المثقف العربي ومرحلة ما بعد الانصهار السلبي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كتب كثيرون عن المحلية والعالمية، ومثلهم كتبوا عن الغربة والاغتراب، وآخرون خاضوا في الأصالة والذوبان، وثمة من هذه الآراء والطروحات التي وردت في هذا الصدد، حاولت أن تمسك العصا من الوسط، ومنها من تعصّب لجذوره وأصله، فيما رأى اتجاه ثالت صحة الانسلاخ عن الأصل والاندماج بالآخر إنطلاقا من المفهوم الانساني الشامل.

تُرى من يستطيع من المثقفين والمفكرين او غيرهم الجزم بصحة هذا الرأي أو الطرح او الاتجاه أو ذاك؟ ومن له القدرة والأحقيّة بتخطئة هذا الطرح أو ذاك ؟ طالما أن الجميع طرح وسوف يطرح وسيتفق على ثوابت، تتراوح بين أهمية التمسك بالأصل وضرورة الانفتاح على الآخر، خوفا من خطر العزلة والتقوقع.

هل هناك جديد في هذا المحور؟ وللاجابة والتداخل، سأطرح هنا وجهة نظر شخصية في هذا المجال، قد تكون غير محصنة من الشطط.

هنا سأتحدث عن المثقف العربي ومنه العراقي بطبيعة الحال، وسأسأل (هل الرأي الذي يقول بسرعة إنسلاخ المثقف العربي عن جذوره صحيح، وهل يصح القول الذي يثلم من تمسك المثقف العربي بمحليته وسرعة شغفه وانبهاره بالعالمية، وهل صحيح أنه أكثر عرضة من غيره للذوبان السريع في مجتمعات أخرى يلجأ إليها أو ينشط فيها قسرا او طوعا؟).

إنها أسئلة متتابعة ومطروحة فعلا، وتتطلب نوعا من السيطرة على الميول من أجل إجابة خالية من نزوع التفضيل الذاتي الغريزي.

البيئة العربية بشقيها البشري والطبيعي قاسية وهذا أمر متَّفق عليه، وهذا ما ساعد أيضا، على توليد منظومة سياسية قاسية، لا تتورع عن تفضيل الذات، وليست لها القدرة على كبح غرائزها الدافعة نحو تحقيق المنافع الفردية العائلية، على حساب الأكثرية، وغالبا ما يتم ذلك بالحديد والنار، بهذا تولدت حكومات تفتقد للضابط الذاتي، فدفعها ذلك للنظر للجميع على أنهم -الأكثرية- مصدر خطر، وطالما أن البسطاء يقبلون بما يسد الرمق ويصمتون على التجاوز، فإنها تأتمن جانبهم بسبب قلة الوعي، أو تنظر لهم بعين واحدة متعالية، لكن الخطر الحقيقي عليها يتمثل بالمثقف والمفكر الذي غالبا ما تتعامل معه وفقا لمعادلة الترغيب والترهيب، فإما تصطاده بالترغيب أو تحوله الى مسخ بالترهيب.

لذا في بيئة كهذه، ليس أمام المثقف، المفكر خيارا ثالثا، حتى الصمت ليس حلا ناجعا، لأنه نوع من الموت الذي يقضي على إنسانية المفكر المثقف بالتدريج وإن لم يع ذلك، هذا الحال سهَّل لبعض المثقفين الخيار (القسري) للانسلاخ عن البيئة الحاضنة، ودفع بهم نحو الاندماج بالآخر مع انتفاء كليّ للحدود بين (المحلية والعالمية) فتشكّل محور جديد أطلق عليه المعنيون (ضياع الهوية).

فيما لو صحّت هذه الأقوال، فإن الثقافة العربية معرضة للانسلاخ، وسوف يتأكد ذلك فيما لو بقيت البيئة العربية تحمل سماتها وصفاتها البشرية والطبيعية من دون تغيير، فالصحاري الواسعة مثلا قد يصعب تحويلها الى مساحات خضراء وستبقى تتباهى بوحشتها وجفافها الى أزمنة مفتوحة، والذوات التي جُبلت على القسوة ربما يصعب ترويضها أيضا، مثل هذا الطرح سيُغلق الابواب تماما، وسوف نتحول جميعا الى مجتمع منسلخ عن جذوره ومندمج في عالم جديد لنصبح مجتمعا من دون هوية!!.

إنصهار المثقف العربي إذن له ما يبرره، لكنه ليس صحيحا، ودائما ستكون هناك بدائل، فحين ينسحب المثقف، المفكر عن دوره في التنوير والقيادة لتصحيح المسارات السياسية الخاطئة وغيرها، فإن الفراغ لن يبقى فراغا الى الابد حسب قوانين الحياة التي تسد الفراغات دائما.

وهكذا ظهر اليوم شباب (الفيس بوك) العربي، ومع أن الثورات العظيمة تحققت على يد المفكرين كما فعل روسو بالنسبة للثورة الفرنسية مثالا، إلا أن الفراغ الذي تركه المثقف العربي ملأه شباب الفيس بوك.

مطلوب أن يسترجع المثقفون المفكرون دورهم، أما مسوّغ الانصهار فلم يعد مبرَّرا بسبب قسوة البيئة العربية وحكامها القساة، وشاهدنا الانتفاضات التي بدأت تغيّر من دورة الحياة العربية وترسم لها هويتها الديمقراطية المعاصرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/نيسان/2011 - 15/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م