كاريزما السيارات الحديثة... عنوان للجاه والاحترام!

عصام حاكم

 

شبكة النبأ: يحدثني الكثير من الأصدقاء مرارا وتكرارا وفي أكثر من محفل ومورد عن سر تأخري وعدم ركوبي موجة الانفتاح الاقتصادي التي أعقبت دخول القوات الأمريكية الى العراق وان من ألوان ذلك الانفراج هو امتلاك سيارة حديثة نوع 2011 او 2012 وان قيمة المركبة حسب ما يدعي هؤلاء تعادل من يصعد خلق مقودها وهذا مما حفزني بصورة تلقائية الى إسقاط كل النظريات المحتشمة والعقلانية والنزول عند رغبة الجمهور والاستماع الى أرائهم بكل عناية وتركيز لان الكثرة كما يقولون تغلب الشجاعة وتهدم الأفكار الصحيحة وتصيبها بجنون السيارات الفارهة والمبردة.

فيرى ابو شيماء ان ألوان التمايز الطبقي وأحوال النظرة الضيقة التي تسود الشارع العراقي اليوم أبعاد تلك الظاهرة غير جديد على الواقع العراقي، فيقول، أنها ذات صبغة جديدة وهي تضمر في داخلها نوازع التجني على المبادئ والقيم والمثل العليا ويصبح الرهان الحقيقي على الكماليات الشكلية والمردودات المالية!

ويضيف ابو شيماء، هذا بطبيعة الحال له أضرارا سلبية وانعكاسات اجرامية لا حدود لها، حيث يجيز المجتمع للفرد الثراء والكسب غير المشروع تحت وصاية التقييم غير الموضوعي.

ويكمل: وعندها يصبح قائد المركبة التي تحمل تسميات عراقية خالصة مثل الجمرة والهمر وأوباما والخفاش هو سيد الموقف، وحتى الوان السيارات واشكالها الداخلية والخارجية لها حصة لا باس من مسار وعناوين المفاضلة والتقدير بنزعته الجديدة.

اما ابو زيد فيقول، على هذا الاساس تتضح الصورة بان ليست هناك ثمة غرابة ان يقع الرهان على السيارة بأعتبرها عنوان أساسي لتقييم الناس وتصنف مقاماتهم ودرجاتهم الحياتية على مستوى المجتمع وتجملهم في أعين الناس ومن ينظرون اليهم.

ويتابع، هذا مما فعل من دورة الاستيراد وجعل الناس يتسابقون ويتنافسون من اجل اقتناء اغلى السيارات وافخرها واحدثها صنعا وماركة، وذلك كي يضمن لنفسه مستويات عليا من الاحترام والتقدير وان يصنف في عداد الاغنياء وليس الفقراء لان الفقر عار ومذمه في مثل هكذا مجتمعات.

اما عباس المالكي فتحدث قائلا، للاسف تقييم الناس على أساس ما يلبسون، وما يقتنون وما يمتلكون من أموال واشياء ثمينة، ومهمة سلوك بشري قديم. ولكن لو كنا أكثر دقة، فهذا السلوك يتمادى في المجتمعات المادية، وحين يقل الاهتمام بالمعنويات، وأغلب الظن أن المجتمعات تتحول الى مجتمعات مادية حين تمر بظروف اقتصادية قاسية ينتعش بعدها اقتصادها وينمو ثراؤها، حيث تصبح شرهة في حب المال والثروة والجاه.

ويتساءل المالكي عن سلامة ذلك السلوك، فالمادة شيء أو أشياء منفصلة عن الإنسان، والمعنى والقيمة تنمو بداخله، بمعنى أن السيارة الحديثة وربطة العنق المتناسقة مع البدلة الجديدة قشور تستر جسدا لا يختلف عن الأجساد الأخرى. لكن ما يستبطن الروح من قيم وما يعتمر في القلب من إنسانية، هو ما يميز الناس عن سواهم، وهذا هو المهم.

ويختم عباس كلامه: ليس المهم كم نملك من المال، إذا كان هذا المال سببا للتعالي على الآخرين، بل أعتقد أن المهم كم نملك من القيم والإنسانية التي يمكن أن توازن في دواخلنا بين الروح والمادة.

أظن هناك من سيقول أن هذا تنظير لا اكثر، وأقول دعونا نلتفت حولنا لنرى كيف باتت المادة تعبث بأخلاقنا وبعلاقتنا ببعضنا حين اصبحت هي المقياس الذي نقيس على اساسه نقطة قربنا أو بعدنا من الآخرين.

ابو علاء من الاشخاص الذين لا يمتلكون من حطام الدنيا شيء حسب قوله، سوى راتبه التقاعدي الا انه اديب ومفكر وله نظريات ما انزل الله بها من سلطان بحكم تجرده عن روح المجاملة ووضع الشىء في موضعه وهو صاحب دعابة لاذعة فيقول، للسيارات مقامات وعناوين ومسميات واسماء وهي تختلف باختلاف الماركات والموديلات والمناشىء العالمية.

ويتابع ابو علاء قائلا: ولها خصوصيات خاصة تتغير بتغير قيمة ونوع ولون هذه السيارة او تلك وكل تلك المزايا لها انعكاسات مباشرة على صاحب السيارة وتعطيه حرية التبختر والتطاول والنظر الى الناس من فوقيه وتميزه عن من سواه تبعا للمنطوق الظاهري للتفاضل وربما يذكرني هذا الموقف بالبيت الشعري الذي ينسب للامام علي حينما يقول.

 تغطي عيوب المرء كثرة ماله يصدق فيما قال وهو كذب... ويزري بعقل المرء قلة ماله يحمقه الاقوام وهو لبيب.

حسن عداي مدرس وهو يرفض جملة وتفصيلا مبدأ الشعور بالحساسية وان التباين سمة موجودة على الأرض منذ قيام الساعة ويعتبر وجود السيارات الحديثة والفارهة دليل عافية ورمز للنمو الاقتصادي.

 ويضيف أيضا: فعندما يتابع الزائر للعراق وجود سيارات في الشارع قيمتها عشرات الآلاف من الدولارات لهو صمام أمان لوجود الأمن وتعافي القدرة الشرائية للمواطن العراقي الذي كان يتحسر والى وقت قريب على سيارة السوبر إنتاج 1982 الا ان هذا لا يعني قطعا بان المسالة ليست لها اثار سلبية وهي سلاح ذو حدين على ما اعتقد لاسيما وهي تحفز النفوس الضعيفة على السرقة واستغلال المنصب من اجل اقتناء مثل هذه السيارة كي يضمن توجده على لائحة المحسودين ومن ينظر اليه برقه وشفافية وان يكون سجله ناصع بنصاعة ووضوح لون سيارته التي تحمل شهادة 2012.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/تموز/2011 - 8/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م