العراق ومساوئ ظاهرة عدم الإتقان

 

شبكة النبأ: مثلما تتم تربية الإنسان الفرد وفق سياقات تربوية معروفة، ومتفق عليها بين مؤسسات المجتمع كافة، كذلك ينبغي أن تتم تربية المجتمع، وفق مسارات واتجاهات ومحركات، تنمّي في نسيجه الاجتماعي عمليات الاشتغال الصحيح في مجالات الحياة كافة.

في بعض المجتمعات المتأخرة عن الركب العالمي المتقدم، هناك مجموعة ظواهر سيئة ترسّخت فيها لدرجة أنها صارت من حالات السلوك المعتادة في تلك المجتمعات، والسبب كما هو واضح ضعف الجانب التربوي، على الصعيدين العائلي والمجتمعي في آن.

ظاهرة عدم الاتقان، من الظواهر الشائعة في المجتمعات المتأخرة ومنها المجتمع العراقي، وهي تمثل حالة سلوك منتشرة بين شرائح المجتمع، إبتداءا من الفرد الى مجاميع العمل المختلفة، وتنتشر بين عموم الفئات والشرائح بمختلف تسمياتها او انتماءاتها العملية او غيرها.

الطالب لدينا لا يتقن دراسته، وهو يعاني على الدوام من حالة الاتكال على غيره، والمعلم ليس بحال أفضل من طلابه! العامل لا يختلف في هذا المجال عن غيره وكذلك المزارع، الموظف مكبّل هو الآخر بظاهرة عدم الاتقان، والطفل العراقي في البيت ينظر ويسمع ويتربى على هذه الظاهرة، من ابويه واخوانه الذين يكبرونه.

الجميع يعاني من هذه الظاهرة، ولذلك تتردد مفردات وجمل وأمثلة يتداولها الناس، كلها تؤشر وجود ظاهرة عدم الاتقان، والاعتراف بعدم التخلص منها، وهذه الامثلة او الكلمات التي يتداولها العراقيون، تؤكد سيطرة عدم الاتقان على اعمالهم وحتى افكارهم.

مثال ذلك أننا طالما نسمع بالقول الذائع الذي ينص على ان (العراقيين ما تصير لهم جارة) أو مفردة (التلزيك) التي تعني أن العمل مهما كان نوعه او القائم به لا يتم بالطريقة الصحيحة، وإنما يتم لتمشية الحال ليس إلاّ، وهذا السياق العملي معروف بين العراقيين، فلو ذهبت الى (فيتر) ميكانيكي سيارات للتصليح فهو لا يتقن عمله في الغالب، ولو طلبت من عامل البناء ان يؤدي عمله بالصورة الصحيحة، هو ايضا لا يقوم بذلك في الغالب، الموظف كذلك في الغالب، غذ تنسحب هذه الظاهرة على الاجهزة الحكومية وغيرها.

إذن هي ظاهرة عامة تنتشر بين فئات المجتمع وافراده، والسبب كما يبدو أن ظاهرة عدم الاتقان تنشأ مع نشوء الطفل في عائلته، فهو يرى والده كيف يتعامل مع الاشياء وكذلك الحال مع الام والاخوات والاخوان، اي كيف يتصرف المحيط العائلي وما هي الضوابط التي تحكمه، ثم ينتقل الطفل الى المحيط المدرسي، ليحتك مع مجتمع اوسع، يعاني هو الآخر من عدم الاتقان كسلوك او اقوال.

وهكذا تُغرَس هذه الظاهرة السيئة، في تربة الطفولة لتكبر معها عبورا الى الشباب والكهولة، وحتى الشيخوخة، وهكذا يكون المجتمع كله معانيا من ظاهرة عدم الاتقان، وهي دليل قلة الوعي وقلة الصبر معا، إضافة الى ضعف الشعور بالمسؤولية، والتعامل مع معظم شؤون الحياة بلا مبالاة قاتلة، حيث تنتشر ظاهرة معاضدة لعدم الاتقان، وهي ظاهرة عدم المبالاة بكل شيء، والنتيجة أننا نصل الى مجتمع مكبّل بالعجز، سواء في انتاج الافضل، أو في التطلع الى ما هو افضل في عموم مجالات الحياة.

إذا اعترفنا بهذا الخطأ وهو فضيلة، وإذا تذكرنا الحديث النبوي الشريف (رحم الله امرئ عمل عملا صالحا فأتقنه) فإننا لابد أن نعمل على تصحيح المسارات، ونحاول التخلص من هذه الظاهرة السيئة بل والخطيرة، وهي ظاهرة عدم اتقان أي عمل يناط بنا، سواء كنا أفرادا أو مجاميع عمل وفي أي ميدان كان.

إننا يجب أن نقوم بعمليات تصحيح كبيرة ومتواصلة نبذل فيها جميعا، الجهات الرسمية والاهلية والافراد) جهودا تربوية جبارة لكي نقضي على هذه الظاهرة، ابتداءا من المحيط العائلي ثم المدرسي ثم المحيط الاوسع، لكي نتخلص جميعا من هذه الظاهرة التي تقف عائقا شاخصا بقوة امام تقدم المجتمع، هكذا يبدو العلاج جماعيا وفرديا في آن، ويتطلب تخطيطا وتنظيما وتنفيذا مباشرا ومتواصلا يشترك فيه الجميع كما ذكرنا، وهذا يتطلب بدوره ارادات وعقول مخططة ومنفذة في آن، واذا ما تم الشروع بمثل هذا البرنامج الشامل، فإن بوادر التغيير سوف تتحقق، ولكن ينبغي أن لايتم ذلك بصورة عشوائية، وأن لا تتسلل ظاهرة عدم الاتقان، الى البرامج والخطط والارادات التي تحاول القضاء عليها!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/آيار/2011 - 25/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م