الإجهاد... قاتل يتسلل إلى بدن الإنسان

شبكة النبأ: لا يُعد التوتر العصبي في العمل الذي يُشكل خطراً على الصحة مصيراً محتوماً يواجهه الموظف، إذ يمكن اتخاذ بعض التدابير للحيلولة دون حدوثه. وفي سبيل ذلك، لا يقتصر الأمر فحسب على تنظيم العمل، إذ يتم تجنب العوامل المسببة للتوتر العصبي مثل كثافة العمل العالية، أو ضغط الوقت، فالأمور التي تبدو في ظاهرها بسيطة يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على الصحة.

العمل لساعات إضافية

فوفقا للدراسة التي أجراها عدد من الأطباء فإن "الأشخاص الذين يعملون أكثر من 10 ساعات في اليوم يكونوا أكثر بنحو 60 في المائة، عرضة للإصابة بأمراض القلب أو النوبات القلبية مقارنة بالأشخاص الذين يعملون سبع ساعات فقط في اليوم."

وليس من الواضح الأسباب وراء ذلك، لكن الباحثين يشيرون إلى أن كل ذلك الوقت في العمل يعني وقتا أقل للاسترخاء والعناية بالنفس، كما أن الإجهاد يلعب دورا أيضا.

ووجدت الدراسة أن ساعات العمل الطويلة تضر القلب حتى وإن لم يشعر الشخص بالإجهاد أو الإرهاق أو التعب جراء سعات العمل الإضافية.

وتقول المؤلفة الرئيسية للدراسة الدكتورة ماريانا فيرتانن اختصاصية علم الأوبئة في المعهد الفنلندي للصحة المهنية وكلية لندن الجامعية، إن "التوازن بين العمل ووقت الفراغ مهم جدا."

وتضيف الطبيبة "إذا كنت تعمل لساعات طويلة، فالحقيقة هي أنك يمكن أن تتعرض لمستويات أعلى من التوتر وليس لديك الوقت الكافي للعناية الصحية.. ينبغي على الأطباء أن يضعوا ساعات العمل الطويلة على قائمة عوامل الخطر المحتملة لأمراض القلب."

وتابعت الدكتورة فيرتانن وزملاؤها أكثر من ستة آلاف من موظفي الخدمة المدنية البريطانية ممن ليس لديهم تاريخ من أمراض القلب لمدة متوسطها 11 عاما، واختير المشاركون من دراسة أكبر ومستمرة تجريها الحكومة البريطانية  منذ عام 1985. بحسب السي ان ان.

وأثناء الدراسة، أصيب ما مجموعه 369 شخصا بنوبات القلبية، بعضها قاتل، أو تم تشخيص إصابتهم بمرض القلب بعد طلب العناية الطبية بسبب الشعور بآلام في الصدر.

وبالمقارنة مع الناس الذين كانوا يعملون سبع ساعات في اليوم، فإن الذين عملوا 10-12 ساعة، تبين أن 56 في المائة منهم يعانون زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والنوبات القلبية، أو الوفاة.

ويقول الدكتور غوردون مكانز أستاذ علم الصيدلة السريرية في جامعة غلاسكو، في المملكة المتحدة، إن هذه النتائج هي "نوع من جرس إنذار.. لذا ينبغي على الأطباء توخي مزيد من الحذر بشأن صحة القلب للمرضى الذين يعملون لساعات طويلة."

الاحتراق النفسي

وقد يُشكل الاستعداد لبذل الجهد في العمل خطراً على صحة الموظف، حسب البروفيسور الألماني فولفغانغ زينف، الذي أكد أن «التفاني في العمل ينطوي في الوقت الحالي على قدر من الخطورة»، ناصحاً الموظفين الذين يبذلون مجهوداً كبيراً في العمل بألا يكلفوا أنفسهم فوق طاقتها باستمرار، وذلك من أجل تجنب الإصابة بما يُعرف باسم الاحتراق النفسي.

وعلى هامش المؤتمر الألماني للطب النفسجسدي والعلاج النفسي بمدينة إيسن غرب ألمانيا، قال الطبيب زينف إن «رب العمل لا ينبغي أن يطلب المزيد من الموظف على الدوام، إذا ما أنجز المهام المكلف بها على نحو سريع». وعن خطورة تكليف النفس فوق طاقتها في العمل، يقول زينف «الأمراض النفسجسدية تنشأ بسبب التوتر العصبي بالإضافة إلى أسباب أخرى»، مشيراً إلى أن هذه المشكلة الآخذة في التزايد تقلل من جودة الحياة لدى الموظفين الذين يجدون بالكاد وقتاً للنوم في كثير من الأحيان، ومن ثم تخور قواهم. وأضاف أن هذا الأمر يمثل مشكلة اقتصادية أيضاً «إننا نهدر أهم مصادرنا، ألا وهي: قدرة الموظفين على بذل الجهد باستمرار». ومن أمثلة المتاعب النفسجسدية التي لا يكون لها سبب عضوي الدوار أو الآلام أو تهيج الأمعاء.

وتُعد تصفية الذهن أمن ضغوط العمل بعد انتهاء الدوام اليومي، من الأمور المهمة للحيلولة، دون وقوع المرء فريسة للاحتراق النفسي. غير أن القول بضرورة الاسترخاء بعد انتهاء يوم العمل يبدو أسهل مما هو عليه في الواقع.

وأوضحت نيكول تروكنبروت، التي تعمل مستشارة للشركات ومدربة بمدينة ريديراو جنوب ألمانيا، أن «كثيرين يجدون صعوبة في تصفية ذهنهم من ضغوط العمل بعد انتهاء الدوام اليومي»، مشيرة إلى أن الوقاية من الاحتراق النفسي تبدأ في الرأس، إذ يتعين على الموظف أن يسمح لنفسه داخلياً بترك العمل وراء ظهره بعد انتهاء الدوام. وأضافت الخبيرة الألمانية «ليس هناك جدوى من الجلوس مع الأسرة، إذا كان بال المرء لايزال مشغولاً بأمور العمل».

أو حتى لا يتعرض الموظف «للاحتراق النفسي» في العمل، فإنه يتعين عليه في كثير من الأحيان الانتهاء من العمل في الوقت المحدد، وإتاحة الفرصة لنفسه للقيام بأشياء أخرى. وهنا توضح نيكول تروكنبروت «من المهم وضع حدود»، ومن ضمن القواعد الأخرى لتحقيق هذا الغرض عدم اصطحاب العمل إلى المنزل. بحسب الالمانية للانباء.

وعن خطورة اصطحاب العمل إلى المنزل بشكل متكرر تقول: «سيترتب على ذلك عواقب وخيمة في وقت من الأوقات»، معللة ذلك بأن الموظف الذي يُثقل كاهله بالكثير من الأعباء سينهار في وقت ما تحت وطأة هذا الحمل.

أوتحذر تروكنبروت من أنه لا يجوز للموظفين القيام بكثير من الأشياء بعد انتهاء يوم العمل، وإلا سيقع المرء تحت ضغط عصبي مضاعف. ومن هنا لا ينبغي أن تتبع قاعدة صارمة تقضي بأن تنصرف من المكتب في تمام الساعة السادسة مساء لتذهب بعد ذلك إلى صالة التمارين البدنية.

أكما أنه من الأفضل للموظفين القيام بخطوات صغيرة، عندما يرغبون في إتاحة المزيد من الحرية لأنفسهم كوسيلة للتخلص من ضغوط العمل. ومن التصرفات الخاطئة أيضاً تخطيط مواعيد كل مساء بعد انتهاء العمل.

وأضافت الخبيرة الألمانية «أود أن أنصح الموظف بتخطيط موعد مع نفسه مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، إذ ينبغي عليه الاستمتاع بهذه الليلة بعد انتهاء العمل على الوجه الأمثل».

أو بالتالي لا يجوز أن يصبح انتهاء يوم العمل موعداً إلزاميًا. كما ينبغي ألا ينتاب بعض الموظفين شعور بأنه يجب التضحية بأوقاتهم من أجل أفراد الأسرة فقط. ومن الأمور التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية أيضاً، انخراط الموظف بعد انتهاء يوم العمل في تدريبات الماراثون، وهو الأمر الذي يضع الموظف تحت ضغط إضافي. ولاحظت نيكول تروكنبروت أن بعض الموظفين يمارسون كثيراً من الألعاب الرياضية، ويطالبون أنفسهم بالمزيد من الكفاءة والأداء. وهذا هو النموذج نفسه الذي يؤدي إلى الاحتراق النفسي في العمل. ولا ينتج عن مثل هذه الرغبات الكمالية إلا زيادة خطر وقوع الموظف فريسة للاحتراق النفسي، وعندئذ يتعذر عليه القيام بأي عمل.

أو بدلاً من ذلك، فإنه يتعين على الموظف إيقاف صراع الحياة اليومي. وأفضل طريقة تمكنه من تحقيق ذلك هي أن يعطي الموظف لنفسه الفرصة للاستمتاع بأوقات الفراغ. وأوضحت تروكنبروت «ينبغي عليّ أن أقوم بكل ما يمنحني المرح والسعادة من القلب». فبدلاً من ترتيب موعد كل أسبوع للركض السريع، فيمكن للموظف أن يقرر بشكل تلقائي ما إذا كان يرغب، على سبيل المثال، في مقابلة بعض الأصدقاء، أو مشاهدة فيلم في السينما.

الإنجاز المستمر يصيب بأمراض نفسية

قد تتسبب زيادة معدلات الإنجاز في العمل باستمرار جوانب سلبية لدى العاملين، إذ أوضحت رابطة اختصاصيي علم النفس الألمان في العاصمة برلين، أن الموظفين الذين يعملون في مؤسسات ينبغي زيادة الإنتاجية فيها باستمرار يقعون تحت وطأة الضغوط النفسية أكثر من الموظفين الآخرين. ومن تلك الجوانب السلبية المترتبة على زيادة معدلات الإنجاز كثرة التغيب عن العمل، والإصابة بأمراض نفسية.

وأضافت الرابطة الألمانية أن الوقوع تحت ضغط الوقت والنجاح بصفة دائمة، يجعل الموظفين في الغالب ينظرون إلى فترات الراحة أو المشاركة في دورات تأهيلية لرفع الكفاءات باعتبارها أعباء مزعجة.

كما أن السعي الحثيث إلى تحقيق نجاح سريع ومعدلات إنتاج جيدة خلال الربع السنوي المعني يُثقل بكل بساطة كاهل الموظفين. وبالإضافة إلى ذلك لا يُسهم أسلوب العمل هذا غالباً في زيادة كفاءة الموظفين، ورفع جودة عملهم. ولفت اختصاصيو علم النفس الألمان إلى أن السلوك القيادي الذي يتبعه المدير يمكن أن يُشكل عبئاً نفسياً على الموظفين، ويسري ذلك على سبيل المثال عندما لا تسنح للموظفين ومديري العمل فرصة للتناقش على قدم المساواة، ولا يجد الموظفون في أنفسهم القدرة على الاعتراض. وبالمثل تؤثر «المشاركة الزائفة»، التي يسمح فيها المديرون للموظفين بالمشاركة في المناقشات، وإبداء آرائهم ثم يضربون بها عرض الحائط عند اتخاذ القرارات، بالسلب على مناخ العمل في المؤسسة وتقلل من حماس الموظفين وتثبط همتهم.

الإرهاق المزمن

وغالباً ما يشعر الإنسان بالتعب والإرهاق، نتيجة مترتبة على عدم أخذ قسط كافٍ من النوم، أو بسبب الإجهاد الجسدي الشديد، ولذا تزول حالة الإرهاق هذه في المعتاد بعدما يأخذ الساهرون والمجهدون قسطاً وافراً من النوم، غير أن الإرهاق قد يُشكل حالة مرضية مستمرة تثقل كاهل المصابين بها، ويطلق الأطباء على هذه الحالة اسم «متلازمة الإرهاق المزمن».

وتشير الجمعية الألمانية لعلاج متلازمة الإرهاق المزمن إلى أن هذه المتلازمة تُعد مرضاً معقداً، موضحة أن أعراضها تظهر في صورة صداع وآلام بالعنق والعضلات والمفاصل، وكذلك اضطرابات التركيز والذاكرة، إلى جانب إرهاق يشعر معه المصاب بأنه «خائر القوى».

ويقول عضو الجمعية الألمانية للطب النفسي والعلاج النفسي وطب الأعصاب في العاصمة برلين البروفيسور بيتر فالكاي «يشعر المرء بالإرهاق من دون ارتباط بالإيقاع الحيوي». ويصف طبيعة الحياة اليومية للمرضى، قائلاً «يستيقظ المرضى في الصباح، ويشعرون بأنهم خائرو القوى، ولا يقوون على المشي بشكل سليم، ويشعرون باعتلال مزاجي، وبعد ذلك يأتي (الليل المرعب) الذي لا ينعمون فيه بنوم هانئ». وأضاف فالكاي «يشعرون كأنهم يعانون أنفلونزا مزمنة».

سبب مجهول

وليس من المعلوم على نحو قاطع ما هو السبب الدقيق الذي يؤدي للإصابة بهذه المتلازمة. وتقول جمعية المساعدة الذاتية إن الحديث يدور على سبيل المثال حول قصور وظيفي لجهاز المناعة وفيروسات واختلالات هرمونية وفطريات وعوامل نفسية وتوتر عصبي ومؤثرات بيئية، مشيرة إلى أن السبب الرئيس المؤدي لهذا المرض يرجع على ما يبدو إلى ضعف جهاز المناعة أو إلى نشاطه المزمن.

وأوضح طبيب أمراض باطنية واختصاصي كُلى وطبيب بيئي بمدينة هايدلبرغ جنوب غرب ألمانيا البروفيسور فولفغانغ هوبر، أن هذه المتلازمة عبارة عن مرض التهابي نظامي تفقد فيه عملية التمثيل الغذائي والإمداد بالطاقة توازنها. ويصف هذه العمليات بشكل مجازي، قائلاً «تفريغ شحنة البطارية»، مشيراً إلى أنه غالباً ما تسبق هذه المتلازمة عدوى تتسبب في انهيار قوى الجسم.

وأضاف هوبر أن المؤثرات البيئية الضارة يمكن أن تلعب دوراً في ذلك، خصوصاً الأعباء الناجمة عن مادة الزئبق المستخدم في حشوات الأسنان المصنوعة أو بفعل تلامس الجسم مع المواد الكيميائية المستخدمة في الحفاظ على الأخشاب أو المبيدات الحشرية.

ويؤكد رئيس رابطة أطباء الأمراض الباطنية بمدينة فيسبادن غرب ألمانيا فولفغانغ فيزياك صعوبة تشخيص متلازمة الإرهاق المزمن. ونظراً لمجال الأعراض الواسع والتي تتطابق غالباً مع أعراض لأمراض أخرى، يتعين على الطبيب أولاً استبعاد الأمراض العضوية أو النفسجسدية، من أجل معرفة السبب وراء معاناة المريض. ويصف فيزياك عملية التشخيص، قائلاً «يبحث الطبيب عن سبب المرض كما لو كان يبحث عن إبرة في كومة قش، لذا فإنه يحتاج في بعض الحالات إلى أشهر حتى يكتشف السبب».

عبء

يوضح فيزياك أنه يتعين على الطبيب أن يتأكد أولاً من أن الإرهاق الذي يشعر به المريض لا يرجع إلى بذله مجهوداً بدنياً شديداً أو إلى إجرائه لعملية جراحية استنفذت قواه. وبعد ذلك يستبين الطبيب ما إذا كانت هناك أمراض أخرى تقف وراء هذا الإرهاق أم لا. كما يتم أخذ التوتر العصبي والاكتئاب مسببات للإرهاق بعين الاعتبار. ويقول «يُعد الإرهاق عرضاً رئيساً للاكتئاب أيضاً، فالأشخاص الذين يفقدون أحد أقاربهم الأعزاء أو يتوجب عليهم معايشة إصابة أطفالهم بمرض خطير أو يتعين عليهم تحمل الضيق المستمر في مكان العمل، يمكن أن تظهر لديهم مثل هذه الأعراض المصاحبة».

ويؤكد فيزياك صعوبة علاج متلازمة الإرهاق المزمن أيضاً، مشيراً إلى أن المشكلة الكبرى التي تواجه الطبيب المعالج تكمن في عدم وجود تشخيص واضح لهذه المتلازمة. لذا لا يعرف الطبيب من أين يبدأ العلاج؟

وبدوره يعترف هوبر بأنه لا توجد قواعد عامة لمرضى متلازمة الإرهاق المزمن في ما يتعلق بموعد بدء العلاج وطريقته.

وغالباً ما يُشكل هذا الوضع عبئاً يثقل كاهل المرضى، وحينئذ لا يعاني المصابون تحت وطأة المرض فحسب، بل أيضاً من العواقب النفسية والاجتماعية المترتبة عليه. وينصح البروفيسور فالكاي باستشارة أحد الأطباء المتخصصين في الطب النفسي والعلاج النفسي، إذا ما أحس المرء بشعور المرض الذي سبق وصفه لمدة لا تقل عن 14 يوماً ولم يستطع الطبيب المنزلي تحديد سبب لذلك.

الإجهاد قد يسبب السرطان ويؤذي القلب

فيما كشف بحث أمريكي أن الإجهاد والضغوط النفسية التي يتعرض لها الأفراد بشكل يومي يمكن أن تسبب بعض أنواع السرطان، في حين وجدت دراسة أوروبية مشابهة أن الإجهاد مضر لصحة القلب.

وأظهرت الدراسة التي نفذها باحثون من جامعة "ييل" الأمريكية، الضغوط النفسية اليومي قد تحفز نمو الأورام، وأن أي صدمة، عاطفية أو جسدية،  يمكن أن تكون بمثابة "ممر" بين الطفرات السرطانية التي تؤدي في النهاية إلى الإصابة بأورام خطيرة.

وتبين نتائج الدراسة، التي نشرت في دورية الطبيعة"، أن الظروف اللازمة للإصابة بهذا المرض يمكن أن تتأثر بالبيئة العاطفية بما في ذلك كل المهام اليومية التي نقوم بها سواء في العمل أو في نطاق العائلة.

وقال تيان إكسو، بروفيسور علم الوراثة  في جامعة ييل الذي قاد الدراسة: "هناك الكثير من الظروف المختلفة يمكن أن تؤدي إلى الإجهاد والحد منه أو تجنب الظروف المسببة له دائماً نصيحة جيدة.."

وتناولت دراسة  أوروبية جانباً آخر للإجهاد، إذ أظهر بحث بريطاني تأثيره السلبي على القلب وما يمكن أن يتسبب به من أمراض، لتؤكد علمياً الاعتقاد السائد منذ القدم بارتباطه بالنوبات القلبية. بحسب السي ان ان.

وشملت الدراسة، المنشورة في دورية القلب الأوربية"  514 مشاركاً من الجنسين، يبلغ متوسط أعمارهم 62 عاما، لم تشر سجلاتهم الطبية إلى إصابتهم في أي وقت بأمراض القلب.

وأخضع كل المشاركين لاختبارات ضغط ومن ثم قيست مستويات هرمون الكورتيزول، وهو هو هرمون الإجهاد الابتدائي الذي ينتجه الجسم عندما يتعرض إلى ضغوطات نفسية أو جسدية، ويؤدي في حال إطلاقه إلى تضييق الشرايين.

ولحظ الباحثون أن المشاركين ممن أصيبوا  بالإجهاد جراء الاختبارات كانوا الأكثر عرضة، وبواقع الضعف، للإصابة بضيق الشرايين، عن أولئك الذين  احتفظوا بهدوئهم.

ويذكر أن الكورتيزول cortisol هرمون منشط ينظم ضغط الدم ووظيفة القلب الوعائية وجهاز المناعة، كما يسيطر على استعمال الجسم للبروتين والكربوهيدرات والدهون ونتجية لزيادة الضغوط سواء البدنية مثل المرض أو الصدمة، ويزيد إنتاج هرمون الكورتيزول كرد طبيعي وضروري في الجسم إذا بقيت مستويات التوتر عالية لفترة زمنية طويلة.

وكانت دراسة بريطانية سابقة قد وجدت أن الإجهاد الناجم عن العمل عامل مهم في حدوث أمراض القلب وداء السكري والتعرض لأخطار السكتة الدماغية.

وقود الروح

حيث تقول دراسة أمريكية إن الاستمتاع بـ"جرعة" يومية من الطبيعة تعزز، وبشكل كبير، الطاقة والحيوية. وخلص بحث قام به خبراء من جامعة "روشستر" بنيويورك، إن قضاء 20 دقيقة فقط في المتنزهات والحدائق مهمة وكافية للصحة الذهنية والبدنية.

وأظهرت سلسلة من التجارب التي أجريت على طلبة جامعات في الولايات المتحدة أن تنشيط وزيادة رفاه البشر يستمد من قضاء وقت بالخارج والاستمتاع بالطبيعة، وليس بسبب التمارين البدنية أو التواصل الإجتماعي مع الآخرين.

وشملت تجارب الدراسة، التي نشرت في "دورية علم النفس البيئي" أكثر من 500 طالب وطالبة، شاركوا في ثلاثة تجارب مختلفة شملت المشي لمدة 15 دقيقة بين الأروقة بداخل مبان أو بشوارع تصطف على جانبيها الأشجار بالقرب من نهر، أو التفرج على صور لمباني أو لمناظر طبيعية.

كما أجرى الطلاب تجربة أخرى تطلبت منهم تخيل أنفسهم في أوضاع مختلفة  سواء كانوا نشطين أو خاملين، بالداخل أو الخارج، بمفردهم أو بصحبة آخرين.

وأظهرت نتائج أن الطلاب شعروا بحيوية ونشاط أكبر على الدوام عند قضاء وقت بين الطبيعة أو عند التخيل بأنهم يستمتعون بها.

وكانت أهم النتائج، أن قضاء 20 دقيقة يومياً بين الطبيعة، كافية لتعزيز الإحساس بالنشاط والحيوية.

ولخص بروفيسور، ريتشارد ريان، أستاذ علم النفس والطب النفسي والتعليم في جامعة روشستر، ذلك بالقول: "إن الطبيعة هي وقود للروح."

وتابع: "غالبا ما نلجأ عند الإحساس بالإنهاك إلى فنجان من القهوة ، ولكن البحث يشير إلى أن أفضل طريقة لإعادة النشاط والإحساس بالطاقة هو التواصل مع الطبيعة."

ووجد البحث أن الأشخاص المفعمين بالحيوية والنشاط لا يتمتعون بطاقة كبيرة لإنجاز مهامهم فحسب بل أنهم أكثر حصانة ومقاومة ضد الإمراض، مما يعني أن الطريق للصحة يكمن في قضاء المزيد من الوقت بين الطبيعة.

ملابس ذكية

الى ذلك ستطرح قريباً في الأسواق ملابس ذكية تساعد من يرتديها على التعامل مع حالات الإجهاد التي تتسبب بها الحياة المعاصرة.

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» ان «الملابس الذكية الجديدة تعمل على قياس حرارة من يرتديها ومعدل دقات قلبه، وهي موصولة بقاعدة بيانات تحلل المعلومات التي تردها للكشف عن الحالة العاطفية لهذا الشخص»، مضيفة انه ما أن «تتضح الحالة العاطفية للشخص حتى تبث أغان وصور من خلال مكبرات موصولة بالملابس لتهدئة صاحبها أو تقدم له الدعم اللازم».

وأوضحت «بي بي سي» ان هذه الملابس هي جزء من مشروع فني يعرف باسم «ويربل أبسانس»، والملابس مصنوعة من أنسجة خيطت مع أجهزة إحساس لاسلكية مختلفة، ويمكنها أن تقيس مجموعة واسعة من الحالات البيولوجية مثل الحرارة ودقات القلب والتنفس وغيرها.

نصائح تقي من التوتر في العمل

في السياق ذاته ينبغي أن يمنح الموظف نفسه راحة من ضغوط العمل في أوقات فراغه، بألا يطلع على رسائل البريد الإلكتروني، أو يجري مكالمات عمل أثناء عطلة نهاية الأسبوع أو إجازته. وتقول عضو الرابطة الألمانية لأطباء المؤسسات والمصانع بمدينة كارلسروهه جنوب غرب المانيا، اوفه غيريكه: «يجب أن يكون هذا الوقت مخصصاً لتصفية الذهن من ضغوط العمل».

يجب الاستفادة من الموظف تبعاً لمهاراته وقدراته، وأن تتاح له حرية التصرف، واتخاذ القرارات مع تحمله المسؤولية؛ إذ إن ذلك يُزيد من ثقته بنفسه ومن ثم قدرته على تحمل الأعباء النفسية.

من المهم عدم الاقتصار على مكافأة الموظف مادياً لإنجازه العمل المكلف به على الوجه الأكمل، إذ إن التقدير المعنوي يمثل عاملاً لا يُستهان به.

على قيادات العمل تعلم كيفية التعامل مع الأمراض النفسية في العمل. وتعد الدورات التدريبية التي تدور حول هذا الموضوع مثالية بالنسبة لهم؛ حيث إنهم لا يتعلمون خلالها كيفية التعرف إلى الأعراض المرضية فحسب، بل يتعرفون أيضاً إلى التدابير التي يمكن اتخاذها للحد مثلاً من مخاطر وقوع الموظفين فريسة لما يعرف باسم الاحتراق النفسي.

وينبغي على الموظفين أخذ فترات راحة قصيرة بصورة منتظمة، كي لا يتفاقم لديهم الشعور بالتوتر والضغط العصبي الناجم عن العمل. وأشارت الرابطة المهنية الإدارية بمدينة هامبورغ شمال ألمانيا، إلى أن فترات الراحة القصيرة المتكررة تعطي تأثيراً أكثر فعالية مقارنة بأخذ فترة راحة واحدة طويلة تُعادل المدة الإجمالية نفسها التي تستغرقها فترات الراحة القصيرة، إذ يحظى الموظف عند التوقف عن العمل أكثر من مرة على مدار اليوم لـ10 دقائق مثلاً، براحة واسترخاء أكثر من الاستراحة مرة واحدة لمدة 30 دقيقة.

وأضافت الرابطة الألمانية أنه يتعين على الموظفين أثناء قضاء فترة الراحة القيام بأشياء بعيدة كل البُعد عن المهام الموكلة إليهم في العمل، مشيرة إلى أنه إذا قام الموظفون بقضاء فترة راحتهم أمام الحاسوب لقراءة رسائل البريد الإلكتروني، فسرعان ما تنتهي فترة الراحة ويعودون إلى العمل مجدداً. والاستمتاع بفترة الراحة يرتبط بتغيير النشاط الذي يُمارسه المرء.

ومن الأمور المفيدة أيضاً أن يُحقق وقت الفراغ توازناً مع العمل، وهذا لا يعني بالضرورة أن يقوم المرء بالمشي السريع يومياً بعد انتهاء وقت العمل، وإنما المقصود هو التغيير؛ فأصحاب الوظائف التي تتطلب أعمالاً ذهنية، مثلاً، يحتاجون بعد انتهاء يوم العمل إلى الإكثار من ممارسة الرياضة والحركة. كما تنصح الرابطة الألمانية ممارسي بعض الأعمال التي تستلزم بذل مجهود بدني شديد بممارسة هواية هادئة، إذ إنها تُفيد في التغلب على التوتر والضغط العصبي.

ويهفو المرء كثيراً إلى التخلص من أعباء العمل، وأن يعزل نفسه تماماً عن مشكلات الحياة اليومية، ويتمكن من العثور على نفسه مجدداً. فبعد الالتزامات الكثيرة التي يجد نفسه مقيداً بها كل يوم، فإنه لا يشتاق إلى أي شيء سوى الوصول إلى اللحظة التي ينعم فيها بالراحة والاسترخاء، غير أن العطلة المقبلة أو حتى نهاية الأسبوع غالباً ما تكون بعيدة، وفي مثل هذه الحالات يمكن أن تساعد أساليب وطرق الاسترخاء مثل التدريب الداخلي الذاتي المعروف باسم «Autogenic Training» في خلق جو من الراحة. ومَن يمارس هذه التدريبات بانتظام فإنه يشعر بتأثيرات إيجابية بالفعل بعد وقت قصير، ويبدأ التدريب غالباً بجملة «أنا هادئ تماماً».

وترجع طريقة الاسترخاء هذه إلى طبيب المنزل وطبيب الأعصاب البروفيسور يوهانس هاينريش شولتس (1884-1970)، الذي طور أسلوب التدريب الداخلي الذاتي في عشرينات القرن الماضي بمدينة بريسلاو في بولندا.

وأوضحت الطبيبة والكاتبة ديليا غراسبيغير من مدينة ميونيخ جنوب ألمانيا، أن هذه الطريقة في الاسترخاء قامت على أساس خبرات شولتس التي اكتسبها من مجال التنويم المغناطيسي، إذ أخبره المرضى بأنهم يشعرون بأجسامهم أثقل وزناً أثناء عملية التنويم المغناطيسي، مع سريان تيار من الدفء الممتع والحرارة المريحة في أجسامهم. واعتقد شولتس أنه يمكن مساواة ثقل الجسم مع استرخاء العضلات والحرارة مع توسيع الأوعية الدموية وبالتالي تدفق الدم بشكل أفضل.

أوضح أخصائي علم النفس ديتمار أوم، أنه ليس من الصعب تعلم طريقة التدريب الداخلي الذاتي «ولكن من المستحسن أن يتحلى الشخص بالصبر». وفي البداية قد يتعذر على الأشخاص الذين يعانون التوتر والضغط العصبي التركيز في التمرينات، إلى أن يصبحوا على دراية بها. وليس هذا هو السبب الوحيد الذي من أجله ينصح الخبراء بمتابعة إحدى الدورات التدريبية؛ فقد أوضح البروفيسور الألماني فريدهيلم شتيتر «ليس هناك شخص تقريباً لديه الدافع للمواظبة على ممارسة التمرينات بمفرده». وبالإضافة إلى ذلك تتاح أثناء الدورة التدريبية فرصة طرح الاستفسارات والأسئلة. وفي البداية لابد من توافر بيئة هادئة لممارسة التدريب الداخلي الذاتي، ومن الأفضل أن يتم ذلك على أرائك مريحة. ويقول الخبير فريدهيلم شتيتر إن الشخص المتدرب جيداً سيمكنه في وقت لاحق أن ينعم بالاسترخاء والهدوء أثناء الجلوس وعيناه مفتوحتان، دون أن يلاحظ عليه أي شخص من المحيطين به شيئاً. وفي نهاية المطاف يمكن استخدام هذا التدريب لزيادة القدرة على الأداء وأن يصبح المرء أكثر سيطرة على ذاته ويتمتع بمزيد من رباطة الجأش.

وقال أخصائي علم النفس ديتمار أوم، عضو الجمعية الألمانية لطرق الاسترخاء بمدينة لوبيك شمال ألمانيا «جاءت لدى شولتس الفكرة بأن الأمر سيكون جيداً عندما يصل المرء بنفسه إلى هذه الحالات الصحية والمفيدة».

وبعد ذلك قام شولتس بتطوير طريقة التدريب الداخلي الذاتي، فمن خلال نوع من الإيحاء الذاتي أو التنويم المغناطيسي الذاتي يستطيع كل شخص تقريباً عن طريق بعض التدريبات المناسبة الوصول بنفسه إلى حالة من الاسترخاء العميق الذي يشبه التنويم المغناطيسي أو الغيبوبة البسيطة. وهذا يفسر أيضاً اسم طريقة الاسترخاء «Autogenic» التي تعني «ذاتي أو داخلي المنشأ».

وأوضح البروفيسور فريدهيلم شتيتر من الجمعية الألمانية للتنويم المغناطيسي الطبي والتدريب الداخلي الذاتي بمدينة نويس، غرب المانيا، أن الهدف يتمثل في الوصول إلى حالة من الاسترخاء بدنياً وذهنياً على حد سواء؛ إذ يتم السعي للوصول إلى حالة تشبه الوضع الذي يكون عليه الشخص قبل الاستغراق في النوم؛ أي عندما يختفي التوتر والشد العضلي على سبيل المثال ويصبح معدل التنفس أبطأ وتصبح الحالة المزاجية أكثر هدوءاً. وفي تلك الأثناء يتم خفض هرمون الإجهاد والتوتر، ويتمكن الجهاز المناعي من تجديد حيويته ونشاطه. وأضاف البروفيسور الألماني شتيتر «وبالتالي يتم خفض حالات الخوف التوتر والاكتئاب».

وذكر أوم أن شولتس كان يرى أنه ينبغي على المرء أن يتأرجح يومياً بين حالتين، الأولى عندما يكون في حالة النشاط والعمل وزيادة القدرة والأداء، والأخرى هي حالة الاسترخاء وتجديد الحيوية. غير أن كثيراً من الأشخاص يحبسون أنفسهم في الحالة الأولى فقط، بحيث يثقلون كاهلهم بالكثير من الضغوط والأعباء، ويعانون التوتر والإجهاد السلبي.

ويساعد التدريب الداخلي الذاتي على الانتقال إلى الحالة الثانية، أي حالة تجديد الحيوية والاسترخاء، وبالتالي فإنه يساعد على المحافظة على الصحة، إذ إنه يسهم في أن يظل المرء هادئاً في المواقف العصيبة، وكذلك يؤدي إلى تجنب الأعراض التي تصيب النفس والجهاز العصبي المستقل مثل الصداع وآلام الظهر والمعدة، أي تجنب ظهور الاستجابات التقليدية للتوتر العصبي.

وأشارت الطبيبة غراسبيغير إلى أن المرء يصل أثناء ممارسة التدريب الداخلي الذاتي إلى حالة من الهدوء والاسترخاء تشبه حالات التأمل. ولكن لن يحدث أي إجبار للذهن أثناء عملية التركيز، بل سيكون الأمر «موقفاً أو سلوكاً بلا هدف». وأضافت طبيبة الأعصاب وأخصائية علم النفس «لا تهم الأفكار في هذه اللحظة»، فالمرء لا يُقيم الأفكار التي تجول في ذهنه، ولكنه يدعها تمر مرور الكرام.

ويبدأ التدريب الداخلي الذاتي دائماً بجملة «أنا هادئ تماماً»، وأوضح البروفيسور فريدهيلم شتيتر أن هذا الجملة تعتمد على طريقة «التفكير العقلي» للأمور التي تحدث بعد ذلك، ثم يبدأ المرء إما بتمرين الثقل أو تمرين الحرارة.

وفي أثناء تلك التمرينات يوحي الشخص المُتدرب لنفسه بأن ذراعيه وساقيه ثقيلة أو دافئة، وبعد ذلك تأتي مرحلة تمرينات التنفس والنبض والبطن وكذلك الرأس والجبهة في وقت لاحق.

وبالإضافة إلى ذلك يوجد ـ بحسب الطبيبة ديليا غراسبيغير ــ ما يُعرف باسم صيغ القصد، التي يمكن عن طريقها أن يعطي الشخص لنفسه تعليمات متعلقة بالتنويم المغناطيسي، إذ يتم تنفيذها مباشرة من قبل اللاوعي، ومن أمثلة هذه الصيغ: «غداً سأدخل في مناقشة مع شريكي، وأنا مصمم على ذلك».

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/آيار/2011 - 1/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م