أمريكا واستعادة النفوذ في الشرق الأوسط... خياري المال والاقتصاد

 

شبكة النبأ: جذب الجزء الخاص بالإسرائيليين والفلسطينيين في خطاب الرئيس أوباما في 19 أيار/مايو اهتماماً أكثر يفوق بدرجة كبيرة تعليقاته على مبادرات التجارة والاستثمار والتنمية لتعزيز النمو والفرص في جميع أنحاء الشرق الأوسط. غير أنه دون [قيام] برنامج اقتصادي قوي وموثوق به، سوف تُثبت جهود ترويج أجندة واشنطن السياسية والأمنية في المنطقة بأنها مُحبِطة وغير ناجحة في النهاية. وعلى الرغم من أن هناك إجابات سهلة في هذا المجال إلا أن التقدم ممكن من خلال قيادة رئاسية قوية ومستدامة ومشاركة نشطة من قبل أعضاء الحزبين في الكونغرس الأمريكي.

إنه ما زال الاقتصاد

يقول السفير شون دونلي عمل كدبلوماسي أمريكي في مصر وتونس ومساعد ممثل الولايات المتحدة التجاري لمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا ونائب رئيس "غرفة التجارة الأمريكية" لشؤون الشرق الأوسط، في مقاله التحليلي الاخير المنشور في موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، عبَّر المتظاهرون في شوارع تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا وأماكن أخرى في المنطقة عن مظالم اقتصادية كثيرة بقدر تعبيرهم عن مظالم سياسية ضد حكوماتهم. فالبطالة والركود والفساد والمحسوبية، والبنية التحتية المتدهورة، والأنظمة التعليمية التي فقدت مصداقيتها، والافتقار العام إلى الشفافية، والمساءلة والتنافسية، جميعها متفشية في الشرق الأوسط. ومن غير المرجح ترسخ الإصلاح السياسي والديمقراطية الحقيقية ما لم تتم معالجة تلك المشاكل وإنجاز إصلاحات اقتصادية كبيرة.

ويتابع، بسبب مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا تحديات اقتصادية داخلية، لم يحن الوقت بعد [إلى إطلاق] ما يشبه خطة مارشال في الشرق الأوسط. بيد، كما أدركت واشنطن وحلفاؤها من الدول الثمانية أثناء قمتهم في 26-27 أيار/مايو تحتاج تونس ومصر ودولاً أخرى إلى مساعدة اقتصادية وشراكة لوضعها على المسار الصحيح نحو ديمقراطية حقيقية.

أدوات اقتصادية لافتة

ويشير شون، حتى مع غياب نماذج ضخ جديدة وضخمة من المساعدات، إلا أن لدى الحكومة الأمريكية أدوات وخبرة كبيرة موضوعة تحت تصرفها. فثمة وكالات مثل وزارة التجارة و "بنك التصدير والاستيراد" و "مؤسسة الاستثمار الخاص عبر البحار" ("أوپيك")، و "وكالة التجارة والتنمية" و"الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" جميعها لديها خبرة عبر أنحاء المنطقة ويمكن أن تبدأ في إحداث فرق على الأرض بسرعة نسبية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية وبرامج "اتفاق واشنطن للتجارة الحرة" و "معاهدة الاستثمار الثنائية" قد أثبتت جدواها بالفعل.

ويضيف، يمكن للمنظمات الأمريكية غير الحكومية، التي يستفيد بعضها من التمويل الحكومي، أن تلعب أيضاً أدواراً مهمة في مبادرة اقتصادية واسعة للشرق الأوسط. كما أن "الصندوق الوطني للديمقراطية" والعديد من شركائه – مثل "المعهد الديمقراطي الوطني" و "المعهد الجمهوري الدولي" و "مركز المشروعات الدولية الخاصة" و "مركز التضامن" – يمكن أن تكون مفيدة مثلما قد تكون غرف التجارة الأمريكية المحلية – من بين منظمات أخرى – في جميع أنحاء المنطقة.

قائمة للقيادة الأمريكية

وينوه شون في تحليله، بإمكان خطة مفصلة لتحقيق الأهداف التي أعلنها الرئيس أوباما في 19 أيار/مايو أن تشمل العديد من الخطوات التي يتطلب الكثير منها تمويلاً ضئيلاً نسبياً:

• تعزيز التجارة وجعلها حرة. إن إحدى أهم الخطوات الملموسة التي يمكن لواشنطن اتخاذها من الناحيتين الموضوعية والرمزية، هي فحصها بجدية مفاوضات "اتفاقية التجارة الحرة" الثنائية مع الشركاء الإقليميين الرئيسيين. كما أن "اتفاقيات التجارة الحرة" الشاملة عالية المقاييس – مثل تلك التي تم تنفيذها بالفعل مع إسرائيل والأردن والمغرب والبحرين وعمان – تعود بالنفع على كلا الطرفين. وبوصفها محور المنطقة السياسي والاقتصادي فإن مصر مرشحة قوية للغاية ومناسبة التوقيت لـ "اتفاقية التجارة الحرة". ولسوء الحظ فقد ذبُلت الأجندة التجارية الثنائية الأمريكية في ظل إدارة أوباما ويعود ذلك في المقام الأول لأسباب سياسية محلية. فعلى سبيل المثال، كان البيت الأبيض غير راغب في إرسال "اتفاقيات التجارة الحرة" الثنائية التي تم توقيعها منذ فترة طويلة مع كوريا الجنوبية وكولومبيا وبنما إلى الكونغرس للموافقة عليها. ورغم أن تلك الاتفاقيات الثلاث قد أظهرت مؤخراً بعض علامات التقدم، يرى القليل من المراقبين أن الإدارة الأمريكية مستعدة لإطلاق مفاوضات "اتفاقية التجارة الحرة" التي تأخر موعدها كثيراً في الشرق الأوسط.

• تشجيع الاستثمار. يحتاج الشرق الأوسط إلى الاستثمار حيث أظهرت الأبحاث أن الاستثمار الأمريكي الناجح في الخارج مفيد للتنافسية الأمريكية والنمو الاقتصادي والعمالة. غير أن برنامج "معاهدة الاستثمار الثنائية" كان قد تعثر لمدة عامين تقريباً بسبب مراجعة سياسية غير حاسمة بين الوكالات. وفيما يتعلق بالسياسة التجارية يبدو أن البيت الأبيض جامد الحركة بشأن هذه المسألة وغير مستعد للنظر في أية مبادرات لسياسة الاستثمار تعارضها الدوائر السياسية المحلية الرئيسية. وجزئياً كنتيجة لهذا التقاعس، تتخلف الولايات المتحدة عن شركائها الأوروبيين والآسيويين من ناحية اتساع وقوة اتفاقياتها لحماية الاستثمار الثنائي في جميع أنحاء المنطقة.

• مكافحة الفساد. وضَع مواطنو الشرق الأوسط باستمرار [موضوع] الفساد على رأس قائمة شكاواهم ضد حكوماتهم. وقد كسبت كل من واشنطن والمنظمات الأمريكية غير الحكومية دوراً قيادياً قوياً في جهود الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد في الخارج مستفيدة من "قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة" القائم منذ فترة طويلة. وحتى المبالغ الصغيرة من التمويل الأمريكي يمكن تقويتها ليكون لها تأثير حقيقي عن طريق شراكات خلاقة مع المنظمات الأمريكية والمحلية غير الحكومية ومجموعات رجال الأعمال إلى جانب تأييد قوي لهذه السياسة.

• بناء القدرات. بإمكان المنظمات الأمريكية الرسمية والخاصة التي تقودها وتنظمها "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" أن تزيد التدريب العملي والدعم المؤسساتي لحكومات الشرق الأوسط في مجالات سياسية رئيسية مثل حقوق الملكية الفكرية، والسياسة التنظيمية، والعقارات والرهن، والشهادات المهنية، والتمويل المصرفي والتجاري. وسوف تتطلب هذه المبادرات موارد متواضعة فقط، كما هو مناسب في وقت تواجه فيه ميزانية الولايات المتحدة بعض الصعوبات.

• تسليط الضوء على سياسة اقتصادية. نظراً للظروف الحالية في المنطقة سوف تواجه الحكومات قريباً ضغطاً سياسياً لتبني سياسات مناهضة للسوق [الحرة]. فعلى سبيل المثال، تثير مقترحات الميزانية الأولية التي قدمتها الحكومة المؤقتة في مصر بعض العلامات المثيرة للقلق بحيث تعكس تراجع نحو سياسات فقدت مصداقياتها مركزة في أيدي الدولة ومثقلة بمعونات حكومية تعود إلى السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. ومن خلال العمل مع "صندوق النقد الدولي" و "البنك الدولي" والجهات المانحة الأخرى والقادة الرئيسيين في جميع أنحاء المنطقة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم الإصلاحيين والإصلاحات الاقتصادية. كما أن المزيج الفعال من الدبلوماسية الهادئة والدعوة العامة للاقتصاد الجيد ينبغي أن يكون مركزياً في أية مبادرة اقتصادية شرق أوسطية يمكن التعويل عليها.

هناك مبادرات مستهدفة أخرى ينبغي فحصها أيضاً. فعلى سبيل المثال، استناداً إلى الدروس المستفادة من الانتقالات السابقة للسلطة في شرق أوروبا اقترح الرئيس أوباما مبادرة للتخفيف من عبء الديون عن مصر فضلاً عن "مشاريع تمويل" للمساعدة على ضخ رؤوس الأموال في المشاريع الواعدة للقطاع الخاص. وكما ذكر الرئيس الأمريكي فإن "مؤسسة الاستثمار الخاص عبر البحار" هي في وضع جيد بشكل خاص لكي تلعب دوراً خلاقاً – من خلال مشاريع تمويل وبصورة أوسع من ذلك – في الجهد لتسهيل وتقوية الاستثمار الأمريكي الخاص في المنطقة. كما أن التدريب المهني المتعلق بوظائف القطاع الخاص في أيامنا هذه، ومبادرات التكنولوجيا التي تركز على الحرية والوصول إلى الانترنت يمكن أن تؤتي ثمارها اقتصادياً وسياسياً.

الخاتمة

ويؤكد شون في ختام مقاله التحليلي، تخلق جهود التجارة والاستثمار الأمريكية في الخارج وظائف وصادرات وعوائد ضريبية ونمواً اقتصادياً في الداخل. ومع تخلف الولايات المتحدة دولياً على هذه الجبهات فقد تقدمت أوروبا وآسيا. وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط غالباً ما يواجه المنافسون الأجانب تعريفات جمركية منخفضة، وحواجز أقل، وحماية أقوى للاستثمار ولبنود تسوية النزاعات مما يستفيد منها نظراؤهم الأمريكيون. ومن ثم فإن تسوية هذا الملعب المائل سيكون جيداً للمنطقة وللولايات المتحدة أيضاً.

في خطابه في 19 أيار/مايو، دعا الرئيس الأمريكي بوضوح إلى مبادرة اقتصادية أمريكية قوية في منطقة الشرق الأوسط. إن ليبرالية التجارة و"اتفاقيات التجارة الحرة" وتعزيز الاستثمار هي بالتأكيد مواضيع مثيرة للجدل للدوائر السياسية المحلية الرئيسيية للإدارة الأمريكية. ومع ذلك فبدون وجود قيادة قوية من البيت الأبيض يُظهر التاريخ بأنه من غير المرجح أن تعطي الوكالات الأمريكية الأولوية أو الموارد أو الإبداع -- إلى المنطقة -- التي يتطلبها الموقف في أيامنا هذه. كما أن العديد من العناصر الأكثر أهمية في أية أجندة أمريكية اقتصادية فعالة وموثوقة (مثل "اتفاقيات التجارة الحرة" وتخفيف عبء الديون وتمويل المساعدات) ممكنة الحدوث فقط من خلال دعم الكونغرس الأمريكي، بما في ذلك الاعتمادات والتراخيص. وبناءاً على ذلك، هناك حاجة إلى قيام مناهج حقيقية من قبل الحزبين في الكونغرس وليس الخضوع إلى تسييس حزبي. وإذا نجحت جهود مساعدة الاقتصاديات الإقليمية المنهكة فستحتاج واشنطن إلى التغلب على العقبات الدولية والمحلية على حد سواء، لأن ذلك لن يساعد شعوب الشرق الأوسط فحسب بل أيضاً الاقتصاد والشركات والعاملين الأمريكيين.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/حزيران/2011 - 27/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م