علاوي – المالكي أو الإمبراطور في عزلته

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تسود الثنائيات في الشارع العراقي وتتحكم في الكثير من توجهاته على مستوى السياسة او الاجتماع او الثقافة بوجوهها النخبوية والشعبية والشعبوية.. ينقسم الشارع العراقي بين برشلونة وريال مدريد مع ولاءات فرعية لبعض الأندية الانكليزية والايطالية، وينقسم على مستوى الإيمان الإيديولوجي بين الشيعة والسنة، وعلى الانقسام الاثني بين العرب والاكراد، وينقسم الشارع العراقي على مستوى الخدمات بين الكهرباء الوطنية ومولدة الشارع مع تفريع ثالث اقل الى مولدة المنزل.

ثم هناك انقسام ثنائي طبيعي على مستوى المناخ بين فصلين من فصول السنة هما الشتاء والصيف، ولا وجود لربيع او خريف بينهما، وهو تطرف ثنائي لا يملك الشارع ازاؤه حولا ولا قوة.

وينقسم الشارع العراقي في مشاهداته التلفزيونية بين فضائيتين عربيتين هما الجزيرة والعربية، مع تفريعات ثانوية اخرى بين الشرقية والبغدادية، او الحرة والفيحاء، او الانوار والوصال تبعا لتقسيماته الطائفية والسياسية.

على مستوى السياسة، تعاطيا وهموما وممارسات، ينقسم الشارع العراقي الى ثنائية الراغبين ببقاء القوات الامريكية او المطالبين برحيلها، او بين المدافعين عن بقاء الدستور على حاله بقضه وقضيضه، وبين الداعين لتغييره، ومثل ذلك ايضا يقال عن العلم العراقي بين الداعين لبقائه بصورته الصدامية والداعين لتغييره.

على المستوى الامني توجد الثنائية التالية: هناك من يرغب بازالة الحواجز الكونكريتية لما تشكله من تقطيع لاوصال المدينة وتقييدا لحرية الحركة، وهناك من يرغب ببقائها حفاظا على حياة المواطنين وممتلكاتهم عند انفجار المفخخات.

في الانتخابات الاخيرة انقسم الشارع العراقي بين القائمة العراقية التي وصفت حينها بانها قائمة بعثية – سنية، وبين قائمة ائتلاف دولة القانون والتي توصف بانها قائمة اسلامية شيعية، وكل قائمة من هاتين القائمتين ممثلة ومشخصنة بزعيمها، الاولى باياد علاوي والثانية بنوري المالكي.

على هامش هاتين القائمتين او قريبا منهما هناك تفريعات غير مؤثرة بوجودها المنفرد مثل التاثير الذي تمتلكه القائمتان المذكورتان..اينما تتلفت تجد هذه الثنائية التي يحاول الاخرون الاستفادة منها قدر الامكان لترجيح كفة قائمة مقابل الاخرى، واحيانا تصل بعض مطالبات الترجيح الى حد الابتزاز المكشوف كما في ورقة المطالب التسعة عشرة الكردية، او ترشح عادل عبد المهدي من قبل المجلس الاعلى وغيرها من مطالبات قدمتها الكتل حينها.

رغم كل الاحداث والتطورات تمتلك ثنائية علاوي – المالكي جاذبية خاصة على مستوى الشارع، او على مستوى الجدل السياسي بين الكتل والاحزاب والتجمعات السياسية.. وهي جاذبية كثيرا ما استفاد منها حلفاء وخصوم الاثنين لرفع سقف مطاليبهم تجاه اي قضية يجري النقاش حولها.

اذا كانت هناك من تسميات مجازية يمكن اطلاقها على السياسيين العراقيين الذين يحتلون المشهد السياسي منذ العام 2003 يمكننا ان نستعير من القاموس الشكسبيري (نسبة الى شكسبير) في درامياته التاريخية وربما من غيره من كتّاب المسرح.. فالسياسة في العراق مسرح كبير والجميع يريد ان يظهر على خشبته سواءا بادوار بطولة مطلقة او مساعدة او بادوار ثانوية وحتى كومبارس.. المهم هو الظهور.

يمكننا وفق منطوق اللغة الشكسبيرية ان نطلق على المالكي لقب (الملك)، وعلى علاوي لقب (الامبراطور)، مثلما يمكننا على سبيل الاستعارة والمجاز ان نطلق على مسعود البرزاني لقب (الدوق)، وعلى جلال طالباني لقب (الآغا)، والسيد عمار الحكيم يكتفي بلقب (السيد) وهو لقب حقيقي وليس مجازي فيه شحنة عاطفية ودينية تشعر حامله بالتفوق على الاخرين لامتداده الى صاحب النبوة الخاتمة.

ويكتفي السيد مقتدى الصدر اضافة الى لقبه الوراثي كعمار الحكيم بلقب (القائد) وهو لقب ينهل من ثقافة الاتباع وانقيادهم التام له، وهو لقب لا ينازعه فيه احد.. وهو ايضا لقب حقيقي لا يمكن ان يستعار له اخر شبيه به او غيره، وهو منتشر في الشارع العراقي.. فلا يمكن القول على سبيل الاستعارة او المجاز انه الملك او الامبراطور، رغم انه سادت في فترة ما بعد الانتخابات توصيف التيار الصدري الفائز باربعين مقعدا بانه صانع الملوك، على اعتبار أن منصب رئاسة الوزراء يعادل منصب الملك في الملكيات الاقطاعية وليست الدستورية فهو الامر الناهي، وهو الذي يملك الخيوط والخطوط والطرق بين يديه.

لقب القائد على عكس الالقاب الاخرى التي ابتدعها الكاتب من وحي مجريات الاحداث في العراق واكرر القول فيها انها محض استعارات ومجازات يستعين بها الكاتب احيانا لتقريب فكرة وتوضيح مقصود هو لقب لا يستطيع احد ان يدّعيه لنفسه غير حامله.

ثنائية علاوي – المالكي، او الامبراطور – الملك، شهدنا الكثير من فصول تنازعاتها وتجاذباتها.. قالاثنان لايجتمعان او يلتقيان او ينجذبان لبعضهما الا بحدود المصلحة الانية وعبر وسطاء محسوبين على الطرفين.

الامبراطور يسعى لمنصب رئيس مجلس السياسات، بصلاحيات دستورية تشابه صلاحيات الملك على مستوى اصدار الاوامر او توفير الحمايات وعدد المستشارين وغيرها اخرى كثيرة.. الملك وحاشيته برفضون تلك المطالبات فالمنصب مستحدث لمرة واحدة وهو غير دستوري وبالتالي التوافق على صلاحياته وتحديدها هو الخيار الامثل.

الامبراطور بهدد بالويل والثبور.. تارة بحرب اهلية واخرى باعادة العنف الى الشارع وثالثة بالانسحاب من العملية السياسية.. كل تهديد يعقبه نفي، وكل هجوم يتبعه تراجع.

الامبراطور تضيق عليه الحلقات، مرة من قبل حزب الامة العراقي ودعوى قضائية ضده، ومرة من اعترافات سفاح الدجيل وعرسه، ومرة سابقة من اعضاء قائمة العراقية البيضاء.. حلفاء الامبراطور الاقليميين يتساقطون واحدا بعد الاخر.. سابقا الرئيس المصري حسني مبارك والدور على القذافي وبشار الاسد وصاحب اليمن السعيد ستبقى طائرته جاثمة في المطار السعودي فصلاحيتها للتحليق انتهت.

التهديد بالعزلة يحاصر الامبراطور والملك يحتل الكثير من المواقع ويكسب الحلفاء الى صفه وهم كانوا اعداء الامس... لكنها تراجيديات شكسبير الكبيرة التي عودتنا على التعاطي معها بخيال جامح يحاول احيانا ان يلامس حدود الواقع العراقي... ترى من يصلح ان يكون عطيل او هاملت او الملك لير من ساسة العراق؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/حزيران/2011 - 6/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م