ربيع العرب والاقتصاد المتعثر... الحاجة الى ثورة جديدة

شبكة النبأ: لكي تكتمل صورة الثورات العربية التي استطاعت ان تقلب الطاولة على رؤوس المفسدين من الحكام العرب، لابد ان ترافقها ثورة من نوع اخر، ثورة لا عنف فيها ولا قتل ولا ترهيب، بل هي ثورة تخطيط ودراسة وعمل حيث يكون تطوير الاقتصاد هدفها الاساسي وغايتها المنشودة وذلك من خلال تحديث النظام الاقتصادي للدول المحررة سياسي، والبحث عن طرق الاستثمار الناجح بعد القضاء على الفساد المالي والإداري الذي نخر اقتصادها المتداعي، وامتصاص التضخم والعجز والبطالة بقيام ثورة اقتصادية لا تقل في نتائجها ومكاسبها عن الثورة التي غيرت رموز النظام السياسي، ويبدو ان الشارع العربي بدء يتململ من تواضع الخطوات التي تقوم بها الحكومات المؤقته وتخبطها الغير مدروس وعاد الى الشارع ليعطي تحذيراً شديد اللهجة بأن الحكام القادمون عليهم الاستعداد جيداً للقيام بأنفسهم بثورة اقتصادية عملاقة.

رأس المال المصري

فقد حذرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، من أن المشكلة الأكبر التى تهدد اقتصاد مصر فى فترة ما بعد الثورة تتمثل فى هروب رأس المال إلى خارج البلاد، وتحديداً إلى زيورخ أو لندن، فى ظل شكوى رجال الأعمال من أن الظروف الراهنة لا تسمح لهم بالعمل الآمن، وفى التقرير الذى نشرته المجلة عن مدى تأثر الاقتصاد المصرى بالثورة، قالت إن الأزمة التى أدت إلى إندلاع الثورات العربية لها أصول اقتصادية، فقد نزل الشباب للاحتجاج فى الشوارع بسبب ارتفاع أسعار الغذاء وزيادة معدلات البطالة والفساد الذى سيطر على الحياة الاقتصادية فى المنطقة، ولما كان ارتفاع أسعار الغذاء ظاهرة عالمية فى العامين الأخيرين، فإن أساس الثورة كان الارتفاع الشديد فى معدلات البطالة بين الشباب العربى واستيائهم من الدولة الطفيلية، ففى العام الماضى، كان 90% من العاطلين فى مصر من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 24، فى حين كانت معدلات البطالة فى تونس بين خريجى الجامعات والمدارس الثانوية 24% وهى نسبة أعلى بكثير من المعدلات الرسمية، وبالنسبة لبعض البلدان فى المنطقة، فإن الثورة قد أدت إلى مكاسب اقتصادية مفاجئة فى شكل ارتفاع حاد فى أسعاد النفط، ومن ثم استفادت دول مجلس التعاون الخليجى بما يكفى من بيع ما يملكونه من الذهب الأسود من أجل جعل شعوبهم تلتزم الصمت، على الرغم من أن النفط وحده ليس ضماناً بالاستقرار كما اتضح فى ليبيا.

وفى أماكن أخرى، كانت التداعيات الاقتصادية لموجة الثورة العربية سلبية تمام، ففى تقرير نشر مؤخراً، توقع معهد التمويل الدولى أن يتراجع النمو فى مصر والأردن ولبنان والمغرب وسوريا وتونس من 4.4% فى عام 2010 إلى 0.5% هذا العام، وسينكمش اقتصاد مصر بنسبة 2.5% واليمن بنسبة 4%، وهذا يرجع إلى حد ما، كما تقول المجلة، إلى أن الثورات نفسها سببت ضرراً وعرقلة للعمل، حيث قُدرت الخسائر الاقتصادية لثورة 25 يناير بحوالى 1.7 مليار دولار بحسب أرقام مركز التعبئة العامة والإحصاء، هذا إلى جانب الخسائر اللاحقة فى عائدات التصدير والسياحة، وعودة العاملين الفارين من الحرب فى ليبي، وتستطرد نيوزويك قائلة، لكن القضية الأكبر فى مصر تتمثل فى هروب رأس المال، حيث يشكو رجال الأعمال المصريين من ارتفاع معدلات الجريمة فى المدن وصعوبة تنفيذ المعاملات العادية، وفوق كل ذلك حالة عدم اليقين السياسى، ولا يثق الأثرياء العرب فى هذه الثورة، فمنذ يناير الماضى، سارع الأثرياء لإخراج أموالهم إلى ملاذ آمن فوصل بعضها إلى لندن أو زيورخ فى شكل حقائب مليئة بالنقود، وتراجع احتياطى النقد الأجنبى بمقدار الثلث فى الربع الأول من العام الحالى، فى حين قدرت صحيفة الحياة اللندنية أن 30 مليار دولار تم إخراجها من مصر منذ بداية الربيع العربى.

ورغم المساعدات الاقتصادية لمصر سواء من قبل البنك الدولى أو الولايات المتحدة، إلا أن المستثمرين الأجانب لا يزالوا يتجنبون المنطقة، خاصة وأن البورصة المصرية تراجعت الآن بنسبة 23% عما كانت عليه قبل أن تصل الأزمة لذروته، خلاصة القول، كما تشير الصحيفة، أن الظروف الاقتصادية فى مصر تزداد سوءاً ولا تتحسن نتيجة للربيع العربى، كما أن التضخم زاد عن 12% فى مصر فى الوقت الحالى وارتفعت معدلات البطالة أيض، ولا يوجد ما يثير الدهشة فى ذلك، هذه هى دورة الحياة بالنسبة للثورات، وقد حدث الأمر نفسه بعد الثورة الفرنسية عام 1789 وفى روسيا بعد الثورة البلشيفية 1917، ففى كلتا الثورتين خلف الأنظمة القديمة تراجع فى مستويات المعيشة، وهو ما منح المتطرفين سياسياً الفرصة لشن حربهم الأيدولوجية الأصولية ضد أعدائهم فى الداخل والخارج، وبينما كان هؤلاء المتطرفون هم البلاشفة فى الماضى، فنخشى أن يصبحوا اليوم من الإخوان المسلمين والقاعدة.

الاقتصاد وليس الديمقراطية

في سياق متصل كشف استطلاع أمريكى أن معظم المصريين الذين أيدوا ثورة 25 يناير، نزلوا إلى الشوارع بسبب الوضع الاقتصادى المزري، وليس بسبب توقهم للديمقراطية، كما ألقى الاستطلاع الضوء على آمال المصريين العظيمة المتعلقة بحكومتهم المقبلة، وقال إن ثمانية بين كل عشرة أشخاص أجرى عليهم الاستطلاع، أكدوا أنهم توقعوا أن وضعهم الاقتصادي سيتحسن بحلول العام المقبل، وهذا أمر يمثل تحديًا كبيراً لمن سيتولى رئاسة البلاد، لاسيما مع تراجع السياحة والاستثمار الأجنبي، الذى زاد من هشاشة الاقتصاد، وقالت صحيفة "واشنطن بوست"، الأمريكية، إن هذا الاستطلاع أجراه المعهد الجمهوري الدولى (IRI)، وهو جماعة منادية بالديمقراطية ذات صلة بالحزب الجمهوري، ويعكس مدى التغير الذى اجتاح مصر منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق، حسني مبارك، فى فبراير المنصرم، وأشارت إلى أن الجماعات التى كانت تروج للديمقراطية فى مصر واجهت فيما مضى قيوداً كبيرة على ممارسة أنشطتها فى القاهرة، ويعطى الاستطلاع، لمحة عن مدى الغموض الذى يحيط بالمشهد السياسي الآن فى مصر، وقال سبعة من بين كل عشرة أشخاص إنهم لم يذهبوا قط للتصويت فى الانتخابات الماضية، والتى كان يعتريها التزوير، غير أن تقريبا كل من أجرى عليهم الاستطلاع -95 %- قالوا إنهم سيدلون بأصواتهم فى الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها فى سبتمبر المقبل.

وكان بعض النواب الأمريكيين وبعض الساسة العلمانيين فى مصر قد أعربوا عن قلقهم حيال قدرة جماعة "الإخوان المسلمين" على تحقيق مكاسب شتى فى الانتخابات المقبلة، نظرًا للشعبية التى تحظى بها فى أماكن متفرقة من البلاد، ومع ذلك، قال 65% ممن خضعوا للاستطلاع إنهم لا يملكون أدنى فكرة عن الحزب الذى سيؤيدونه فى سبتمبر المقبل، وقال 15% إن آراءهم السياسية ساهم فى تشكيلها الرموز الدينية، وأبرز أعضاء أسرهم والزعماء العسكريين، ونقلت "واشنطن بوست" عن سكوت ماستيك، مدير المعهد المعني بالشرق الأوسط، قوله إن هذا الاستطلاع سيساعد الأحزاب السياسية المصرية، وجماعات المجتمع المدني وغيرهم على فهم طبيعة المناخ العام، وأظهر الاستطلاع مدى حماسة المصريين حيال الثورة وتنحي مبارك، ولكن ماستيك يرى أنه "أوضح بعض القضايا الواقعية الغائبة عن الاعتبار، مثل الوضع الاقتصادي" واحتلاله المرتبة الأولى فى قائمة أولويات المواطنين، وقال ثلثا المستطلعين إنهم أيدوا حركة مظاهرات يناير وفبراير الماضيين، بسبب عدم رضائهم عن مستويات المعيشة المنخفضة، ونقص فرص العمل، وفى المقابل، اشتكى 19% فقط منهم من غياب الديمقراطية.

مؤسسات امريكية

الى ذلك زار مسؤولون تنفيذيون من شركات جوجل وسيتي جروب وبوينج وشركات أمريكية اخرى القاهرة لاستكشاف فرص للاستثمار في مصر ما بعد مبارك ومطالبة الحكومة الانتقالية بمعالجة المشكلات التي ثبطت همة الاستثمار الاجنبي في الماضي، وقال ليونيل جونسون نائب رئيس شؤون الشرق الاوسط بغرفة التجارة الامريكية قبل بدء الرحلة "نبحث في واقع الامر مجموعة من الاحتمالات لنمو يقوده القطاع الخاص في مجالات مثل السياحة والنقل والبنية التحتية"، وسيجتمع المسؤولون التنفيذيون مع رئيس الوزراء المصري عصام شرف ومسؤولين كبار اخرين ورجال اعمال ومجموعات من المجتمع المدني، وهذا أول وفد تجاري أمريكي يزور مصر منذ ان ارغمت احتجاجات الرئيس حسني مبارك على التخلي عن السلطة في فبراير شباط، وقال جونسون وهو مسؤول سابق بوزارة الخارجية ووزارة الخزانة الامريكيتين ان الوفد التجاري الامريكي يعتزم ايضا اجراء محادثات مع الشباب المصري الذي قادت مطالبه من اجل الحصول على فرص عمل افضل وحرية اكبر في التعبير الى حدوث التغيير الذي شهدته مصر، وأضاف جونسون "الشركات الامريكية كانت منذ وقت طويل محل ترحيب في مصر من قبل الحكومة والشعب، ولكن اعتقد فيما يتعلق بمسألة الحكم فانه لا توجد محاسبة وشفافية"، وقال انه نتيجة لذلك فان "العديد من الشركات لم تكن مستعدة للقيام باستثمارات كانت ستؤدي الى توفير المزيد من فرص العمل وتنشيط الاقتصاد، الان ومع وجود اجواء سياسية جديدة فان المناخ الاقتصادي ربما يكون اكثر انفتاحا وشفاقية ويوفر المزيد من المزايا والفرص لتوفير فرص العمل لمزيد من المصريين"، وتأتي الزيارة في اعقاب تعهد الرئيس الامريكي باراك اوباما في الاونة الاخيرة بدعم مصر في تحولها السياسي من خلال اعفائها من نحو مليار دولار من الديون المستحقة عليها لتحرير الاموال لتوفير وظائف وتنظيم العمل. بحسب رويترز.

بينما قال وزير المالية المصري سمير رضوان ان مصر ستبدأ سداد تمويل من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار بعد ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر، وأبلغ رضوان الصحفيين في القاهرة أن فائدة التمويل ستكون متغيرة وتبدأ من 1.5 بالمئة، وقالت راتنا ساهاي نائب المدير الاقليمي لصندوق النقد ان مجلس ادارة الصندوق سيجتمع للموافقة على خطة التمويل في منتصف يوليو تموز وان الاموال ستتاح في نفس اليوم، وكان صندوق النقد الدولي اتفق على تمويل بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمصر وأشاد بسياسات الحكومة المؤقتة التي تكافح لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بعد انتفاضة شعبية، وتسعى مصر لتدبير التمويل لسد فجوة في ميزان المدفوعات تقدر بعشرة مليارات الى 12 مليار دولار في أعقاب اضطرابات أطاحت بالحكومة السابقة في فبراير شباط، وساهمت حالة الاستياء من اتساع الهوة بين الاغنياء والفقراء في البلد الذي يقطنه 80 مليون نسمة في ايقاد شرارة احتجاجات واسعة النطاق أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير.

مصر ترفض قرض!

على صعيد اخر كشفت وزيرة التخطيط والتعاون الدولى المصرية فايزة أبو النجا، أن القاهرة رفضت قرضا من البنك الدولى بسبب "شروط لا تتناسب مع المصلحة الوطنية"، وقالت أبو النجا "إن الحكومة الحالية لا تخضع لأى شروط من البنك الدولى أو من صندوق النقد الدولى"، مشيرة إلى "أنها تضع المصلحة العليا للبلاد بعد الثورة قبل أي اعتبار آخر"، وأضافت أن "هناك مفاوضات بين وزارة المالية وصندوق النقد لعقد اتفاق لمدة 12 شهرا لم يوقع حتى الآن بسبب بعض الشروط"، من جهة ثانية، كشفت ابو النجا عن منح الحكومة السعودية مصر قرضا يبلغ 200 مليون دولار يخصص للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية كشفت مؤخراً ان حالة من التوجس سائدة في مصر بما يتعلق بالدعم المالي الذي أعلنت أمريكا عن تخصيصه لدعم مصر في المرحلة الانتقالية حيث تحوم الشكوك حول الأهداف الأمريكية وراء هذا الدعم.

ونقلت ان أبو النجا قدمت احتجاجا لدى السفارة الأمريكية في مصر تحذر فيها من انتهاك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للسيادة المصرية، ومحاولتها إملاء شروط معينة على مصر مقابل ما تقدمه، وقالت الصحيفة ان موقف ابو النجا جاء ردا على نشر الوكالة اعلانات في الصحف المصرية تعرض فيها منحا بتكلفة 100 مليون دولار لتمويل مشاريع في مصر وبرنامجا آخر بقيمة 65 مليون دولار يهدف إلى تطوير الديمقراطية في مصر، شاملة الثقافة الانتخابية والأنشطة المدنية وحقوق الإنسان، وذكرت ان ابو النجا اعترضت على قيام الوكالة الأمريكية بتخطي الحكومة المصرية باستدراج العروض مباشرة من الشعب المصري دون الرجوع للمسؤولين المصريين، وقيامها بتنظيم ندوات في مصر لشرح أهداف برامج المساعدة والخطوات اللازمة.

السياحة التونسية

من جهة اعلن مسؤول في القطاع السياحي التونسي الجمعة ان السياحة في تونس تمر بـ"ازمة" غير مسبوقة عقب الثورة التونسية التي اندلعت في كانون الاول/ديسمبر 2010، مع تسجيل تراجع في الحركة السياحية بلغ النصف، وقال حبيب عمار المدير العام للديوان الوطني للسياحة التونسية ان السياحة تمر في اكبر ازمة منذ انطلاقها في تونس، واضاف "سجلنا تراجعا للحركة بنسبة 51%" حتى 10 حزيران/يونيو، "وهو ما يمثل خسارة 554 مليون دينار (403 ملايين دولار)"، وعدد المسؤول التونسي اسباب هذا التراجع وهي حظر التجول والاضطرابات والهجرة غير الشرعية الى جزيرة لامبيدوزا الايطالية، ويمثل القطاع السياحي 7% من اجمالي الناتج القومي التونسي ويؤمن وظائف لنحو 400 الف شخص، وتضاءل حجم السوق الاوروبية بنسبة تفوق النصف (53%) مقابل 41% للسياح الوافدين من دول المغرب خصوصا الليبيين والجزائريين، ولفت عمار الى ان القطاع السياحي شهد ازمتين اخريين في السابق، الازمة الاولى تعود الى مطلع التسعينات عند اندلاع حرب الخليج الثانية، اما الثانية فتعود الى صيف العام 2002 بعد احداث 11 ايلول/سبتمبر والهجوم على كنيس في جربة، واشار الى ان النشاط السياحي تراجع بمعدل الربع (26%) بعد حرب الخليج و13% عام 2002، وتراجعت نسبة الحجوزات لموسم الصيف في تموز/يوليو واب/اغسطس وايلول/سبتمبر الى النصف (52%) مقابل 70% قبل ثلاثة اشهر، ويزور تونس سنويا نحو 7 ملايين سائح من بينهم مليونا ليبي ومليون جزائري.

شيكاً على بياض

من جهة اخرى قال ديفيد لدينجتون وزير اوروبا في الحكومة البريطانية ان الاتحاد الاوروبي يجب ان يوقف المدفوعات لدول الربيع العربي التي لا تنفذ اصلاحا سياسيا واقتصادي، واشار لدينجتون "وهو محافظ في الحكومة الائتلافية في بريطانيا" الى ان الاتحاد الاوروبي كان ينفق ما بين 1.2 مليار و 1.5 مليار يورو سنويا لمساعدة دول في العالم العربي وشمال افريقي، وتسبب الغضب العام في سلسلة من الانتفاضات الشعبية في انحاء العالم العربي مما جعل الدول الاوروبية تبحث كيف تدعم الاصلاح السياسي وتكبح تدفق اللاجئين من الجيران الجنوبيين وتوقف انتشار التشدد الاسلامي، وقال لدينجتون "وجهة نظرنا ان اوروبا ينبغي ان تكون طموحة وسخية في ردها على الربيع العربي لكن هذه اموال دافع الضرائب لدين، ولذلك، صحيح ان نقول ان المال يجب ان يربط بالنتائج". بحسب رويترز.

واضاف "الاموال ينبغي ان توجه الى الدول الملتزمة بجدية بالاصلاح الاقتصادي والسياسي، اذا ظهرت ادلة على التراجع فيجب وقف الاموال"، وتابع "اعتقد ان دافعي الضرائب في انحاء اوروبا لن يتفهموا الشيكات على بياض"، وقال لدينجتون ان اقتراحات الاتحاد الاوروبي ربط المساعدات بالاصلاح الديمقراطي والتي قدمت مؤخراً هي خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح لكن بريطانيا تريد ان ترى المزيد يقدم فيما يتعلق بالدخول الى السوق كحافز، واشار الى ان السوق الاوروبية الموحدة يمكن ان تفتح في نهاية الامر امام دول شمال افريقي، وقال "ربما نتطلع لشيء مشابه للمنطقة الاقتصادية الاوروبية التي بموجبها تكون النرويج جزءا من السوق الاوروبية الموحدة وتطبق كل اللوائح التنظيمية للاتحاد الاوروبي لكنها ليست فعليا عضوا بالاتحاد"،  لكنه اشار الى ان مثل هذا السيناريو ما زال بعيدا.

تهانينا أنت وزير

بدوره يصف جلول عياد الامر بأنه لبى حرفيا نداء الوطن، من ردهة مبنى اداري في لندن بعد ظهر أحد ألايام من شهر يناير كانون الثاني الماضي، وبعد أسبوعين من انتفاضة شعبية في تونس أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي دام 23 عاما جرى ابلاغ عياد وهو مصرفي دمث تلقى تعليمه في الولايات المتحدة ويهوي الموسيقى الكلاسيكية بأنه رشح وزيرا للمالية، حدث هذا وسط ضجيج أحد شوارع لندن عندما كان في طريقه الى قطار الانفاق، وقبل هذه المكالمة كانت اذاعة محلية قد أعلنت تشكيل حكومة جديدة يشغل فيها عياد منصب وزير المالية المهم، وكان عياد قد علم قبلها من مساعد لرئيس الوزراء المؤقت في ذلك الحين محمد الغنوشي أنه سيتلقى اتصالا هاتفيا لكنه توقع أن يطلبوا مشورته لا أكثر، وأبلغ عياد على هامش منتدى في نيويورك "جاءتني المكالمة وأنا أخرج من مكتبي في الطريق الى محطة قطار الانفاق وكانت من رئيس الوزراء، قال لي "تهانين، أنت وزير المالية"، وقال عياد وهو متزوج وله ثلاثة أبناء "قلت حسن، لبيت نداء الواجب، انه نداء الوطن، غدا اذا أصبح نداء حزب من الاحزاب، لا أعرف ماذا سأفعل"، ويحرص عياد (60 عاما) على المحافظة على سمعته كشخصية نزيهة وغير مرتبطة بأي حزب، وقد أمضى 23 عاما "ومن المفارقة أنها نفس فترة حكم بن علي" يعمل لدى "سيتي بنك" قبل أن يعين لدى البنك المغربي للتجارة الخارجية في الخليج ولندن، وقد احتفظ بحقيبته الوزارية في حكومتين انتقاليتين ويقول انه سيظل في منصبه لحين الانتهاء من التعديلات الدستورية على الاقل. بحسب رويترز.

ومع تركيزه على العمل بدلا من الانشغال بالسياسات الحزبية يقول عياد انه يمضي قدما في اعادة هيكلة للوائح وقوانين البنوك في مسعى يهدف الى تنويع موارد الاقتصاد بدلا من الاعتماد التقليدي على السياحة وصادرات السلع ذات القيمة المضافة مثل المنسوجات والمكونات الالكترونية، وقال ان من المتوقع أن تتراجع أعداد السياح الى 3.5 مليون مقارنة مع سبعة ملايين سائح في 2010 عندما بلغت ايرادات القطاع 3.5 مليار دينار (55 ر2 مليار دولار)، وقال "انه هدف استراتيجي، اليوم تسهم التكنولوجيا بنحو 25 بالمئة من المنتجات المصدرة ونريد للنسبة أن ترتفع الى 50 بالمئة"، وبحسب عياد فان 165 ألفا من أصل 700 ألف عاطل عن العمل في تونس هم من حملة المؤهلات العليا وخياراتهم محدودة للوظائف، وقال ان قطاع السياحة التونسي يوظف مليون شخص ويعول ثلاثة ملايين في بلد يبلغ عدد سكانه 10.5 مليون نسمة، وتدفع تونس حاليا اعانة بطالة للمتعلمين بنحو 200 دينار شهريا لمساعدتهم على مواصلة البحث عن عمل مع تطوير برامج للتدريب المهني والتعليم لاكسابهم المهارات.

وفي اجتماع لحكومة رئيس الوزراء المؤقت الباجي قائد السبسي قال عياد انه سيعرض خططا لاقامة "صندوقي استثمار كبيرين" للمساعدة في تنشيط التنمية الاقتصادية، وقال عياد "فوجئت بشدة عندما عدت الى تونس بعد 23 عاما لاجد أننا لا نملك حقا صناديق استثمار ضخمة من هذا النوع"، وسترعى الحكومة أحد الصندوقين والذي سيركز على مشاريع البنية التحتية، أما الصندوق الثاني ويدعى صندوق الاجيال فستموله الحكومة بنحو 2.5 مليار دينار وسيعمل مع القطاع الخاص للاستثمار في تونس، ويتوقع عياد ألا ينمو الاقتصاد بأكثر من واحد بالمئة في 2011 لكنه يستهدف ستة بالمئة في 2012، وكان البنك الدولي قال مؤخراً انه وافق على قرض قيمته 500 مليون دولار للمساعدة في تنشيط الاقتصاد، ومن بين أولويات عياد الاخرى تحقيق قدر من التناغم في النظام الضريبي الذي لا يحمل شركات التصدير الخارجية سوى أعباء محدودة نسبيا بينما يستقطع ما يصل الى 30 بالمئة من الشركات المحلية، وقال "أعتقد أنه يوجد مجال لخفض تلك النسبة وتحسين الالتزام الضريبي بدرجة أكبر بكثير"، وأطلقت الاحتجاجات التونسية التي أطاحت ببن علي موجة "ربيع عربي" من الانتفاضات الشعبية في أنحاء الشرق الاوسط وشمال افريقيا مازالت تعيد تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.

وفي أعقاب بن علي أطيح بالرئيس المصري حسني مبارك في فبراير شباط بعد نحو 30 عاما في السلطة، وتتواصل الاحتجاجات في البحرين وسوريا وليبيا حيث يشن حلف شمال الاطلسي هجمات جوية لحماية المدنيين من قوات الزعيم الليبي معمر القذافي، وقال عياد انه اثر الانتفاضة العنيفة والمواجهات العسكرية في ليبيا الغنية بالنفط التي تقع الى الشرق من تونس عبر نحو نصف مليون شخص الحدود لكن العديد منهم تستضيفهم عائلات أو يقيمون في فنادق أو شقق مؤجرة، وتحاول الحكومة استيعاب ما بين 16 و17 ألف لاجئ معظمهم عمال مهاجرون غير ليبيين من اريتريا أو الصومال عبروا الحدود ومازالوا في المخيمات، يضاف الى هذا 45 ألف تونسي كانوا يعيشون في ليبيا وعادوا من هناك، وقال "دفعنا لعشرة الاف عائلة نحو 600 دينار للعائلة و300 دينار للفرد"، وقال "مازلنا نعاني من بعض الضغوط في الميزانية لاسباب مختلفة لكن هذا الامر يتسبب في تفاقم وضع صعب بالفعل."

اقتصاد البحرين

من جانب اخر وبعد مرور أشهر من الحملة الصارمة التي شنتها الحكومة البحرينية ضد احتجاجات شعبية يتدفق السياح من أنحاء الخليج على فنادقها المطلة على الخليج ويتوافد المصرفيون اليها لابرام الصفقات، كما ساعد ارتفاع أسعار النفط ومليارات الدولارات من الاستثمارات السعودية والهدوء النسبي في الشوارع في استعادة بعض الثقة في المركز التجاري والمالي الاقليمي لكن لا يستطيع المرء حتى الان أن يصف ما يحدث بانه انتعاش اقتصادي، واستمرت حالة الاستياء رغم أن حملة شنتها الاسرة الحاكمة السنية "بدعم من القوات السعودية" سحقت الاحتجاجات التي نظمتها الغالبية من السكان الشيعة بالهام من ثورتي مصر وتونس ولم يتبق من مظاهرها سوى مجموعات من سيارات الشرطة تمر سريعا ويمكن للمصرفيين رؤيتها وهم في طريقهم الى عملهم في وسط المنامة، وقال جارمو كوتيلين كبير الاقتصاديين لدى الاهلي كابيتال "بات بالامكان السيطرة نسبيا على الاضطرابات التي يمكن أن تؤثر على أسواق المال"، والمشهد بعيدا عن الابراج الزجاجية المتلالئة في العاصمة ليس براق، ففي القرى التي تغطى جدران أبنيتها الاسمنتية كتابات مناوئة للحكومة يتكدس الشيعة الذين شكلوا المكون الرئيسي في الاحتجاجات بعد طرد عدد كبير من العمال أو سجنهم أو تقديمهم للمحاكمة أو ببساطة اختفائهم، لكن مسؤولين يحاولون أن يستعيدوا "البحرين الصديقة لانشطة الاعمال" بعد الغاء سباق جائزة البحرين الكبرى الذي ينظم ضمن بطولة العالم فورمولا 1 "وهو أهم حدث عالمي تشهده المملكة" بسبب العنف هذا العام، وهناك دلائل على أنهم ينجحون في ذلك، وانخفضت تكلفة تأمين الديون السيادية البحرينية بعد أن شهدت ارتفاعا كبيرا في مارس اذار، وكانت تكلفة تأمين ديون البحرين قفزت الى 350 نقطة أساس عندما أخلت الحكومة الشوارع من المحتجين بمساعدة قوات أمن من السعودية، وتقترب التكلفة الان من 235 نقطة أساس لكنها لا تزال مرتفعة عن مستويات أقل من 200 قبل الاضطرابات. بحسب رويترز.

ويستشهد المصرفيون المحليون أيضا بالارتفاع في أصول التجزئة المصرفية خلال الشهور الماضية كعلامة طيبة، لكن أسعار السلع والخدمات انكمشت في مارس اذار وأبريل نيسان ومايو ايار بينما انخفض المؤشر الرئيسي للبورصة 7.4 في المئة منذ فبراير شباط مقابل ارتفاع قدره 2.7 في المئة في بورصة دبي، وتحتاج البحرين التي تنتج كميات صغيرة من النفط الى سعر عند 100 دولار للبرميل للمساعدة في تحقيق التوازن في ميزانية اقتصادها الذي يقدر حجمه عند 22 مليار دولار وربما يساعدها ارتفاع أسعار النفط التي تزيد عن 108 دولارات حالي، ويقول مصرفي محلي طلب عدم نشر اسمه "عوض ارتفاع أسعار النفط تأثير الاضرار السياسية وبالتالي الشؤون المالية الحكومية متماسكة، انا متفائل تماما"، وفي وقت سابق وافق الملك حمد بن عيسى ال خليفة على ميزانية بقيمة 16.44 مليار دولار للعامين المقبلين بزيادة قدرها 44 بالمئة في الانفاق على الدعم وغيره من أوجه الانفاق العام في بلد يبلغ عدد سكانه 1.2 مليون نسمة، وقال فاروق سوسه كبير اقتصاديي الشرق الاوسط في سيتي جروب في دبي ان الانتعاش الاقتصادي سيحدث في شكل استثمارات سعودية في القطاع العام البحريني أو بان تمنح السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم جارتها السنية الصغيرة نصيبا أكبر من انتاج حقل أبو سعفة النفطي المشترك، وتمنح الرياض حاليا المنامة ما بين 140 و 150 ألف برميل يوميا.

ويبدو أن مصدرا اخر مهما للدخل يتعافى ببطء مع عودة السياح عبر الجسر الذي يربط البحرين بالسعودية، ومؤخراً عبر 150 ألف زائر الى البحرين وهو ما يقل عن نصف العدد المعتاد لكنه اخذ في الزيادة مع تلاشي مشاهد عبور قوات سعودية لنفس الجسر في مارس من الذاكرة، وتشهد الفنادق ومراكز التسوق التي تبدو مهجورة تقريبا طوال أيام العمل اقبالا متوسطا من الزائرين من دول الخليج العربية خلال عطلة نهاية الاسبوع، وطالما جعلت السواحل والبيئة الاجتماعية المنفتحة من الجزيرة مقصدا للسياح من بلدان خليجية أخرى، وتقول الجمعية البحرينية للفنادق والمطاعم ان نسبة الاشغال 70 في المئة بالرغم من أن بعض المراقبين يشككون في ذلك، كما تحاول البحرين طمأنة الزائرين والولايات المتحدة التي يتمركز أسطولها الخامس في المملكة بانها تعالج مظالم غالبية السكان، وأمر العاهل البحريني ببدء حوار وطني اعتبارا من الاول من يوليو تموز، ومنذ اخماد الاحتجاجات سددت حملة من الاعتقالات والفصل من العمل لطمة قوية للفئات الافقر حيث يعول عدد قليل من الاشخاص عائلات كبيرة، وقالت الامم المتحدة انه تم فصل 2000 من عملهم في البحرين، وتعتزم الحكومة اعادة نحو 571 موظفا والتحقيق في عمليات التسريح، ويسعى المستثمرون الى أن يواكب أي انتعاش اقتصادي مؤشرات على تحسن الاستقرار السياسي، وتساءل كوتيلين من الاهلي كابيتال "السؤال هو كيف تتأكد من أن البلد بدأ ينمو ثانية وان المزايا توزع بالعدل".

وتبدو الاجابة محبطة عند النظر الى القرى الشيعية التي تحيط بالمركز المالي في المنامة. تمسح أم أحمد (40 عاما) جبينها من العرق وتتساءل وهي تملا حقائب بشطائر لاقارب فقدوا وظائفهم كيف يمكن أن تتعافى قريتها.وتقول فيما يتجول أطفال حول منزل متداع من ثلاثة طوابق يضم عائلات ثلاثة أشقاء أو حوالي 24 شخصا "كل شخص لديه قريب اما مفصول من العمل أو مسجون أو مفقود. انه وقت صعب يجب أن تتكاتف العائلات وتتشارك فيما تملك كي تمر الازمة."ومنذ رفع حالة الاحكام العرفية تندلع احتجاجات صغيرة يوميا في القرى الشيعية. وترد الشرطة بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت. ويشكو زعماء الشيعة من تهميشهم من جانب النخبة السنية التي تعتبرهم مثل حليفتها السعودية عملاء لايران.ويوم الاربعاء قضت محكمة بالسجن المؤبد على ثمانية من نشطاء وزعماء شيعة بارزين بعد ادانتهم في تدبير انقلاب.وقال سوسه من سيتي "لدينا وضع في البحرين يمكن فيه أن تطفو على السطح الخلافات بين السكان الشيعة والسنة."وأردف "أعتقد انه ستكون هناك تداعيات طويلة الامد للاضطرابات في البحرين... هذا كله يعود الى شعور بعدم اليقين يحيط بمناخ أنشطة الاعمال بسبب التوترات."وفي الوقت الحالي يتوخى الاقتصاديون الحذر. ويظهر استطلاع لرويترز هذا الاسبوع تراجع تقديرات نمو الناتج المحلي الاجمالي في 2011 الى 2.7 في المئة في المتوسط من 3.4 في المئة التي كانت متوقعة في مارس اذار. وبالنسبة لعام 2012 تم تخفيض توقعات النمو الى 3.3 في المئة من 3.6 في المئة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تموز/2011 - 29/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م