الكنز النفيس... خارطة عمليات تمويل الجهاد

 

شبكة النبأ: لا بُدَّ وأن ممولي الإرهابيين واقعين تحت ضغط هائل منذ أن ظهرت أخبار قيام قوة "سيلز" التابعة للبحرية الأمريكية بقتل أسامة بن لادن واكتشافها لأقراص صلبة وغيرها من مواد الإعلام الكترونية في بيته الآمن.

ويقال إن "محللي الاستخبارات والمتخصصين في استخدام المستندات" يتصفحون بالفعل هذا الكنز الاستخباراتي النفيس، وأنهم قد وجدوا الدليل الخاص بمخططات تنظيم «القاعدة» بما فيها خطط طموحة للهجوم على نظام القطارات الأمريكي وما هو أكثر من ذلك. وفي جميع الاحتمالات، ستحتوي هذه الملفات على أدلة تساعد على تتبع الخط التمويلي المالي لبن لادن. بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

وهذا يضع أناس مثل عبد الحميد المعجل في وضع صعب. وبينما وصفه زملاؤه الجهاديون بأنه "رجل المليون دولار" لجمعه الناجح للتبرعات لصالح تنظيم «القاعدة» وجماعات جهادية أخرى، أدار المعجل مكتب "هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية"، وهي مؤسسة خيرية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. وفي عام 2006، صنفت وزارة المالية الأمريكية العجيل ومكتب "هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية" الذي يترأسه بأنهما كيانان إرهابيان.

ولكن حتى لو أدت "التسمية والفضح" إلى إجبار المعجل على الخروج من دائرة عمل التمويل الإرهابي، فهناك جهاديين كثيرين مثله أيضاً. فمجرد في هذا الأسبوع قال رئيس فرع "المخابرات المالية والإرهاب" في وزارة الخارجية الأمريكية ديفيد كوهين، لشبكة "سي إن إن" أن كبار المانحين من دول الخليج ما يزالون هم المصادر الرئيسية لتمويل الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة». ولا شك أن عشرات الممولين المتطرفين يشعرون بالقلق الآن من أن تظهر أسماؤهم أو حساباتهم المصرفية أو عناوينهم في أوراق ابن لادن الحسابية- أو "في الأوراق المبعثرة في جيبه" - ولسبب وجيه.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي استعادت فيها سلطات [من أي دولة] مستندات كاشفة عن تمويلات تنظيم «القاعدة» في غارة ما. ففي آذار/مارس 2002، هاجمت السلطات البوسنية مكاتب "المؤسسة الخيرية الدولية" في سراييفو، وهي منظمة وصفتها وزارة المالية الأمريكية بأنها واجهة لـ تنظيم «القاعدة». ومن بين المواد التي عُثر عليها في أجهزة الحاسوب التي تم الاستيلاء عليها كانت مذكرة لـ تنظيم «القاعدة» من عام 1988 أو 1989 تدرج قائمة بعشرين ممول سعودي وصفهم بن لادن بأنهم "السلسلة الذهبية"، وقد تمت تسميتهم بذلك لأنهم كانوا مصدراً موثوقاً لتمويل منظمته. ووفقاً لتقرير" لجنة 9/11"، كانت السلسلة الذهبية تتكون في غالبها من ممولي بن لادن في السعودية ودول خليجية أخرى.

ولكن حتى لو لم تشمل الملفات التي ضُبطت في مخبأ بن لادن في آبوت أباد إشارات واضحة إلى "رجل المليون دولار" أو "السلسلة الذهبية" التالية، فإنها على الأرجح سوف تحوي على معلومات يمكن أن تساعد في كشف الذيل المالي الذي يمول الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة». أولاً، ربما تشير هذه الملفات إلى أولئك الذين قاموا بتغطية نفقات بن لادن الشخصية، والتي يمكن حصرها بسرعة. فكِّر في الخمسمائة يورو التي كانت في ملابسه وتكاليف إطعام حاشيته البالغ عددها 18 شخصاً ورواتب حراسه وسعاة بريده ونفقة بناء وتجديد سكنه، والمال الذي ربما كانت هناك حاجة إليه لرشوة السلطات الباكستانية كي لا تراقب عن كثب بيته الضخم المحصن ذو الطوابق الثلاثة. وقد تكشف الملفات معلومات عن أوراق الميزانية العمومية الحالية لـ تنظيم «القاعدة»، الذي قيل إنه كان في تشرين الأول/أكتوبر 2009 "في أضعف حالته المالية خلال عدة سنوات."

ومع هذا، فحتى في ذلك الحين سارعت السلطات الأمريكية إلى القول إنها لم تكن "فرحة إلى حد كبير بنشوة الانتصار"، لأنه من المرجح أن يكون هناك مانحون جدد يرغبون في التبرع. وفي ذلك الحين، حذر كوهين من أن نجاح المجتمع الدولي في تعطيل تمويلات تنظيم «القاعدة» ربما يكون فقط مؤقتاً لأننا "لم نستطع بعد إثناء ما يكفي من المانحين عن الرغبة في المنح في المقام الأول." إن أخبار غارة أبوت أباد وحدها ربما تثني الكثير من أولئك المانحين على المدى القريب، كما أن المكسب الاستخباراتي الذي تحقق من هذه الغارة ربما يقود إلى المزيد من التعطيلات الملموسة لبعض قنوات المانحين. ويمكن أن يزيد ذلك من الضغط المالي الذي يمر به الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة»، لكن سيكون له أثر ضعيف، إن كان، على تمويل فروع تنظيم «القاعدة» الرئيسية مثل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية"، أو المجموعات المنتمية إليه مثل «عسكر طيبة»، أو شبكات تنظيم «القاعدة» الموجهة من الخارج مثل تلك التي تم القبض عليها مؤخراً في ألمانيا، أو المتطرفون العنيفون المحليون مثل الرائد نضال حسن الذي كان يمثل أكثر التهديدات الإرهابية إلحاحاً للولايات المتحدة وحلفائها.

وحيث إن تنظيم «القاعدة» قد مول وتحكم مباشرة في العمليات من قاعدته في أفغانستان قبل هجمات 11/9، فإن فروع تنظيم «القاعدة» ومتطرفيه المحليين هم اليوم ممولون ذاتياً. نحن نعلم أن تنظيم «القاعدة» قد قدم تمويلاً لتفجيرات سفارات الولايات المتحدة في شرق أفريقيا عام 1998، والهجوم على المدمرة الأمريكية "كول" في اليمن عام 2000، والهجمات على "مركز التجارة العالمي" عام 2001. وحتى بعد هجمات 11/9، واصل تنظيم «القاعدة» تقديم المال للعمليات مثل قيامه بمنح 20000 دولار لتفجيرات بالي عام 2002.

لقد أصبح التهديد الإرهابي اليوم لامركزياً بشكل كبير، كما أن القيادة المركزية لـ تنظيم «القاعدة» لا تمول عمليات كما كانت تفعل في السابق. وللمساعدة على تمويل تفجيرات "بالي" كان على نشطاء "الجماعة الإسلامية" اللجوء إلى سرقة محلات المجوهرات لأن مساهمات الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة» لم تكن كافية لدفع الفاتورة. كما أن "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي" وهو فرع «القاعدة» في شمال إفريقيا يقوم بجمع تبرعات كبيرة من خلال أعمال الخطف وغيرها من أساليب الجريمة المنظمة. كما أن "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" ومقره الآن في اليمن قد عمل بجد لتطوير شبكته الخاصة من المانحين الرئيسيين. فعلى سبيل المثال، في أيلول/سبتمبر 2009، وجدت قوات الأمن السعودية مقطع فيديو لقائد "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" والمعتقل السابق في غوانتانامو سعيد الشهري وهو يقدم عرضاً للحصول على المال للمساعدة في "مواصلة الجهاد" داعياً إلى الحاجة إلى تمويل "جوهر الحياة وجوهر الجهاد".

ولكونها غير مقيدة، لجأت خلايا الإرهاب الناشئة إلى النشاط الإجرامي لجمع الأموال للهجمات أو استخدمت الأموال الشخصية أو استحقاقات الرعاية الاجتماعية الحكومية. وبعض هذه الخلايا، مثل الإرهابيين الذين نفذوا الهجمات على نظام المواصلات في لندن في 7 حزيران/يونيو 2005، ربما لها ارتباطات بالقيادة العليا لـ تنظيم «القاعدة» لكن يتم تمويلها محلياً وبشكل مستقل. وفي تلك الحالة، بينما كان عدد من أعضاء الخلية قد سافروا إلى باكستان للتدريب واجتمعوا [مع أعضاء من] تنظيم «القاعدة»، إلا أنهم اعتمدوا على أنفسهم فيما يتعلق بتمويل الهجمات. وقد قدم أحد أفراد الخلية الجزء الأكبر من المال، وتخلف عن دفع قرض شخصي بمبلغ 10000 جنيه، وسحب ما هو أكثر من أرصدته المصرفية المتعددة. كما حصلت الخلية أيضاً على تمويل عن طريق الاحتيال ببطاقات الائتمان. وفي النهاية لم يجد المحققون البريطانيون "أي دليل على موارد دخل خارجية" وأكدوا أن الجماعة قد جمعت الأموال الضرورية من خلال "أساليب سيكون من الصعب التحديد إن كانت ذات صلة بالإرهاب أم بجرائم خطيرة أخرى." والخلية التي نفذت تفجير قطار مدريد المدمرعام 2004 هي مثال آخر جيد على التمويل الجزئي للهجوم عن طريق بيع الحشيش.

لقد كان الاستثناء النادر لهذا النموذج الجديد هو حالة "الخنجر" في كوبنهاغن التي يقال إن مرتكبها المزعوم حمد خورشيد قد تلقى 5000 دولار من الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة» للقيام بالهجوم التفجيري في كوبنهاغن.

ورغم ذلك، يرى مراقبو الإرهاب على نحو متزايد أن المال يسير في الاتجاه الآخر. ففي اسبانيا على سبيل المثال، شهدت السلطات جهاديين باكستانيين لا يمولون فقط أنشطتهم المحلية من خلال الجرائم الصغيرة مثل غسل الأموال أو تزوير بطاقات الائتمان ولكن أيضاً بإرسال ملايين الدولارات إلى وطنهم -- وبعضها، كما هو متوقع، يمول جماعات متطرفة هناك. وفي سنغافورة، قام زعيم خلية ذاتي التطرف بجمع التبرعات من أعضاء الخلية الآخرين بهدف إرسال المال لدعم أنشطة عنيفة في الخارج.

وفي حالات أخرى، غالباً ما يطلب من مجندي الإرهاب أن يجلبوا معهم الأموال لتغطية نفقاتهم. فعلى سبيل المثال، في كانون الثاني/يناير 2008 أُدين خمسة أعضاء من خلية مقرها البحرين بأنشطة إرهابية من بينها تلقي تدريب على استخدام الأسلحة والمتفجرات، والتورط في أعمال إرهابية في الخارج، وتمويل الإرهاب. ووفقاً لمسؤولين بحرينيين، اعترف أحد الأفراد بسفره إلى أفغانستان للمشاركة في القتال ضد قوات التحالف، كما سافر العديد من أفراد الخلية من المملكة إلى أفغانستان عبر إيران. وقد اعترف اثنان من المشتبه بهم بأنهما جلبا أموالاً لتغطية نفقاتهم (حيث قدم أحد أفراد الخلية 3000 يورو و ألف دينار بينما أعطى الثاني آلاف الدينارات لمدربه). وفي حالة أخرى، في كانون الأول/ديسمبر 2008، أعتقلت سلطات مكافحة الإرهاب البلجيكية والفرنسية 14 فرداً لهم علاقات بالجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة»، وكان بعضهم قد زار المناطق القبلية في باكستان وصدرت إليهم التعليمات بأن يجلبوا معهم 2400 يورو لدفع تكاليف سفرهم وتدريبهم.

وفي بعض الأحيان، كان تنظيم «القاعدة» يطلب بصراحة من أتباعه بأن يقدموا له الدعم المالي. ففي عام 2005، أرسل نائب أسامة بن لادن، أيمن الظواهري، رسالة إلى أبو مصعب الزرقاوي الذي كان حينئذ زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق. وفي الرسالة التي اعترضتها الحكومة الأمريكية، ورُفعت السرية عنها في وقت لاحق، طلب الظواهري من الزرقاوي 100000 (دون تحديد نوع العملة) قائلاً إن "الكثير من خطوط [الدعم] قد تم قطعها."

ومؤخراً تلقى تنظيم «القاعدة» مساعدة من «عسكر طيبة»، وهو التنظيم القوي والخطير التابع له في جنوب آسيا. وفي تموز/يوليو 2009، صنفت وزارة المالية الأمريكية عارف قسماني كإرهابي، حيث وصفته بأنه "المنسق الرئيسي" لتعاملات الجماعة مع منظمات إرهابية أخرى. ووفقاً لوزارة المالية قدم قسماني أنواعاً متعددة من الدعم المالي وغيره لـ تنظيم «القاعدة» منذ عام 2001، بما في ذلك تسهيل سفر أفراد الـ «القاعدة» وتوفير الإمدادات والأسلحة. وفي المقابل، قدم تنظيم «القاعدة» لقسماني نشطاء ساعدوا «عسكر طيبة» على تنفيذ تفجير القطار في مومباي بالهند عام 2007، والهجوم على قطار سامجهوتا السريع في بانيبات بالهند عام 2007.

إن الملفات التي عُثر عليها في أبوت أباد قد تساعد المحللين على فهم أفضل للطبيعة الحالية للعلاقة المالية، إن وجدت، بين الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة» وفروعه الإقليمية. وفضلاً عن الملفات نفسها، فإن قتل بن لادن ربما يكون له تأثير أيضاً. فعلى سبيل المثال، لو حدثت انشقاقات بين الظواهري وغيره من زعماء تنظيم «القاعدة»، فإن جامعي التبرعات المستقلين الذين جمعوا أموالاً لكل من الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة» والجماعات المنتمية إليه ربما يبتعدوا عن الظواهري باتجاه جماعات أخرى مثل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية"، الذي تصفه السلطات الأمريكية بالإجماع بأنه أكبر تهديد إرهابي على الولايات المتحدة اليوم. ولننظر إلى شخص مثل مبارك البذالي، وهو كويتي صنفته الولايات المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2006 كممول للإرهاب، وكذلك عملت الأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير 2008. ووفقاً لوزارة المالية الأمريكية جمع البذالي أموالاً في الكويت لعدد من المنظمات الإرهابية -- من بينها تنظيم «القاعدة» و«أنصار الإسلام» و «عسكر طيبة».

إن زعيم تنظيم «القاعدة» المقتول ربما يستمر في أن يكون سبباً في جلب دولارات كثيرة لبعض الوقت، لا سيما وأن أشرطة الفيديو القديمة التي يظهر فيها تنتشر بوصفها "ذات شعبية وأثر كبير". لكن بينما عمل بن لادن كرئيس صوري مُوحِّد، إلا أن الظواهري شخصية خلافية ربما يسبب صعوده إلى قمة قيادة تنظيم «القاعدة» كما هو متوقع، إلى إضرام النار في التوترات الحامية بالفعل بين الفصائل المصرية واليمنية في المنظمة. وعلاوة على ذلك، فإن الجزء المركزي لـ تنظيم «القاعدة» -- الذي يفتقر إلى قوة المال وحُرم من أيقونته المؤسِّسة -- ربما يجد نفسه أقل قدرة على بسط نفوذه على فروعه المموَلة ذاتياً. إن موت بن لادن لا يعني نهاية تنظيم «القاعدة»، بل ربما يُنذر ببداية نهاية قيادته المركزية -- وصعود أتباع تنظيم «القاعدة» والمتطرفين العنيفين المحليين.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/آيار/2011 - 19/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م