عصابات المراهقين تروّع المجتمع الفرنسي

 

شبكة النبأ: استفحلت في الآونة الأخيرة ظاهرة الانحراف في أوساط المراهقين في فرنسا وتزايدت حدة العنف في المناطق الشعبية بشكل لافت. وتشير الدراسات إلى زيادة العصابات شبه المنظمة في عدد من المدن الفرنسية الكبرى، وبحسب تقارير الأمن الفرنسي، فإن ما لا يقل عن 480 مجموعة تنشط على مستوى التراب الفرنسي.

ويشكل هذا الرقم ضعف العدد الذي سجلته وحدة رصد المنحرفين في المناطق الحضرية، في .2008 يقول المسؤول في الأمن الفرنسي، كريستيان هيرسوال «ترتكز هذه المجموعات على ثلاثة أو أربعة أشخاص وتتكون من 15 إلى 20 فرداً». ويضيف أن «المجموعات تنشط في الأحياء الشعبية، ولها قطاعات معينة لا تتجاوزها، وقد تحتل قبو بناية أو مدخلها أحياناً». وتتركز عصابات المراهقين بالقرب من الأماكن العامة مثل المؤسسات التعليمية أو المراكز التجارية، وتحاول عدم إثارة الشكوك حولها حتى لا تثير انتباه الشرطة، كما لا توجد علامات تدل على انتماء الأعضاء إلى جماعة بعينها.

ويقول مراقبون إن سلوك هذه المجموعات مريب ومنظم، فقد يتجمع أعضاء العصابات بسرعة فائقة ولمجرد سماع إشاعة، أو وقوع حادث في القطاع التابع لها، حتى عند وجود دورية للشرطة.

وتقول الجهات المختصة إن عصابات المراهقين في فرنسا تضم نحو 10 آلاف، ويطلق عليهم اسم «المتحمسون»، وتم توقيف 1096 منهم العام الماضي بينهم 438 قاصراً، وكان من بين الموقوفين أطفال في الـ14 من العمر وأصغر بقليل. وتمثل حالات حيازة أو تجارة المخدرات 75? من التهم الموجهة للمراهقين المنحرفين، ولم تتجاوز نسبة الفتيات المنخرطات في العصابات 2.5?.

معارك واهية

تهاجم العصابات وتستخدم العنف المفرط في الأماكن العامة لأتفه الأسباب، وفي ذلك يؤكد ضابط في الشرطة، «أن سرقة قبعة أو قصة عاطفية عادية يمكن أن تؤدي، إلى استخدام السكاكين».

ويقول إن «أسباب السلوك العدواني والمواجهات بين الشباب (المنحرف) تافهة وغير منطقية في الأغلب، ومن النادر أن يستطيع أحد الموقوفين أن يشرح لنا أسباب اندلاع العنف». ويضيف «تعرض أحدهم أخيراً إلى تسع طعنات بالسكين على درج متحرك لمجرد نظرة مستهجنة بطرف العين». إسقاط الجنسية صوتت الجمعية العامة الفرنسية في أكتوبر الماضي بأغلبية ضئيلة على مشروع قانون تجريد الحاصلين على الجنسية الفرنسية قبل أقل من 10 سنوات، من هذه الجنسية، في حال إدانتهم بقتل رجل أمن. ويريد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يعمم تطبيق القانون على كل المتورطين في أعمال شغب أو جريمة منظمة. وينص قانون صادر في 1998 على امكان تجريد الحاصل على الجنسية الفرنسية من هذه الجنسية، اذا صدر عليه حكم في قضية «إرهاب».

ووسعت هذا الامكان الآن ليشمل من يدان بقتل رجال الشرطة والقانون والاطفاء، من الحاصلين على الجنسية الفرنسية قبل اقل من 10 سنوات. وتقول هيئات حقوقية إن التشريع يستهدف بدرجة أولى أبناء الجليات المهاجرة، خصوصاً المنحدرين من أصول إسلامية. ويشكل توسيع الاجراء احد الشقين الرئيسين لتعزيز التدابير الامنية الذي اعلنه العام الماضي الرئيس الفرنسي، اضافة الى طرد الغجر الى رومانيا وبلغاريا، الخطوة التي أثارت جدلا واسعا في أوروبا، واستنكارا كبيرا من الناشطين في حقوق الإنسان، وشجب الفاتيكان هذا الإجراء.

ولا تقع الصدامات العنيفة في المدن الكبرى فحسب، بل تتخطى حدودها لتصل المدن الصغيرة، مثل ما حدث في «فيلنوف سيرلو»، حيث اندلعت معركة بين عصابتين، في يناير الماضي، استخدمت فيها الأسلحة البيضاء، وقتل شاب متأثراً بجراحه بعد تلقيه طعنة خنجر، الأمر الذي أثار الهلع بين سكان المدينة، الذين قالوا إن الواقعة تنذر بتدهور خطر في الأمن. وبعد انتهاء المعركة قام «متحمسون» بنقل جرحاهم إلى مكان آمن قبل وصول إمدادات العصابة الخصم أو وصول دورية الشرطة إلى مكان الحادث.

مراقبة أمنية

تتزايد نسب الجريمة بين المراهقين في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تشديد القوانين في ما يخص جرائم القاصرين، وهدد بإسقاط الجنسية الفرنسية عن المتورطين في أعمال شغب أو جرائم تهدد الأمن العام، وتستهدف القوانين بشكل أساسي أبناء الجاليات المسلمة وسكان الضواحي الشعبية الفقيرة. وقبل ثلاثة أشهر وفي مدينة «فيلنوف سيرلو» أيضا، لقي شاب من جزر الأنتيل الفرنسية، في الـ19 من العمر، حتفه بطعنة بالسلاح الأبيض أصابته في القلب، بسبب نظرة ازدراء لأحد أعضاء العصابات. وفي منطقة باريس أطلقت الشرطة المحلية عملية واسعة، منذ الأول من يوليو ،2010 لمراقبة العصابات «المتحمسة» والعمل على تفكيكها. وتم اعتقال 154 شخصاً في شهر فبراير الماضي، في حين يراقب نحو 30 ضابطاً متخصصاً 78 عصابة، منها 23 مجموعة تنشط في العاصمة وصنفت على أنها «أهداف ذات أولوية».

وتعد عصابة «محال الحلوى» من بين المجموعات الخطرة، حيث تضم نحو 100 مراهق وتتشبع ثقافة «البلطجة»، وتجوب شوارع الضواحي في باريس وصولاً إلى محطة القطارات الشمالية، وتزرع الفوضى في الأماكن العامة، ويقوم أفرادها باستفزاز المارة وينهالون على ضحاياهم بالضرب ثم يلوذون بالفرار، كأنهم قطعان حيوانات برية. وتعرض بعضهم لشخص بالضرب بعد أن طلبوا منه سيجارة فلم يرد عليهم، ولم يدركوا أنه أصم. يقول المسؤول في الأمن الفرنسي، ستيفان غووا: «إنهم يثيرون المشكلات، وليس لديهم قادة أو زعماء، وهم منقطعون عن العالم الذي يحيط بهم». ويضيف أنه «ليس لديهم إحساس بالمسؤولية إطلاقاً، وهؤلاء المراهقين لا يعيرون اهتماماً لنتائج الإصابات التي يتسببون فيها، وهذه المجموعات أبعد من أن تكون عصابات بالمعنى الأمني للكلمة». عنف تراقب أجهزة الشرطة بعض العصابات الخطرة عن كثب، مثل عصابة «ريد بويز» و«فيلوثيس» و«ساثاناي» التي تنشط في القسم الإداري الـ10 في العاصمة الفرنسية، ويتميز عناصر هذه المجموعات باستهلاكهم الدائم للكحول، واستخدام للعنف المفرط ضد الآخرين. ولقي شاب سريلانكي في الـ26 من العمر مصرعه على يد عناصر العصابات، التي قامت بتشويه جثته في حين قطعت يديه بوساطة سيف.

خطوط حمراء

تصرف أعضاء العصابات مثل الأسود المتوحشة، وهم مستعدون لافتراس أي شخص أمامهم، لكنهم في المقابل عاجزون عن الخروج من« قفص عالمهم»، لاكتشاف ما يدور حولهم. و«القفص» بالنسبة لهم هو الحي الذي يقطنون فيه أو المدينة، وهم يرسمون حدوداً يجب عدم تخطيها. ونشب نزاع «حدودي» بين عصابتين في حي أسينيار وجينفيليه، حول محطة المترو على الخط ،13 ويبدي المراهقون استعدادهم للموت «من أجل الدفاع عن أرضهم».

وبالفعل فقد لقي طفل في الـ15 من العمر يدعى سامي مصرعه، بعد أن تعدى خطاً أحمر. ويقول أحد رفاقه، «لقد كان ذلك حادثاً عرضياً، لا أعتقد أنهم يريدون قتله بالفعل. كان يتعين عليه أن يدرك أن ما فعله كان أمراً خطراً». ويضيف «لقد أخطأ عندما جاء إلى جينفيليه، لأنه ليس الحي الذي يقطنه».

ومع تنامي ظاهرة العنف المفرط بين المراهقين قرر بعض رؤساء البلديات فرض حظر للتجوال على المراهقين، وأعطت هذه الخطوة ثمارها، وكان الوضع هادئا في البداية، إلا أن الشرطة تتخوف من قيام العصابات بالانتقام لمقتل أعضائها على أيدي مجموعات أخرى.

ويقدم بعضهم على ممارسة الرياضات التي تساعدهم على الوقوف في وجه خصومهم، مثل الملاكمة والكاراتيه. ويقول سكان في الحيين إن «الحرب قائمة دائماً» بين أسينيار وجينفيليه، وكان الخلاف بين العصابتين المتجاورتين ينشب في السابق بسبب المخدرات، ما كان يؤدي إلى معارك «طاحنة»، تستخدم فيها الهراوات والسكاكين الصغيرة، وفي الأغلب لا يسقط قتلى، وفي وقت ما أعلنت العصابتان هدنة، ثم خرقتاها مجدداً.

حرب الفقراء

تشير الدراسات إلى تفشي ظاهرة البطالة بين الشباب الذين يعيشون في ضواحي المدن الكبرى والمناطق الفقيرة، التي أصبح النسيج العمراني فيها غير صالح. ويستخدم أفراد العصابات الهاتف النقال والإنترنت للتواصل في ما بينهم. وتقول موظفة في محال الوجبات السريعة، «إنها حرب الفقراء. أعرفهم جميعاً، إنهم خليط من البيض والعرب والزنوج يقومون بأعمال عدوانية ضد الآخرين». وعلى الرغم من أن عملية تجديد المباني والشوارع قد بدأت منذ فترة في جينفيليه، إلا أن نسبة البطالة هناك لاتزال تراوح مكانها عند 21?، والأمر لا يختلف كثيرا في أسينيار، خصوصاً في الأماكن ذات الكثافة السكانية العالية. ودعت أمهات فقدن أولادهن في أعمال العنف إلى توعية الشباب حتى لا يقعوا في فخ العصابات المنحرفة، وقالت أم فقدت ابنها أخيرا، وهي تذرف الدموع «أطفال في الـ15 من أعمارهم، أعمتهم مشاعر الكراهية، سيدركون أنهم مخطئون، لكن الوقت سيكون متأخراً».

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/نيسان/2011 - 16/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م