العراقية البيضاء... من القاموس السياسي العراقي المعاصر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يفهم من السياسة انها ادارة للصراع.. ويفهم من الالوان انه توزيع للاختلاف بدرجات متفاوتة، في الحياة، في اللوحة، في البشرة، في اعلام الدول، في الملابس، في الاطعمة، في جلود الحيوانات، في ريش الطيور، في السماء والبحر والارض.. ومنها الاختلاف ايضا في الاعجاب بهذه الالوان وتفاوت درجات الاعجاب بين شخص واخر.

ويفهم من اللغة انها تمكين للصراع واللون في الواقع وحياة الانسان.. لهذا تكون الحرب لغة هوجاء والسلم لغة مستكينة. مثلا حين يقال ان الدولة الفلانية نقضت معاهدة السلم مع الدولة الاخرى فانه بمثابة اعلان حرب.. وحين يقال ان اتفاقا بين دولتين وقع بالأحرف الاولى للتعاون الاقتصادي او العسكري او غيره فيفهم منه انه تطوير لحالة من السلم بينهما.

السياسة متلونة في اقنعتها والاعيبها واكتسبت بعض مفاهيمها طبقات لونية متعددة.. فالثورة حمراء والحرية حمراء والحرب سوداء قاتمة، وفي بعض منعطفات السياسة هناك مناطق رمادية كثيرة تضيع فيها الالوان وتتداخل. مثل كافة الرموز الكبيرة، للالوان مدلول شامل من جهة، وقيمة رمزية خاصة من جهة اخرى في الزمان والمكان.

ولرمزية الالوان اساس فيزيولوجي.. ففي بعض التجارب عند الانسان تسرّع رؤية الاحمر او الاصفر النبض، وترفع توتر الضغط الشرياني.

وفي بيوت الاطفال يؤثر المحيط الملون: فالازرق الفاتح والاخضر يبدوان مشجعين لانشراحهم، والاحمر يبدو منميا لعدوانيتهم، ويؤدي الاسود والكستنائي لانقاص حصيلتهم العقلية. اللون الابيض لون باهر وساطع ومضيء ومنير..وهو في الوقت نفسه لون عماء نموذجي.. فانت لا تستطيع ان ترى بوضوح اذا انعكس الضوء من فوق السطوح البيضاء.. والابيض حارق ومنها حروق الجليد في المناطق المتجمدة.. وهو لون العطش القاتل الذي لايرتوي في العيون التي تبصر السراب.

بدئيا كان الابيض الداكن لون الحداد ولون الاموات وقد بقي كذلك في الصين وفي افريقيا السوداء.. وغالبا جدا ماكان الابيض رمز الطهارة وعلى الاغلب ايضا كان رمز النور. الابيض مثل نقيضه الاسود يقع على الطرف الاخر للشبكة اللونية فهو لون مطلق، يعنى تارة السطوع والغياب، وتارة جملة الالوان.

يكون الابيض بدءا، ويكون منتهى للحياة النهارية وللعالم المتجلي.. يمكن تقريبه من (سدرة المنتهى) شجرة الحياة المطلقة، حيث منتهى الحياة يعني بدء الموت العابر، على مفترق الخفي والمنظور، ويعني بدء حياة اخرى.

الابيض هو لون الطيبة، اي الذي تتبدل ظروفه وشروطه بتبدل المرشحين لوظائف عامة وهم يرتدون ملابس بيضاء.. الابيض لون فاصل، حد بين خطين يتناهيان في افق.. انه لون العبور، رمز الانتقال:

البياض الغربي هو لون الموت الابيض الذي يمتص الكائن ويدخله..

البياض الشرقي هو لون العودة، بياض الفجر..

لدى العرفانيين والباطنيين يرمز الابيض الى السر، النور الداخلي الذي يتشكل منه فكر الصوفي او العرفاني، الى ذلك يتصل الابيض والاحمر رمزيا:

الابيض هو لون الحكمة الجوهرية النابعة من اصول الانسان والموجهة لمصير الانسان..

الاحمر هو لون الانسان المتصل بدياجير العالم والمسجون في شوائبه وظلماته..

والابيض عند الفيثاغوريين كان يبدو لهم علامة الاستقامة والعدالة واشعاع الخير..

كثرت في المشهد السياسي العراقي المنفتح على الكثير من المفاجات والتناقضات، رمزيات عديدة في الشعارات والتصريحات والتشكيلات والتجمعات تستدعي الكثير من التكثيف للرموز الدينية او التاريخية او الالوان.. ولاتفكر تلك الجهات بمدى انطباق الرمز على المرموز، او انطباق الكلمة على المعنى.. انها تؤسس على فراغ تعتقد انها سيراكم مدلولاته بمرور الزمن وتكرار الحضور للرمز.

(العراقية البيضاء) اخذت الابيض رمزا لها عند التاسيس والاعلان عنه، واقترن اللون بالعراق، لما للاسم من وقع رمزي ايضا، او امتدادا لاسم التجمع القديم الذي انشقت عنه وتصحيحا لما دعاها للانشقاق عن الاصل.

في حديثه للشرق الاوسط (27 / 1 / 2011) قال حسن العلوي إنه استجاب «لرغبة عدد من النواب في القائمة العراقية بتشكيل كتلة داخل (العراقية)، رحبت بالفكرة، وفي لحظتها تدافع إلى ذهني حتى اسم الكتلة وهي (العراقية البيضاء) لتكون نقية وبيضاء.

مصادر مطلعة ذكرت في حينها الى ان هذه القائمة الجديدة تتبنى مشروعاً ليبرالياً علمانياً للعراق، بعدما لاحظت عدم تمثيل التيار القومي والعلماني في البرلمان، اضافة الى تمسكها بـ(الانفتاح على دول الخليج تجربة وسياسة) وتطمح (العراقية البيضاء) الى شغل إحدى الحقائب الاساسية في حكومة نوري المالكي.

وقد يكون مفهوما في السياسة والاعيبها قول الحقيقة بطرق اخرى ليس فيها الحقيقة، الا ان ذلك مهما كانت اسبابه ومبرراته ينفي صفة النقاء واقتران الابيض بكل خير او عدالة.. عضو القائمة العراقية زياد الذرب نفى حينها ما تردد بشان نية عدد من نواب العراقية تشكيل قائمة جديدة تحت اسم(القائمة البيضاء)التي ستكون برئاسة حسن العلوي.

وقال: "لا توجد كتلة باسم القائمة البيضاء او القائمة الحمراء وارى ان هذه اشاعات الغرض منها النيل من القائمة العراقية" واضاف"ان هذا الخبر عار عن الصحة ولايوجد مثل هذا التوجه من نواب العراقية "واوضح الذرب "ان العراقية ستتحول انشاء الله الى حزب واحد يجمع جميع مكوناته في المستقبل ردا على هذه الدعايات المغرضة" وبين "ان قوة العراقية في وحدتها وتماسكها وان لا تتاثر بمثل هذه الاخبار غير الدقيقة" مؤكدا ”ان جمال البطيخ الذي زعمت الاخبار انه سيتراس القائمة الجديدة في البرلمان كان على اتصال بي وهو احد اقربائي ولم يبلغني بمثل هذا التوجه".

وفيما نفت النائبة عن ائتلاف العراقية عالية نصيف تشكيل كتلة جديدة داخل العراقية، مضيفة انه لاوجود لأي انشقاقات داخل (العراقية)، وأصرت نصيف في تصريحات صحفية ان "ائتلاف العراقية متوحد ومتماسك، ولا وجود لاي انشقاقات داخله"، مستبعدة "تشكيل كتلة منشقة داخل العراقية تحمل اسم العراقية البيضاء".

وتوقع مصدر من داخل القائمة العراقية حينها ان ينسحب الاعضاء الشيعة، وعددهم 10 اعضاء، من القائمة العراقية، ليشكلوا كتلة مستقلة، ناقلاً عن بعض الاعضاء المتذمرين قولهم انهم "انضموا للعراقية بسبب ما روج عن مشروعها الوطني.. لكننا لم نتبين شيئا من (المشروع الوطني)، الذي بشرت به، اذ ان أسلوب (العراقية) للاعتراض وفق تضارب وتناغم أو انسجام متطلباتها". وفد ذهب النفي الذي تشبث به المنشقون ادراج الرياح، وصحت تسريبات المصادر المطلعة.

اي المدلولات الرمزية للابيض تطغى على تلك القائمة المنشقة وهي تتحرك في دهاليز السياسة بحثا عن مناصب وامتيازات تراها جزءا من استحقاقات انتخابية؟ واي نقاء سيبقى للابيض عند اشتداد التنافس والصراع على تلك الامتيازات؟ في المشهد السياسي العراقي تفقد الالوان رمزياتها الدالة، وتفقدها كثافتها الحسية والمعنوية وتكون الالوان غير ما تعارف عليها الناس في مختلف الازمنة والامكنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/نيسان/2011 - 14/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م