لماذا يستهين السياسيون بظاهرة الفساد؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: القربة المثقوبة لا تمتلئ، قانون لا احد يستطيع أن يجادل في صحته، فهل قربتنا مثقوبة فعلا، أعني نحن العر اقيين، هل أننا نعاني من ثقوب في التجربة السياسية التي لاتزال تحبو!؟ هذا السؤال متداول ومسموع بصيغ متعددة، لا احد يستطيع أن ينكر تلكؤ التجربة، ولكن.... أن نسمح بتكاثر الثقوب في القربة بدلا من معالجتها.. هذا هو الامر المخيف، بل والمرعب حقا.

ثقب الفساد في العراق توّسع كثيرا، وتعددت الثقوب أمام مرأى السياسيين، بعضهم يتحرك بإخلاص لمعالجة هذه الثقوب، وبعضهم يتحرك من دون اخلاص، أي لذر الرماد في العيون، وبعضهم يغض الطرف، وآخرون يتغاضون وكأن الأمر لايعنيهم، بل كأن الامر يحدث في دولة اخرى، مع ان هؤلاء سياسيين محسوبين على العملية السياسية، بعضهم وزراء، وآخرون نواب تحت قبة البرلمان، ومنهم من يصرّح بقيادته للبلد نحو مرافئ التقدم والازدهار، وهكذا نصل الى حالة مؤسفة، بل وغريبة تتلبس بعض السياسيين، وهي حالة الاستهانة بالفساد الذي ينخر بالجسد والروح العراقية، من دون أن يتحرك المعنيون بجدية واخلاص لمعالجة الحالة، أملا بتنامي التجربة وسيرها في المسارات الصحيحة التي تحفظ للعراقيين حقوقهم المهدورة عبر التأريخ، من لدن حكامهم وحكوماتهم المتعاقبة على سرقتهم وتكمييم افواهم وتدمير حاضرهم ومستقبلهم معا.

لم يعد الصمت يرضي أحدا بعد الآن، البلد يترهل، ويكاد أن يتلاشى كالجسد السقيم، القيم أيضا تتلاشى تحت ضربات معاول الفساد، الاخلاق والاعراف والخير والجمال كلها تتهمش، تحت سطوة الفساد المرعبة، في وقت يلهو السياسيون بمسائل أخرى، ويتلهّى آخرون في حماية وتنمية المصالح الفردية، ويتغاضى آخرون عن الخطر الماحق الذي يحيق بالبلد.

بين آونة واخرى تتفجر قنبلة فساد كبيرة، ترعب الجميع إلا القادة ومن يهمهم الامر، فنادرا ما تراهم يتصدون بمسؤولية لتلك القنابل المتتالية من الفساد، وحين يحدث مثل هذا التصدي، فإنه سرعان ما يتضاءل ويخفت بعد حين، قبل أن يعرف الشعب نتيجة للتصدي، خاصة تشكيل اللجان التحقيقية التي تبقى نتائجها طي الكتمان اذا كانت قد وصلت الى نتائج أصلا!!.

أربعون مليار دولار سقطت سهوا من اموال العراقيين!!، لا احد يعرف أين ذهب وما هو مجراها؟، وأية جيوب وحسابات شخصية امتلأت بها؟!، اربعون مليار دولار سُرقت من افواه العراقيين الفقراء، وخُطِفَتْ من سلّتهم التموينة، ومن أدويتهم المفقودة، ومن رفاهيتهم الضائعة، ومن كهربائهم الشحيحة المظلمة والظالمة في آن.

فهذا رئيس مجلس النواب النجيفي يقف بطول قامته ويعلن بأعلى صوته لوسائل الاعلام عن فقدان اربعين مليار دولار، اذ صرح في مارس الماضي عن  تشكيل لجنة نيابية لمتابعة اختفاء اربعين مليار دولار لم تدرجها  الحكومة ضمن تقريرها المالي. واضاف النجيفي في تصريحات صحفية "شكلنا  لجنتين تحقيقيتين حول مبلغ غائب يقرب من أربعين مليار دولار، سحب من صندوق  التنمية العراقي ولا نعرف أين ذهب"، وأضاف أيضا "لا توجد حسابات ختامية حتى الآن  تبين بدقة مصير هذه الأموال".

فيما كشف رئيس ديوان الرقابة المالية عبد الباسط تركي خلال استضافته في جلسة البرلمان في 18 نيسان الماضي، عن هدر أكثر من سبعة عشر مليار دولار من أموال العراق خلال إدارة الحاكم المدني الأميركي السابق بول بريمر.

ولسنا بحاجة الى التذكير بملفات النزاهة المؤجلة او المعلن عنها، ومنها على سبيل المثال قضية زيت الطعام الفاسد، وقضية الشاي المسرطن، وقد تطول القائمة، فيما تكون الاستهانة هي المصدّ الوحيد، اذا استثنينا بعض المحاولات التي لم تجد نفعا مع الفساد حتى الآن.

إن هذه الاموال عراقية قطعا، وهي تعود الى الفقراء قبل الاغنياء، ولهذا فإن الحكومات العراقية التي تعاقبت على الحكم بعد 2003 مسؤولة عن هذه الاموال، ومعنية باعتقال كل من تجاوز على موارد الشعب، ولن يلغي التقادم الزمني هذه المسؤولية، او القصاص ممن مدّ يده وسرق المال العام، وهذه مهمة الحكومة الحالية بالتعاون مع البرلمان والجهات الرسمية الاخرى.

أما منهج غض الطرف والتغاضي والاستهانة بالفساد فهو مرفوض قطعا، ولا احد يقبل به من عموم الشعب، واذا كان بعض الساسة لا يعتبرون بدروس الماضي والحاضر، ويواصلون استهانتهم بالفساد والتجاوز على حقوق الناس، فهذه ليست مشكلة الشعب، بل مشكلة كل من يتصدر المسؤولية ولا يعطيها حقها، كما يحدث الآن حيال عمليات الفساد التي ارهقت العراقيين، ولا تزال تحاول بل تستميت في تدمير الشرعية والقانون والبلد برمته.

لذا فإن كل من يطلق على نفسه سياسيا مشتغلا في السياسة، ويعد نفسه فردا مشتركا بادارة البلد سياسيا، هو مسؤول عن كشف الفساد وفضح كل من يقف وراءه، وكلما كان المنصب السياسيي أعلى من غيره، كلما تضاعفت المسؤؤولية أمام الشعب.

وليعرف السياسون وغيرهم من المتورطين بالتجاوز على المال العام، أن الاستهانة بالفساد قادت قبلهم حكاما وساسيين الى الفضيحة، والخلع، والهروب من قبضة العدالة، فكل حاكم يتعامى عن كشف الفساد واصحابه، سيجد نفسه آجلا أم عاجلا شريكا مع من يقترف هذه الافعال الشائنة، وبالتالي سيأتي اليوم الذي يقف فيه أمام العدالة لينال جزاءه العادل، حيال تراخيه او تغاضيه او تعاونه مع الفاسدين والمفسدين.

تُرى هل سيرعوي هؤلاء، وهل سيقف ساسة عراقيون أخيارا، ندا قويا بوجه الفساد وصنّاعه؟ والاهم من هذا كله.. هل سيأتي اليوم الذي نرى فيه قربة العراقيين خالية من ثقوب الفساد؟! هذا ما ينتظره الشعب من عموم السياسيين والمعنيين جميعا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/تموز/2011 - 30/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م