سواحل اليمن وممرات الملاحة... مخاطر انهيار السلطة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تدرك العديد من دول العالم حجم المخاطر المتأتية من اي انفلات امني قد يضرب اليمن في حال انهيار السلطة، خصوصا على صعيد ممرات الملاحة الدولية المحاذية على سواحل تلك الدولة المضطربة.

وعلى الرغم من عدم تأثر تلك الممرات التجارية المهمة بالفراغ السياسي والأمني القائم في صنعاء، الا أن خطر تنظيم القاعدة من جهة، وظاهرة القرصنة من جهة أخرى، تمثلان تحديا قائما على امن الحركة التجارية للبواخر والسفن خلال الفترة القادمة.

ويفاقم من المخاطر التي تحيق بالشحن التجاري القراصنة الصوماليون الذين يعملون في خليج عدن والمحيط الهندي وحول منطقة عنق الزجاجة الرئيسية في مسار شحنات النفط في بحر العرب.

البحرية الامريكية

فقد قال قائدا البحرية الامريكية والبريطانية ان الممرات الملاحية الرئيسية قبالة اليمن ستظل امنة رغم الاضطرابات التي تشهدها البلاد وصرحا بأن نشر قوات من البحرية يمكن ان يحدث سريعا اذا اقتضت الضرورة ذلك.

وأذكى المأزق السياسي الراهن في اليمن والصراعات الطويلة مع متشددين اسلاميين وانفصاليين ورجال قبائل متمردين مخاوف غربية واقليمية من سقوط اليمن في حالة فوضى مما يسمح لتنظيم القاعدة بموضع قدم قرب الممرات الملاحية لشحنات النفط.

ونجح متشددون في شن هجمات بحرية ناجحة في المنطقة من قبل كما هددت القاعدة باستهداف السفن في مضيق باب المندب الذي يمر منه أكثر من ثلاثة ملايين برميل نفط يوميا في الطريق الى أوروبا والولايات المتحدة واسيا.

وقال الاميرال جاري روهيد قائد العمليات البحرية الامريكية ان باب المندب ومضيق هرمز والخليج كلها ممرات بالغة الاهمية. بحسب رويترز.

وقال للصحفيين في افادة صحفية مشتركة في لندن مع نظيره البريطاني "وجودنا هناك مهم.. القوات التي لدينا هناك توفر لنا خيارات اذا استدعيت القوات البحرية للتحرك كما لدينا قوات كبيرة في منطقة مكافحة للقرصنة. نعتزم ان نتواجد هناك في المستقبل."

وقال روهيد "جمال القوات البحرية هو ان بوسعك وضعها في المكان الذي تحتاجها فيه استنادا الى الاحداث الجارية. أشعر بارتياح كبير لهيكل القوات الذي لدينا هناك."

وقتل مفجر انتحاري من القاعدة 17 بحارا في المدمرة الامريكية كول في ميناء عدن اليمني عام 2000. وبعد عامين ضربت القاعدة ناقلة فرنسية في خليج عدن الى الجنوب من باب المندب.

وقال الاميرال مارك ستانهوب قائد البحرية البريطانية ان بريطانيا كانت تدرب خفر السواحل اليمني لرفع مستوى كفاءته.

وقال "ستكون خسارة بالقطع اذا انهار اليمن بطريقة لا تسمح لخفر السواحل" بالعمل لكنه أوضح في الافادة الصحفية ان هذه الخسارة "ستحدث فارقا بنسبة ضئيلة" نظرا لحجم القوات البحرية في المنطقة.

ويحقق القراصنة الصوماليون ملايين الدولارات من الفدى التي يحصلون عليها من جراء خطف السفن في المحيط الهندي وخليج عدن بالرغم من الجهود التي تبذلها قوات البحرية الاجنبية لوقف هذه الهجمات.

وقال روهيد "لا استطيع القول ان مكافحة القرصنة ترهقنا. اعتقد انها مهمة سنستمر في القيام بها مع عدد من الدول الاخرى. انها منطقة محيط شاسعة ما من شك في هذا."

وقال روهيد في تصريحات منفصلة انه "غير قلق" من تقارير أفادت بأن ايران ارسلت غواصات الى البحر الاحمر.

وذكرت وكالة فارس الايرانية شبه الرسمية للانباء ان غواصات ايرانية دخلت البحر الاحمر "بهدف جمع معلومات ورصد السفن الحربية لدول أخرى." وقال ستانهوب "انه تطور علينا ان نتساءل بشأنه.. لماذا اختاروا ان يفعلوا ذلك لاول مرة."

الممرات الملاحية

فيما يرى البعض ان من غير المرجح أن تتعطل السفن التجارية التي تستخدم الطريق التجاري الحيوي قبالة ساحل اليمن بشكل كبير حتى اذا انزلقت البلاد الى حرب أهلية وذلك لافتقار الجماعات المتشددة للقدرة على مهاجمة السفن بانتظام.

وضغطت القوى العالمية على الرئيس علي عبد الله صالح للتوقيع على اتفاق أعد بوساطة خليجية لانهاء حكمه المستمر منذ ثلاثة عقود واجتثاث الفوضى التي تسود اليمن الذي يتخذ منه تنظيم القاعدة بجزيرة العرب مقرا والمجاور للسعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.

وبدأ الرئيس اليمني يتعافى بعد جراحة اجريت له في السعودية لاستخراج شظية من صدره. واصيب صالح عندما اطلق صاروخ على قصر الرئاسة في صنعاء مما أدى الى قتل سبعة اخرين واصابة اوثق مستشاريه. ويعالج صالح في مستشفى بالرياض.

وقال جيه بيتر فام من مؤسسة اتلانتيك كاونسيل البحثية "نظريا اذا انهار النظام فان الامن في المنطقة قد يتدهور بشدة." وأضاف "لليمن ساحل طوله 1900 كيلومتر يواجه خليج عدن والبحر الاحمر."

وشن متشددون هجمات بحرية ناجحة في المنطقة من قبل. وأسفر تفجير انتحاري نفذه تنظيم القاعدة عن مقتل 17 بحارا في المدمرة الامريكية كول بميناء عدن عام 2000 . وبعد ذلك بعامين استهدفت القاعدة ناقلة فرنسية في خليج عدن الى الجنوب من مضيق باب المندب.

وقال مسؤولون أمريكيون بناء على معلومات مخابرات عثر عليها في المجمع الذي كان يقيم به زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن ان التنظيم خطط لخطف او اغراق ناقلات نفط العام الماضي. وينظر بعض المحللين الى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على أنه أحد التنظيمات الرئيسية التي قد تستهدف الملاحة في ممر بحري استراتيجي. بحسب رويترز.

وفي حين أن المخاطر ستزيد اذا انهار اليمن فان محللين قللوا من احتمال الازدياد الملحوظ في الهجمات الكبيرة التي يشنها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وقال آلان فريزر محلل شؤون الشرق الاوسط بمؤسسة (ايه.كيه.اي) للأمن "من غير المرجح أن يتمكن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من اكتساب موطيء قدم يسمح له بالتأثير فعلا على باب المندب على الرغم من التصريحات السابقة التي أشارت الى أنه سيستهدف تعطيل المضيق."

وأضاف "حدوث هجمات بحرية بشكل متقطع احتمال قائم. غير أنه كما تبين من خلال الهجوم على ناقلة يابانية قرب مضيق هرمز في يوليو تموز 2010 فان تنفيذها (هذه الهجمات) صعب من الناحية اللوجيستية وبالتالي فمن غير المرجح أن يتصاعد التهديد ليتجاوز كونه تهديدا يظهر من وقت لاخر."

وأصيب بحار في هجوم الناقلة اليابانية ولم يحدث تسرب نفطي ولم تتعطل الملاحة مما يشير الى أن الطريقة التي تبنى بها السفن الحديثة تقلل خطر حدوث ضرر كبير.

وتقوم سفن عسكرية بحرية تابعة لدول مختلفة بدوريات لمكافحة القرصنة في ممر بحري يمر باليمن لهذا يقول محللون بحريون ان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب سيجد صعوبة أكبر في ممارسة نشاطه دون رصد.

وقال جون دالبي الذي يعمل لحساب شركة (ام.ار.ام) المتخصصة في الامن البحري ان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يحتاج الى "حشد الموارد والمعدات والافراد في مكان ما على الخط الساحلي" حتى يستطيع شن هجوم بحري.

وأضاف "نأمل أن يرصد مجتمع المخابرات هذه الخطوة وأن ترصدها القوات البحرية والعسكرية المتمركزة هناك في وقتها."

وقال بيتر هينشكليف من الغرفة العالمية للشحن ان هناك رغبة فيما يبدو "للحفاظ على مستوى السفن الحربية لحماية الملاحة."

وقد تشجع الاضطرابات في اليمن حركة الشباب الاسلامية على محاولة شن هجمات. ويقول محللون ان لها صلات بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتنشط في الصومال القريب.

وقال فام "في حين أنه لا توجد أدلة على أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وأصدقاءه الصوماليين يملكون الاسلحة والزوارق اللازمة لاغلاق المضيق فان هذا لا يعني أنهم لا يملكون القدرة على تعطيل الملاحة في هذا الممر البحري الحيوي."

وقال متخصصون في الملاحة ان من الصعوبة بمكان تفجير أو اغراق ناقلة لانها تضم عددا من الخزانات المنفصلة مما يجعل الهيكل قادرا على تحمل الكثير من الاضرار."

ويمكن أن تكون محاولة مهاجمة ناقلة متحركة صعبة ايضا.

وقال مصدر بقطاع الملاحة "يمكن أن تعمل الناقلة على انحراف الزوارق الصغيرة اذا علمت باقترابها من خلال تغيير مسارها وهو ما يصنع تأثيرا غامرا. وبالتالي يمكن التخطيط للهجمات ولكن لتنفيذها تحتاج الى أفراد يعلمون ماذا يفعلون جيدا ويتمتعون بدرجة جيدة من الحظ."

وأضاف "في ظل أن جميع الناقلات الكبيرة تبنى الان بهيكل مزدوج او بغلاف يحيط بالخزانات فان اي هجوم سيتطلب اختراق الهيكلين. هناك فاصل يبلغ نحو 3.5 متر بينهما. سيكون من الصعب اغراق سفينة كهذه."

وعلى الرغم من المخاوف من أن القراصنة الصوماليين الذين يمارسون نشاطهم على امتداد الساحل اليمني قد يحاولون استغلال الاضطرابات يقول محلل ان من غير المرجح أن يرتبطوا بصلات بجماعات متشددة لان لهم أهدافا مختلفة.

وقال مايكل فرودل من شركة (سي-ليفل) لاستشارات المخاطر البحرية ومقرها واشنطن "حتى اذا سيطر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على أجزاء كبيرة من اليمن بالتعاون مع رجال قبائل متمردين فاننا لا نتوقع أن يشكل القراصنة الصوماليون والارهابيون الاٍسلاميون تحالفا ما من الجحيم."

وأضاف "لاتزال مصالحهم متباينة بشدة. القراصنة لن يساعدوا الارهابيين في تفجير السفن ماداموا يستطيعون خطفها والحصول على فدى ضخمة."

ما هو مدى تأمين الموانيء اليمنية ضد الهجوم؟

الى ذلك تقول مصادر موانيء ومصادر بحرية في اليمن ان الموانيء اليمنية عززت الامن في الاسابيع الاخيرة مع تزايد القلق الدولي من ان انحدار البلاد نحو الفوضى قد يشجع المتشددين المتمركزين هناك. ويعتمد اليمن اعتمادا كبيرا على قنواته البحرية من اجل التجارة.

وعدن هي اكبر ميناء يمني وأحد اكبر الموانيء الطبيعية في العالم. والمكلا ميناء اصغر يقع في خليج عدن. ومن بين الموانيء الاخرى التي تخدم اليمن الصليف والحديدة والمخا على البحر الاحمر ومرفأ تصدير النفط في الشحر ومرفأ تصدير الغاز الطبيعي المسال في بلحاف.

وقال روي فاسي وهو مستشار لتطوير الموانيء في ميناء عدن ان "الامن في الموانيء وهي بوابات اليمن مازالت مسألة ذات اهمية كبيرة لهيئات الموانيء الثلاث المسؤولة عن الموانيء. "وتم اتخاذ اجراءات لتشديد الحدود حول المنشات الرئيسية."

وقال متخصصون بحريون يترددون كثيرا على الموانيء انه تم وضع حواجز جديدة من الاسلاك الشائكة حول بعض هذه المنشأت وتم نشر حراس مسلحين عند البوابات حيث كان حراس غير مسلحين مسؤولين سابقا عن نقاط الدخول.

وقالت المصادر ان افراد خفر السواحل اليمنيين يواصلون حماية الموانيء في عدن بما في ذلك ميناء المعلا وميناء عدن للحاويات والميناء النفطي. وتقوم سفن مسلحة لخفر السواحل بدوريات منتظمة بمنطقة الموانيء. بحسب رويترز.

وقالت مصادر بحرية ان الامن في منشات شركة النفط الكندية نيكسين التي تصدر النفط الخام من خلال ميناء الشحر النفطي شرقي المكلا مكثف. وتم اختبار تلك الدفاعات من خلال هجمات سابقة للمتشددين على الميناء من الجانب البري وكانت مقاومة بشكل فعال. وتتولي البحرية اليمنية حماية الميناء من جهة البحر.

وقالت المصادر ان هناك حماية قوية لميناء بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال ويتولى الجيش اليمني الدفاع عنه من جهة البر كما تتولى القوات البحرية حمايته من ناحية البحر.

وقالت المصادر ان الانشطة في المكلا اقل اهمية للاقتصاد اليمني لان كثيرا من الشحنات لهذه المنطقة من البلاد يتم التعامل حاليا معها من خلال عدن والحديدة.

وينظر المحللون الى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على انه احد الجماعات الرئيسية التي يمكن ان تستهدف الملاحة في باب المندب. وسيطر عدة مئات من متشددي القاعدة والمتشددين الاسلاميين على مدينة زنجبار الساحلية الجنوبية منذ بضعة ايام ويقاتلون السكان المحليين والجنود الحكوميين من اجل السيطرة على المنطقة.

وقال جيه.بيتر فام من معهد اتلانتك كاوينسل الامريكي لابحاث الرأي "على الرغم من ان الاضطرابات الحالية توفر بالتأكيد فرصة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب والجماعات المتشددة الاخرى لتوطيد نفسها.. فان عقيدتها تجعلها ايضا مقيدة فيما يمكن ان تفعله لان ايدولوجيتها تمنعها من الاستجابة لمطالب محتجين كثيرين من اجل الانتخابات والديمقراطية.

"وعلى الرغم من ايواء بعض القبائل اليمنية لاعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وانضمام ابنائها لها ولجماعات متطرفة اخرى فانه امر مختلف تماما بالنسبة لهذه الكيانات الغيورة جدا على استقلالها ان تتلقى اوامر ببساطة من زعماء القاعدة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/حزيران/2011 - 13/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م