أبو طالب... رجل العهد والوفاء

إعداد: عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: شيخ من شيوخ العرب وشريف من شرفائها قدم للإسلام أغلى التضحيات ودافع عن الدين دفاعا مستميتاً، تكفل الرسول الأعظم محمد (ص) ودافع عنه وحماه فكان له خير عون وخير نصير وأثره على نفسه وعياله ذلك هو سيد مكة ورئيسها ابو طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. وقد عهد إليه والده عبد المطلب بكفالة سيد الخلق ورسول الإسلام محمد ابن عبد الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وقد كان لعبد المطلب شيبة الحمد) بن هشام عشرة أولاد، هم: الحارث، والزبير، وأبو طالب، وحمزة، والغيداق، وضرار، والمقوّم، وأبو لهب، (واسمه عبد العزّى)، والعباس، وعبد الله. وكان أبو طالب وعبد الله إبني أم واحدة هي فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران. وكان خير كفيل لخير خلق الله.

والدته هي فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران. ولد قبل مولد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمس وثلاثين سنة. وزوجة ابو طالب هي فاطمة بنت أسد أم الإمام علي(ع).

أبنائه

هم طالب وعقيل وجعفر وعلي بن أبي طالب، اما الإناث فأم هانئ وفاختة و جمانة.

القابه

لقب ابو طالب بعدة القاب وهي سيد البطحاء، شيخ قريش، رئيس مكة.

حب النبي

نشأ النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكبر في كفالة أبي طالب ورعاية بعد كفالة جدّه عبد المطلب وبرّ وحنانّ زوجته فاطمة بنت أسد، ثم تزوج خديجة، ثم بُعِث (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للناس كافة، فذاع صيته وكبُرت دعوته وعمّه أبو طالب وأبناءه حرّاسه الامناء والمدافعين عنه.

 وبعد خروج بني هاشم من الشعب بشهرين مرض أبو طالب، فد دخل (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه وهو على فراش الموت فمسح جبينه أربع مرات، ثم خاطبه بقوله: « ياعم، ربيت صغيراً، وكفلت يتيماً، ونصرت كبيراً، فجزاك الله عني خيرا ».

 كفالة أبي طالب للنبي

مات عبد الله بن عبد المطلب والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حمل في بطن أمه، وحينما ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) تكفله جدّه عبد المطلب واسمه (شيبة الحمد) بن هاشم، ولما حضرة الوفاة عبد المطلب أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وحياطته وكفالته وكان عمره(صلى الله عليه وآله وسلم) ثماني سنين.ولم يكن أبو طالب أكبر إخوته سناً، ولا أكثرهم مالاً، ولكن عبد المطلب اختاره لما توسّمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأنه كان على فقره أنبل اخوته، وأكرمهم، وأعظمهم مكانة في قريش واجلّهم قدراً. فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام. وكان أبو طالب يحبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حبا شديداً، وفي بعض الاحيان إذا رأى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي ويقول: إذا رأيته ذكرت أخي عبد الله، وكان عبد الله أخاه لأبويه. كما كان يفضله على أولاده ويحافظ عليه، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ولا يخرج إلا معه محافظة عليه، وكان يخصّه بالطعام، وكذلك كانت زوجته فاطمة بنت أسد، فيصبح رسول اله(صلى الله عليه وآله وسلم) كحيلاً دهيناً بينما أولادها رمصاً شعثاً. واستسقى أبو طالب بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو صغير، فأقبل السحاب من هنا وهناك وأغدق فأخصبت الارض. وفي ذلك يقول أبو طالب:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وبعد ما بعث النبيّ رحمة للعالمين كان أبو طالب هو الناصر الوحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمحامي عنه والمُـتحَمّـلُ لعظيم الأذى من قومه في سبيله والباذل أقصى جهده في نصرته فلم يصل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من قومه سوء مدّة حياته الطاهرة.

الحصار وأيام المحنة:

لما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصدع بما أمر، ويظهر دين الله على رؤوس الاشهاد, فذكر(صلى الله عليه وآله وسلم) آلهة قريش وعابها، وعظم ذلك على قريش وأجمعوا على عداوته وخلافه وأرادوا به السوء، فلم يتمكنوا من ذلك وسيد البطحاء ورئيس مكة حصنه وملاذه والمدافع عنه، فعند ذلك تنابذ القوم وثارت الاحقاد ونادى بعظهم بعضاً فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين تعذبهم وتفتنهم عن دينهم الجديد، وهمّت قريش بقتل رسول الله وأجمع ملأها على ذلك، وبلغ ذلك أبا طالب، فقال:

والله لن يصلوا إليـك بجمعهـم*** حتى أغيّب في التراب دفينا

وَدَعْوَتني وزعَمتَ أنك ناصح*** ولقد صدقت وكنت ثمَّ أمينا

وعرضت ديـناً قـد علمت بأنه*** من خـيـر أديان البريّـة ديـنا

ولما علمت قريش إنهم لا يمكنهم الوصول إلى النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو طالب موجود ومن خلفه بنو هاشم، ضيّـقت الخناق على بني هاشم وذلك بمقاطعتهم وعدم المعاشرة والتعامل معهم، وتعاقدت على ذلك وكتبت صحيفتها السوداء الظالمة وختموها بثمانين خاتماً وعلّـقوها في الكعبة، وحينما رأى بنو هاشم هذا، انحازوا وبنو عبد المطلب فد خلوا كلهم مع أبي طالب في الشِعبْ فكانوا أربعين رجلا ما عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وذلك في بداية شهر محرّم(عام7 للبعثة).

وحصّن أبو طالب الشّعْب حفاظاً على من فيه، وكان يحرسه ويتفقده بنفسه يساعده أولاده بالليل والنهار، وضاق الامر ببني هاشم، وعدموا القوت إلا ما كان يُحمَـل لهم سرّاً وخفية، وأنفقت خديجة مالها، كما أنفق أبو طالب ما لديه من مال، وكانوا لا يأمنون إلا بموسم العمرة والحج.

ثم كانت عاقبة الذين ظلموا فشلّت يد كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر وبعث الله الأرضة على صحيفتهم الظالمة فأكلتها إلا اسم الله. وأعلمَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عمّه أبو طالب بذلك; فذهب أبو طالب وأخبر قريش بعملهم الظالم وما سببوه من أذى وظلم وقطع للارحام لبني هاشم وان الله لا يرضى بعملهم ولا يرضى به أي منصف، واستدلّ عليهم بصحيفتهم وما أخبره النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها، فَبَهَتَ القوم، وجَـلبوا الصحيفة وفتحوها فكانت قد أكلتها الارضة إلا اسم الله كما أخبرهم بذلك أبو طالب … فحينذاك دخل أبو طالب وأصحابه بين أستار الكعبة وقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحلّ ما يحرم علينا، ثم انصرف إلى الشعب.

واختلفت قريش، وعلم البعض بالظلم الذي لحق ببني هاشم; فتعاقد هذا العدد القليل على نقض الصحيفة، ثم أقبلوا على الناس وزعماء قريش وأعلنوا نقضهم للصحيفة. وبين الاخذ والردّ في الكلام، مُزّقتْ الصحيفة التي كانت قد أكلتها الارضة، فلما مُزّقتْ خرج بنو هاشم من حصار الشعب. وذلك في نهاية شهر جمادي الآخرة وبداية رجب(عام 10 للبعثة).

إيمان أبي طالب

لما بعث النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البشرية مبشراً ومنذراً، صَـدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله، ولكنه لم يظهر ايمانه تمام الاظهار بل كتمه; ليتمكن من القيام بنصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أسلم معه، فإنه إن أظهر إيمانه إظهاراً تاماً كان كأحد المسلمين الذين اتبعوا الدين الجديد وبالتالي تـتـقطع الخيوط والروابط التي تربطه بقريش ودينها ورجالاتها. فما دام مُظهراً لمذهب قريش يكون أشدّ تمكناً من المحامات والدفاع عن النفر القليل الضعيف الذي أسلم، إضافة لذلك، فإنه إن أظهر الإسلام لأزدادت نفرة قريش وبغضها له، ولاعتبر كأحد المسلمين الذين اتبعوا الدين الجديد ونكل دينهم، ولارتفع حجاب المراعات والمدارات بينه وبينهم تماماً فينابذوه بالقتال فيُـقتل ويُـقتل محمد (صلوات الله عليه وآله وسلم) ويُـقبَر الدين الجديد … وهذا ماتريده قريش. فما دام أبو طالب على دينهم ظاهراً يكون لهم بصيص أملٍ في أن يسلّمهم ابن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقتلوه. ولذلك كانوا لا يفترون عن المطالبة بمحمد بكل ما يستطيعون من مال وجاه ومقابلة وعوض …الخ. ومن جهة أخرى، لو كان أبو طالب غير مؤمن بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمل على تكذيبه، وتسليمه إلى قريش ولا يتحمل تلك المعانات والمآسي التي مرّت به في الشعب وفي غيره. وجودت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) تدلّ على إسلامه بل إيمانه، نذكر منها: ما روي روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من نفسه الرضا. وطبيعي أن رسول الله(صلى الله عليه وآ له وسلم)لا يرضى عن غير المؤمنين.

وقد روي عن أبي عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام) قوله: « إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسَرّوا الايمان وأظهروا الشرك، فأتاهم الله أجرهم مرتين ».

وعن الشعبي، يرفعه عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: « كان والله أبو طالب بن عبد المطلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً يكتم ايمانه; مخافة على بني هاشم أن تُـنابِذَها قريش …». كما وجودت روايات كثيرة عن صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تدلّ على أسلامه بل إيمانه، نذكر منها: عن حماد بن سلمة عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا ابن أخي ما ترجو لابي طالب عمك. قال: أرجو له رحمة من ربّي وكل خير. وما رواه ابن عمر في إسلام أبي قحافة يوم الفتح بقول أبو بكر: « … والذي بعثك بالحق لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشدّ فرحاً مني باسلام أبي… ». وقد إجماع علماء الشيعة على اسلامه بل إيمانه واجماعهم حجّة… ووافقنا على إسلامه جماعة من علماء أهل السنّة، إلا أن جمهورهم على خلاف ذلك. كما وافقنا على إسلام أبي طالب أكثر الزيديّة وبعض شيوخ المعتزلة وجماعة من الصوفيّة، وغيرهم.

وفاته

في26 رجب من السنة العاشرة للهجرة (على رواية) فقد رسول الله رجل مدافعا وجبلا جبارا وابا عطوفا فاهمه ذلك الفقد واحزن قلبه نعم فقد مات المربي والكافل والناصر، فيا لها من خسارة جسيمة ونكبة عظيمة، و يالها من أيام محزنة يفتقد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها سنده القوي وملجأه الأمين من عتاد قريش وحينما أعلم النبيّ(صلى الله غلية وآله وسلم) بذلك، قال لابنه:‹‹ امضي يا علي فتولّ غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره فاعلمني››. ففعل ذلك، فلما رفعه على السرير اعترضه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وقال:‹‹ وصلتك رحم، وجزيت خيراً يا عم، فلقد ربيت وكفلت صغيراً، ووازرت ونصرت كبيراً››،ثمّ أقبل على الناس وقال:‹‹ أنا والله لأشفعنّ لعمي شفاعة يعجب لها أهل الثقلين››.

عام الحزن

وبعد ذلك تكالبت قريش ونالت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغيتها وأصابته بعظيم الاذى بعد فقد الحارس الامين والناصر لدين الله سيد البطحاء ابو طالب(رضوان الله عليه)، فقال صلى اله عليه وآله وسلم): ‹‹لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم…››.

وتوالت الاحزان والآلام على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فتموت خديجة بعد ثلاثة أيام؛ سكنه الامين وساعده الاخر التي تطمئنه وتصبّره وتقاسِمه الآلام والمحن، فيالها من صدمة عاطفية جسيمة وخسارة معنويّة عظيمة، ويالها من أيام مُحزنة يفتقد فيها (صلى الله عليه وآله وسلم) ساعداه اللذان بهما نبتت بذرة الشريعة الإسلامية وانتصب كيانها، فعبّر عن ذلك بقوله:‹‹ اجتمعت على هذه الامّة في هذه الايام مصيبتان لا ادري بأيهما أنا أشدّ جزعاً››.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/حزيران/2011 - 26/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م