النفط في العراق... كنوز مضيعة وخرائط مفقودة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يعتمد العراق بشكل اساسي ومباشر في مداخيله النقدية على منذ عقود خلت وحتى الان على تصدير النفط والموارد المالية المتأتية من ذلك لتسيير وتأمين معظم احتياجاته الضرورية من خلالها.

حيث تراهن وزارة النفط منذ عدة سنوات على مضاعفة حجم صادراتها في المستقبل، على الرغم من المعوقات الكثيرة التي تقف على رأسها انهيار واندثار البنى التحتية التي تتطلب تلبية مبتغاها، بعد عقود طويلة من الاهمال والتردي المستمر.

الا ان تلك الطموحات يرى فيها اغلب المختصين في قطاعات النفط بعيدة المنال على المدى المتوسط، وما تطرحه الحكومة العراقية من سقوف التطلعات اصعب من ان يتحقق في ظل الظروف الراهنة.

صندوق النقد الدولي يشكك

فقد شكك صندوق النقد الدولي مؤخرا في اهداف انتاج النفط في العراق في غياب بنية تحتية تتمتع بمتانة كافية لتحقيقها. وفي تقرير مرحلي عن القرض الذي منحه الى هذا البلد في شباط/فبراير 2010، خفض الصندوق بشكل طفيف تقديراته لانتاج النفط هذه السنة.

ويعول الصندوق على 2,75 مليون برميل يوميا في 2011 مقابل 2,8 مليون تحدث عنها في تشرين الاول/اكتوبر. وفي 2010 قدر انتاج العراق ب2,35 مليون برميل يوميا.

وعلى الامد الطويل يملك هذا الانتاج الذي يؤمن اكثر من تسعين بالمئة من العائدات للعراق، فرصة ضئيلة في الوصول الى 13 مليون برميل يوميا يأمل هذا البلد في الوصول اليها في 2017.

ويرى الصندوق ان الشروط لم تتوافر بعد ليتمكن العراق من انعاش انتاجه "مع انه يأتي بعد السعودية من حيث الاحتياطات المثبتة" البالغة 143 مليار برميل. وقال اقتصاديو الصندوق "حتى اذا كانت اهداف الانتاج قابلة للتحقيق على الامد البعيد، فان اكبر المخاطر في السنوات المقبلة ستتمثل في نقاط الاختناق في البنية التحتية للتصدير وهي مشكلة يجب حلها".

ووضع الصندوق احتمالين احدهما هو "وضع مثالي" يتجاوز فيه انتاج العراق عشرة ملايين برميل يوميا في 2016 والآخر "حذر" يتوقع الا يزيد الانتاج عن خمسة ملايين برميل الا في 2017. بحسب فرانس برس.

ورفع الصندوق تقديراته لمعدل النمو في العراق الى 12,2 بالمئة في 2011 مقابل 11,5 بالمئة في تقريره السابق في تشرين الاول/اكتوبر. وافادت تقديرات ان النمو لم يبلغ سوى 0,8 بالمئة في 2010. واشار الصندوق الى حجم البطالة ايضا.

وقال "على الرغم من غياب المعطيات التي تتمتع بالمصداقية، قدر معدل البطالة بحوالى 12 بالمئة في 2008. البطالة الحقيقية خصوصا بين الشباب قد تكون اكبر لان جزءا كبيرا من البالغين ليسوا من اليد العاملة".

اعلى معدل للصادرات

من جهته اعلن وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي مؤخرا ارتفاع معدل تصدير النفط الخام في شباط/فبراير الماضي الى 2,202 مليون برميل يوميا، وهو الاعلى منذ العام 2003.

واكد لعيبي "زيادة الكميات المصدرة للنفط الخام لشهر شباط/فبراير لتبلغ 2,202 مليون برميل في اليوم، وهو اعلى رقم يصدر منذ 2003". واشار الى ان الزيادة تعود اثر استئناف التصدير من الحقول الشمالية". وكانت الصادرات في كانون الثاني/يناير وصلت الى 2,161 مليون برميل يوميا. وحقق العراق في كانون الثاني/يناير اعلى عائدات من البيع بلغت 6,082 مليار دولار.

بدوره، قال المتحدث باسم الوزارة عاصم جهاد "اذا استمر الوضع على هذا النحو فسوف يتم سد عجز الموازنة للعام 2011، المقدر بحوالى 13,3 مليار دولار". وقد اقر مجلس النواب الموازنة (82 مليار دولار) في وقت سابق. وينتج العراق 2,6 مليون برميل يوميا من النفط، يصدر منها اكثر من مليونين لكن هذه المعدلات ما تزال ادنى من مثيلاتها ابان النظام السابق. بحسب فرانس برس.

يشار الى ان النفط يشكل 94 بالمئة من عائدات البلاد. وقد وقعت الوزارة عقودا مع شركات اجنبية لتطوير عشرة حقول تتوقع ان يصل الانتاج من خلالها الى حوالى 12 مليون برميل يوميا في غضون ست سنوات. ويملك العراق ثالث احتياطي من النفط في العالم يقدر بنحو 115 مليار برميل بعد السعودية وايران.

حقل الرميلة

الى ذلك أظهرت أرقام رسمية أن انتاج حقل الرميلة النفطي في العراق الذي تطوره بي.بي وسي.ان.بي.سي الصينية تراجع عن مستويات الذروة المسجلة في ديسمبر كانون الاول ومطلع يناير كانون الثاني وهو ما قد يكون مؤشرا على تحديات يواجهها الانتاج.

ويتمتع الحقل بشهرة عالمية اذ أنه ينتج أكثر من مليون برميل يوميا أي نحو نصف انتاج العراق العضو في منظمة أوبك. وقالت بي.بي في يناير ان الانتاج زاد أكثر من عشرة بالمئة عن الحد الادنى البالغ 1.066 مليون برميل يوميا المتفق عليه في ديسمبر 2009 لكن الانتاج يتذبذب منذ ذلك الحين.

وأظهرت وثائق لشركة نفط الجنوب المملوكة للدولة حصلت عليها رويترز أن الانتاج تراجع بمقدار 280 ألف برميل في يوم واحد أي أكثر من عشرة بالمئة من متوسط الانتاج اليومي الاجمالي للعراق من 1.29 مليون برميل يوميا التي سجلها في 11 من يناير.

وأظهرت الوثائق الرسمية أن العديد من الابار أغلقت في الرميلة الشهر الماضي حين كان الانتاج منخفضا بسبب الضغط المرتد في الابار. وفي أغلب الايام كان الانتاج يفوق 1.1726 مليون برميل يوميا لكن التذبذبات الكبيرة قد تشير الى المشكلات التي تواجهها بي.بي وسي.ان.بي.سي للمحافظة على مستويات الانتاج المرتفعة في الرميلة. وتقدر احتياطيات حقل الرميلة بنحو 17 مليار برميل.

وقال مسؤول في شركة نفط الجنوب طلب عدم نشر اسمه "بي.بي تواجه تحديا حقيقيا في الرميلة. حققوا انتاجا مرتفعا بسرعة كبيرة لكن هل كانوا يعلمون أن الانتاج قد يتراجع بوتيرة أسرع.."

وفي مؤشر محتمل على تراجع توقعات العراق للانتاج في الفترة المتبقية من العام قال حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في فبراير ان متوسط انتاج العراق في 2011 سيصل الى 2.75 مليون برميل يوميا أي ما يزيد بمقدار 50 ألف برميل فقط عن الرقم الفعلي 2.7 مليون برميل الذي أعلنته وزارة النفط في يناير.

العقود النفطية في كردستان 

في سياق متصل اعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي موافقة الحكومة المركزية في بغداد على العقود النفطية التي وقعتها حكومة اقليم كردستان مع شركات اجنبية. واضاف ان "كردستان وقعت عقودا مع شركات انتجت نفطا وهذه الشركات لديها استحقاقات بموجب العقود. حصل اتفاق على ان تتحمل الحكومة ذلك وتتسلم النفط لبيعه عن طريق سومو" شركة التسويق التابعة لوزارة النفط.

وقال "هذه العقود تختلف عن عقود الخدمة، لكن وزارة النفط مررتها على اساس ان طبيعة الاستخراج في كردستان تختلف عنه في البصرة، هناك حاجة الى جهود اكبر في كردستان اما في البصرة فالنفط قريب من سطح الارض". واشار الى ان "العقود الخدمية صعبة في كردستان".

وتنص العقود الخدمية على ان تتلقى الشركة المنتجة مبلغا معينا مقابل كل برميل وليس تقاسما للارباح. وتابع المالكي ان "حجم الانتاج في كردستان يبلغ حاليا مئة الف برميل يوميا على ان يصل الى الضعف نهاية العام الحالي يتم تصديرها عبر سومو".

واكد ان "الشركات الاجنبية العاملة في الاقليم تاخذ ارباحها وما هو خارج استحقاقها يذهب كاملا الى سومو ليدخل في موازنة الدولة قبل دفع حصة كردستان منها وهي 17 بالمئة". واوضح ان "الشركات تستمر بالانتاج ضمن العقد المبرم مع الاقليم".

وقد اعلن مصدر في شركة "نفط الشمال" بدء عمليات ضخ تجريبي لمعاودة تصدير النفط من احدى حقول اقليم كردستان باتجاه ميناء جيهان على البحر المتوسط في تركيا.

وقال ان "عمليات الضخ بدأت تدريجيا وتسلمت شبكات نفط الشمال اكثر من عشرة الاف برميل، في عملية تجريبية لان خطوط الانابيب كانت متوقفة عن العمل". بحسب فرانس برس.

واوضح ان "عمليات الضخ بدأت منتصف ليل الاربعاء من حقل طاوكي" الواقع قرب مدينة زاخو في اقصى الشمال العراقي. واكد ان "تدفق النفط سيتصاعد تبعا لعمليات الانتاج في الحقول النفطية وعمليات الضخ".

من جهتها، اعلنت شركة شركة "دي ان او" النروجية "نؤكد بدء التجارب لتصدير كميات من النفط من حقل طاوكي في الثاني من شباط/فبراير" مشيرة الى ان الكميات لا تتعدى "عشرة الاف برميل يوميا في الوقت الحالي".

واضافت في بيان ان "التجارب الفنية تتم عبر تعاون وثيق مع حكومة اقليم كردستان وشركة نفط الشمال من اجل ضمان بداية مؤكدة للصادرات التي ستكون بحجم القدرة الحالية لحقل طاوكي وحجمها خمسون الف برميل يوميا في المستقبل القريب".

وعد نوري المالكي ان حكومته ستبدا في بحث المشاكل اللوجستية التي تواجهها الشركات النفطية الاجنبية، وذلك في مقابلة في صحيفة وول ستريت جورنال. واقر المالكي بطول مهل الانتظار التي تعاني منها شركات النفط لوصول المعدات الضرورية الى العراق والناجمة عن التاخير في المطارات والصعوبات على المداخل الرئيسية عبر الجنوب، مثل البصرة.

كما اكد المالكي انه سيشارك شخصيا في المساعدة على حل هذه الشكاوى المتكررة، معلنا عن عدد من الاجتماعات في الاسبوع الجاري مع مسؤولين امنيين لبحث العراقيل اللوجستية.

وتسعى بغداد الى استقبال كل ما يعنى بتطوير القطاع النفطي اضافة الى الشركات النفطية الدولية.

وقال المالكي للصحيفة بخصوص شركات النفط الدولية وشركات الخدمات النفطية "ليست لدينا قيود لدخولها. نريدها ان تاتي". واضاف "علينا التقدم سريعا. نحن بحاجة الى المال".

كما وعد رئيس الوزراء بحماية الاستثمارات الاجنبية من اي تدخل سياسي ونفى صدور فتوى عن رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر تمنع اتباعه من العمل لدى شركات اجنبية.

وجوه مألوفة توجه دفة المستقبل

فيا كانت ترقية وزير النفط العراقي وتصعيد نائبه ليتولى الوزارة قدرا من اليقين بأنه سيتم احترام العقود الموقعة مع شركات اجنبية لكن المشاكل المستعصية قد تظل معلقة. وأشرف حسين الشهرستاني وزير النفط السابق الذي عين نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة على عقود قد تعزز الطاقة الانتاجية للعراق الى 12 مليون برميل يوميا في غضون ست الى سبع سنوات وتضعه على قدم المساواة مع السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.

وعرف الشهرستاني ايضا بعلاقاته المتوترة مع اقليم كردستان شبه المستقل الذي يطالب بضم كركوك الغنية بالنفط وكذلك باعلانه بطلان العقود التي وقعتها حكومة كردستان مع شركات اجنبية.

وتفادى نائبه السابق عبد الكريم اللعيبي الذي عين الان وزيرا للنفط الصدامات المباشرة التي مر بها الشهرستاني بينما مازال يلعب دورا رئيسيا في المفاوضات مع شركات النفط العالمية.

وقال رعد القادري من بي.اف.سي انرجي "من منظور شركات النفط العالمية سيظل الامر تقريبا كما هو عليه. العمل يسير كالمعتاد." وأضاف "لكن شخصية وزير النفط ليست سوى الخطوة الاولى. الذي سيحدد النجاح أو الفشل النسبي للمشروعات المقترحة هو مدى كفاءة الحكومة."

وينحاز القادري مع محللين اخرين الى وجهة النظر القائلة بان الشهرستاني ما كان ليقبل منصبه الجديد الا بشرط الاحتفاظ بالسيطرة على القطاع النفطي الذي يسهم بنحو 95 بالمئة في ايرادات العراق.

ويعتبر تطوير القطاع النفطي أمرا حيويا لمستقبل العراق لكن كثيرين يشككون في قدرة العراق على الوصول لمستوى الانتاج المستهدف البالغ 12 مليون برميل يوميا وما اذا كان ينبغي ان يفعل ذلك في المدى المتوسط في ضوء احتمال تعرض حقوله النفطية والبنية الاساسية القائمة للاجهاد. بحسب رويترز.

وقد يؤدي التعجل في زيادة طاقة الانتاج من مستوياتها البالغة 2.5 مليون برميل يوميا حاليا الى تراجع سعر النفط الى جانب توتر العلاقات بين سائر دول منظمة أوبك وفي مقدمتها السعودية.

وفي داخل العراق هناك التوتر مع اقليم كردستان الذي وقع حوالي 40 عقد انتاج وتنقيب مع شركات نفطية عالمية رفضها الشهرستاني باعتبار انها غير مطابقة للدستور.

وأدى النزاع لتعطيل الصادرات من حقول كردستان رغم أن كلا من الشهرستاني واشتي هورامي وزير الموارد الطبيعية بحكومة اقليم كردستان قالا انه قد يتم استئناف التصدير في العام المقبل.

وبالرغم من أن الشهرستاني يحتفظ بالسيطرة العامة على القطاع يقول بعض المحللين ان اللعيبي قد يستطيع رأب الصدع مع حكومة كردستان.

وقال صامويل سيزوك من اي.اتش.اس انرجي "كان اللعيبي الوسيط الرئيسي حينما جرت محادثات بين وزارة النفط وحكومة كردستان ... يمكن للمرء أن يعتبره شخصا يستطيع الاكراد قبوله."

وجاءت ردود الفعل الاولية من كردستان ايجابية حيث رحب علي حسين بالو وهو مستشار كبير لوزارة الموارد الطبيعية الكردية بتعيين اللعيبي مهندس التعدين الذي اخترق طريقه في صفوف وزارة النفط.

وقال بالو "نعتقد أن هذا سيسهم بشكل ملحوظ في تسوية المشاكل المرتبطة بالنفط مع الحكومة المركزية .. بالنسبة لنا نفضل التعامل مع اللعيبي لانه رجل نفط محترف لا رجل سياسة."

وتابع "تعيين اللعيبي وزيرا للنفط أفضل بالنسبة لنا لكن تسوية المشاكل مع الحكومة المركزية سيستغرق وقتا طويلا."

وابلغ اللعيبي رويترز يوم الثلاثاء أنه سيلتقي مع مسؤولين اكراد لمحاولة تسوية الخلافات لكنه لم يذكر اطارا زمنيا لمثل هذا الاجتماع.

وابدى وزير النفط العراقي السابق عصام الشلبي تشككه في امكانية التوصل لحل سريع بشأن العلاقات المتوترة بين اربيل والعراق.

وقال ان من الصعب تحقيق انفراجة. واضاف ان الاكراد يفضلون اللعيبي لكنه ليس الشخص الذي يحل مشاكل كبيرة مع الاكراد. وتابع ان الاكراد يجب ان يسلموا في نهاية الامر بحقيقة أن الشهرستاني ما زال قويا وله تأثير في النزاع النفطي مع بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/نيسان/2011 - 17/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م