلا وهي تئن تحت سياط الظلم والتجبر والفساد ليعيد اليها ابتسامتها وايمانها الذي كاد يهتز وهي ترى ما ترى من انواع المفاسد والضلالة التي طرأت على الاسلام المحمدي الحقيقي. وجعلتها تؤمن بأن الخالق العظيم سبحانه وتعالى لن يترك الظلم والفحشاء والرذيلة تسود العالم الى مالانهاية ولكنه سبحانه عز زجل يمهل ولايهمل ولابد من احقاق الحق والفضيلة حتى وان طال زمن الانتظار.

 لقد غمرت المسلمين في هذه الليلة المباركة رحمة الهية كبرى عندما بعث لهم من ينقذهم من الظلم والرذيلة ويهديهم الى الخير والصلاح ويقيم اعوجاج الحق وينشأ دولة الفضيلة التي تنثر شذى عطرها على جميع بقاع الدنيا وتملأها عدلا وحقا بعد ان ملئت جورا وظلما وطغيانا. لقد تمثلت رحمة الخالق العظيم سبحانه وتعالى للامة الاسلامية بوجود الامـام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) الذي سوف يقودهم لاحقاق الحق ويكونوا مناصريه وسيوفه في هذا لينالوا الرحمة الالهية الكبرى يوم الحساب الكبير.

وبذلك كان الامام المهدي المنتظر هو الهدية الكبرى والرحمة الدائمة والمتجددة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للمسلمين في كل زمان ومكان لانه سوف يكون الخاتمة السعيدة والفاضلة لهذه الحياة الفانية قصيرة الامد ويكون هو المطهر الكبير للنفوس مما علق بها من ذنوب ومعاصي لكي يقابل المؤمن الحقيقي ربه بقلب سليم ونقي وقد تطهر مما علق به من الاردان والفواحش ليفوز بجنان الخلد والنعيم الابدية بعدالة الله ورحمته التي ليس لها حدود.

 الله الله ما أعظم الحكمة الالهية وروعتها في مولد صاحب العصر والزمان الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) حيث ان مولده المبارك جاء في وقت تكالبت فيه قوى الضلالة والظلام على الدين الاسلامي وعملت على خنق التوجهات الاسلامية الرسالية الحقيقية والذي كان يقودها ائمة اهل بيت النبوة عليهم السلام كونهم يمثلون الخط الاسلامي الحقيقي الدائم الذي لايتغير مع مغريات الحياة وتقلباتها. حيث اراد الله سبحانه وتعالى ان يبين لهؤلاء المسلمين بأن الله دائم النصر لاصحاب الحق والفضيلة وانه حليف المؤمنين وهو الذي يتولى المؤمنين برحمته وحمايته ولن يتخلى عنهم ابدا.

 لقد اصبحت ليلة النصف من شعبان مناسبة سعيدة كبرى يحتفل بها المسلمون اينما وجدوا وما الزيارة الشعبانية المليونية الكبرى التي يقوم بها المسلمون وبتصاعد مستمر وبأعداد متزايدة وايمان متعاظم يتوهج كل عام الى مدينة كربلاء المقدسة حيث مرقد سيد الشهداء ورمز الثائرين ومزعزع سلطات الجبابرة والطغاة في كل عصر ومكان وهو الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهما السلام) الا عبارة عن بيعة متجددة ونصرة دائمة وصرخة مدوية تنطلق الى عنان السماء ليهتف الزائرين بصوت واحد نحن مناصرون للامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وانا نعمل على تهيئة الارضية المناسبة والصالحة وتحقيق الاسباب الموجبة لظهوره الظهور الفعلي المؤثر الذي يكون قادرا من خلاله على الانتصار على اعداء الاسلام والمتكبرين والجبابرة والقضاء عليهم واقامة حكم العدل والحق ودولة الفضيلة الصالحة والتي سوف تملأ الارض عدلا وايمانا ورحمة منقطعة النظير ودائمة بدوام الحياة.

 ان حكمة الخالق العظيم سبحانه وتعالى في مولد الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) في تلك المرحلة الزمنية والغيبتين الصغرى والكبرى له طيلة هذه المدة الزمنية جاءت من اجل ان تبين للمسلمين بأن الامل موجود وهو قد ولد ولابد من انتظاره مهما طال الزمن وتكالبت الظروف السلبية التي تمنع ظهوره واحقاق الحق ولابد ان يعمل المسلمون من اجل تهيئة الظروف الملائمة والأرضية المناسبة لظهوره عليه السلام في الوقت المناسب الذي يستطيع فيه ان ينتصر على اعداءه ويقيم اعوجاج الحق ويملأ الارض عدلا ونورا بعد ان ملئت ظلما وجورا وذلك بعد ان تتوفر الامكانيات المناسبة لهذا الغرض وبعد ان تشارف الحياة الدنيا على نهايتها وتبدأ الاستعدادات ليوم اللقاء الكبير بالخالق العظيم سبحانه وتعالى ويوم الحساب الاعظم الذي فيه كل ذي حق حقه ويغمر المسلمون بفيض الرحمة الالهية الكبرى.

 اننا اذ نحتفل كل عام في هذه الليلة بجموع مليونية كبرى وبأعداد متزايدة عام بعد اخر وتشيع في وجوهها الفرحة والكبرى والامل المتجدد ونور الرحمة الالهية الغامرة وهي تتوجه زحفا هائلا صوب مدينة ابا الاحرار الحسين الشهيد (عليه السلام) ليكون صوتها هادرا وقويا وحبلا متينا ممتدا بين الارض والسماء لتلتقي مع تسابيح ملائكة السماء لتقول لبيك يالله لبيك يارحيم لبيك ياعظيم نخن بانتظار املنا الموعود لنحظى برحمتك الكبرى يارب العالمين وسوف نعمل جاهدين مع الامام المهدي المنتظر لاحقاق الحق واقامة العدل ونكون جنودا مستشهدين بين يديه برحمة الله الكبرى.

 ان المسلمين عندما يحتفلون كل عام بهذه الليلة المباركة لتكون اكبر مهرجان احتفالي عالمي سعيد لايضاهيه اي مهرجان اخر فأنه ينبغي عليهم استذكار المعاني العظيمة لهذه الولادة المباركة وان يبتعدوا عن المعاصي وعن كل ما يسيء الى هذه المناسبة من تصرفات غير لائقة قد تشوه صورتها الزاهية والمعاني الرائعة للاحتفال بها في انظار اعداء الاسلام ومبغضيه. وعليهم ان يحاول الاستفادة من الرحمة الالهية الكبى التي ينشرها الخالق العظيم سبحانه وتعالى للبشرية جمعاء في هذه الليلة المباركة ليتقربوا اليه وينالوا رضاءه بالعمل الصالح والايمان الحقيقي والسعي الجاد للتوبة النصوحة والتخلص من ادران الماضي وذنوبه من اجل الاستعداد الى يوم ظهور الامام المهدي المنتظر للعمل بين يديه من اجل اقامة دولة الحق والعدالة والفضيلة واشاعة الخير والصلاح والاستعداد الى لقاء الله سبحانه وتعالى يوم الحساب الاكبر.

 نتمنى في هذه الليلة المباركة وخاصة وهي في شهر شعبان المعظم شهر الخير والبركة والاستغفار وبوابة شهر الرحمة في رمضان ان تتطهر قلوب جميع المسلمين وتسمو في سماء الفضيلة وحب الخير والعمل الصالح والتمسك بنهج الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام) مصابيح الهدى وسفينة النجاة للبشرية في كل زمان ومكان. وان تكون توبتهم توبة صادقة واستغفارهم حقيقيا وفرحتهم نابعة من قلوب مؤمنة لاترى في هذه الدنيا الفانية الا محطة انتظار قصيرة يسافروا من خلالها الى جنان الخلد والنعيم ورحمة الله سبحانه وتعالى. وان تتوحد قلوب جميع المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ليكونوا صوتا واحدا يهز الاعداء وتجعلهم ينظروا الى الاسلام دين الرحمة والمحبة والتسامح والفضيلة نظرة الاعجاب والتقدير لتغيير مواقفهم نحوه والنظر اليه كدين رحمة وهداية وحياة فاضلة.

 علينا ان تستغل الرحمة الالهية في ايام شهر شعبان المعظم وخاصة ليلة النصف منه لمزيد من العبادة والاستغفار والتوبة والنظر الى الحياة كمحطة مسافر مؤقتة الى طريق طويل وبعيد يحتاج الكثير من المؤن والاستعدادات من اجل السير فيه والوصل الى نهايته براحة وامان وسعادة وجني ثمار التعب الطويل وهذه المؤن يتم اعدادها لهذا الطريق ونحن في هذه المحطة القصيرة. وعلينا ان نتمسك وبقوة برسولنا العظيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو فخرنا وهيبتنا التي نباهي بها الامم والشعوب وان نسير على خطى ومبادئ اهل بيته الكرام والائمة المعصومين عليهم السلام وآخرهم صاحب العصر والزمان الامام المهدي الـــــــمنتظر (عجل الله فرجه الشريف) فهم شفعاؤنا ووسيلتنا الى الله سبحانه وتعالى.

 وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين.

* هيئة التعليم التقني – المعهد التقني في الناصرية – جمهورية العراق

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/تموز/2011 - 15/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م