أزمة النفط... ازدياد الاستهلاك أم حرب اقتصاديات؟

 

شبكة النبأ: في خطوة هجومية مفاجئة، ومن مصدر غير متوقع أعلنت وكالة الطاقة الدولية، التي تتخذ من باريس مقراً لها والتي تعتبر الذراع البحثية للدول الثماني والعشرين الصناعية، أنها بصدد توفير 60 مليون برميل من النفط في الأسواق، وبمعدل مليوني برميل يومياً لمدة شهر كامل. نصف هذه الكمية، أي 30 مليون برميل، ستأتي من المخزون النفطي الاستراتيجي الأمريكي، وهذه هي المرة الثالثة التي تعمد فيها المنظمة إلى مثل هذا الإجراء، وكانت الأولى في العام 1991، إبان حرب الخليج، والثانية في العام 2005، بعدما اجتاح الإعصار كاترينا منطقة خليج المكسيك، ما أدى إلى تعطل الإنتاج.

ويعزو البعض هذه الخطوة المفاجئة من جانب الوكالة إلى نتائج مؤتمر دول منظمة الأوبك الأخير في فيينا، الذي انتهى إلى عدم الاتفاق على زيادة الإنتاج البالغ 24.84 مليون برميل يومياً.

الخطوة الأخيرة إلى جانب تصريحات محافظ المصرف المركزي الأمريكي، بن برنانكي، دفعت سعر النفط ليتهاوى. وفي الولايات المتحدة، يعتبر البعض هذه الخطوة بمثابة محفز للاقتصاد، إلى جانب تعويض النقص الناجم عن توقف تصدير النفط الليبي. بحسب السي ان ان.

مع هذا الإعلان تراجع سعر برميل النفط إلى مع نهاية التداولات عند 91.02 دولاراً للبرميل، هذا في نيويورك، أما في أوروبا، فتراجع سعر خام برنت بنسبة 5 في المائة واستقر سعر البرميل عند 108.62 دولاراً.

ساهم في هذا التراجع أيضاَ تصريحات برنانكي حول توقعاته بشأن الاقتصاد والتي اتسمت بأنها "سوداوية". وقال برنانكي إن "الانتعاش المتباطئ للاقتصاد يعتبر ركيزة أساسية في التراجع، بحسب ما ذكر الاختصاصي في أسعار النفط، دان ديكر. وركز برنانكي على سوق البطالة واحتمالات تأثير الأزمة المالية اليونانية على الاقتصاد العالمي، حيث توقع أن تتواصل البطالة في تأثيرها السلبي على الاقتصاد.

لماذا سترتفع أسعار النفط مرة ثانية قريبا؟

وبدأت أسعار النفط في الانخفاض مؤخراً إثر تلاشي المخاوف من استعار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، غير أن الطلب العالمي زيادة العرض وانخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأجنبية الأخرى قد يستمران طويلاً، بل ريما لن يطول الأمر إلى ما بعد الزيادة التالية للطلب على المادة الخام، وفقاً لما ذكره اقتصاديون في مؤسسة غولدمان ساش.

ويتوقع الخبراء ارتفاع سعر برميل النفط مرة أخرى قبل نهاية العام 2012، وذلك في تقرير للعملاء رفعه الخبراء. وقال الخبراء إن الارتفاع البطيء لأسعار النفط، والذي تقدره غولدمان بنسبة 1 في المائة سنوياً لن يستمر هكذا من دون ارتفاع في السعر جراء الطلب العالمي على النفط، مشيرين إلى احتمال ارتفاع سعره بقوة.

ويشير الخبراء إلى أن ما يجعل ارتفاع سعر النفط أمراً حتمياً هو عمق أزمة البطالة في الولايات المتحدة، والتي تصل إلى 9 في المائة بصورة رسمية، و13 في المائة إذا أخذ في الاعتبار تدني مشاركة قوة العمل، كما يشير إلى ذلك فاديم زولتنيكوف من  مركز أبحاث بيرنستاين.

يشار إلى أن عدد العاطلين عن العمل هبط خلال العام الجاري إلى مستويات غير معهودة منذ عام 1985.

وحذرت مؤسسة غولدمان من أن انخفاض سعر النفط إلى مادون 100 دولار في نيويورك، و112 دولاراً في أوروبا، حيث يتم التعامل بخام برنت، قد يستمر لوقت طويل من العام 2011، غير أنه لن يدوم إلى الأبد. وأشارت المؤسسة إلى أن السبيل الوحيد للتوازن بين سوق العمل وسوق النفط ربما يكون من هلال زيادة كبيرة في سعر النفط.

ارتفاع الطلب حتى 2016

في سياق متصل توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على النفط بشكل مطرد حتى 2016 ما لم يتعثر الانتعاش الاقتصادي ورغم تخطي سعر برميل النفط مئة دولار متجاوزا التوقعات.

ورأت الوكالة في تقريرها السنوي الذي تعرض فيه توقعاتها على المدى المتوسط والصادر في سان بطرسبرغ (شمال) انه في حال تسجيل نمو الاقتصاد العالمي نسبة 4,5% في السنة، فان ذلك سيؤدي الى زيادة الاستهلاك بمعدل 1,2 مليون برميل يوميا كل سنة وصولا الى 95,3 مليون برميل في اليوم عام 2016، ما يمثل ارتفاعا بنسبة 1,3% في السنة. وبالتالي سيتخطى الطلب العالمي آخر التوقعات المتوسطة المدى بمعدل 0,7 مليون برميل في اليوم خلال فترة 2010-2015.

ورفعت الوكالة التي تمثل مصالح الدول الصناعية، بشكل طفيف توقعاتها للطلب العالمي على النفط عام 2011 بمقدار مئة الف برميل في اليوم. بحسب فرانس برس.

وبذلك سيرتفع الاستهلاك من 88 مليون برميل يوميا في 2010 (+3,3% عن العام السابق) الى 89,3 مليون برميل في اليوم هذه السنة (+1,4%).

وحذرت الوكالة بهذا الصدد من "وجود خطر كبير" بحصول اختناق في السوق في حال عدم زيادة الانتاج النفطي "مع كل العواقب التي يمكن ان تترتب على الاقتصاد العالمي في حال ارتفاع الاسعار".

ولفتت الوكالة الى ان اعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) لم يقرروا زيادة انتاجهم خلال اجتماعهم في مطلع حزيران/يونيو موضحة ان ذلك لا يعني ان سقف الانتاج سيبقى محددا بمستوى 29,2 مليون برميل في اليوم، مشيرة الى مؤشرات مشجعة بهذا الصدد صادرة من السعودية ودول منتجة اخرى.

وقال المدير العام لوكالة الطاقة الدولية نابوو تاناكا خلال مؤتمر صحافي في سان بطرسبورغ ان السؤال المطروح الان هو معرفة "باي سرعة وباي مقدار" يمكنهم المساهمة في رفع الانتاج.

وذكرت وكالة الطاقة الدولية من جهة اخرى ان الانتاج الليبي لن يعود الى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب الا قرابة العام 2015.

وجاء في التقرير ايضا ان الطلب على النفط يتاثر ايضا بالظروف الاقتصادية الجديدة في العالم موضحا ان ارتفاعه "ناجم حصرا عن الدول غير الاعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" نادي الدول الغنية التي تعتبر الوكالة ذراعه في مجال الطاقة. وتمثل الصين وحدها 41% من ارتفاع الطلب.

في المقابل، يتوقع ان يتراجع استهلاك الدول الصناعية اعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بنسبة 1,6% اي بمعدل 260 الف برميل في اليوم كل سنة، ما يزيد عن التوقعات السابقة. واقرت منظمة الطاقة بان هذا السيناريو ينطوي على مخاطر.

وحذر تاناكا من ان "الغموض يبقى سيد الموقف بالنسبة للاسواق العالمية للنفط والغاز، من انعكاسات الربيع العربي الى عواقب الازمة في منطقة اليورو على الاقتصاد الكلي".

واذا كانت التوقعات تشير الى نمو عالمي لا يتعدى نسبة 3,3% في السنة، الا ان الطلب على النفط للعام 2016 سيكون دون التوقعات ب2,4 مليون برميل في اليوم.

وتتوقع الوكالة في تقريرها ان يقارب سعر برميل النفط معدل 103 دولارات خلال هذه الفترة، ما يزيد ب15 الى 20 دولارا عن توقعاتها السابقة. وتخطى سعر برميل النفط الخفيف غرب تكساس 95 دولارا وبرميل برنت بحر الشمال 114 دولارا.

ورات الوكالة ان "تزامن اسعار للنفط بثلاثة ارقام ونمو اقتصادي عالمي بنسبة 4 الى 5% يبدو من باب المفارقة، غير انه يعكس الى حد ما التباين الزمني الذي يميز ديناميكيات السوق النفطية". واكدت انه "من الممكن ان تتزامن اسعار مرتفعة مع نمو اقتصادي مطرد" ولكن "لمرحلة من الوقت" فقط.

من جهة اخرى من المتوقع ان تزداد القدرة العالمية على انتاج النفط خلال السنوات الخمس المقبلة بمعدل 1,1 مليون برميل في اليوم سنويا، لترتفع من 93,8 الى 100,6 مليون برميل في اليوم. ويمثل النفط الخام التقليدي اقل من 40% من الزيادة الاجمالية.

واخيرا افادت وكالة الطاقة الدولية بان الطلب العالمي على الغاز سجل "انتعاشا استثنائيا" بنسبة 7,4% عام 2010، وهي من اعلى نسب النمو المسجلة خلال السنوات الاربعين الاخيرة.

رفع الانتاج السعودي

الى ذلك بعد فشل اعضاء اوبك في الاتفاق على زيادة الانتاج سيعتمد العالم الان على السعودية في تلبية زيادة في الطلب على النفط تتجاوز مليوني برميل يوميا خلال الفترة من الربع الثاني الذي ينخفض فيه الطلب الى الربع الثالث الذي يبلغ فيه الطلب ذروته.

وتمكنت المملكة حتى الان من تحمل عبء سد النقص الناجم عن غياب النفط الليبي لكن استمرار اغلاق ابار النفط الليبية بسبب الحرب الاهلية لشهور سيختبر قدرة السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم في الشهور المقبلة.

وستكون النتيجة ضخ نفط أكثر من المطلوب لمصافي العالم اذا التزم وزير البترول السعودي على النعيمي بتعهده بضخ المزيد من النفط بصرف النظر عن نتيجة الاجتماع الذي وصفه بأنه "الاسوأ على الاطلاق".

ولكن يترتب على ذلك أن تنخفض الطاقة الانتاجية لاوبك - وهي غطاء المعروض الاضافي الذي يمكن للمنظمة الاستعانة به في وقت قصير لسد فجوات المعروض أو ارتفاعات الطلب - الى أدنى مستوياتها منذ 2008 حينما ارتفع سعر النفط مقتربا من 150 دولارا للبرميل. بحسب رويترز.

وتقلص هذا الاحتياطي الذي كان يبلغ ما بين خمسة وستة ملايين برميل يوميا في أوائل عام 2011 يهدد بتعريض السوق لخطر ارتفاعات أخرى في الاسعار بصرف النظر عن مستويات المعروض. وبدون عودة النفط الليبي يمكن ان تنخفض الطاقة الانتاجية الفائضة الى ثلاثة ملايين برميل يوميا فقط بحلول نهاية العام.

وقد ينخفض الفائض الى مليوني برميل يوميا بحلول 2012 ما سيدفع المتعاملين على الارجح الى اضافة "علاوة خوف" أكبر على السعر. وعند مستوى أقل من 2.5 بالمئة من الطلب العالمي يصبح هذا الاحتياطي ضئيل للغاية بالمعايير التاريخية.

وقال لورانس ايجيلز رئيس بحوث الطاقة في جيه.بي مورجان ان ذلك يؤكد أن أوبك فوجئت بقوة الطلب الذي زاد نحو خمسة بالمئة منذ ان بلغ الركود الاقتصادي ذروته في 2009.

وقال ايجلز "هذا القرار يبرز حقيقة ان الطاقة الانتاجية الفائضة ليست كما كانت تصورها أوبك وان هناك قلة فقط من الدول الاعضاء يمكنها زيادة الانتاج."

ومن شأن فقد النفط الليبي البالغ أكثر من مليون برميل يوميا وزيادة الانتاج بنحو 1.5 مليون برميل يوميا خفض الطاقة الانتاجية الفائضة الى نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا في حين من المتوقع أن يزيد الطلب المتوقع على نفط أوبك -بافتراض استقرار المخزونات- مرة أخرى في عام 2012.

واشارت تقديرات سابقة لادارة معلومات الطاقة الامريكية ومحللين اخرين ارتفاع الطلب على نفط أوبك بمليون برميل يوميا على الاقل.

والاحتياج الفوري أكثر الحاحا اذ يبلغ الطلب العالمي ذروته عادة في الربع الثالث من العام عندما يبدأ موسم السفر في الولايات المتحدة ويستخدم المستهلكون في الشرق الاوسط المزيد من الوقود لتشغيل محطات الكهرباء. وزادت الكارثة النووية التي تعرضت لها اليابان الطلب الاضافي.

وأشارت تقديرات أوبك الشهر الماضي الى زيادة بنحو مليوني برميل يوميا في الطلب على نفطها ويظل عند هذا المستوى تقريبا في الربع الاخير من العام.

وقال مندوب رفيع لدى أوبك يوم الاربعاء ان السعودية أنتجت 9.16 مليون برميل يوميا في مايو أيار أي بزيادة بالفعل تتجاوز مليون برميل يوميا عن حصتها من المستوى المستهدف للانتاج داخل أوبك. وتبلغ الطاقة الانتاجية للمملكة نحو 12.5 مليون برميل يوميا.

وقال صامويل جيزوك محلل الطاقة في اي.اتش.اس جلوبل اينسايت ان السعودية تتخذ خطوات لمعالجة الانخفاض المحتمل في الطاقة الانتاجية الفائضة والذي يمكن أن يهدد دورها باعتبارها معادل تقلبات الانتاج على مستوى العالم والذي منحها لقب "البنك المركزي للنفط".

وقال جيزوك "من الواضح انهم قلقون بشأن تقلص طاقتهم الانتاجية الفائضة بسرعة كبيرة نظرا الى ارتفاع الطلب العالمي (الاسيوي) ودعم قدرة دول أوبك على المضي قدما في خططها التوسعية أو عدم قدرة ليبيا على الامداد أصلا.

وتابع "يبدو من المستبعد أن تتمكن الجزائر وليبيا وايران من تنفيذ زيادات الطاقة الانتاجية التي تعهدت بها. والكويت تتحرك ببطء والعراق يمثل علامة استفهام كبيرة."

ويوم الاثنين الماضي قالت أرامكو السعودية للنفط انها تسرع خطط الاستثمار الرامية الى زيادة الطاقة الانتاجية من نحو 12.5 مليون برميل يوميا الى 15 مليون برميل يوميا والتي كانت قد أوقفتها خلال الازمة المالية.

ويقول فاضل غيث المحلل النفطي بشركة أوبنهايمر ان الطاقة الفائضة يمكن أن "تستهلك حتى الثمالة" خلال ثلاث سنوات لكنه أبدى ثقته في أن ارتفاع الاسعار والتطور التكنولوجي يمكنهما معا أن يأتيان بالمزيد من الانتاج في السنوات القليلة القادمة لتجنب أزمة حقيقية في المعروض.

وقال غيث "السعر الراهن يشير بالفعل الى ان السوق لا تشعر بالارتياح ازاء الامدادات. لكني لا أعتقد اننا سنعاني من نقص في المعروض النفطي."

طمأنة الأسواق المتقلبة

وكانت دول الخليج العربية المنتجة للنفط اكدت ان السوق تملك مخزونات كافية على رغم الاسعار التي تتجاوز ال100 دولار للبرميل والتي تقلق المنتجين بحسب منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك).

واجمعت على اعتبار ان المخاوف الجيواستراتيجية مبالغ فيها بالنظر الى ان السوق تملك امدادات كافية كما تملك قدرة انتاج وتخزين" مناسبة. وشاركت مجموعة من كبار مستهلكي النفط مثل الصين واليابان والهند اضافة الى كوريا الجنوبية في هذا الاجتماع، فضلا عن وجود منتجين كبار مثل السعودية والامارات وقطر. ومن المقرر عقد اللقاء المقبل عام 2013 في كوريا الجنوبية.

وتوقع رئيس وكالة الطاقة الدولية نوبوا تاناكا ارتفاعا في الطلب خلال فترة الصيف ودعا مجموعة اوبك للرد على هذا الارتفاع. وكانت الوكالة الى وجود "خطر حقيقي بألا يكون برميل النفط الذي يتأرجح سعره فوق المئة دولار متناسبا مع وتيرة الانتعاش الاقتصادي".

وعكس موقف الامين العام لمنظمة اوبك عبد الله البدري الذي كان موجودا في الكويت مخاوف الدول المنتجة حيال ارتفاع اسعار النفط.

وقال البدري ان "تموين السوق كاف وانتاجنا (في اوبك) في اذار/مارس يكاد يكون بمستوى انتاج كانون الاول/ديسمبر ولو ان احدى الدول الاعضاء لم تعد تنتج" في اشارة الى ليبيا.

كما دعا البدري الى اعتماد "تنظيمات" لوقف المضاربات وخفض الرسوم على المنتجات النفطية من اجل وقف ارتفاع اسعار النفط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/حزيران/2011 - 27/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م