حياة الأمة بين المواطن الهدفي والمواطن الأضوائي

رؤى من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: بداية لابد من التفريق بين مواطن يعمل لذاته، وآخر يقدم الآخرين على ذاته، فالفرق بين الاثنين يبدو كبيرا وواسعا، حيث يتميز الأول بالطابع الأناني الواضح في أفكاره وأقواله وحركاته وسكناته، بينما يتميز الثاني بطابع نكران الذات، وملكة الإيثار التي تشكل جوهر تفكيره وسلوكه ازاء شعبه أو محيطه الانساني/ الذي ينشط ويتحرك فيه، وهكذا يبدو أن عالمنا يعيش نوعا من الصراع بين هذين النمطين من الناس.

ثمة إشكالية تظهر في حالة تسيّد النموذج الاول على النموذج الثاني، هذه الاشكالية تنمو في الشعوب قليلة الوعي والتثقيف، فطبيعة الكائن الحي تقوم أساسا على تفضيل الأنا في حالة غياب الوعي والضوابط الرادعة معا، بل أحيانا حتى الضوابط الرادعة، تعجز عن الحد من أنانية الانسان، وتفضيله لنفسه ومصالحه، والمشكلة الكبرى فيما لو تصدّر مثل هؤلاء الأناس الأنانين دفة قيادة الشعوب والمجتمعات، حيث تنقلب الحياة جحيما، بسبب القمع الناتج عن الدوافع الانانية لحماية السلطة، لهذا ينبغي تجنب الحس الاناني، وبناء الانسان الذي يطلق عليه الامام الشيرازي (رحمه الله) تسمية (الانسان الهدفي).

وحين يريد الانسان أن يكون هدفيا عليه أن يفهم الحياة أولا، يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه القيّم الموسوم بـ (لنبدأ من جديد):

(على من يريد تجديد الحياة.. حياة نفسه أو حياة جماعة أو حياة أمة: أن يفهم الحياة كما هي، فيواظب حتى لا يكون ممن يفهمها هامشياً أو بالمقلوب، كمن يريد السير إلى النجف الأشرف فيسير إلى بغداد!).

فالخطوة الاولى هي أن نفهم الحياة، لكي نتمكن من تجديدها بما يتسق مع الفطرة الانسانية، التي تشتبك فيها مصالح الذات، مع مصالح الخارج، كما يطلق عليها الامام الشيرازي، كما أن السعي في اتجاه التجديد، يتطلب تكاثر النموذج اللإيثاري، ذلك الانسان الذي لاتغلب عليه مصالحه الذاتية، مقابل ذلك الباحث عن الشهرة والاضواء والجاه والنفوذ والسلطة على حساب الآخرين.

يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه في هذا الصدد:

(من يريد الاشتهار وأن تسلط عليه الأضواء لا يمكنه أن يجدد الحياة، ولا يصل إلى الهدف ـ إذا كان عنده هدف رفيع - ومن يريد الهدف لا يريد الأضواء ـإذا كان صادقاً في إرادته ـ، فمريد الأضواء والأهواء يسير نحو المغرب، والهادف يسير نحو المشرق ـ مثلاًـ فهل يمكن الجمع بينهما؟. إن صاحب الأضواء هدفه نفسه، ومريد الهدف هدفه خارج نفسه، ولا يمكن الجمع ـ في وقت واحد ـ بين السير إلى الداخل وإلى الخارج).

إذن هناك تقاطع تام بين الانسان الاناني، والانسان الإثاري (التضحوي)، كالفرق والتقاطع بين إنسان الأضواء والشهرة، وإنسان العمل والتضحية من أجل الآخر، وليس الذات، وقد يتظاهر الأناني بأنه صاحب هدف ومشروع ورؤية مستقبلية، تهدف للصالح العام، كما هو الحال مع نهّازي الفرص، والمتلفعين برداء السلطة دائما، لكن الوقائع والافعال القائمة على الارض، تدحض ادّعاءات الانسان الأناني الباحث عن المجد الشخصي لا غير، وفي هذا الصدد، يؤكد الاما الراحل على أن:

(الأناني والمتكبر والمستعلي وطالب الشهرة وبائع الفضيلة، لا يتمكن أن يكون ـ في نفس الوقت ـ : متواضعاً، طالب للفضيلة، هدفياً …).

ولذلك ثمة اختلاف كبير وتام بين الاثنين (الهدفي والأضوائي)، حيث يؤكد الامام الشيرازي في كتابه على أن:

(مريد التقدم والهدف الرفيع لابد وأن يتجنب الأضواء والأهواء، لا أن يكون حيادياً عنها ـ فحسب ـ فإن الشهرة آفة ومن يريد تجديد الحياة لا يتطلبها).

لذلك غالبا ما يستغل الاناني، جميع المواقف والمناسبات، من اجل أن يخدم اهدافه ومصالحه، لهذا غالبا ما يشكل مصدر أذى للمجتمع، لأنه يستغل جميع المواقف لصالحه أولا، وإنْ تظاهر بالعكس، ويبيّن الامام الشيرازي بكتابه نفسه الفرق بين الأضوائي والهدفي إذ يقول:

(إن الأول يستغلّ المناسبات لنفسه حتى يلقي الضوء الأكثر على ذاته ويظهرها أكثر فأكثر، بينما الهدفي يستغلها للوصول إلى الهدف ولتقريبه إلى الحياة الواقعية أكثر فأكثر).

ومع ذلك لايصح إلا الصحيح، فالناس تفهم بفطرتها، من هو الذي يريد صالحها من غيره، ويمكنها أن تفرّق بين الاناني الاضوائي، والانسان الايثاري الذي يقدم مصالح الناس على مصالحه.

يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في هذا الصدد:

(اللطيف في الأمر: إن الأضوائي يختفي في وعي الناس أكثر فأكثر، بينما الهدفي يقوى في وعيهم يوماً بعد يوم).

وما أحوجنا في عالم اليوم، الى الانسان الايثاري، لاسيما القادة منهم، الذين ينبغي أن يكونوا أبعد الناس عن الانانية في إدارة شؤون الامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/نيسان/2011 - 14/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م