العقول الخمسة لا توجد في كل مكان

لطيف القصاب

(خمس عقول للمستقبل) هذا الكتاب جدير بالتأمل فعلا. انه للمفكر الغربي هوارد غاردنر، وهو الماني من اصل يهودي.

يؤكد غاردنر ان العقول التي تستحق الاهتمام هي خمسة لا تزيد ولا تنقص، وتوجد في كل مكان بالعالم تقريبا، وأول تلك العقول في (المرتبة لا الاهمية) هو العقل المتخصص، ويُسمى أصحابه بلغة السياسيين مجتمع التكنوقراط.

انه عقل رائع ولكنه يفقد القدرة على التركيز اذا ما حاول اللعب في غير ساحة تخصصه الدقيق، لذلك فان صاحب هذا العقل غالبا ما يكون عرضة للتلاعب من لدن صاحب العقل الثاني، أي صاحب العقل المركب، هذا الذي يجيد اللعب والفوز في اكثر من ساحة واحدة، كما هو الحال عند اغلب السياسيين المحترفين ومنهم بعض السياسيين العراقيين.

 أما العقل الثالث فهو العقل الإبداعي واصحابه يجيدون اثارة اسئلة غير اعتيادية مثلما يجيدون الاجابة عن هذه الاسئلة بطرق غير اعتيادية!. ويتجسد عمليا هذا العقل لدى اغلب المثقفين من فنانين وشعراء وادباء وصحفيين ونحوهم.

أصحاب هذا العقل ينقسمون بطبيعتهم الى قسمين رئيسيين: الاول وهم المطواعون والادوات التي يسهل تسييرهم من لدن بعض السياسيين من أصحاب العقول المركبة. والقسم الاخر عصي على السيطرة السياسية ويضع حريته الفكرية واستقلاليته الشخصية قبل أي مكسب آخر، وعادة ما يفضل هؤلاء معارضة الانظمة السياسية المستبدة ويتعرضون بسبب ذلك الى بطش رجال الشرطة وأشباههم، لكن بعض هؤلاء عندما يتحولون من خط المعارضة الى خط السلطة فانهم يفقدون مع الاسف الشديد رهافة الحس التي كانوا يمتازون بها في ما مضى، بل يقدم قسم منهم على ممارسة اكثر افعال الشرطة قسوة وكراهية وجنونا. ولدينا في العراق امثلة على هذا النوع، من الافضل لأي انسان يتحلى ولو بذرة (عقل) واحدة ان لا يذكر أسماءهم أو مناصبهم على ملأ من الناس أو عبر وسائل الاعلام!

العقل الرابع هو العقل المحترم بكسر الراء. هذا العقل يتسم باحترام جميع أصحاب الآراء والنظريات بضمنهم جميع اصحاب العقول الثلاثة الاولى، حتى أولئك الشرطة والساسة الذين لا يقيمون وزنا لصاحب هذا العقل. هذا العقل يمكن ان يكون محترما بفتح الراء من لدن اصحاب العقول كافة بل حتى من لدن اكثر افراد الشرطة والسياسة فظاظة وابتعادا عن اللياقات السليمة اذا ما أدمن صاحب هذا العقل على خصلة نكران الذات وتقديم الصالح العام على اعتباراته الذاتية.

ان هذا العقل بالذات بمقدوره ان يصبح عقلا اخلاقيا اذا ما اجاد تهذيب غرائزه ونوازعه بما فيه الكفاية ؛ والعقل الاخلاقي هذا هو العقل الخامس من حيث المرتبة والاول من حيث الاهمية انه العقل المهتم دائما بتقديم المصلحة العامة على المصلحة الذاتية. وعندما يتعامل صاحب هذا العقل مع الاصدقاء فانه يظل بمنأى عن شبهة التقييم الخاطيء بجميع اشكاله والوانه، وعندما يتعامل صاحب هذا العقل مع الخصوم فانه يبقى في دائرة المروءة التي تمنعه على سبيل المثال من ان ينسب لخصمه ما ليس فيه.

بالمناسبة ان هذا العقل ليس حكرا على العلماء والفلاسفة والمثقفين ونحوهم. انه يوجد حتى في اكثر البيئات تخلفا من النواحي التقنية والمعرفية.

هناك اميون يمتازون بهذا العقل الفريد ويوجدون في كل مكان في العالم. وهناك سياسيون ايضا يتحلون بنعمة هذا العقل ولكن ليس في كل مكان في العالم. نحن في العراق على سبيل المثال لم نعثر على واحد منهم حتى الان!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/حزيران/2011 - 24/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م