العراق والاتفاقية الأمنية الجديدة... جمود سياسي يؤجل التصويت

شبكة النبأ: مع اقتراب الموعد النهائي لانسحاب الجيش الأمريكي من العراق في كانون الأول/ديسمبر 2011، ينتاب المراقبون حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كان يمكن كسر الجمود الحالي في الحياة السياسية العراقية، حتى وإن كان ذلك بصفة مؤقتة، من أجل تسهيل إجراء تصويت برلماني على اتفاقية أمنية جديدة بين الولايات المتحدة والعراق.

يقول أحمد علي زميل أبحاث مارسيا روبنز ولف في معهد واشنطن لدرسات الشرق الادنى، في جميع الاحتمالات، سوف ينتظر رئيس الوزراء نوري المالكي حتى يتم تعزيز موقفه، على افتراض أنه سيتمكن حينها من تأمين إجماع تشريعي واسع النطاق على ذلك الإجراء.

تنفيذ غير كامل لاتفاقية أربيل

ويتابع احمد علي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2010، قرر "ائتلاف دولة القانون" برئاسة المالكي، وتكتل "العراقية" برئاسة أياد علاوي، وجماعات أخرى تشكيل حكومة في أعقاب التوسط بينهم في اتفاق جرى في أربيل تحت رعاية رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني. ورغم عدم الإعلان عن النص الرسمي لمواد الاتفاقية التسعة، إلا أن بعض التفاصيل قد تسربت. على سبيل المثال، دعت المواد إلى ما يلي:

• تشكيل حكومة شراكة وطنية؛

• إنشاء منصب جديد ("رئيس "المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية") برئاسة علاوي؛

• تعديل قوانين اجتثاث البعث التي منعت من بعض الأفراد شغل مناصب سياسية؛

• صياغة اللوائح الداخلية لمجلس الوزراء؛

• الموازنة بين التركيب العرقي والفئوي للحكومة؛ و

• تخصيص السيطرة على وزارة الدفاع لـ "حركة الوفاق" التابعة لعلاوي، وهي جزء من [القائمة] "العراقية".

ويضيف، قد كان الهدف المتزامن من هذه النصوص هو الحد من صلاحيات رئيس الوزراء وإرضاء خصوم المالكي، وعلى رأسهم علاوي، الذي فاز تكتله بغالبية المقاعد والأصوات في الانتخابات الوطنية التي جرت في آذار/مارس 2010.

وقد تم تطبيق بعض المواد، بما في ذلك إلغاء أمر اجتثاث البعث الصادر ضد صالح المطلق، الذي عُين لاحقاً نائباً لرئيس الوزراء. لكن منصب "رئيس المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية"، والذي تم تصوره ليكون مرجعية لضبط الصلاحيات المتزايدة للمالكي، لم يتم تشكيله بعد. وفي ظل قيادة علاوي، كان من المفترض أن يضم المجلس رئيس الوزراء، ونوابه، ورئيس الجمهورية، ونواب الرئيس، والسلطات القضائية وقادة التكتلات السياسية الرئيسية. وتسعى "العراقية" حالياً إلى تعزيز شرعية تلك المادة من خلال الدعوة إلى تصويت برلماني حول تشكيل المجلس. ومع ذلك، يريد "ائتلاف دولة القانون" أن يكون "المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية" ضعيفاً، مدعياً أن وجود مجلس قوي سوف يكون بمثابة حكومة ظل تنتهك الدستور. وعلى أي حال، فقد أدى التأخير إلى قيام علاوي بالإشارة إلى أنه لم يعد مهتماً برئاسة الهيئة.

ويرى احمد علي، كما لم يتم أيضاً تنفيذ المادة المتعلقة بالسيطرة على وزارة الدفاع. إذ تصر القائمة "العراقية" على أن يتسلم الوزارة أحد مرشحيها، وأن يتم السماح لعلاوي بتعيين شخص مقرب له. إلا أن المالكي رفض حتى الآن قبول ذلك التفسير، مشيراً إلى أنه لا يتعين بالضرورة إدارة الوزارة من قبل أحد مرشحي "العراقية"، بل من قبل شخص من السنة العرب. وبناءً على ذلك، فقد طرح اسمين من قبله.

ويشير، إن أحد مرشحي المالكي هو وزير الدفاع الأسبق سعدون الدليمي. والشخص الآخر - خالد العبيدي - هو مقرب من حزب نائب رئيس الوزراء صالح المطلق ومن المرجح أنه قد تم تقديمه في محاولة لإحداث انقسام في صفوف القائمة "العراقية". وينبع موقف المالكي من حقيقة أن وزارة الدفاع لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في توفير الأمن الداخلي، وسوف يشكل وجود وزير دفاع قوي تابع لعلاوي تهديداً على سلطته. وفي الوقت الحاضر، يشغل المالكي كلاً من منصبي وزير الدفاع والداخلية بالنيابة.

المالكي يعتقد أن الوقت في جانبه

ويرى احمد علي، إن الأزمات السياسية ليست أمراً جديداً بالنسبة للعراق. فقد أصبحت السياسة الخطرة التي تدفع الوضع إلى حافة كارثة، سمة رئيسية في سياسات البلاد منذ عام 2003. وتأتي الأزمة الأخيرة في الوقت الذي يكون فيه المالكي في وضع جيد لكي يصمد أمام خصومه السياسيين أو يتفوق عليهم.

وعلى الرغم من أن لديه بعض المخاوف بشأن "العراقية"، بيد يركز المالكي بصورة أكثر على المنافسين الداخليين. ويشمل ذلك مؤيديه من الصدريين - وعلى الرغم من أنهم يتمتعون حالياً بعلاقات جيدة مع المالكي، إلا أنهم قد يسببون له متاعب فيما إذا تم إجراء أي مفاوضات بشأن اتفاقية أمنية جديدة بين الولايات المتحدة والعراق. إن ذلك قد يُفسِّر السبب الذي سُمح بموجبه للصدريين بالاستعراض في بغداد في 26 أيار/مايو رغم مخاوف المالكي المتزايدة والتي في غير محلها بشأن التهديد الذي تشكله احتجاجات الشوارع. كما يرسل رئيس الوزراء إشارات تنم عن حسن النية تجاه الأكراد العراقيين، مثل تقديم مدفوعات مقابل صادرات النفط لضمان دعمهم المستقبلي. وعموماً، يعتمد المالكي على عدم قدرة خصومه على تشكيل جبهة موحدة.

وبالنظر إلى هذه الجهود التصالحية، يبدو المالكي واثقاً من أن حكومته لن تسقط. إن تجميع 163 صوتاً من الأصوات البرلمانية اللازمة لحل البرلمان سيستغرق وقتاً طويلاً، شأنها شأن أي جهد لحل البرلمان نفسه والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة (وهو الأمر الذي سيتطلب أغلبية الثلثين أو 217 صوتاً). وعلاوة على ذلك، يُدرك المالكي أن العديد من قادة "العراقية" لا يميلون إلى ترك مناصبهم في الحكومة. وبمعنى آخر، هو يراهن على أنهم لن يدعموا علاوي إذا ما دعا أعضاء حزبه إلى الانسحاب من الحكومة.

كما أن جهود الوساطة بين "ائتلاف دولة القانون" و"العراقية" قد ضاعفت من تعقيد الأزمة والوصول إلى طريق مسدود. فمبادرة الوساطة بقيادة رئيس الجمهورية جلال طالباني ربما تفضل المالكي نظراً للعلاقة الوثيقة بين الزعيمين فضلاً عن غياب المشاركة المباشرة من قبل بارزاني. ومع ذلك فإن الصدريين قدموا أنفسهم كوسطاء من خلال عرض مبادرتهم الخاصة. وفي النهاية، يبدو أن المالكي و"ائتلاف دولة القانون" قد خلصوا إلى أنه ليس لديهم أسباب قوية للسعي إلى التعاون مع علاوي: فكلما اتخذوا موقفاً متشدداً، يرد علاوي برفضه المشاركة، وهو ما يعد مقبولاً من جانب "ائتلاف دولة القانون" بالنظر إلى الوضع الحالي للتكتل. وقد دلّل على هذه الدينامية غياب علاوي من اجتماع الوساطة الأول مع طالباني.

ورغم أن المالكي قلق جداً من حدوث انشقاق في البرلمان وداخل حكومته، إلا أنه يرى أن احتجاجات الشوارع تشكل التهديد الرئيسي - ومن ثم جاءت تعبئته للعناصر القبلية المعروفة باسم "مجالس الإسناد" للتأكيد على شعبيته ومواجهة المظاهرات المعادية. وهو يرى حالياً أنه قد نجا من العاصفة من خلال توفير البنزين المجاني لمولدات الكهرباء الخاصة في الأحياء. إلا أن رده على المظاهرات يثير تساؤلات حول التزامه بحقوق الإنسان وحرية التجمع.

تداعيات على السياسة الأمريكية

ويشير احمد علي في تحليله، يبدو أن المالكي يتفوق على علاوي - فهو ليس في عجلة من أمره ومن المرجح أن تستغرق عملية إرهاق خصومه حتى أواخر الخريف. وفي الوقت المناسب، من المرجح أن يولي اهتمامه إلى منافسيه الشيعة العراقيين مع السعي إلى الاحتفاظ بالدعم الأمريكي كعامل موازنة ضد النفوذ الإيراني.

والآن ينبغي على واشنطن أن لا تتوقع من المالكي أن يتحرك بسرعة نحو التوصل إلى اتفاقية أمنية جديدة. فقد وافق البرلمان على الاتفاقية الحالية بأغلبية بسيطة في عام 2008، ويمكن نظرياً الموافقة على اتفاقية جديدة من خلال الحصول على 163 صوتاً. بيد أشار المالكي إلى أنه يجب السماح بتشكيل توافق سياسي واسع النطاق قبل أن يُطلب من البرلمان إجراء التصويت. وسوف يتطلب ذلك دعماً نشطاً من "ائتلاف دولة القانون" والأحزاب الكردية والقائمة "العراقية".

وإذا كُتب لهذا الإجماع أن يتشكل، فمن المرجح أن يحدث في اللحظة الممكنة الأخيرة، وفقط في حالة قيام رئيس الوزراء بتشكيل مجموعة أقوى من التحالفات التكتيكية مع عناصر "العراقية". ورغم أن السياسات المائعة داخل العراق لا تزال تشكل تهديداً على البقاء السياسي للمالكي، إلا أنه يشعر حالياً بأنه بعيد المنال.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/تموز/2011 - 30/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م