قضايا عراقية... من ارتفاع معدلات البطالة الى رواج تجارة الكلاب

 

شبكة النبأ: كان لإرهاصات الحرب والاقتتال الداخلي الذي عصف بالعراق الكثير من الإسقاطات الاجتماعية البارزة، شكلت في معطياتها ظواهر لا تزال قائمة على الرغم من انتفاء أسبابها، وأخرى أيضا لا تزال مستمرة تأثرا بالواقع المعاش.

حيث يشير المراقبين الى غرابة تلك الظواهر الاجتماعية على السكان في العراق، على الرغم كون بعضها يخلف اثرا ايجابيا على ثقافة المجتمع وسلوكياته، فيما تفرز نظيراتها آثار سلبية ستبقى عالقة في سلوكيات البعض الى فترة ليست بالقصيرة. كما رصدت مؤخرا العديد من تلك المظاهر في بعض المدن العراقية، خصوصا التي عرفت الى حين بالساخنة، وهي شواهد على حجم التغيير الذي مر بها.

قوارب المهربين تتحوّل إلى مقاه عائمة

فلم يكن الاستمتاع بأشعة الشمس الدافئة على ضفاف شط العرب بالعراق ممكنا خلال الفوضى التي اعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. ساعتها كانت العبارات تتكدس في هذا الممر المائي حيث كان المهربون ينقلون عليها النفط الخام والاسلحة والجنود. لكن في السنوات الاخيرة اعادت حملة على الميليشيات الشعور بالحياة الطبيعية في البصرة احدى اكثر مدن العراق سكانا والمركز الجنوبي لصناعة النفط المزدهرة بالبلاد.

والان يعكف رجال أعمال محليون على تحويل زوارق المهربين الى مقاه ومطاعم عائمة. وقالت زهرة البجاري رئيسة لجنة السياحة والآثار بمجلس محافظة البصرة "استتباب الأمن واستقرار الحالة خاصة في محافظة البصرة وتوجه المواطن وتوجه المستثمر إلى التوسيع وتطوير الحالة الاقتصادية للمواطن وكذلك استثمار في الكثير من النواحي ومنها النواحي السياحية في البصرة استخدمت هذه الجنائب ككازينوهات لغرض ترفيه المواطنين والتمتع بالمنظر الرائع على ضفاف شط العرب."

واضافت "الآن التحول الذي نراه في استخدام هذه الجنائب طبعا يخدم البصرة ويقلل من التشوه الذي كان موجود في البصرة وكذلك استخدامها باعتبارها مصنوعة محليا هذا وارد أكثر ويرفع من الحالة الاقتصادية."

وكان المهربون يمارسون أنشطتهم غير المشروة بحرية على شواطئ البصرة قبل حملة امنية شنتها الحكومة عام 2008 لاعادة الامن. وكانت المنطقة تشتهر بالمخدرات والدعارة والتجارة غير المشروعة.. لكن الآن تخيم عليها رائحة اللحم المشوي وتبغ النرجيلة المعطر على الشاطئ. بحسب رويترز.

وقال مصطفى صادق في احد المقاهى العائمة لرويترز "كانت هذه المنطقة مقطوعة ما نقدر نوصلها بطريقة رسمية كمنطقة ترفيهية. الآن في خلال هذه الأربع سنوات.. الخمس سنوات استطعنا أن نصل ورأينا أنها مناطق ترفيهية.. كازينوهات وأشياء حلوة نحب أن نراها.. نجلس ونقضي أمسيات حلوة.. فرق ما بين قبل والآن."

وقال رجل اخر يدعى ابتهاج موسى "حتى نطلع أنا وأصدقائي أو أجلب الأهل. شيء راقي من تقعد قرب الماء.. تتعشى أو تقعد تدخن نرجيلة. شعور لا يوصف. حتى عندما تقوم وتدفع الحساب تتفاجأ الحساب يطلع كذا مبلغ تشوف الجلسة والونسة والترفيه الذي ترفهناه يفوق على المبلغ بكثير من المرات".

وعودة مقاهي شط العرب للعمل علامة اخرى على عودة الشعور بالحياة الطبيعة في العراق الذي لا يزال يعاني من الجماعات الاسلامية المسلحة.

وفي العاصمة بغداد يعاد فتح النوادي الليلية والمطاعم وتعاد زراعة الحدائق. ويبني رجل اعمال دورا للسنيما في نواد خاصة. ويجري تجديد الفنادق الكبرى. وفي اربيل عاصمة اقليم كردستان شبه المستقل بشمال العراق يستطيع السكان ممارسة السباحة في حوض عام والاستمتاع بلعبة البولينج وبركوب العربات المعلقة بل وبالتزلج على الجليد.

ارتفاع معدل البطالة

من جهة أخرى لقي قرار الحكومة العراقية بترحيل العمالة الأجنبية عن البلاد صدى إيجابيا لدى أعداد كبيرة من العراقيين العاطلين عن العمل. إذ يخشى هؤلاء من تأثير العمال الأجانب على السوق المحلية خصوصا وأنّ عددهم تزايد في السنوات الماضية.

وبالرغم من أن الإحصائيات الرسمية تقدر عددهم بستة ألاف عامل أجنبي غالبيتهم تم دمجهم في القطاع الخاص، فإن الانطباع السائد في العراق هو أن هذه التقديرات تبقى بعيدة عن الدقة في ظل غياب الضوابط القانونية التي تنظم دخول هؤلاء إلى البلاد. المهم أن ذلك يأتي في وقت يعاني فيه العراق، رغم تحسن اقتصاده عما سبق عام 2003، من بطالة مزمنة ورثتها الدولة العراقية الجديدة من تراكمات الماضي.

وتشير أخر إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى مليون و200 ألف عاطل عن العامل، الكثير منهم من حملة الشهادات الجامعية. وكانت الحكومة العراقية قد أصدرت قراراً يقضي بترحيل العمال الأجانب العاملين في العراق إلى بلدانهم، وذلك بهدف التقليل من نسبة البطالة بين الشباب العراقي، وفقاً للجنة العمل والشؤون الاجتماعية النيابية.

عامل البناء محمد علي شاتي اعتبر قرار الحكومة العراقية القاضي بترحيل العمالة الأجنبية خطوة ايجابية، تصب في مصلحة العامل المحلي. ويقول شاتي (42عاماً) "إن قرار ترحيل العمالة الأجنبية بشكل عام والآسيوية على وجه الخصوص سيساعد على خلق فرص عمل جديدة بين الآلاف من العاطلين العراقيين". وبينما تنشغل عيناه إلى المارة من أجل الحصول على فرصة عمل، يضيف شاتي: "صباح كل يوم أخرج إلى العمل مبكراً لعلي احصل على فرصة عمل أكسب منها قوتي وقوت عائلتي اليومي، فالوقت متأخر الآن ولم احصل على رزقي اليومي وفرص العمل هنا أصبحت ضئيلة جداً".

حسين جمال قاسم، هو الأخر عامل بناء، فبعد أن حصل على الشهادة الثانوية التحق بصفوف جيوش الآلاف من الكادحين العراقيين في شوارع العاصمة بغداد بحثاً عن لقمة العيش لكي يساعد عائلته المكونة من سبعة أفراد.

ويرى قاسم (22 عاماً) أن "عزوف العمالة العراقية عن ممارسة بعض المهن شجع على دخول الأيدي العاملة الأجنبية إلى البلد ". وإذ رحب قاسم بقرار الحكومة العراقية حول العمالة الأجنبية فإنه دعا إلى "ضرورة تأسيس نقابات عمالية لضمان حقوق العمال المحليين".

وشهد العراق تظاهرات غاضبة شارك فيها شباب عاطلون عن العمل، وطالبوا بتوفير وظائف ومكافحة الفساد وإجراء إصلاحات.

والكثير من العمال الأجانب القادمين من دول آسيوية كالهند وسريلانكا وبنغلاديش والنيبال والفلبين يواجهون مشكلة عدم شرعية إقامتهم في العراق، ما يجعل من حركتهم خارج مكان العمل معدومة. فقد دخل جميعهم البلاد من دون تصاريح عمل ومن خلال تأشيرات سياحية فقط.

صاحب إحدى مكاتب توظيف العمالة الأجنبية في بغداد أبدى امتعاضه الشديد من قرار الحكومة العراقية القاضي بتسفير العمال الأجانب ومنع منحهم تأشيرات الدخول. ويقول صاحب مكتب التوظيف، الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب وصفها بالأمنية، في حوار مع دويتشه فيله: "إن العامل الأجنبي بحكم وضعه المادي المتدني والمسافة التي قطعها من بلده إلى العراق، يكون أكثر حرصاً على إتقان عمله وبأفضل صورة، وإن الكثير من أصحاب الشركات ومكاتب التشغيل يفضلون العامل الأجنبي على العراقي لقلة أجوره وزيادة عدد ساعات عمله نسبة إلى العامل العراقي الذي ينتابه نوع من البطر في بعض الأحيان". وطالب المتحدث الحكومة العراقية "بضرورة الحفاظ على الحقوق المالية للعمالة الأجنبية واسترجاع حقوقهم من أصحاب العمل قبل ترحيلهم من العراق".

وفي ضوء هذه الإشكالية أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أنها بصدد وضع ضوابط جديدة لتنظيم العمال الأجانب إلى العراق وإلزام أرباب العمل بتحديد عدد ساعات العمل وأيام العطل للعمال الأجانب. واعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية نصار الربيعي أن وزارته أضافت بندا إلى عقود العمـل الموقعة مع الشركات الاستثمارية التي دخلت العراق، يلزمها بأن يكون نصف الأيدي العاملة في مشاريعها من العراقيين. ويعمل معظم العمال الأجانب في تقديم الطلبات وفي استقبال وتوصيل المرضى وتنظيف الأرضيات في المستشفيات الخاصة، وكذلك في الفنادق ومدن الألعاب الخاصة وبعض المحال التجارية.

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي، ورئيس تحرير جريدة مجتمع الأعمال العراقي، اسعد العاقولي أن "زيادة الاعتماد على اليد العاملة الأجنبية تعد سبباً لتفشي ظاهرة البطالة في العراق، التي ازدادت وبشكل ملحوظ بعد عام 2003". فهذه العمالة الرخيصة أصبحت مفضلة في سوق العمل.

ويشير العاقولي إلى أن "الاقتصاد العراقي يعاني من بطالة مزمنة كتلك التي تعاني منها اقتصاديات بعض دول الخليج والتي يصعب حلها إلا من خلال تدخل الدولة بشكل مباشر وفعال عن طريق تقنين إدخال العمالة الأجنبية إلى العراق".

ويلفت العاقولي إلى وجود سبب آخر وأهم في ازدياد نسبة البطالة في العراق والمتمثل "بالإغراق السلعي" والناتج عن دخول كميات كبيرة من السلع والبضائع إلى البلد وبأسعار رخيصة الثمن والتي تنافس الصناعة المحلية وتعمل على تجميد المصانع والمعامل، ما أدى إلى إغلاقها وتسريح عمالها. ومن أجل مكافحة هذه الظاهرة يؤكد الخبير الاقتصادي على "ضرورة دعم القطاع الخاص للقضاء على البطالة التي وصلت نسبتها إلى أكثر من 35 في المائة، فمن المستحيل على القطاع العام وحده استيعاب هذا العدد".

تجارة الكلاب

على صعيد متصل دفع تردي الوضع الأمني في العراق في السنوات الأخيرة إلى رواج تجارة الكلاب لإغراض الحراسة وكشف مواقع المتفجرات والتفتيش، كما فتح الباب أمام استيراد فصائل مختلفة ومتنوعة من هذا الحيوان الأمين، فضلاً عن إقامة مدارس متخصصة بتدريب الكلاب، التي صار نباحها صوتاً مألوفاً في شوارع اغلب المدن العراقية في ظل موجة الاستهداف المتكررة التي تطال المواطنين بالعبوات الناسفة في البلاد.

يقول أحد منتسبي وزارة الداخلية العراقية: "في أحد الأيام تسللت مجموعة إرهابية سور منزلي وقاموا بوضع عبوة متفجرة داخل سيارتي التي كانت متوقفة في فناء المنزلي الخارجي. وعن طريق المصادفة اكتشف أحد أفراد عائلتي تلك المواد المتفجرة وبعد ذلك اتصلت بوحدة مكافحة المتفجرات التابعة لوزارة الداخلية وقاموا بتفكيكها دون حدوث أي ضرر". ويضيف محمد عبد الله عامر (45عاماً) "على إثر ذلك الموقف قررت شراء كلب مدرب على الحراسة لغرض تنبيهنا بوجود الأشخاص الغرباء أو الكشف عن الأجسام الغريبة".

أما المواطن صادق حسن هادي فلم يذهب بعيداً عما قاله عامر، إذ يرى أن منع المواطنين من اقتناء الأسلحة من قبل الحكومة العراقية وفي ظل تردي الوضع الأمني في البلاد وعجز الأجهزة الأمنية عن بسط سيطرتها بشكل تام في تحقيق الأمن والاستقرار كلها عوامل شجعت على حيازة كلاب الحراسة. ويضيف هادي أن الكلاب المدربة جيداً "لها قدرة خارقة على التعرف على الغرباء، وبحاسة شمها القوية يمكن أن ينبه صاحبه إلى من يحمل سلاحاً".

يقول صباح العزاوي، صاحب أحد محال بيع الكلاب في بغداد، في السابق كانت هواية البعض من القادرين هي تتركز على شراء القطط وكلاب الزينة والحيوانات الأليفة الأخرى، أما مؤخراً وبسبب تدهور الوضع الأمني في البلاد فيقبل الكثيرون على شراء الكلاب المدربة على الحراسة.

ويضيف العزاوي (60 عاماً) . أن أسعار الكلاب تتراوح ما بين (500-2500) دولار أمريكي، وذلك "حسب درجة نقاوتها وذكائها وتدريبها"، مشيرا إلى أن الكلاب الألمانية هي الأكثر طلباً من قبل الزبائن العاديين وكذلك من قبل أجهزة الأمن في العراق.

أما بشأن الأنواع التي يفضلها العراقيون، فيشير العزاوي إلى وجود عدة أنواع، تم استيرادها من جمهورية ألمانيا الاتحادية، مثل كلب الدوبرمان، والبوكسر، رايت وايلر، جيرمن شيبرد أو الـ(سلوب)، جيرمن شرودك، ارزيشن وهي من فصيلة الــ(وولف دوك)، والتي تعتبر ـ كما يقول ـ من أبرز الأنواع المعروفة في كلاب الحراسة.

كريم هاشم، بيطري وصاحب مدرسة لتدريب كلاب الحراسة في بغداد، يقول هناك إقبال كبير من قبل المواطنين على شراء الكلاب وتدريبها لمهام الحراسة وكشف الأجسام الغريبة كالمتفجرات. ويضيف كريم (53 عاماً)، والذي يقوم بتدريب أحد كلاب زبائنه على كشف المتفجرات، أن أفضل الكلاب التي تستجيب للتدريبات بسرعة وذكاء هي تلك التي تتراوح أعمارها مابين ستة إلى تسعة أشهر والتي يستغرق تدريبها مابين 40-60 يوماً. بحسب دويتشه فيله.

وعن كيفية تدريب الكلاب الشرسة على الحراسة أو كشف المتفجرات والمواد المخدرة يوضح هاشم في حديثه قائلاً أهم خطوة يتم فيها ترويض الكلب المراد تدريبه هي معرفة الشخص الذي يقوم بتربيته من خلال "علاقة مبنية على الصداقة مع الكلب". وبعد ذلك يتم تعريف الكلب بالتدريب المستمر على الأشياء المتفجرة أو الأسلحة والمخدرات. ويشير إلى أن الأجهزة الأمنية قد استعانت في وقت سابق بخبراته على تدريب كلاب الحراسة على كشف المتفجرات.

أكثر من 89 ألف عائلة عراقية عادت من النزوح والهجرة

من جهة أخرى اعلنت وزارة الهجرة والمهجرين ان اكثر من 89 الف عائلة مسجلة لديها حسب المحافظات لشهر آذار، عادت من النزوح والهجرة. وقال مدير عام دائرة المعلومات والبحوث في الوزارة رياض فاضل إن محافظة بغداد جاءت بالمرتبة الاولى في عدد العوائل العائدة من النزوح الخارجي وبلغ عدد العائدين اكثر من 7 الاف شخص في حين وصل عدد العائدين من النزوح الداخلي في المحافظة نفسها الى اكثر من 34 الف شخص تلتها محافظة ديالى في المرتبة الثانية في عدد عائديها من النزوح الداخلي وبلغ اكثر من 15 الف شخص. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

واضاف ان محافظة البصرة جاءت بالمرتبة الاولى في عدد العائدين من المهاجرين اذ بلغ عددهم اكثر من 6 الاف شخص تلتها محافظة ميسان بالمرتبة الثانية وبلغ عددهم اكثر من 3 الاف عائد، فيما احتلت محافظة واسط المرتبة الاولى بعدد العائدين من المسفرين وعددهم 565 عائداً.

العنوسة.. ظاهرة تتسع في كردستان

الى ذلك على الرغم من الانتعاش الاقتصادي الكبير الذي تشهده كردستان منذ سنوات وتحسن الأحوال المعيشية للكثير من الأسر الكردية، وعلى الرغم من التغييرات الاجتماعية فيما يتعلق بنظرة المجتمع إلى العلاقات العاطفية.

التي باتت إلى حد ما مقبولة اجتماعيا، خصوصا مع انتشار الهواتف المحمولة وتحرر البنات إلى حد كبير من القيود الاجتماعية ودخولهن معترك العمل الوظيفي، ذلك كله سهل للبنات مهمة البحث واختيار شريك حياتهن على عكس العقود السابقة التي كانت الفتاة حبيسة أربعة جدران في المنزل تفرض عليها الكثير من القيود بالخروج أو إنشاء علاقات غرامية. لكن اللافت أن إقبال الشباب من الجيل السابق على الزواج وتكوين الأسرة كان أكبر بكثير من إقبال الجيل الحالي، على الرغم من الفوارق الكبيرة من فقر الشباب في تلك العقود مقارنة بتحسن أحوال الكثيرين منهم الآن، خاصة من ناحية قدرتهم على تحمل تكاليف متطلبات تجهيز العرس، بل وحتى تجهيز بيت السكن، لكن شباب كردستان عازفون اليوم عن الزواج لكثير من الأسباب يوضحها الباحث الاجتماعي يوسف عثمان قائلا: «حسب الدراسات المعتمدة يعتبر العراق ثالث دولة بالعالم العربي من حيث ارتفاع نسبة العنوسة، وتحتل كردستان نسبة 36% من مجموع العوانس بالعراق، وهناك عدة عوامل أساسية لانتشار الظاهرة، من أهمها: عدم الاستقرار الأسري وانعدام تربية عصرية خاصة داخل الأسر الكردية، وهي بالطبع جزء من المجتمع الشرقي؛ فمسألة المكانة الاجتماعية والشهادة العلمية ما زالتا تحتلان الجانب الأكبر من مطالب تلك الأسر، هذه المعايير ما زالت سائدة داخل المجتمع الكردستاني؛ لذلك فإن الأسر لا تزوج بناتها لمن هم أدنى مستوى اجتماعي منها، وكان هذا أحد أهم العوامل الأساسية لتأخر الزواج بالنسبة للكثير من البنات في السابق وما زال هذا المعيار موجودا لدى الكثير من الأسر الكردية. العامل الثاني هو القيد الاجتماعي المرتبط بالتقاليد والعادات القديمة، وهو بدوره ما زال له وجود داخل الكثير من الأسر، مثل عدم تزويج البنات خارج العشيرة أو القبيلة، والعامل الثالث هو التطور الثقافي والاجتماعي؛ فالكثير من الشباب الكردي هاجروا إلى الخارج وتثقفوا هناك بثقافات شعوب الدول التي منحتهم اللجوء أو حتى الجنسية، ويعود الكثيرون منهم إلى كردستان وقد تعودوا على ثقافة أوروبية تختلف عن ثقافة المجتمع الكردستاني، ومن الصعب عليهم تقبل الكثير من العادات والتقاليد التي عاشوا في ظلها سابقا؛ لذلك يصطدمون بالواقع الذي عادوا إليه ولا يستطيعون التعايش وفق تلك التقاليد القديمة فتحدث الكثير من المشكلات داخل الأسر، مما يخوف الشباب من الإقدام على مغامرة بهذا المجال». ويضيف الباحث عثمان إلى هذه العوامل العامل الاقتصادي أيضا، ويؤكد أن تكاليف الزواج باتت مكلفة جدا لا يستطيع الكثير من الشباب حاليا الإيفاء بها. وبهذا الجانب حاولت حكومة الإقليم، عبر الكثير من الإجراءات، أن تخفف من حدة الأزمة من خلال إطلاق سلف الزواج التي كانت مليونين ونصف المليون، زادها رئيس الحكومة برهم صالح إلى 5 ملايين دينار، ما يعادل 4 آلاف دولار، وهو مبلغ يكفي لتأثيث منزل الزوجية إلى حد ما، كما أقدمت الحكومة على إنشاء الآلاف من الوحدات السكنية عبر الشركات الاستثمارية لصالح الشباب المقدمين على الزواج، وهناك مشاريع أخرى كثيرة، من أهمها تقديم القروض الصغيرة للشباب لتشغيلها في مشاريع خاصة. ويتحدث الباحث عن تداعيات هذه الظاهرة على البنات ويحددها بعدة جوانب نفسية واجتماعية؛ ففي الجانب النفسي يعتقد يوسف عثمان أن «فشل البنت في الزواج يؤدي إلى حالة من الإحباط النفسي عندما تقارن نفسها بقريناتها، إلى جانب خوفها الدائم من عدم تقدم الشاب المناسب لها بعد أن تكون قد تقدم بها العمر، ففي مثل هذه الحالات هي لا تنتظر شابا يتقدم إليها وبه جميع المواصفات، بل عليها أن تقبل ولو برجل كبير بالعمر أو به نوع من العيوب أو أن يكون مطلقا أو راغبا بالزواج بامرأة ثانية، وفي مجمل هذه الحالات سوف تعاني المرأة صراعا نفسيا غير مستقر، أضف إلى ذلك كله خوفها الدائم من فشلها في الإنجاب بل وحتى ضعف التخصيب لديها، وفي أحيان أخرى توقف الدورة الشهرية، أما في الجانب الاجتماعي فإن المرأة تواجه في هذه الحالات نقدا دائما من المجتمع عن أسباب عدم زواجها، وتوجيه أسئلة محرجة لها، مما سيدفعها إلى المزيد من الانعزال والانزواء». بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وترى الفتاة (سوزان) التي استخدمت هذا الاسم المستعار دفعا للإحراج أن «البرلمان الكردستاني يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بهذا الجانب». وتقول: «التعديلات التي أجريت على قانون الأحوال الشخصية، التي منعت الزواج بامرأة ثانية، أسهمت بدور كبير في ازدياد الظاهرة؛ فأنا كنت على وشك الزواج برجل تقدم لي، لكن زوجته الأولى رفضت التوقيع أمام القاضي بالموافقة على زواجه بي ففشلنا في عقد زواجنا، والقانون يفرض غرامات كبيرة بل وحتى عقوبات بالسجن لمن يعقد خارج إطار المحكمة الشرعية».

لكن تارا تحسين ياسين، النائبة البرلمانية وعضو لجنة شؤون المرأة والطفل والأسرة بالبرلمان الكردستاني، التي ترفض إطلاق صفة «العنوسة» على الفتيات المحرومات من الزواج وتصفهن بـ«نساء كبيرات السن»، معتبرة إطلاق صفة العنوسة إهدارا لكرامتها وحطا من قدرها بل وتشهيرا بها، تقول: «من الناحية الدينية ليس هناك أي مانع بالزواج من امرأة ثانية، ونحن في البرلمان الكردستاني نهتدي بالطبع بالشريعة الإسلامية، لكن الدين يشترط في حالة الزواج بأكثر من امرأة أن يكون هناك عدل، وهذا أمر مستحيل تماما، وأستطيع القول إنه لا وجود لأي زوجة سعيدة تقترن برجل وعلى ذمته امرأة أخرى، كما أن هناك مشكلة أخرى متعلقة بالتفاوت الاجتماعي الذي يحتل الجانب الأكبر من المشكلة؛ فأنا أعتقد أن أهم أسباب تأخر الزواج يعود إلى هذا الجانب، أضف إلى هذه العوامل مسألة القسمة والنصيب، لكل هذه الأسباب قيَّد البرلمان الكردستاني أمور الزواج، لكنه لم يمنعها بل وضع ضوابط محددة لعقدها بما يحقق مصلحة المرأة». كانت «ب. ش»، التي بلغت اليوم 36 سنة، لها الكثير من المواصفات التي تنتظر توافرها في الشاب المتقدم إليها، كأن يكون وسيما وأحواله المعيشية جيدة وله شهادة علمية تقترب من شهاداتها الجامعية وتخصصها في اللغة الإنجليزية، ولكنها رويدا رويدا وسنة بعد أخرى أصبحت تقدم تنازلات عن تلك المواصفات، بل إنها باتت تقبل، كما تقول، حتى بشاب أمي يتقدم للزواج منها دفعا للإحراج الاجتماعي ونظرة السوء التي تطالعها بعيون الكثير من زملائها بالعمل. وتضرب «ب» مثالا بإحدى الوزيرات بحكومة الإقليم التي تزوجت سائقها الخاص وتقول: «عندما يفوتك القطار لا بد أن تقدم التنازلات وإلا ستبقى إلى الأبد موصوما بالعار داخل المجتمع؛ لذلك لا أمانع بالزواج حتى بشخص أمي إذا تقدم لي». وتلجأ فتيات شابات في مقتبل العمر إلى التلفزيونات المحلية لإرسال رسائل نصية بهدف البحث عن شريك العمر. وتمتلئ الأشرطة السفلية لشاشات التلفزيونات المحلية برسائل تبعثها الفتاة وتدون فيها رقم هاتفها بقصد البحث عن الصداقات بهدف الزواج، ولا ندري هل نجحت إحداهن بالعثور على ضالتها أم ما زالت تنتظر، لكن انتشار هذه الظاهرة ينبئ بوجود مخاوف لدى الفتيات حتى في السن المبكرة من فوات فرصة الزواج عليهن. المعالجات يحددها الباحث يوسف عثمان بالقول: «أشجع على الزواج المدني بعيدا عن تدخلات الأسرة وقيمها وعاداتها، ويفترض تغيير النمط السائد في تدخل الأسرة باختيار الفتاة لشريك حياتها، كما يفترض بالفتاة أن تغير نظرتها أيضا تجاه المتقدمين لها، فلم يعد هناك وجود لفارس الأحلام كما في القصص الغرامية، نحن نعيش في الواقع وعلى الفتاة أن تكون جزءا من هذا الواقع الذي لا وجود فيه لشخص مثالي وكامل المواصفات، خاصة بالنسبة للفتاة التي تدخل العمر ويدركها الزواج، عليها أن تقبل بأنصاف الحلول وإن لم تكن فأرباع الحلول، كما على المجتمع أن يغير بدوره من نظرته إلى العانس، فهذه لم تكفر ولم ترتكب خطيئة أو جريمة بعدم زواجها، وهي لا ذنب لها مطلقا في عدم عثورها على الزوج المناسب، والأهم من ذلك كله هو تدخل الحكومة من خلال بعض الإجراءات لتشجيع الشباب على الزواج، خاصة رفع مقدار سلفة الزواج؛ فنحن لدينا دراسات وإحصاءات تشير إلى أنه مع إطلاق سلفة الزواج مليونين ونصف مليون دينار ارتفعت حالات الزواج بنسبة 80%، وهذا طبعا قبل زيادة السلفة إلى 5 ملايين، وأعتقد أن السلفة لو زادت أكثر من ذلك فإن النسبة ستتعاظم كثيرا، كما على الحكومة أن تحل مشكلة السكن وأن توفر الوظائف للشباب، فذلك كله يدخل في إطار المعالجات الجذرية لظاهرة العنوسة وتأخر الزواج». من جهتها، تقول تارا تحسين، النائبة البرلمانية: «فيما يتعلق بالبرلمان، فإننا سنطرح هذا الموضوع على نطاق البحث؛ لأن الحالة وصلت فعلا إلى مستوى يشكل خطرا على البنيان الاجتماعي، وأنا لا أعتقد أن المعالجة ستتم بمجرد إجازة الزواج بامرأة ثانية كما تدعي بعض النسوة؛ فالمشكلة أكبر من ذلك وتتطلب جهودا مكثفة لاحتواء تداعياتها، أنا عن نفسي لن أقبل بأي قرار من البرلمان ينتهك حقوق المرأة، والزواج الثاني يحمل الكثير من الانتهاكات اليومية لحقوق المرأة؛ لذلك لا يجب أن نعالج مشكلة بمشكلة أخرى، علينا أن نبحث في أصل المشكلة وأسبابها ونعمل على حلها بالطرق القانونية والتشريعية، والبرلمان يجب أن يتدخل بهذا الجانب بما يحقق مصلحة المرأة ويضع حدا للمشكلة». يُذكر أن أسعار الذهب، وهو من أهم مستلزمات تجهيز العروس بكردستان، سجلت أرقاما خيالية، مما أسهم في ازدياد حالات التردد بالزواج، ويعيد الكثير من المتعاملين بهذا المعدن الثمين أسباب ذلك الارتفاع الجنوني إلى الأسعار العالمية، ويرى الصائغ فتح الله حميد، من السليمانية، أن «أسعار الذهب صحيح مرتفعة جدا ولا تتناسب مع دخول الجزء الأكبر من المجتمع الكردستاني، وأن هذه الأسعار تحمل بالفعل الشباب المقبلين على الزواج أعباء كبيرة لا طاقة لهم بها، لكني أعتقد أن الحكومة إذا استطاعت أن توفر السكن والوظيفة للشباب فإنها تكون قد أسهمت بحل الجزء الأكبر من المشكلة، وأعتقد أن المشكلة الأساسية لا تنحصر فقط بأسعار الذهب، على الرغم من أن تجهيز العروس جزء أساسي من العملية، لكني ألاحظ أن الكثيرين من الذين يأتون لشراء الذهب، خصوصا في هذه المرحلة، يقتنعون بجزء بسيط فقط دفعا للإحراج، وطبعا هناك من يشتري بالكيلوات، لكنهم نادرون جدا، والأكثرية ترضى بما تتحمل جيوبهم وهذا بحد ذاته حالة صحية، خصوصا مع ازدياد ظاهرة العنوسة بكردستان».

الحماية من العنف الأسري

من جانبها كشفت وزير الدولة لشؤون المرأة ابتهال الزيدي عن اعداد مسودة لقانون الحماية من العنف الاسري. وقالت الزيدي في كلمة خلال احتفالية اقامتها وزارة حقوق الانسان بمناسبة عيد المرأة إن هناك جملة من الاجراءات تسعى وزارة الدولة لشؤون المرأة الى تحقيقها خلال المدة المقبلة متمثلة باعداد مسودة لقانون الحماية من العنف الاسري، اضافة الى اطلاقها حملة لمناهضة العنف ضد المرأة فضلاً عن التركيز على موضوع التوعية الثقافية للنساء والرجال على حد سواء كما قامت الوزارة بالتنسيق مع وزارة الصحة للنهوض بالواقع الصحي للمرأة.

واشارت الزيدي الى وضع ستراتيجية ذات اهمية بالغة يتراسها رئيس الوزراء شخصياً تتضمن تخليص المرأة من الفقر، موضحة ان مشوار النهوض بواقع المرأة طويل ويحوي العديد من المعوقات مما يتطلب التعاون مع الوزارات كافة.

كما أكدت في الوقت ذاته إنه لا يمكن ان ننسى ونتجاهل دورالمرأة وما قدمته في مجال الحكومة والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/حزيران/2011 - 23/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م