خسائر الجيش الأمريكي في العراق... فاتورة مكلفة ثمن لمواقف واشنطن

دعم النظام السعودي وتأجيج الصراع في سوريا والصمت إزاء البحرين

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تدرك الولايات المتحدة ان التصعيد العسكري الذي تواجهه في العراق مؤخرا له أبعاد دولية وإقليمية تتعدى تداعياتها الشؤون الداخلية للعراق، ويتجاوز في اعتباراته مديات ابعد من مجرد مسعى التجديد للاتفاقية الأمنية مع بغداد وبقاء جزء من قواتها في ذلك البلد لما بعد تاريخ 2011.

فما يواجهه الجيش الأمريكي من الهجمات التي تشنها بعض الجماعات المسلحة الشيعية منها على وجه الخصوص يرتبط بشكل مباشر بسياسة واشنطن إزاء قضايا المنطقة وربيع العرب على وجه الخصوص بحسب بعض المراقبين.

خصوصا فيما يتعلق بمواقفها المزدوجة المعلنة ازاء كل من البحرين وسوريا، واستمرار دعمها للنظام السعودي الذي انخرط في صراع مشبوه متعدد المحاور في المنطقة، يقف في طليعته مواجهة ما تعتبره مد لنفوذ ايران في العالم العربي.

والتساؤل الذي يطرح نفسه هل سيكون بإمكان الجيش الأمريكي تسديد فاتورة مكلفة ثمنا لمواقف واشنطن، ويتقبل الخسائر بصمت، أم ستطرأ مستجدات سياسية تغير مجرى الأحداث؟

الميليشيات الشيعية

فقد اكد وزير الدفاع الاميركي الجديد ليون بانيتا ان القوات الاميركية تنفذ بصورة منفردة عمليات عسكرية ضد الميليشيات الشيعية في العراق، بعد مرور عام على انتهاء العمليات القتالية بصورة رسمية. وقال بانيتا ردا على سؤال عن المليشيات الشيعية المدعومة من ايران والتي تتهمها واشنطن بالوقوف وراء الهجمات ضد القوات الاميركية "علينا العمل بصورة منفردة للقضاء على هذه التهديدات، ونحن نفعل ذلك حاليا".

وتصاعدت اتهامات واشنطن مؤخرا لايران، مؤكدة ان طهران باتت تؤمن اسلحة اكثر فتكا للجماعات الشيعية في العراق. وقال بيناتا ان "قوات الامن العراقية يجب ان تبادر بالعمل لمواجهة هذه المجموعات". واضاف ان "القوات الاميركية نفذت عمليات مشتركة مع العراقيين، بالاضافة الى مهمات منفردة ضد الميليشيات". وتابع ان "هذه الجهود يجب ان تدفع العراقيين الى تحمل زمام المسوؤلية لمحاربة تلك المجموعات الشيعية وملاحقة كل من يستخدم هكذا انواع من الاسلحة". واكد ان "هناك حاجة كذلك للضغط على ايران حتى تتخلى عن دعمها لمثل هكذا سلوك". بحسب فرانس برس.

ونفت ايران الاتهامات واشنطن بتهريب الاسلحة للجماعات المسلحة في العراق وافغانستان. بدوره، قال كولين كال مستشار بانيتا للصحافيين ان "الجيش الاميركي يحتفظ بحقه في تنفيذ العمليات القتالية في العراق". واضاف ان "الاتفاقية الامنية مع العراق تخولنا حق الدفاع عن النفس واتخاذ ما يناسبنا من اجراء".

واعلن رئيس اركان الجيوش الاميركية الاميرال مايكل مولن ان الولايات المتحدة والعراق يجريان حاليا مفاوضات حول اتفاقية امنية جديدة محتملة تنص على ابقاء قوات اميركية في البلاد بعد 31 كانون الاول/ديسمبر 2011، الموعد المحدد للانسحاب. ولا يزال نحو 46 الف جندي اميركي ينتشرون في العراق. ويفترض ان تسحب كل القوات بحلول 31 كانون الاول/ديسمبر المقبل بموجب اتفاقية امنية مع بغداد. لكن مسؤولين اميركيين كبارا قالوا انهم سينظرون في مسالة ابقاء بعض القوات بعد المهلة المحددة للانسحاب اذا طلبت السلطات العراقية ذلك.

وتزامنت الزيارة مع مقتل احد الجنود الاميركيين في جنوب العراق، وهو ثالث جندي يقتل خلال الشهر الجاري. كان شهر حزيران/يونيو الماضي اكثر الاشهر دموية بالنسبة للقوات الاميركية منذ ثلاثة سنوات حيث قتل 14 جنديا في هجمات متفرقة.

في هذه الأثناء أطلقت عدة قذائف على المنطقة الخضراء في بغداد، وقال مسؤولون أمنيون إن امرأة وأطفالها أصيبوا نتيجة لذلك. وتقول الشرطة ان القذائف أطلقت من منطقه تقطنها غالبية شيعية.

وجاء في معرض تحذير الوزير الأمريكي لإيران من تزويد جماعات شيعية بالسلاح قوله إن بلاده فقدت عددا كبيرا من جنودها خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي نتيجة لهجمات المتطرفين. وشدد على أن بلاده: لن تستطيع الوقوف متفرجة على ما يجري.

وكان الاميرال مايك مولن رئيس الاركان الامريكي قد اتهم ايران بدعم جماعات شيعية متطرفة بشكل مباشر تقتل القوات الامريكية في العراق وقال انه يتعين أن يعالج اي اتفاق لبقاء القوات الامريكية هناك بعد نهاية العام هذه المشكلة. وأضاف ان ايران اتخذت قرارا عام 2008 بتقليص تدخلها في العراق لكنها استأنفت الان ارسال الاسلحة للجماعات المتطرفة واتخذت موقفا يمكنها من القول انها ساعدت في طرد القوات الامريكية من المنطقة.

وقال المسؤول الامريكي الرفيع الذي تحدث للصحفيين قبل مغادرة بانيتا افغانستان ان هذا التوجه ليس مفاجئا واضاف ان القادة العسكريين الامريكيين توقعوا منذ فترة ان تحاول جماعات متشددة "الحاق خسائر جسيمة بقواتنا أثناء رحيلها لخلق انطباع زائف بأنها تجبرنا على الخروج من العراق."

وكان بانيتا قد وصل يوم الأحد إلى العراق قادما من افغانستان في أول زيارة له كوزير للدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية. وقال إن مهمته تتضمن الضغط على المسؤولين العراقيين لاتخاذ قرار بشأن الوجود العسكري الامريكي، كما انه سيطلب من السلطات ملاحقة المتشددين الذين يهاجمون القوات الامريكية بأسلحة إيرانية .

يذكر أن من المقرر أن تنسحب جميع القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية العام الحالي، وذلك ضمن الاتفاق الأمني الذي توصل له الجانبان. لكن هناك مخاوف عسكرية أمريكية وعراقية بشأن حدوث فراغ أمني بعد انسحاب تلك القوات.

ويتضمن برنامج زيارة الوزير الأمريكي محادثات مع المسؤولين العراقيين ولقاءات بالقوات والقادة العسكريين الأمريكيين هناك، بمن فيهم الجنرال لويد اوستن أكبر قائد عسكري أمريكي في العراق.

ويعد بانيتا آخر مسؤول عسكري أمريكي رفيع يصل العراق خلال الأشهر القليلة الماضية لاقناع القادة العراقيين بأهمية بقاء وحدات من الجنود الأمريكيين في العراق.

وكان بانيتا القادم لتوه من أفغانستان قد أدلى بتعليقات متفائلة أمام الكونجرس الشهر الماضي قال فيها ان الحكومة العراقية قد تطلب في نهاية المطاف بقاء بعض القوات الامريكية بعد نهاية عام 2011. لكنه التزم الحذر في تصريحاته للصحفيين في أفغانستان قبل مغادرته الى العراق.

وردا على سؤال عما اذا كان سيشجع العراق على طلب بقاء بعض القوات الامريكية قال بانيتا "سوف أشجعهم على اتخاذ قرار كي نعلم الى أين نمضي."

ويقول مسؤولون أمريكيون ان الوقت يضيق وأنه كلما طال انتظار العراقيين كان من الصعب على الولايات المتحدة الموافقة على الطلب. وقال مسؤول دفاعي أمريكي رفيع للصحفيين طلب عدم نشر اسمه "في الحقيقة لا شيء مستحيل تماما. لكن الامور تصبح أكثر كلفة وأكثر خطورة" كلما اقتربت نهاية العام. وأضاف المسؤول "قد يطلبون ذلك من الجنرال أوستن كاخر عسكري (أمريكي) في العراق منتصف ليلة 31 ديسمبر لكن سيكون صعبا للغاية بالنسبة لنا أن نوافق" في اشارة الى الجنرال لويد أوستن قائد القوات الامريكية في العراق.

وتمثل هذه المسألة قضية شائكة لحكومة رئيس الوزراء العراقي الائتلافية نوري المالكي التي يقودها الشيعة. وكانت كتلة رئيسية على الاقل في ائتلاف المالكي الهش وهي كتلة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر قد عارضت صراحة استمرار الوجود العسكري الامريكي. وهددت الكتلة الصدرية بتصعيد الاحتجاجات حتى "المقاومة المسلحة" في حالة بقاء القوات الامريكية.

وهناك قضية سياسية أخرى تزعج واشنطن تتمثل في عجز بغداد حتى الان عن تعيين وزير للدفاع وهي قضية قال بانيتا انه سيثيرها في محادثاته مع المالكي.

وانحسر العنف في العراق بشدة منذ أن بلغ ذروته في اقتتال طائفي عامي 2006 و 2007 لكن الامن مازال هشا. وكان شهر يونيو حزيران أشد الشهور دموية للقوات الامريكية في العراق منذ عام 2008 حيث قتل 15 جنديا طبقا لاحصائية أعدها الجيش الامريكي.

ومعظم هؤلاء القتلى سقطوا نتيجة استخدام صواريخ أو قذائف مورتر ايرانية الصنع وقال بانيتا انه سيطالب العراق ببذل مزيد من الجهود لتعقب هؤلاء المهاجمين.

وقال "أود أن يبذل العراق مزيدا من الجهد في تعقب أولئك المتطرفين الذين يستخدمون هذه (الاسلحة"). واضاف ان العراقيين "عليهم مسؤولية الحماية من مثل هذا النوع من الهجمات".

الوقت قصير

من جانبه قال البيت الابيض إن امام العراق القليل من الوقت لتقديم طلب لبقاء القوات الامريكية في البلاد بعد نهاية العام الحال يوشك ان ينفد. وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض للصحفيين "اننا ننتظر... لنرى هل ستقدم الحكومة العراقية طلبا الينا. ذلك لم يحدث. نحن الان في يوليو." واضاف ان القوات الامريكية تمضي قدما في استعداداتها لمغادرة العراق بحلول الحادي والثلاثين من ديسمبر كانون الاول وفقا لاتفاقية امنية ثنائية ما لم تطلب الحكومة في القريب العاجل بقاء القوات.

الى ذلك يعتزم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة العراق قريبا لوضع ترتيبات انسحاب القوات الأميركية من العراق. ونقلت صحيفة "الصباح" العراقية عن النائب عباس البياتي عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان قوله إن "زيارة بايدن إلى العراق تأتي وفقا لثلاثة معطيات رئيسة وهي قرب انتهاء تواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية وتفقد هذه القوات ومعرفة استعدادها للانسحاب والمستلزمات الضرورية لذلك".

وتابع بالقول: "والأمر الثاني إجراء اللقاءات مع الحكومة وأطراف العملية السياسية وتعزيز التعاون بين البلدين وتقريب وجهات النظر خاصة في ما يتعلق بالقضايا التي تحتاج إلى مساع من هذا القبيل". بحسب الوكالة الالمانية للانباء.

وأضاف أن "الأمر الثالث يتعلق باتفاقية الإطار الإستراتيجي حيث انه مع نهاية العام ستنتهي الاتفاقية الأمنية وستنفذ بالكامل وننتقل إلى تنفيذ الاتفاقية الإستراتيجية وهي العلاقة الإطارية البعيدة المدى مع الولايات المتحدة القائمة على أساس التعاون والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل ويهمنا جدا أن ينفذ الجانب الإستراتيجي من الاتفاقية الذي يعنى بالجانب الاقتصادي والسياسي والتجاري والدبلوماسي".

وأكد البياتي"نحن لن نفرط بالعلاقة مع دولة كبرى مثل الولايات المتحدة التي لها تأثير في كل معادلات المنطقة لكن العلاقة العسكرية والأمنية ستنتهي نهاية هذا العام وننتقل بعدها إلى العلاقة المدنية التي نريدها أن تكون متطورة وعميقة وراسخة بين البلدين".

خطة بين الخارجية العراقية وسفارة واشنطن

في السياق ذاته قال قيادي في 'القائمة العراقية'، التي يتزعمها اياد علاوي، إنه هناك انباء عن خطة بين وزارة الخارجية العراقية وسفارة واشنطن بتوجيه من الحكومة العراقية تقضي بتمديد بقاء القوات الأميركية في العراق حتى نهاية العام 2016.

ورجح مستشار القائمة هاني عاشور، في بيان له ان توقع الحكومة هذه الخطه من دون اطلاع البرلمان والشعب العراقي على تفاصيلها، ودون ان يكشف رئيس الوزراء نوري المالكي عن حقيقة مدى جاهزية القوات العراقية.

ودعا عاشور في بيان الحكومة إلى الكشف عن حقيقية تلك الخطة، وأن 'لا تكون هناك مناورة على مستقبل العراق وسيادته دون علم شعبه'، لافتا الى ان من شان ذلك ان يزيد الفجوة بين الشعب والحكومه، كما انه لن يؤدي إلى الاستقرار في البلاد.

وشدد على إن أي قرار تتخذه شخصيات حكومية لتمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق سيجعلها في مأزق أمام الشعب، لأنها ستكون قد استهانت بالعراقيين وقررت ما ليس من حقها، وأنكرت عليهم حقوقهم في التعبير عن سيادتهم والمطالبة بأي تعويض عن الاضرار التي تعرضوا لها خلال السنوات الماضية. بحسب يونايتد برس.

وطالب عاشور الحكومة بإعلان موقف رسمي تقوم بإحالته للبرلمان بشأن تمديد بقاء القوات الأمريكية من عدمه، 'وعدم ترك العراقيين في ضباب التساؤلات والحيرة'.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تموز/2011 - 10/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م