خريف العرب

هادي جلو مرعي

يمكن للثورة أن تنجح في فرنسا، أوفي بلد آخر شريطة أن لايكون من المجموعة العربية

 

كلنا متفقون إن الأنظمة التي تخلف تلك الساقطة في عواصم العرب، ستحتكم الى ذات الأجهزة القمعية والى ذات الأجهزة القضائية، والى شعب لم يتغير كثيرا عن الموجود في عهد النظام الذي سبق، عدا عن ذلك فإن العقد النفسية وإضطراب العقول سيستمر يحرك الوجدان والمخيلة التي قادت الجماهير الى الثورة أو الإنتفاضة على حكومات ألغت وجودها، وجعلت منها أدوات سيطرة غير قابلة للعطب –بظنها- حتى يعود العطب ليصيب الطرفين.

النظام القائم في كل بلد عربي على أطلال ما سبق، يجد إن مطالب الناس ما تزال تتردد دون أن تتحقق، وملايين المطالبات في عهد النظام القمعي السابق كانت مكبوتة، وكان الهدوء هو الغالب، لكن الإنهيار، أدى الى إنهيار السد العملاق الذي كان يمنع سيل تلك المطالبات من التدفق، وهي مطالبات يعجز أي نظام عربي عن تلبيتها، لأنها تبدأ من رغيف الخبز وعلب الحليب، ولا تنتهي بصناعة القرار السياسي، في ظل عدم توفر الإمكانات والموارد.

 وحين تأتي الديمقراطية زائرة لبيئة عربية، فهي كالمرأة الحسناء بلباس شفاف لا يخفي الكثير من معالم جسد مكتنز، تثير حواس الرجال وتدفعهم للتخبط والذهول، ثم تزرع الفوضى، وتضرب بعضاً ببعض، وتضحك بدلال غير عابئة بالدماء تسيل، والوجوه تكفهر، والعداوات تكبر والغرائز تمتد متطاولة.

خذ مصر مثلاً، بلد عظيم بحضارة خالدة، إستمر في صموده ولم ينهر،وكانت الدكتاتورية الضامن لبقاء الجياع صامتين، وللفئات الدينية والقومية هادئة بإنتظار الفرج، لكن مصر بلا موارد حقيقية كالتي تتوفر لبلد مثل العراق، أو لبلدان الخليج، وحتى ليبيا التي تنتظر رجالا بروح عمر المختار، عدد سكان هذا البلد بلغ رقما مخيفاً، والنهر الوحيد تتنازعه خمس دول متعطشة من بينها دولة جديدة تنشأ رويدا في جنوب السودان وتطالب بضمان حقها في حصة ملائمة من مياه النهر الخالد الذي يسقي عطاشى بيرم التونسي في رائعته (عطشان يا صبايا، عطشان يا مصريين)، ويروي زروعاً على ضفتيه.

 موارد الطبيعة محدودة من النفط والغاز، والحاجات متزايدة، الأقباط يتحركون بقوة، باحثين عن جيب آمن مع تصاعد صوت السلفية والنزعة نحو إستبداد ديني إخواني، والنوبيون في الجنوب ما زالوا مصرين على تأمين كرامتهم التي يعتقدون إنها ما تزال في دائرة التهوين.

في البلاد العربية الأخرى تتزايد المطالبات، دون هدف واضح ودون إستراتيجيات، فإذا سقطت الأنظمة سادت الفوضى، ومعها يأتي الخريف، لأن ربيع العرب مجرد شعارات، بينما الخريف هو الفصل السياحي المفضل للشعوب العربية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/آيار/2011 - 24/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م