القفاص!

هادي جلو مرعي

فندق (القفص) في ساحة الميدان، وفي عصر غابر، كان مقصد الباحثين عن اللذة، وعن بنات الهوى، وكان الناس يأتون إليه لأنهم لايجدون إنفتاحا كبيرا في بقية العاصمة بغداد، وربما خرجت عن هذه التسمية، تسمية أخرى شاعت في العراق دون غيره من البلدان، هي ( القفاص).

القفاص في المفهوم الشعبي هو المحتال والذي يستدرج الناس الى غايات دنيئة ليسرق منهم شيئا ما، أو ليدخل معهم في مشروع وهمي، أو ليستولي على مال منهم بطريقة غير مشروعة، ومنه الإبتزاز الرخيص والضغط على الآخر ليقدم تنازلا، أو مالا.

استخدمت الكلمة للتعبير عن مسميات تعوّدها العراقيون، فالمحب للطيور بحاجة الى قفص مصنوع من الحديد أو الخشب، أو من مخلفات أشجار النخيل، وهواة تربية البلابل وطيور الحب بحاجة الى قفص، والمتزوج حديثا يقولون عنه، إنه دخل القفص الذهبي، والذين يتحدثون عن قمع الأنظمة الدكتاتورية، أو عن عذابات المعارضين الذين يعتقلون، يقولون عنهم، إنهم عانوا الويلات في أقفاص التعذيب.

الكل يمكن له أن يقع في قفص، الباحث عن اللذة يمكن أن يقع في قفص عاهرة مأجورة، والسياسي أو المسؤول يمكن ان يقع في قفص أحد صنّاع الإحتجاجات الموسومة بشعار (أرحل)، الطيور والعصافير، وربما الأرانب يمكن أن تكون أسيرة في قفص أحد الهواة، لافرق.

القفاصون في العراق بلغت أعدادهم حدا يمكن لهم من خلاله تأسيس منظمات وجمعيات تدافع عن حقوقهم وتنسق لهم مع السلطات، وتعرف لهم نوعيات الناس العاديين والسياسيين، ومن منهم يمكن أن يقع في دائرة الإبتزاز، أو يهتز تحت وقع التهديد بإحتجاج شعائري في واحدة من الساحات العامة.

يمكن تسمية جمعيات ومنظمات وروابط وتجمعات بأسماء ماركات محلية ترقى الى مستوى التصدير الى أنحاء العالم، ويمكن للقفاصين الذين لم يعودوا بحاجة الى إخفاء عناوينهم أو التستر بعناوين أخرى أن يأسسوا لمنظمات بإسم ( قفاصون بلاحدود)، أو( الجمعية الوطنية للقفاصين)، وحتى( قفاصون تحت التأسيس)، و( الحرية للقفاصين)، وسواها من تسميات.

أتاحت الظروف التي عصفت بالعراق منذ عام 1980، وحتى هذه اللحظة، وكلها ظروف سيئة للغاية، الفرصة كاملة لعديمي الأخلاق ولميتي الوجدان والضمير أن يؤسسوا لوجود غير مسبوق في التاريخ الحديث للبلاد من خلال دخولهم في مجالات عمل وإبداع متعددة، وإدعائهم إنهم أهل للمسؤولية، أو إنهم يعملون في سياق الوطنية وبناء الدولة، وإنهم حريصون على الوطن الأغلى، ومن ثم يبتزون ويهددون ويتوعدون من لايماليهم من سياسيين، ومسؤولين خدميين بالوقوف بالضد منهم وإستغلال المنابر الإعلامية، للترويج ضدهم، ثم الحصول على منافع مالية أو إمتيازات، عدا عن سلوكهم التقليدي في إيذاء الناس والنصب عليهم بطرق دنيئة غير مسبوقة.

[email protected]

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تموز/2011 - 29/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م