واقع الإرشاد النفسي في المدارس العراقية

نظرة تحليلية

ا.م.د. غالب محمد رشيد الاسدي

يعد الإرشاد التربوي أمرا ملازما لتقديم العملية التعليمية في المدارس وذلك لأهميته في تقليص الآثار الجانبية للمشكلات المختلفة التي تعيق بشكل أو آخر من نجاح العملية التربوية بجميع مفاصلها، وإذ كانت تلك الخدمات وفقا لهذا التحديد تتطلب من العاملين في الإرشاد من مرشدين أو قيمين تكثيف جهودهم في أمرين مهمين، أولهما البحث عن تلك المشكلات التي تعيق تلك العملية، وثانيهما اقتراح السبل أو الطرائق التي يمكن عن طريقها معالجة تلك المشكلات، ويبقى الإرشاد التربوي والنفسي ضمن المستوى النظري إذا لم يجد وسائل تطبيق متاحة للتحقق من الآراء أو وجهات النظر الإرشادية المتضمنة فيه، وهما خطط للقيام فيه في المدارس العراقية وبالذات في المرحلة الدراسية المتوسطة بشكل وافي وخلال مدة زمنية ليست بالقليلة ربما تمتد في العراق لأوائل السبعينات عندما بدا التخطيط الفعلي لفتح بعض أقسام الإرشاد التربوي في بعض كليات التربية العراقية.

 وهذا يعني أن تجربة التخطيط للإرشاد التربوي في المدارس العراقية تمتد إلى مدة زمنية ليست بالقليلة، وتخرج من أقسام الإرشاد التربوي في كليات التربية وأقسام التربية وعلم النفس فضلا عن خريجي أقسام علم النفس في كليات الآداب (الذين يلتحقون في دورات إرشادية سريعة ومن ثم يصبحون مرشدين تربويين) خلال هذه المدة الزمنية، مع ذلك فان المدارس التي يوجد فيها مرشدين تربويين نسبة بعدد المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في العراق لا يزال قليلا، وهو ما يعني أن تلك المدارس تحتاج إلى مرشدين تربويين وفقا للخطة الموضوعة مسبقا،وبالتالي لابد من تعيين اكبر عدد ممكن من هذه الأفواج المتخرجة كل عام لسد النواقص والشواغر وشمول المدارس جميعا بخطة الإرشاد التربوي، ولابد من الموازنة بين الأفواج المتخرجة والحاجة الفعلية للمرشدين في المدارس العراقية، وفي ضوء ذلك تخصيص الدرجات الوظيفية سنويا لتحقيق الهدف العام من شمول جميع المدارس بهذه الخطة وتعيين هؤلاء الخريجين على الملاك الدائم أو ملاك العقود الوقتية في مديريات التربية كافة.

 إن المناهج التي يدرسها طلبة أقسام الإرشاد التربوي منذ تأسيس هذه الأقسام تؤكد بشكل كبير على الجانب النظري أكثر مما تؤكد فيه على الجانب التطبيقي أو العملي، ويعود ذلك إلى أسباب عدة منها: أن مجالات التطبيق في المدارس ضيقة ومحدودة لان الإرشاد التربوي في بعض المدارس الموجود فيها محدود وضيق ويتحكم فيه الروتين الإداري بشكل كبير، كما أن التطبيق في ميادين العمل الطبي النفسي ضعيف جدا إلى درجة عدم التأثير في مستوى طلبة تلك الأقسام ويصعب العمل فيه لوجود ضوابط قانونية وإدارية متعلقة بمهنة الطب النفسي تمنع المرشدين التربويين والنفسيين من المشاركة بشكل أو آخر في ممارسة العملية العلاجية، فضلا عن غياب الخبرة التطبيقية للعمل العلاجي والإرشادي النفسي لمعظم تدريسي أقسام الإرشاد التربوي والنفسي في الكليات،مما جعل من إمكانية توفير فرصة مناسبة لتطبيق الإرشاد التربوي عمليا بكل مفاصله أثناء عملية التدريس أمرا صعبا أو غير متاح.

 وإذ كانت العملية الإرشادية وفقا للمنهج التربوي المتبع في معظم الدول المتقدمة أو الحديثة في مناهجها التربوية التي تعني فلسفتها التربوية ليست نقلا للمعلومات العلمية والإنسانية المختلفة للطلبة فحسب، بل التفكير في كيفية حل المشكلات المختلفة التي تعيق من انتقال التربية بشكل سلس وطبيعي كما مخطط له مسبقا، وهنا يأتي دور الإرشاد التربوي بكل المهام المفترض به القيام بها، فإذا كانت الظروف متاحة من كل جوانبها لتأدية مثل هذه المهام فانه يؤدي دوره بشكل فعال وكما ينبغي وإلا فالعكس صحيح، وما يعيق تقديم مثل هذه الخدمات في المدارس العراقية هو أن في بعضها لا تتوافر ظروف إرشادية مناسبة مثل وجود غرفة إرشادية مؤثثة بمتطلبات القيام بالعملية الإرشادية أو اعتماد وسائل تحويل رسمية بين الإدارة المدرسية والإرشاد التربوي فيها والمعيقات الإدارية المدرسية التي تحد وتقلل من شأن تقديم الخدمات الإرشادية للطلبة كافة فضلا عن تأدية المرشد التربوي لدوره الفعال في تقديم تلك الخدمات بالتعاون مع أعضاء الأسرة التعليمية في المدارس أو مديريات التربية واعتماد صيغ رسمية في هذا التعامل.

 إن وجود المرشدين التربويين في جزء من مدارس التعليم المتوسط و الابتدائي يعاني بعضا من القصور أو التميز الذي يعيق بشكل أو آخر من أداء المرشدين لأدوارهم باندفاعية، إذ أن الواقع في تلك المدارس يشير إلى أنهم لا يتمتعون بمميزات متساوية مع أقرانهم المعلمين أو المدرسين في التخصصات العلمية المختلفة، فلا يتساوون معهم في الرواتب أو المخصصات أو الحوافز فيما إذا وجدت، وهو ما أشار إليه ما يسمى بتسوية المرتبات، إذ أن المرشدين غير مشمولين بالزيادة المتوقعة في تلك الرواتب لأنهم ليسوا مدرسين أو معلمين للمواد العلمية المختلفة، وفي هذا إجحاف كبير ربما يؤثر مستقبلا على أداء المرشد التربوي أو من يتعين مرشدا تربويا، وهو أمر يجعلهم مرحلة وسطى فلأهم معلمون أو مدرسون ويشملون بما هو مخطط في تسوية المرتبات لهذه الفئة ولا هم موظفون وبالتالي لا تنطبق عليهم كثير من الضوابط المعمول بها حاليا مع المعلمين أو المدرسين. لاسيما وأن معظمهم يحملون شهادة بكالوريوس في الإرشاد التربوي ويعملون في المدارس أسوة بأقرانهم من مدرسي المواد الأخرى، وخريجي كليات تربية.

 إن تحقيق التكافؤ ما بين إعداد المرشدين نظريا وأكاديميا وتوظيفهم في العملية التربوية لتحقيق الهدف من وجود الإرشاد التربوي في المدارس يتطلب تحقيق جملة من المبادئ والأسس التي يمكن عن طريقها ضمان تحقيق الهدف العام من وجود الإرشاد التربوي والنفسي في المدارس العراقية والتي يمكن أن يكون منها الآتي:

• فتح أقسام للإرشاد التربوي والنفسي في جميع كليات التربية أو التربية الأساسية في جامعات العراق كافة، وذلك للحاجة المتزايدة من وجود المرشدين التربويين في جميع مدارس العراق سواء أكانت ثانوية أم متوسطة أم ابتدائية.

• اختيار الطلبة في تلك الأقسام وفقا للرغبة فضلا عن مجموعة من المتطلبات والشروط التي تضعها هذه الأقسام لضمان اختيار طلبة مؤهلين فيما بعد أن يكونوا مرشدين تربويين في المدارس المختلفة.

• إطلاق درجات وظيفية وتعيينات للخريجين من تلك الأقسام ضمن الخطة السنوية لوزارة التربية وتكون بإعداد مناسبة تراعى بها شروط توضع مسبقا بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية والواسطة.

• شمول تدريسي أقسام الإرشاد التربوي والنفسي بزمالات إرشادية إلى جامعات معروفة بخبراتها وقدمها بتخريج المرشدين الكفء وذلك للمزج بين الخبرة النظرية أو الأكاديمية والتطبيق العملي والميداني لهؤلاء التدريسيين المتخصصين في مستشفيات تلك الجامعات وعياداتها الطبية النفسية المتخصصة.

• فتح مختبرات حديثة في أقسام الإرشاد التربوي والنفسي تحوي على أجهزة ومعدات مختبريه حديثة ومناسبة وتدريب القائمين عليها تدريبا كافية يجعلهم متمكنين من تدريب طلبة تلك الأقسام في محاضرات مختبريه.

• تسوية المرشدين التربويين في المدارس العاملين بها بأقرانهم المعلمين والمدرسين في جميع الحقوق والامتيازات مثل الرواتب والحوافز وغيرها من الأمور الإدارية.

• فتح جمعية أو نقابة لرعاية شؤون المرشدين التربويين في المدارس العراقية بمعزل عن نقابة المعلمين أو الجمعيات والمنظمات التعليمية الأخرى ووضع نظام داخلي لها تنطبق عليه شروط تأسيس النقابات أو الجمعيات المعترف بها رسميا.

• شمول المرشدين التربويين بدورات تأهيلية بشكل مستمر لمواكبة المتغيرات والمستجدات في العلوم التربوية والنفسية بشكل عام والإرشاد التربوي بشكل خاص عن طريق التنسيق بين وزارة التربية والجامعات العراقية أو غير العراقية.

• تشجيع المرشدين التربويين ضمن الخدمة الفعلية على إكمال دراساتهم العليا على نفقة وزارة التربية وفق ضوابط تضعها الوزارة لهذا الغرض.

• إيجاد مديرية مستقلة للإرشاد التربوي في ديوان الوزارة ترتبط بها مديريات فرعية في كل مديرية تربية مستقلة في عملها ومرتبطة إداريا وماليا بديوان الوزارة لقيادة العملية الإرشادية وضمان نجاحها وإبعاد أي تدخلات من جهات تربوية أخرى ربما تعيق أو تقصر من أداء المهمات المقلقات على عاتقها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/آيار/2011 - 24/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م