ظواهر عشائرية عراقية... (النهوه)

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الظاهرة هي ما يظهر، ما يتجلى للعيان، ما يتعين وجوده بظهوره.. ولذا فالظاهرة هي غير الواقعة بالمعنى الاجتماعي المختص.. إنها الحادثة – الشاهدة، التي ترصد وتدون، وحين تتكرر وتستقر تعامل كشيء قار، دائم، كواقعة اجتماعية تاريخية.

التمظهر الاجتماعي هو التجلي في ظواهر أو مظاهر أساسية وفرعية.. في علم الاجتماع تعرف الظاهرة بأنها فكرة معقدة تنسب الى الظاهرة الاجتماعية خصائص كونها خارجية وإلزامية وجبرية.. ويمكن فهم هذه الفكرة في إطار السياق التصوري لاميل دوركايم عن الوعي الجمعي والتصورات الجمعية.

والظاهرة الاجتماعية طرق للفعل او السلوك تنبثق عن القواعد والمبادئ الأساسية والممارسات – سواء الدينية او الدنيوية – التي تشكلت بطريقة جمعية فاكتسبت بالتالي قوة إلزامية.

وتعد المعايير والنظم أمثلة لتلك الظاهرة الاجتماعية التي تتخذ أشكالا تتفاوت من حيث مدى الهشاشة أو الصلابة.. وهي جميعا تشكل ممارسات للجماعة ذات طابع جمعي، وبالتالي تفرض نفسها على الأفراد فيستبطنوها ولان هذه الظواهر ذات طبيعة جمعية فهي تتخذ طابعا أخلاقيا ملزما لسلوكيات الافراد.

والمشكلة التي تهم علماء الاجتماع في هذا الاطار هي تلك الفجوة بين التصورات المثالية وبين النظم الاجتماعية المادية ومكوناتها الفعلية كما هو الحال بين المعايير المقبولة اجتماعيا وبين الممارسات الفعلية للافراد.

في العراق يمكن وحسب التعريف السابق اعتبار النهوه وبعض الأعراف والممارسات العشائرية السلبية الأخرى ظواهر اجتماعية يتوجب الوقوف عندها ودراستها لغرض التخفيف من حدتها ومحاولة معالجتها..

يمكن تعريف النهوه بأنها منع بنت العم بالزواج من رجل آخر حتى وإن تزوج ابن عمها من غيرها بأربع نساء.

من أسباب النهوه المتعارف عليها في الريف العراقي على الغالب الأعم

اذا طلب ابن العم يد ابنة عمه للزواج  ورفضت ذلك منه، او أن خطبها شخص آخر.. وتبقى ابنة العم أسيرة هذا المنع ربما حتى الموت.. ويعتبر من يقوم بالنهوه استعراضا للقوة او هي رد اعتبار عن رفض ابنة عمه له او هي بمثابة عقاب لها على رفضها.

تولد النهوة الكثير من المشاكل وتحرم النساء من الزواج وهذا ظلم وفقا للعرف والشرع.. إضافة الى حدوث  مشاكل  كبيره عندما تكون هناك فروق ثقافية بين من تحمل شهادة عليا وابن عمها الأمي.

من الناحية القانونية.. رتب المشرّع عقوبة جزائية على الذي يقوم (بالإكراه) او منع من كان أهلا للزواج وأتم الثامنة عشرة من عمره و كان عاقلا و قد فرق القانون (قانون الأحوال الشخصية) في مقدار العقوبة في حالتين:

الأقارب من الدرجة الاولى الأب و الأم بالنسبة لأبنائهما و الأبناء بالنسبة لأبويهما.. ورتب عقوبة من يخالف منهم الحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات... وهم غير المذكورين في الفقرة المذكورة سابقا وتشمل الأخ والعم والجد وابن الأخ وغيرهم من الأقارب وعقوبة هؤلاء الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات.

جاء في المادة التاسعة من قانون الأحوال الشخصية العراقي فقرة واحد: لا يحق لأي من الأقارب أو الاغيار أكراه أي شخص،ذكرا كان أم أنثى على الزوج دون رضاه،ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطل، إذا لم يتم الدخول،كما لا يحق لأي من الأقارب أو الاغيار، منع من كان أهلا للزواج، بموجب إحكام هذا القانون من الزواج.

الفقرة الثانية تقول: يعاقب من خالف إحكام الفقرة (واحد) من هذه المادة، بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا كان قريب من الدرجة الأولى. إما إذا كان المخالف من غير هؤلاء فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، او الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات.

الفقرة الثالثة تنص: على المحكمة الشرعية، او محكمة الاحوال الشخصية الإشعار إلى سلطات التحقيق لاتخاذ التعقيبات القانونية بحق المخالف لإحكام الفقرة (واحد) من هذه المادة. ولها توقيفه لضمان حضوره إمام السلطات المذكورة، ويحق لمن تعرض للإكراه أو المنع،مراجعة سلطات التحقيق مباشرة بهذا الخصوص. ومن هذا المنطلق نقول ان القانون واضح وصريح فيما يخص (النهوة العشائرية) او غيرها من أمور الإكراه في عقد الزواج.

من الناحية الدينية فقد نهى الإسلام عن النهوه.. لأنها مصادرة لحق المرأة في الاختيار.. الذي نص عليه ديننا الحنيف والذي سبق كل القوانين التي أعطت للمرأة الحق في اختيار الزوج أو رفضه... وكما في الحديث (استأمروا النساء في إبضاعهن) قيل : فأن البكر تستحي أن تتكلم؟ قال(سكوتها أذنها) وعقد الزواج من العقود الرضائية التي تشترط القبول والإيجاب الصريح من المتعاقدين في مجلس العقد وهما لرجل والمرأة البالغين أو ان يتم العقد بين من يقوم مقامهما شرعاً كما جاء في الحديث الشريف (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)، والنهوه عامل من عوامل تخلف المجتمع وابتعاده عن الحكم الشرعي وانتهاك حقوق المرأة ومن عوامل تفكك الأسرة وعدم نجاح الكثير من الزيجات.. وقد أفتى علماؤنا الإعلام بعدم جواز (النهوه العشائرية) من قبل ابن العم لأنه ليس له حق شرعي أو قانوني يتحكم في اختيار الزوج لابنة عمه.. والزواج مع الإكراه باطل وحرام والنكاح بسببه زنى أو سفاح... وإذا أراد ابن العم إن يتزوج من ابنة عمه فليتقدم إليها فإذا رضيت به صح زواجهما وان لم ترض به انسحب من خطبته وترك الأمر لها ولأبيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/نيسان/2011 - 27/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م