القاعدة تضمحل بحثا عن قائد جديد

 

شبكة النبأ: يعتقد معظم المراقبين السياسيين أن الجهادي المصري أيمن الظواهري هو الذي سيتولى الآن قيادة «القاعدة» بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن في باكستان مؤخراً.

لكن لما كان الظواهري يفتقر الى الجاذبية الشخصية، التي كان يتمتع بها بن لادن عند الجهاديين، وله تاريخ طويل في إثارة غضبهم ونفور بعضهم منه، سوف يكون من الصعب عليه «لبس عباءة بن لادن». بل وحتى لو فعل ذلك لن تكون قيادته للقاعدة محكمة على الأرجح. بحسب معهد بروكينغز

نظرياً، يبدو الظواهري من خلال ماضيه مؤهلاً جداً لكي يكون زعيماً إرهابياً، فقد شكّل أول خلية إرهابية عام 1966 حينما كان في الخامسة عشرة ثم تآمر فيما بعد ضد النظام المصري الذي شعر الظواهري أنه فقد شرعيته بإقامته السلام مع إسرائيل ولفشله في بناء دولة إسلامية.

وبعد أن اغتال بعض رفاقه الرئيس المصري أنور السادات، أمضى الظواهري بضع سنوات في السجن توجه بعدها عند إطلاق سراحه الى باكستان خلال الجهاد ضد السوفييت هناك. وحينما تم تأسيس القاعدة عام 1988 كان الظواهري الى جانب بن لادن ثم أمضى فترة من الوقت في السودان عندما احتضنت الخرطوم الحركة الجهادية في أوائل عقد التسعينيات ليعود بعد ذلك مع بن لادن الى أفغانستان التي مكث فيها حتى موعد هجمات القاعدة المدمرة على الولايات المتحدة في 9/11 ليصبح دوره عقب ذلك أكثر أهمية. إذ كان هو من يضع استراتيجية القاعدة، كما أصدر الكثير من الخطابات التي تناولت عملياتها.

غير أن الظواهري لم يتفق إلا فيما بعد مع وجهة نظر بن لادن الذي كان يرى أن الولايات المتحدة هي المصدر الأول لمشكلات العالم الإسلامي. ففي البداية كان الظواهري يركز على هجومه على مصر والأنظمة العربية الأخرى لدرجة أعلن فيها أنه لا يمكن تحرير القدس إلا بعد تحرير القاهرة وانتصار الإسلاميين في مصر والجزائر. إلا أن حركته تدمرت تحت ضربات سلطات الأمن في مصر، وتعثر النضال ضد نظام الجزائر قبل أن يتحول الى مجزرة وحشية ضد المدنيين.

ولما نفد المال من مجموعته، اقترب أكثر وأكثر من بن لادن، وتبنى مفهومه الجهادي بالكامل بحلول عام 1998. ويبدو أن الضربات الجوية التي شنتها أمريكا بعد 9/11 وأدى بعضها لمقتل زوجة الظواهري واثنين من أبنائه، زادت من كراهيته الشديدة لأمريكا. 

انقسامات

لكن في الوقت الذي حاول فيه بن لادن تجاوز الانقسامات داخل حركة الجهاد، كان الظواهري غالباً ما يفاقهما بشجبه للمجموعات الجهادية الأخرى المنافسة، إذ كان يكن حقداً دفيناً للإخوان المسلمين الذين يشكلون أكبر وأهم حركة إسلامية في العالم العربي، كما كان ينتقد حماس التي تحكم غزة. ومن الواضح أن بعض أسباب هذا الموقف شخصية إذ لطالما دخل الظواهري في خلافات داخل حركة الجهاد المصرية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، فقد انقسمت الحركة آنذاك حول أشياء عدة منها: ما الهدف الذي يتعين مهاجمته؟ ما المكان الذي يمكن اتخاذه كقاعدة انطلاق؟ وما مدى حجم التعاون الذي يمكن القبول به مع الحركات الإسلامية الأخرى. وهنا نلاحظ ان الظواهري كان ينتقد بقسوة أولئك الذين يشعر أنهم يفتقرون الى ما يكفي من حماس.

ولو وضعنا جانباً ميوله الانقسامية، لتبين لنا أن تصريحاته العلنية لم تكن جذابة كتصريحات رفيقه السعودي الراحل، إذ كان يبدو ومن خلالها متغطرساً وغير قادر على تحمل منتقديه او التحلي بالصبر.

وفي الوقت الذي يجمع فيه كل أولئك الذين اجتمعوا مع بن لادن انه كان شخصية جذابة، لم يستخدم أحد من الذين التقوا الظواهري مثل هذا الوصف.

وعلى الرغم من أن السنوات، التي أمضاها في سجون مصر وفي حركة الجهاد، توفر له تجربة مهمة في عالم النضال كما يقول، يدرك الجهاديون تماماً مواطن ضعفه.

فقد خان الظواهري رفاقه حينما تعرض للتعذيب في السجون، وحول هذا كتب فيما بعد يقول: إن أصعب وأقسى شيء حينما يقع الإنسان في الأسر هو اضطراره تحت التعذيب للاعتراف بما لديه من معلومات عن زملائه والإساءة بهذا لحركته بتسليمه أسرار رفاقه للعدو.

ملء الفراغ

على أي حال، كان الظواهري يرى في الجهد المناهض للسوفييت في أفغانستان عملاً جانبياً حينما كان في باكستان خلال الثمانينيات، لذا ركز جهوده في مجال التنظيم على النضال الدائر في بلده مصر.

ويبدو أن هذا الموقف انعكس بشكل سلبي عليه، فقد كان رجال طالبان يميلون للتعامل مع بن لادن في عقدي الثمانينيات والتسعينيات ولا يشعرون أنهم مدينون كثيراً للظواهري.

لذا، إذا كان يريد ملء الفراغ الذي خلفه بن لادن، على الظواهري بناء الثقة، ليس فقط مع الأعضاء المصريين في القاعدة، الذين تشاجر معهم طويلاً خلال السنوات الماضية، بل ومع أعضائها الليبيين، الجزائريين، السعوديين، اليمنيين وغيرهم ممن انضموا الى صفوفها.

بيد أن القيام بهذا الدور الجديد يتطلب منه عقد اجتماعات مع كبار عناصر القاعدة للتحاور معهم بشكل منتظم، كما عليه توجيه رسالة الى الجهاديين في العالم يؤكد لهم فيها أنه اذا مات بن لادن فإن القاعدة لم تمت، وسوف تستمر في جهادها.

لكن إذا كان كل هذا يبدو عملاً بسيطاً نظـرياً إلا أن تنفيذه على أرض الواقع صعب جداً اذا تذكرنا حملة الطائرات الأمريكية التي تحلق بلا طيار التي تستهدف القاعدة في باكستان، والمعلومات السرية التي حصلت عليها الولايات المتحدة من المجمع الذي كان يسكنه ب لادن قبل موته.

ومن المتوقع الآن أن تتمكن الاستخبارات الأمريكية من تحديد أماكن العناصر المهمة في القاعدة حينما يتحدثون عبر الهاتف او يحاولون الاجتماع مع مساعديهم.

الواقع أن الخطر الذي يواجهه الظواهري الآن لا يقتصر على سلامته الشخصية فقط بل ويشمل أيضاً عمل القاعدة على المدى الطويل. لقد كان موت بن لادن ضربة كبيرة لها، وإذا ما لحق به أيضاً أي قائد جديد للقاعدة سيشكل هذا مؤشراً خطيراً على اقتراب انهيار هذه المنظمة.

إن الفرصة سانحة الآن أمام الولايات المتحدة لتكثيف جهودها في مكافحة الإرهاب، فقبضة الظواهري على القيادة غير ثابتة بعد وهذا يعني ان ممارسة المزيد من الضغط يمكن أن يهز القاعدة أكثر ويجعلها أقرب الى السقوط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/آيار/2011 - 20/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م