دور المرأة في البناء الأسري الرصين

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يتكون المجتمع في بلد معين من مجموع العوائل التي تنتمي إليه، ولم يكن النظام العائلي وليد العصر الراهن، ولا حتى التأريخ المنظور، بل تم تدشين النظام الاسري منذ القدم، وفقا لفطرة الانسان وميوله للاجتماع ببني جنسه، حيث تكونت التجمعات والقصبات ثم القرى الصغيرة وصولا الى المدن، وتمثل الأسرة النظام الاجتماعي لكل هذه الانواع من التجمعات البشرية.

هذا يشير بقوة الى الدور الكبير للمرأة في المجتمع، إنطلاقا من حضورها الحيوي داخل الاسرة، وتصدرها للمركز القيادي للاسرة بالتقاسم مع الرجل، حيث تتوزع المسؤوليات وفقا للقدرات الموجودة لدى كل منهما، فأصبحت مسؤولية الرجل الضرب في الارض، والبحث عن الرزق، ومصدر العيش العائلي، فيما نشط دور المرأة داخل البيت، في المجال التربوي كونها الأم الراعية للاسرة، من هنا انطلق الشاعر في قوله ذائع الصيت:

(الأم مدرسة إذا أعددتها... أعددت شعبا طيب الاعراق).

وطالما أن المرأة تتصدى لدور قيادي مهم في اطار العائلة، فإن هذه المسؤولية تتطلب شخصية قوية وناجحة لبناء الأسرة الناجحة، والشخصية القوية لابد أن تعرف نفسها وقدراتها ومواهبها، لكي تتمكن من معرفة الدور الذي ستنجح فيه وفقا لطاقاتها وإمكانياتها.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (المرأة والعائلة) بهذا الخصوص:

(هناك مطلبان: الأول أن تعرف المرأة نفسها، والثاني أن تعرف وظيفتها. أما بالنسبة للمطلب الأول، فإذا ما عرف الإنسان نفسه، فإنه سيؤدي وظيفته على نحو أحسن، أما إذا لم يعرفها جيداً، فإنه لا يستطيع أن يؤدي وظيفته)

ويضف سماحة المرجع الشيرازي مخاطبا المرأة حول المطلب الثاني:

(وظيفتك أيتها المرأة ثقيلة جداً، وواجبك أن تعرفي دين الله سبحانه، وأن تبلّغي ذلك للآخرين، ليس فقط بالنقل، وإنما بالبيان والإفصاح أيضاً، وردّ الشبهات عبر عقد الجلسات، وإدارتها على نحو جيد).

ولا يتوقف دور المرأة عند هذا الحد، أي أنه لا ينحصر في المحيط العائلي الضيق، بل يتعداه الى المجتمع عموما، بمعنى إن المرأة مسؤولة أيضا تجاه المجتمع الذي تعيش فيه، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد في كتابه نفسه:

(هناك الكثير من الشابات والشباب الذين هم بحاجة إلى من يساعدهم ويأخذ بأيديهم ليقيموا بناء الأسرة الصالحة. فقد أمر أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بأن يتحمّل المؤمنون مسؤولياتهم الاجتماعية).

وفيما يتعلق بالطرق التربوية الصحيحة، فإن المرأة باعتبارها المعلم التربوي الاول لاطفالها بحكم تواجدها الدائم في البيت وطبيعة عملها، لابد أن تفهم الاساليب التربوية السليمة وتطبقها بنجاح أثناء تربتها لأطفالها، ولا ينحصر ذلك بالاسرة فقط، بل يتعداها الى عموم أطفال المجتمع، يقول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه:

(بالنسبة إلى التربية، فليست كلّ التربية من الأب والأم، لأولادهما هو إصدار الأمر والنهي فهم بحاجة إلى التربية العملية الصالحة، فالطفل لا ينصاع لأمر والديه بالصدق في الحديث ـ ولو تكرر ذلك منهما مئة مرة ـ إذا رأى منهما الكذب).

ويضيف سماحته قائلا:

(ثم إنّ وظيفة حدود التربية لا تقتصر على أن يربي الوالدان ولدهما، فهما مسؤولان عن تربية أطفال المجتمع ما تيسّر، ففي الحديث: كلكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته).

ولدينا من النساء كما يذكر التأريخ من كان لهن الدور الاجتماعي الاصلاحي الكبير، ليس في حدود المحيط الاسري مع أهميته، ولكن هناك نساء يتمتعن بقدرات كبيرة وطاقات اصلاحية كامنة، فيما لو توفرت الارادة والاصرار على توظيفها، فإنها يمكن أن تساعد المجتمع على التقدم الى أمام خطوات ملموسة، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه:

(أما بالنسبة إلى قيام النساء بقضاء حوائج الناس وتقديم الخدمة لهم، فمن جملة ذلك تأسيس المدارس المنزلية لإيجاد الفرص لتعليم الأخريات أو جمع المساعدات الخيرية لهم عبر إشراك المتمكنين في مشروع كهذا. كما أن بمستطاع النساء المؤمنات أن يعملن على تأسيس المؤسسات الخيرية الخاصة بالزواج).

وهناك نسوة نذرن أنفسهن لمساعدة الآخرين وبث السعادة في نفوسهم، وتطوير قدراتهم لاسيما الشباب والشابات وهن في مقتبل العمر، لأن نجاح الاسرة والمجتمع يتطلب كثيرا من الصبر والجهد والتعاون، ونكران الذات والتضحية من اجل الآخرين، ولعل طبيعة المرأة تجعلها أكثر اندفاعا لمساعدة الآخرين والتضحية من اجلهم، نظرا لامتلاكها العاطفة الانسانية المتوقدة على الدوام، ولن يخسر الانسان إذا زرع السعادة في قلوب الآخرين ووضع خطواتهم على الجادة الصواب، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الصدد قائلا:

(من الأمور التي يجدر الالتفات إليها والتفكّر فيها منذ بداية سن الشباب، معرفة الشيء الذي يكون مصدراً للسعادة، فنصمّم على تحصيله لنكون من السعداء إن شاء الله تعالى. فالسعادة ليست بالمال، فما أكثر الذين عندهم أموال طائلة ولكنهم لا ينعمون بالسعادة بل لا ينامون نومة راحة.كما ليست السعادة بالعلم؛ فليس كلُّ من بلغ درجة عالية من العلم كان سعيداً فربّ شخصٍ انتحر وكان عالماً. وليست السعادة بالجاه والشهرة عند الناس، ولا النسب الشريف أو الحسب الرفيع).

إنما تكمن السعادة في مساعد الآخرين، ومن بينهم الشباب والشابات كي تمكنوا من بناء الاسرة الناجحة، والمرأة الناجحة ذات الشخصية القوية المتعلمة، قادرة على تحقيق هذا الهدف الاجتماعي الاخلاقي الكبير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/آيار/2011 - 8/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م