البحرين والصراع حول روح الإسلام

د. أحمد راسم النفيس

وزارة الإعلام الكويتية رفعت دعوى على الدكتور أحمد راسم النفيس بسبب مساندته للشعب البحريني من خلال هذا المقال الذي نشر في جريدة الدار الكويتية بتاريخ ‏12‏/04‏/2011

 

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ..... وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة 83-85.

لا زال مسلمو اللسان من الذين (قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) يواصلون انحدارهم الأخلاقي وتهاويهم إلى قعر الحضارة الإنسانية الاستحقاق الطبيعي للذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب دون أن يعقلوه.

ليس فيما جرى ويجري في البحرين من جديد اللهم إلا التغطية الإعلامية التي يجهد فريق (الدرع وجزيرته) لمنعها في حين كانت مجازر الإبادة الجماعية التي قام بها فريق الدرع منذ نشأته تجري في صمت (ولا من شاف ولا من درى)!!.

يدعي القوم أنهم الأولى والأحق بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله في حين يبدو واضحا أن تصرفاتهم الهمجية وقتلهم الأبرياء بغير حق لا تنتمي لا لكتاب الله ولا لسنة رسوله أو حتى للقيم البوذية!!.

ما هو معنى أو دلالة أن تقوم قوات ما يسمى بدرع الجزيرة باقتحام بيوت المسالمين وإخراجهم منها وإحراقها بالنار؟!.

ما هي دلالة أن تقوم هذه القوات بهدم المساجد في سلوك لا يختلف قليلا أو كثيرا عما يفعله الصهاينة في فلسطين؟!.

ما هي دلالة تظاهر هذه القوى المدعومة أمريكيا وإسرائيليا على حرمان الشعب البحريني المسالم من حقوقه السياسية المشروعة وإبقائه تحت القبضة المطلقة للأسرة الحاكمة التي تجهد لتغيير الخارطة السكانية لهذا البلد وحرمان أهله من أبسط حقوقهم استنادا لفتاوى القرضاوي الذي أصبح كلامه وحيا منزلا فلا خبر جاء ولا وحي نزل!!.

هل لهذا علاقة بكتاب الله وسنة رسوله من قريب أو بعيد؟!.

يصر عرب بني إسرائيل السائرين على دربهم على بث الكراهية والتحريض ضد شيعة البحرين دون أن يقدموا للرأي العام دليلا واحدا مقنعا على اتهاماتهم الجائرة للشيعة وكأن الانتفاض من أجل الحقوق والكرامة لا يمكن إلا يكون استجابة لتحريض إيراني  في حين تنطق وثائق ويكيليكس بارتباطهم بأوثق الروابط مع الصهاينة أعداء العرب والمسلمين ويكفي أن نشير إلى الفقرة الواردة على لسان (ملك البحرين) وهو يتحدث عن توجيهاته لوزير إعلامه بالكف عن وصف إسرائيل بالكيان أو اعتبارها عدوا!!.

ليس في الأمر لغز من أي نوع والتفسير المقنع لهذا السلوك نراه في الآيات التي أوردناها في صدر المقال والتي تكشف عن هذا المرض المدمر الذي أصاب بني إسرائيل من قبلنا ولحق بنا، مرض الازدواجية الأخلاقية وكراهية الذات التي تدفع من أصيب به لتدمير قطاعات واسعة ممن استضعفوا من أبناء الأمة والتضحية بوجودهم استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

ثم يزعمون أنهم الأولى والأحق بكتاب الله وسنة رسوله!!.

الآية 83 من سورة البقرة تصف حال بني إسرائيل ولا تخاطبهم (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل)، أما الآية التالية فتوجه الخطاب لمسلمة اللسان محذرة إياهم من ارتكاب هذه الجرائم (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ) ومن ثم فلا معنى للاكتفاء بفهم الآية وكأنها موجهة لبني إسرائيل وحسب بل هي تحذير وإنذار لكل من سار على درب اليهود الجفاة القساة غلاظ الأكباد أعداء الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال وصالح المؤمنين.

الذين يقتلون شعوبهم ويطلقون عليها الرصاص ويهشمون رؤوسهم يقتلون أنفسهم ويدمرون وجودهم وكيانهم!.

يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء 29.

ويقول سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) الحج 39-40.

كما أن جرم تدمير الكيان الإجتماعي لطائفة مستضعفة يصبح أسوأ وأظلم عندما يكون ثمرة فعل تآمري مخطط (تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) لا لشيء إلا لتمسكهم بالولاء لأهل بيت العصمة والنبوة في مواجهة المستبدين الذين يزعمون أنهم الأولى بكتاب الله وسنة ورسوله ولكن هذا الادعاء لم يلزمهم باتباع ما جاء في الكتاب المبين من الأمر والنهي عن الإثم والعداون.

أما الكارثة الكبرى فتتمثل في وعاظ السلاطين الذين جعلوا القرآن عضين أي مزقا متفرقة يعرضون عنه إن لم يرق لهم (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ).

نحن أمام كارثة أخلاقية حقيقية ضربت من قبل وتضرب الآن كيان أمة يفترض أن وجودها مستمد من قيم القرآن الكريم وأحكامه لا من تلك الشخوص التي وضعت على رؤوسها العمائم وأصبح كلامها وفتاويها هو المصدر الأول للتشريع وليس القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

عمائم مزيفة أصبح للغوها الفارغ قوة تعلو كلام الله وأحزاب أكثر زيفا ونفاقا ربطت وجودها بمرجعيات سلطوية فاسدة تريد أن تحكم الطوق على أعناق المسلمين وتجعلهم عبيدا لها ولهذه العمائم المزيفة وهؤلاء وهؤلاء يشكلون امتدادا لتحالفات سلطوية مافوية دولية أمريكية إسرائيلية تريد أن تمحو من الذاكرة كل ما ورد في كتاب الله من تأكيد على احترام قيم العدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان وكرامته!!.

الصراع الدائر الآن حول البحرين ليس صراعا بين السنة والشيعة ولا بين العرب والفرس بل هو صراع حول حقيقة الإسلام وقيمه وحسمه سيكون مقدمة لحسم هذا الصراع في مجمله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/حزيران/2011 - 19/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م