مؤازرة ضحايا التعذيب طريق الانسانية نحو التحرر

اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب

 

شبكة النبأ: من أكثر المؤشرات التي تدل على بؤس الانسان ويأسه وضعفه، عندما يتحول من كائن وديع سلس ومسالم، الى وحش كاسر يحاول أن يقضي على كل من يعارضه بالقول او الفعل بشتى الوسائل، هنا يحدد أمثال هذا الانسان -القوي في ظاهرة والضعيف جدا في حقيقته- إسلوبا واحدا لا غير في تعامله مع معارضيه، وهو اسلوب القمع، والقتل، والتعذيب، والتشريد، والاقصاء، وكل ما له علاقة بتدمير حياة المعارض.

وقد برع الحكام الطغاة على مر التأريخ، هم واجهزتهم الامنية الخاصة، في اكتشاف وسائل جديدة للتعذيب، قد لا تخطر على بال قط، وتحدثت لنا كتب التأريخ عن فنون التعذيب التي مارسها هؤلاء البغاة، على من يطلق صوته الرافض لسياساتهم، فثمة الروايات، والقصص والمؤلفات التي تحكي لنا، عن الجور والظلم الذي واجهته البشرية عبر تأريخها، من أولئك الحكام المرضى المعقدين، الذين لايرون شيئا في الحياة، سوى مصالحهم ومنافعهم، وحماية سلطانهم من الضعف او السقوط، وذلك بوسائل التعذيب المقرفة، التي يندى لها جبين الانسانية جمعاء.

ففي احدى الروايات، يتحدث كاتبها عن الخازوق الذي يخرق جسد احد المعارضين من فمه مرورا بأحشائه، حتى يخرج من مخرجه، فيما يذكرنا عبد الرحمن منيف في روايته (شرق المتوسط) بأساليب التعذيب المبتكَرة التي واجهها بطله (رجب) لدرجة أن القارئ يُصاب بالدهشة من صور التفنن في طرق التعذيب، على كل من يعارض الحكومة، او يرفع صوته مطالبا بحقوقه المشروعة.

ويذكر لنا الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في أحد مؤلفاته، أكثر من خمسين نوعا من انواع التعذيب، التي مورست ضد الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي، حينما ألقت أجهزة البعث الامنية في العراق القبض عليه، وحين تتأمل بأنواع التعذيب تلك، فإنك تجد فيها ابتكارا وتفننا لا لشيء، إلا لفناء الانسانية وتدميرها.

لهذا فإن مقارعة التعذيب بشتى الوسائل والسبل المتاحة، ينبغي أن يُعدّ هدفا للجميع، باستثناء الجهات التي تجد في التعذيب سبيلا للحفاظ على وجودها، وهذه الجهات هي التي ينبغي أن تكون هدفا لمسعى المؤسسات، والنخب، والمنظمات الدولية والمحلية، لكي يتم فضحها وتعريتها أمام المجتمع الدولي، من أجل التخلي عن اساليب التعذيب، بكل أشكالها وصورها القديمة او المبتكرة.

لقد أكد الامين العام للامم المتحدة، قائلا في رسالته التي وجهها للعالم أجمع، بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، المصادف في  26 حزيران/ يونيو: (في وقت غالبا ما تقابل فيه التطلعات المشروعة للشعوب، في الكثير من المناطق، للحرية والكرامة والحياة الأفضل، بالعنف والقمع، فإنني أحث الدول على احترام الحقوق الأساسية لجميع الناس. فالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقاب القاسية والميهنة واللا إنسانية، لا يمكن تبريرها حيثما وجدت، وكيفما كانت الظروف).

وبهذا لايمكن لأحد، او جهة حكومية، او مافيوية أو غيرها، أن تبرر التعذيب مهما حاولت أن تسبغ عليه من طابع تأديبي أو ما شابه، إذ أن الكثير من الحكومات القمعية تلجأ الى تبرير التعذيب، كونه وسيلة إصلاح للمنحرفين، كما تدّعي هذه الحكومات، ناهيك عن النفي والكذب والانكار، علما أن الانحراف في عرف هذه الحكومات، يمثله كل من يعارضها في النهج ويطالبها بالحقوق والحريات المدنية وما شابه، لذلك تحاول، بل تستميت مثل هذه الحكومات الدكتاتورية، في تبرير أفعال التعذيب التي يتعرض لها المعاضون لها.

لكن يبقى التعذيب في جميع الاحوال، كما يقول أحد الكتاب طريقا (إلى إفناء شخصية الضحية وإنكار الكرامة الكامنة لدى الكائن البشري. وكانت الأمم المتحدة قد نددت بالتعذيب منذ البداية بوصفه أحد أحط الأفعال التي يرتكبها البشر في حق إخوانهم من بني الإنسان).

فإذا كان التعذيب من أكثر أفعال الانسان إنحطاطا، ينبغي أن يشكل ذلك دافعا لنا جميعا، لكي نستمر في فضح الجهات التي تستخدم اسلوب التعذيب، تحت أية حجج كانت، بغض النظر عن سلطتها او بطشها، فالاهداف الكبيرة تتطلب تضحيات كبيرة ايضا، ولابد أن يكون الجهد البشري العام المبذول في مجال وقف التعذيب كبيرا ومتواصلا، كما أن السعي في هذا الصدد ينبغي أن يشمل مساندة ضحايا التعذيب في عموم المعمورة، إذ لاتزال هناك حكومات قمعية دكتاتورية، وحكام طغاة في مشارق الارض ومغاربها، ولا تزال الحاجة لفضحهم قائمة، وهم يستخدمون التعذيب في أسوأ صوره، كوسائل تأديبية لمن يعارض حكمهم، أو لمن يطالب بحرياته وحقوقه الاساسية.

لهذا السبب تؤكد الامم المتحدة في مجال مكافحتها للتعذيب ومساندة ضحاياه: (إن التعذيب جريمة بموجب القانون الدولي. وهو محظور تماما وفق جميع الصكوك ذات الصلة، ولا يمكن تبريره في ظل أية ظروف. وهو حظر يشكل جزءا من القانون العرفي الدولي، ويعني ذلك أنه يلزم كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي، دون اعتبار لما إذا كانت الدولة قد صادقت على المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب صراحة أو لم تصادق عليها. وتشكل ممارسة التعذيب على نحو منتظم وبشكل واسع النطاق جريمة ضد الإنسانية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/حزيران/2011 - 26/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م