إشكالية العلاقة بين الأحزاب السياسية والمجتمعات النامية

 

شبكة النبأ: تحتاج المجتمعات النامية الى خلق العوامل المساعدة على نموها في جوانب الحياة كافة، وأولها وأكثرها تأثيرا عليها، هو التطور في المجال السياسي، كونه الجهة الأساسية التي تدير شؤون المجتمع في مجالات السياسة، والاقتصاد، والصحة، والتعليم، والثقافة، وما الى ذلك من جوانب حياتية أساسية في تطور المجتمعات.

لهذا لابد أن تتوفر اجواء تساعد على صنع قادة سياسيين، لهم القدرة على ادارة سياسة المجتمع بصورة ناجحة، وهذا يتطلب توافر الاحزاب السياسية القادرة بدورها على النجاح في ادارة الملف السياسي، للدولة وللمجتمع النامي، بيد أن هناك مشكلة كأداء غالبا ما تقف في طريق النمو السياسي، في مثل هذه المجتمعات، الامر الذي ينعكس على بطء النمو او توقفه او تراجعه احيانا، بسبب الصراعات السياسية، وغياب الشورى، أو ضعفها، سواء في الحكومة او الحزب أو المنظمة السياسية، وهذا يؤدي بدوره الى صنع القائد الاوحد، سواء على مستوى الحزب او الحكومة، والسبب دائما افتقاد الشورى، وتزلّف البعض للقائد والقبول به على علاته، حتى لو كان ذا منهج وشخصية مريضة، بسبب التملق والمراءاة داخل الحزب.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (الشورى في الاسلام) بهذا الصدد: (عندما تكون آراء القائمين على حزبٍ ما مُتحكمّةً به ومفروضةً عليه ، فانّ قدرة التفكير والإرادة الحـرة والبصيرة لدى منتسبي الحزب وجماهيره ، تزول وتمحى، وتزول معها قدرتُهم على خلق القيم وتبلورها ، وبنتيجة التوزيع غير المُتعادل وغير المتكافئ للإمكانيات الحزبية، فانّ الكذب والنفاق وفقدان الإيمان والمُبالغة في الأمور والخوف تطغى على الأخلاقيات والتقاليد الحزبية السليمة).

وهكذا تبرز حالة صراع واضح بين قادة الحزب، وبين الاعضاء الاصلاء الذين لا يقبلون بالانحراف او الصمت على الخطأ، حتى لو كان مصدره قائد الحزب الاعلى، خلافا للاعضاء المتملقين الذين يصمتون على الخطأ، بل ويشجعون قائدهم على الانحراف، ضمانا لمصالحهم الشخصية، ويؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال قائلا في كتابه نفسه: (إن الأفراد الشجعان من ذوي الإيمان والإرادة والذين لا يتلاءم طبعهم الذاتي مع الانقياد الأعمى والطاعة المطلقة، لا يمكنهم أن يكونوا موضعَ ثقة واطمئنان هؤلاء القائمين والمشرفين على شؤون الحزب بل لا يمر زمان إلاّ ويُطردون من الحزب).

لذلك فإن الاحزاب التي لاتسمح بحرية الرأي والتداول، بل تنمّي روح القيادة الفردية لقائدها، وتضخّم ذاته على حساب المبادئ الشعبية المشروعة، فإنها ستفشل في اداء دورها السياسي حتى لو صعدت الى الحكومة، وهذا ما يؤكده الامام الشيرازي في كتابه نفسه قائلا في هذا المجال: (في البلدان النامية، تفقد الأحزاب تلقائياً نفوذها الاجتماعي وطبيعتها الشعبية إذا كانت مُمثلةً بصورة مباشرة للحكومات والنظم السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد، فانّ مثل هذه الأحزاب تفتقد للجاذبة السياسية والشعبية، وذلك لأنّها ديكتاتورية بطبيعتها).

ومثل هذه الاحزاب التي لا تنتهج الشورى في عملها، ستفشل حتما حتى لو اشتركت في الحكومة او قادتها، والسبب لأنها لا تؤمن بالشورى كمنهج عمل، ولا تفضل مصالح الشعب على مصالحها الحزبية الضيقة، لهذا يفقد المجتمع النامي ثقته بمثل هذه الاحزاب وحكوماتها الفاشلة، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد: (في المجتمعات التي يفتقد الناس فيها النفسية والتجربة والممارسة الحزبية، فيما الحكومات الحزبية لا ترغب في توزيع السلطة بين الأحزاب الصحيحة والسليمة، فانّ الأحزاب تصبح على شكل منظماتٍ لا تشعر الحكومة أمامها بالمسؤولية، كما أن الناس لا ترى فيها ما يُجسّد ويعكس خياراتها الاجتماعية ومتطلباتها الاقتصادية).

إذن هناك اشكالية تكمن في العلاقة بين هذه الاحزاب السياسية، وبين شعوبها المتطلعة الى الحرية والتطور والازدهار، وهذا لن يتحقق بعيدا عن اجواء الحرية، واعتماد نهج الشورى في ادارة الحزب والحكم معا، ويؤكد الإمام الشيرازي في كتابه سببين يقفان وراء تذبذب العلاقة بين الطرفين هما:

1- إنّ شعوب العالم الثالث لها ذكرياتٌ مُرّةٌ دائماً مع الأحزاب السياسية في بلدانها.

2- فقدان الكتب اللازمة وعدم تعليم قواعد السياسية في المعاهد بوجه صحيح أدى إلى جهل المجتمع وخاصة جيل الشباب فيه بالقضايا السياسية والحزبية حتى تدار الأحزاب بالوجه الصحيح).

إن المجتمعات النامية تبقى تنظر الى الاحزاب السياسية بريبة، بسبب التجارب المرة التي خاضتها معها او بسببها، حيث سرعان ما تتحول هذه الاحزاب التي تدّعي الشورى والتحرر بعد أن تصل الى الكرسي، الى سلطة قمعية طاغية، تضرب كل من يقف ضد منافعها ومصالحها، لهذا لا يأتمنها المجتمع النامي، ولا يؤمن بادعاءاتها بسبب التجارب المرة معها، وتبقى الاحزاب السياسية محط تساؤلات دائمة يطلقها المجتمع ويريد إجابات تشفي غليله،

ومن هذه التساؤلات التي أوردها الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه نفسه:

(أين تكمن حسنات الأحزاب وأين تكمن مساوئها ؟ وما هو دور الأحزاب في مصير الحكومات؟ وكيف يُمكن للأحزاب أن تكسبَ لنفسِها أرضية الكفاح الاجتماعي؟ وكيف يُمكن للعناصر المؤلفة للأحزاب أن تتفهم الأداة المُحرّكة للنشاطات الاجتماعية وأن تتحسس ضرورة مثل هذه النشاطات؟ وكيف تصبح قوى الأحزاب السياسية في المجتمعات أداة تحقيق لأغراضٍ شخصيةٍ خاصة؟).

إن هذه المجموعة من الأسئلة وغيرها، تبقى من دون إجابات، لهذا تبقى إشكالية العلاقة قائمة ما لم تنتهج الأحزاب منهج الشورى، والتحرر، والانفتاح، وإتاحة حرية الرأي، وتبادل الأفكار، وعدم حصر السلطة بيد القائد الأوحد، الذي سرعان ما يتحول الى ذات متضخمة طاغية، يريد من الجميع أن يقبلوا به قائدا وحاكما حتى لو كانت مساراته تقود المجتمع أو الحزب نحو الهاوية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/آيار/2011 - 26/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م