اغتيال اللامي وتداعيات الصراع الداخلي

علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي يحاول فيه السياسيون العراقيون لملمت أشلاء الحكومة المتناثرة وتشكيلها، تكشف موجة الاغتيالات في بغداد المضطربة عن ظهور تيارات عنيفة، وتشير إلى عهد جديد من الانفلات الأمني.

فقد تزايدة وتيرة الأحداث وزاد القلق بين صفوف المسؤوليين الحكوميين ونمى شعورا باليأس من صفاء أجواء بغداد. حيث تشهد العاصمة بغداد عمليات اغتيال لمسؤوليين كبار في الحكومة. فالنظرة الأولية لما يجري لا توجد اشارات تميز من يقف وراء احداث الاغتيالات، وربما يرجع السبب الى التكتيك الذي تستخدمه هذه الجهات كأداة إرهاب جديدة.

لكن خبراء أمنيون رجحوا بان بقايا نظام صدام هم المرشحون بالدرجة الأولى. ولكن ربما هناك جهات من خارج العراق يسعون الى خلق أكبر قدر من المشاكل حتى يورطوا الأميركيين بصورة أكبر في الشأن الداخلي العراقي من اجل ابعاد شبح التوجه الأمريكي عن هذه الجهات.

المتتبع للشأن العراقي وللمجريات السياسية على الساحة الداخلية، يرى أن مشكلات كثيرة استدعت موجة الأغتيالات فنشأت الحكومة الجديدة وغيرها من المشاكل العالقة، ستشكل مرحلة جديدة تدفع آلة القتل لأن تعيد نشاطها ولكن بقطع غيار أخرى، وربما ‏يكون هدف الأشباح المقبل القيام بعمليات نوعية تستهدف مسئولي التنظيمات السياسية لتتشعب وتصل الى الحركات الجماهيرية.

مما ستغطي تداعيات عمليات الاغتيال مؤخرا باقي المشاكل التي يعاني منها العراقيون، وتغرق الوضع المحلي بحرب أخرى غير تلك التي شاهدناها في الأعوام التي تلت تغيير النظام الصدامي ربما لا تنتهي هذه الأحداث والتداعيات بمدة منظورة وربما تتمخض عن الفترة المقبلة "فوضى بناءة" تسعى أمريكا جاهدة أن تضع بصمتها التي قد تفرضها بطريقة أو بأخرى، في وقت أصبح العراق فيه مسرحاً لكافة القوى الإقليمية والدولية التي تمارس أجندتها بأدوات محلية، وفي الوقت نفسه تعجز فيه منظمات عالمية من وقف النزف العراقي.

أسباب موجة الأغتيالات

‏أولا: زيادة عمق الانقسام الداخلي بين الأطراف السياسية، كذلك بسبب الخلافات الحادة التي تطيح بالتوافقات حول كافة الاستحقاقات الكبيرة بين الأطراف المتشاركة سياسياً.‏

‏ثانيا- الانقسام الحاصل بين الحكومة ومناوئيها والتباينات بين حلفاء الحزب الواحد، وقد برز واضحاً في هذا المجال الانقسام بين السياسيين حول النظرة إلى معالجة ملفت توزيع المناصب السيادية.

‏ثالثا- تواجد تنظيم القاعدة محلياً وتحوله إلى لاعب خطير من خلال تعاطف بعض الأطراف مع هذا التنظيم، وتهييج خلاياه النائمة التي سرعان ما تستيقظ لدى صدور أوامر بتحريكها، ‏ولعل الأحداث التي تجري بين فترة وأخرى في بعض المناطق التي تشهد حركة لتنظيم القاعدة خير دليل على تواجد هذا التنظيم.

‏رابعا- دخول الإعلام الذي يعمل على إطلاق شائعات عن موجة ‏اغتيالات جديدة من خلال استغلال الموقف العراقي من بعض الدول المجاورة.‏

‏خامسا- محاولة بعض الجهات نقل الانقسام الداخلي بين مكونات الشعب العراقي و اللعب ‏على الوتر الطائفي اثر التباين الطفيف في مواقف الأطراف المتنازعة، مستغلّين فترة تشكيل الحكومة وتصويرها على إنها انقلاب بعض الأطراف على الأخرى، وقد ‏حاولت هذه الجهات إحداث خلل أمني في بعض المناطق من خلال إقدامها على استهداف مسؤولين حكوميين ينتمون إلى الأحزاب المشاركة في العملية السياسية.

سادسا- أما اغتيال اللامي فمن المرجح ان يقف خلف هذا الحادث اطراف منظمة من قبل الامريكان على اعتبار ان اللامي هو جزء من تيار احمد الجلبي الذي عرف بانتقاداته اللاذعة للأمريكيين وعداء الامريكان له.

وتستهدف الاغتيالات بانتظام كبار مسؤولي وزارة الداخلية وضباط الأمن، ولكن رئيس هيئة المساءلة والعدالة في العراق علي اللامي يعتبر أكبر ضحية رفيعة المستوى هذا العام.  وهو الأمر الذي أصبح جزءا من الحياة اليومية في بغداد منذ الانتخابات البرلمانية في مارس/آذار 2010.

وقال خبراء صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن الجماعات المسلحة تنفذ عمليات مرتبطة بالصراع الذي يشهده العراق، كما يشير الاغتيال إلى احتمال استمرار أعمال القتل الانتقامية بين الشيعة والسنة.

وقال مسؤول مقرب من الجلبي إن المشتبه رقم واحد سيكون حزب البعث، وأن اغتيال مسؤول في هذا المستوى من شأنه أن يهز الحكومة التي فشلت في تعيين وزراء الشؤون الأمنية لأكثر من خمسة أشهر بعد تعيين باقي الوزراء، مما سيزعزع هذا عمل الحكومة، وهذا يدل على وجود خلل كبير في النظام الأمني​.

وربما ستزيد بعض الأطراف السياسية استثمارها للأحداث الأمنية، لتعزيز رؤيتها وشعاراتها وحركتها السياسية، واتهام المؤسسات الحكومية لعزلها أو تحجيم صلاحياتها.

من الواضح أن الجهات التي وقفت خلف الاغتيالات نجحت بتوجيه ضربات قوية، لأمن العراق، وتحقيقها انجازات خطيرة وفي بداية تخطيطها للمرحلة المقبلة.

هذه الانجازات تشير وبوضوح إلى المهارات التكتيكية والمحترفة التي تمتلكها هذه الجهات  من تقنيات عالية القدرة، وأنها قادرة على التحرك والرصد والمتابعة، وقادرة على تنفيذ مآربها عند رغبتها وحسب توقيتها السياسي والأمني.

لا يخفى أن لغة الحوار السياسي والإيمان بالتعايش السلمي وأخذ الحقوق ضمن هذه الأطر هي السمة البارزة للبلدان المتقدمة على عكس ما نشاهد في تلك النامية فمن الملاحظ تاريخياً في تلك البلدان أن المراحل السياسية التي تعيشها قائمة على ثقافة القتل والانقلابات العسكرية وربما ستكون المرحلة المقبلة في العراق من هذا النوع مع اختلاف الآليات والخطط، يصنف الخبراء السياسيين أن هذه الأعمال تقع ضمن مرحلة التأسيس لمرحلة سياسية وأمنية تعمل على استهداف الأمن العراقي.

مهما كانت النتائج فقد برهنت عمليات الاغتيال الأخيرة على أن الوضع العراقي السياسي والأمني لم يعد مستقرا، وأن العراق دخل مرحلة جديدة تنذر فيه الأوضاع إلى تصاعد الاختراقات الأمنية ربما تنتقل في مرحلتها القادمة من الاستعداد إلى المباشرة ميدانيا، و تؤكد على هذه الحقيقة الأوضاع العراقية في صورها المختلفة.

وربما تساعد بعض العوامل على انفلات الأمن، منها الظروف الاقتصادية السيئة ومعاناة المواطن من الخدمات إضافة إلى عامل الفقر وانتشار العقائد المتطرفة وانعدام الثقافة.

ربما ستشارك في تأجيج هذه الأزمة قوى سياسية فاعلة ومجموعات متطرفة وأخرى مذهبية، ولا شك أن الأمريكيين لهم موروثات وعلاقات حميمة مع بعض القوى والأحزاب التي لها اختراقات واسعة في النسيج الاجتماعي والأمني والسياسي للبلاد، التي لم تنفك من هذا الموروث، وبقيت تراهن هذه القوى على أمريكا وإمكانية عودتها إلى اللعبة السياسية والاجتماعية في العراق.

وتشير الظروف في العراق إلى أن أحداث الاغتيالات الأخيرة ليست عابرة بل هي مؤشرات لمرحلة عراقية جديدة سمتها الاضطراب الأمني والسياسي والتوترات الاجتماعية، قد تنجح القوى المتربصة بالعراق وأمنه في إحداث اختراقات واسعة مما يربك الساحة العراقية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/آيار/2011 - 27/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م