العمل الأخلاقي ودوره في بناء الفرد والمجتمع

رؤى من فكر الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لم تصل الإنسانية الى درجة اليأس المطلق، على الرغم من تصاعد العنف وانتشار بؤر الشر، والإرهاب، والتكفير، والتطرف هنا وهناك، ولم يتوقف المصلحون العظام عن بث روح الحكمة، والسلام، والتسامح بين بني البشر في عموم المعمورة، فهم كانوا ولا يزالون يكافحون بلا كلل او ملل، خطر الظواهر اللا أخلاقية التي تحاول تهديم ما بنته الحضارات البشرية من قيم متحضّرة، على مدى تأريخها الشاق والطويل.

وفي هذا الصدد يقدم الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه النفيس الموسوم بـ (اغتنام الفرص) مجموعة من الرؤى والملاحظات التي يمكن للإنسان أن يستنير بها، ويسير في ضوئها بجادة الصواب التي تصل به الى السعادة، وهي هدف الإنسان الأزلي، منذ أن بدأ رحلته في هذا الكوكب، لهذا يؤكد الإمام الشيرازي على الأهمية القصوى لاغتنام الفرص ويؤكد، كما جاء في كتابه المذكور، على:

(ان الإنسان في هذه الدنيا مرهون بساعات عمره من جهة، ومرهون بالزمن المحيط به من جهة أخرى، فلكل منهما قيمة لاتقدر بشيء؛ لأن الإنسان إنما يقيّم بعمله).

إذن فالشرط الاول لتحقيق الهدف من رحلة الانسان المحصورة بين الولادة والموت، هو العمل، وشرط العمل أن يكون صالحا، يهدف الى خير وسعادة الآخر قبل الذات، وهو بالنتيجة سوف يصب في صالح الفرد نفسه، هنا يؤكد الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه نفسه قائلا:

(العمل هو الجهة المهمة في الإنسان، وعلى أساسها يكون للإنسان الاعتبار، ولكن هذا العمل مرهون بأمرين: هما: العمر، والزمن. ولا يخفى أن العمر يتكون من مجموعة ساعات متلاحقة، فإذا استطاع الإنسان أن يستثمر عمره هذا وساعاته تلك بعمل الخير، فإنه يكون قد ضمن مصيراً سعيداً لنفسه).

إن المشكلة التي يتعرض لها كثير من الناس، هو جهلهم او تجاهلهم لقيمة الزمن في عمر الانسان، او رحلته في الحياة، فكثير منهم لم يعط الزمن حقه، بل يتعامل معه بلا مبالاة وخمول وكسل عجيب، الامر الذي يؤدي الى ضياع فرص كثيرة وكبيرة من الانسان، بسبب خموله وكسله ولا مبالاته، يقول الإمام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه: (لا يحسب المرء أن لحظات عمره إنما تذهب اعتباطاً وبدون حساب، بل إنها تُسجل عليه، ويسجل كل ما يعمل فيها من عمل، خير أو شر، فهي محسوبة عليه وهو محاسب عليها بالنهاية، ولذا ينبغي لـه اغتنامها لحظة لحظة وجزءً جزءً).

إذن فقضية اغتنام الفرص، ينبغي أن لا تفارق ذهن الانسان مطلقا، وعليه أن يستغل كل لحظة من لحظات عمره عن الفرص، لا أن يبقى في مكانه بانتظار أن تأتيه الفرص وتدق بابه وتقول له هيا عليك أن تغتنمني!!، كلا على الانسان أن يستثمر زمنه وساعات عمره، في البحث عن الفرص، شريطة أن يتم ذلك وفقا للضوابط الانسانية، والاخلاقية التي لاتسمح بتحويل التنافس الى صراع وغمط للحقوق، كذلك ينبغي أن يصب اغتنام الفرص في تحصيل وتطوير العمل الصالح حصرا، أي في عمل الخير الذي يفيد الآخر وفاعله في آن واحد، وبهذا يستطيع الانسان أن يحقق اهدافه، ويستثمر عمره بطريقة مثلى، يقول الإمام الشيرازي في هذا المجال: (لكي يحافظ الإنسان على فرصة عمره يلزم عليه أن يستثمر ساعات العمر، ولحظات الزمن بالعمل الصالح؛ إذ بواسطته سوف يطول عمر الإنسان).

وهكذا تكون نتيجة البحث عن فرص الاعمال الصالحة، في صالح الفرد والمجتمع، لأن الفرد هو الخلية الأصغر في بناء النسيج المجتمعي، وبهذا سوف يحقق من يغتنم الفرص ويكدح في السعي الى هذا الهدف، نتائج طيبة لا تنحصر في الجانب المادي فقط، إنما تتجاوز ذلك الى الجانب الروحي، حيث تكون السعادة مصدر قوة وراحة للانسان، لهذا يؤكد الإمام الشيرازي في كتابه نفسه على: (ان الإنسان عندما يؤدي العمل الصالح ويأتي بفعل الخير، فإنه يشعر بالراحة النفسية؛ لأنه يرى أن فعله هذا صدر في محله، وأنه قد استفاد من الزمن استفادة تامة، وأنه سوف لا يتحسر يوم القيامة على هذه اللحظات والساعات.. على العكس من الذي ضيع ساعات عمره في اللهو واللعب، فإنه يندم على كل لحظة لم يستثمرها في فعل الخير، ويتعقب ذلك الندم حسرة نفسية وكآبة روحية).

وفي كل الاحوال سيحصد الانسان نتائج ما يزرع من أعمال، نعم فحياتنا هذه ما هي إلا مزرعة لأعمال الانسان التي سوف تتحكم بمصيره في الحياة الاخرى، كما ورد في مضمون الحديث النبوي الشريف (الدنيا مزرعة الآخرة)، لهذا كان ولا يزال ثمن الزمن غاليا، ولابد أن يستثمر الانسان عمره في العمل الصالح، خدمة للمجتمع والذات معا، لذا يقول الإمام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه الثمين نفسه: (الزمن مجموعة ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها وعمل فيها فربحها، والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها.. فإنها لن تعود أبداً).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/حزيران/2011 - 4/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م