نموذج لعدم ملائمة الاتفاقيات الخليجية للمغرب

ياسر الحراق الحسني

نشرت جريدة الوطن الكويتية خبراً في السابع والعشرين من ابريل 2011 عن اعتزام عدد من النواب السلفيين التقدم بمشروع قانون للبرلمان يفرض عقوبة الإعدام لكل من ينتقد الصحابة وأمهات المؤمنين على حد تعبير الجريدة.

ومع مصادفة توقيت الحديث عن هذا الموضوع التشريعي في الكويت لدعوة حكام مجلس التعاون الخليجي للمغرب من أجل الإنضمام، كان من المهم جداً فهم الاتفاقيات الأمنية بين بلدان مجلس التعاون الخليجي ومدى ملاءمتها للمغرب.

 السبب وراء أهمية فهم الجانب الأمني الخليجي هو إختبار ما إذا كان دخول المغرب لهذا النادي سينسف بمكتسباته التقدمية إلى درجة وضعه أمام إلتزامات بقمع الحرية الفكرية والعقائدية وليس هذا فقط، بل إلتزامات بتسفير مواطنيه إلى "العدالة" الخليجية ذات قوانين القرون الوسطى.

 ومشروع القانون المذكور الذي يعكس عقلية فئة خشنة غير متحضرة من المجتمع الكويتي يولد تساؤلاً عن موقف المغرب من شخصياته العلمية المرموقة التي قد يطالها هذا المشروع في حال الإنضمام. فلو افترضنا تبني الكويت لهذا القانون في وقت يكون فيه المغرب عضواً كاملاً هل سيقوم المغرب بترحيل مفكريه لتعانق رقابهم السيوف الأميرية؟ قد يكون هذا مجرد إفتراض اليوم، لكن يبقى تقييم الخسائر في الإفتراض خير بكثير من تقيمها على أرض الواقع. ثم ما أثر الإتفاقية الأمنية على الثقافة المغربية؟

نقاط مهمة في الإتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون

النقاط التي اخترت التطرق إليها من الإتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي هي فقط تلك التي لها تأثير مباشر على سيادة المغرب وحياة المغاربة في حال الإنضمام. يرجع تاريخ هذه الإتفاقية إلى 28 نوفمبر 1994 يوم إنشاء وثيقتها والموافقة عليها من طرف الدول الأعضاء في الرياض، كما أنها دخلت حيز النفيذ في نفس اليوم وليس لها تاريخ أو شروط للإنتهاء بحسب شبكة المعلومات القانونية لدول مجلس التعاون الخليجي. فقبل نقل المواد القانونية للإتفاقية التي نريدها هنا هذه فقرة التقديم للإتفاقية:

"انطلاقا من روح الاخوة الصادقة، وتأكيدا للأسس والمبادئ التي أرساها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتحقيقاً للمبدأ الذي ينص على أن المحافظة على أمن واستقرار دول مجلس التعاون هو مسؤولية جماعية يقع عبؤها على دولها، واعتماداً على القدرات الذاتية والطاقات المتوفرة لصيانة الأمن والاستقرار، وإيماناً بمبادئ الشريعة الإسلامية السمحة، وحفاظاً على المثل العليا من الأفكار الملحدة الهدامة والأنشطة الحزبية، ووصولا بالتعاون الأمني القائم بين دول المجلس إلى مستوى أمثل وأشمل أملا في أن تقتدي به الدول العربية الشقيقة، ولتعزيز هذا التعاون فقد اتفقت الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ما يلي: ( وهنا تبدأ قائمة مواد الإتفاقية)"

من خلال هذه الفقرة يمكن ملاحظة ركوب هذه الدول سفينة الدين والشريعة من أجل الوصول إلى شاطئ عدم المساءلة. ولا أحد يجهل أن الشريعة كما عندهم انما تطال الفقراء والمساكين وعامة الناس بينما الأمراء يبقون دائماً فوق الناس لأنهم الساهرون على تطبيقها وإن خالفوها، موهمين العوام أنها تزول بزوالهم، وذلك على سنة الحاكم الفاجر الظالم الذي لا يكون الخروج عليه إلا مفسدةً. ودليل هذا هو عدم محاسبة أمراء خليجيين في قضايا مشهورة اثارها الإعلام الدولي تتعلق بالإغتصاب والتعذيب. وقضية عيسى بن زايد الإماراتي واعتدائه الوحشي على أحد المهاجرين كما نقلته الجارديان البريطانية في 26/04/2009 نموذج على ذلك.

ويلاحظ أيضاً الخطاب السائر على عكس مسار الشعوب وعلى عكس الواقع. خطاب فضفاض الشكل رجراج الحركة تكاد تجزم بصدوره بين الندماء. فإذا كان مدخل الإتفاقية بهذا المستوى فلننظر إلى بعض المواد المهمة التي انتخبتها لمناقشتها على ضوء إحتمال إنضمام المغرب.

يعالج الفصل الخامس من الإتفاقية المذكورة تسليم المجرمين. وتعتبر المادة 28 منه التسليم واجباً بين الدول الأعضاء في الحالتين التاليتين:

(أ‌) إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم حسب وصفها في قوانين وأنظمة الدولة الطالبة تشكل جريمة من جرائم الحدود أو القصاص أو التعزير، أو جريمة معاقبا عليها بعقوبة مقيدة للحرية لا تقل مدتها عن ستة أشهر. ويسري هذا الحكم ولو كانت الجريمة قد ارتكبت خارج أراضي الدولتين الطالبة والمطلوب إليها التسليم طالما أن القوانين أو الأنظمة في الدول الطالبة تعاقب على تلك الجريمة إذا ارتكبت داخل أو خارج أراضيها.

(ب‌) إذا كان الحكم الصادر من الجهات القضائية في الدولة الطالبة حضوريا أو غيابيا في جرائم الحدود أو القصاص أو التعزير أو عقوبة مقيدة للحرية لمدة لا تقل عن ستة أشهر.

الفكرة التي نستشفها من المادتين هو كون المغرب إذا إنضم إلى مجلس التعاون، سيكون بإمكان مواطن كويتي أو سعودي رفع دعوى علي مواطن مغربي في الخليج واستصدار حكم ضده هناك، ثم يكون المغرب ملزماً بتسليمه إلى إحدى تلك الدول.

تداعيات الإتفاقية الأمنية على الهوية وأمن المواطن

هناك حديث اتفق معه عن كون المغرب المؤسساتي سبق دول الخليج بسنوات ضوئية في مجال الحريات حتى اعتاد من ينتقده في هذا المجال مقارنته بتركيا أحياناً وبالدول الغربية أحياناً أخرى.

ومن بين أسباب تحقق هذا التقدم كون المغرب دولة كبيرة وليس عبارة عن تحالف قبائلي سطر الإستعمار حدوده، وله تاريخ إمتد فيه إلى قعر إفريقية وإلى جنوب أوروبا حتى صار المغرب يلاحق الباحثين في تاريخ الرومان والفينيقيين والباحثين في تاريخ التشيع والتصوف واليهودية..

مغرب سبق امريكا وبريطانيا في تكوين مجتمع تعددي يعيش فيه الناس بمختلف عقائدهم وآرائهم. فليس من الغرابة اطلاقاً أن تصادف في أحد المكتبات المغربية كتاب:" من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية" للشيخ المغراوي في سلسلة عقائده السلفية وهو يكفر من ينتقد الصحابة على اجماعهم ومعاوية، ثم تجد في نفس المكتبة أو في مكتبة أخرى كتاب " البحر العميق في مرويات بن الصديق" للراحل العلامة أحمد بن الصديق وهو يقول:" واعلم سيرة الفاجر اللعين معاوية ومعاندته لله ورسوله"..

في المغرب ليس هناك غرابة في أن ترى الشيخ مصطفى بن حمزة من منبر التلفاز يعبر عن رأيه بكل حرية في أن من يتعرض للصحابي أبي هريرة هو منافق على حد تعبيره في حين يقول لك الدكتور المفكر مصطفى بوهندي إن كنت من طلابه في الجامعة أن أبا هريرة شخصية غريبة عن الإسلام; وإن لم تكن من طلابه فقد تصادف كتابه:"أكثر أبو هريرة" في مكتبة ما كذلك.

المغرب له ثقافة في تقديري استيعابية تسامحية أبية سطر ملامحها رجال ونساء الأمازيغ القدامى وبلغت ذروتها عندما التحمت مع البيت النبوي في العهد الإدريسي المجيد الذي عرف غياباً للعنصرية العرقية والإستبداد الديني وتم فيه زرع قيم المساواة بين الأجناس وحرية التدين كما جاء بها الإسلام، لأنه لو كان الإسلام يفرض فرضاً لما كان للحساب والعقاب في الآخرة معنًى.

هذه الثقافة تجذرت في المغرب، البلد الذي لم يبايع آل أمية بيعة العبيد فتخلص من عقدة الجبر. فهل نحن على مقربةٍ من خلجنة هويتنا الشاملة؟ أنا لا أظن أن مريدي المدرسة الصديقية على إستعداد لحرق آلاف الكتب التي الآن يعاقب القانون الخليجي -الكويت مثلاً- على من يتداولها بالسجن. وليس من المستبعد إطلاقاً إذا إنضم المغرب للمجلس قيام أحد المنظمات أو الهيئات الدينية المتطرفة في الخليج برفع دعاوي لمنع تداول كتب عديدة من تراثنا لا تتماشى مع العقيدة السائدة عندهم. كما أنه على إفتراض تبني قانون الإعدام لمن يتعرض للصحابة من شأنه تعريض أمن مفكرين مغاربة مرموقين إلى خطر التسفير إلى الخليج بمقتضى الإتفاقية الأمنية المذكورة لتنفيذ حكم الإعدام فيهم.

مغرب التعددية الحزبية اليوم يتجه نحو ملكية برلمانية وفصل حقيقي للسلطات، ويتجه نحو التأكيد في الدستور الجديد على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية وهذا لا يتلائم مع الإتجاه الخليجي حيث عوض سيادة الأمة تجد سيادة العائلة الفلانية، وعوض دسترة حرية التدين تجد دسترة المذهب الواحد. فعوض دعوتنا للإنضمام إلى مجلس التعاون الفاشل نحن ندعوهم إلى التحلي بالجرأة والإنضمام إلينا في عملية الإصلاح الشامل. نحن ندعو آل سعود وآل نهيان وآل خليفة وغيرهم أن يفعلوا مثلنا ويستجيبوا لمطالب شعوبهم المقهورة ويتخلوا عن قوانينهم الحجرية التي هي دون قوانين مغرب ما قبل الوثيقة الدستورية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/حزيران/2011 - 16/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م