الثورات العربية وعقدة المجتمع الدولي

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: تحاول الإدارة الأمريكية جاهدة الخروج من مواقفها الحرجة أزاء ما يحدث من ثورات في منطقة الشرق الأوسط، إلى أن تحقيق التقدم في مجالات الإصلاح أو التغيير خصوصا يحتاج لمواجهات دبلوماسية يتم من خلالها بحث نوع الدعم لهذه الثورات، وهو مايشكل تحدي للإدارة الأمريكية التي هي بالأصل متحالفة مع بعض هذه الأنظمة التي تشهد مواجهات رافضة لأستمرارها في الحكم.

وتعرضت مساعي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمنح أموال للدول العربية التي تمر بمخاض ديمقراطي لنكسة، بعد أن أوقفها الكونغرس الذي يركز على مصروفات أكثر ضرورة مثل تسوية العجز الفدرالي.

فعلى سبيل المثال تتفحص الإدارة الأميركية خياراتها بخصوص طلب تقدمت به مصر لإعفائها من دين للولايات المتحدة بقيمة 3.3 مليارات دولار، كما تسلمت الإدارة طلبا مماثلا من تونس ولكن لإعفائها من دين أصغر حجما بقيمة 7 ملايين دولار. لكن معارك الميزانية الجارية هذه الأيام في واشنطن جعلت تلبية طلبات الإعفاء غير ممكنة، بحسب مسؤولين أميركيين.

المشرعون الأميركيون لم يكتفوا فقط بغلق الباب أمام أية مخصصات جديدة لدعم الاستقرار في البلدان التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي، بل عارضوا أيضا مقترحات اقتطاع جزء من أموال برامج المساعدات الدولية لدعم الدول العربية.

مسؤولو الإدارة يقولون إن هذه المساعدات سوف تساعد في تشكيل تغيير تاريخي في المنطقة العربية. كما يخشى المسؤولون الأميركيون انتكاسات اقتصادية قد تصيب الديمقراطيات الجديدة في القاهرة وتونس -اللتين شهدتا سقوط دكتاتورين هذا العام- بالشلل مما قد يؤدي إلى توجه سكانهما إلى الجماعات الإسلامية التي تشكل تهديدا للمصالح الإستراتيجية الأميركية.

معارضو الدعم المادي يقولون إنهم يؤيدون التغيير الديمقراطي في العالم العربي ولكنهم لن يمولوه.

النائب الجمهوري وعضو لجنة الميزانية في مجلس النواب الأميركي جَيسون شافيتز يقول لا توجد هناك رغبة في صرف المزيد من الأموال. عندما لا نكون قادرين على تغطية نفقاتنا، يصبح من الصعب أن نبرر تمويل نهضة في بلد أجنبي.

المعارضة في الكونغرس الأميركي تعود بشكل جزئي إلى تأثير أعضاء حزب الشاي ومحافظين آخرين طالما عارضوا برامج مساعدات الدول الأجنبية، وتقريبا أجبروا الحكومة الأميركية على الدخول في قتال مرير بشأن الخفض في الميزانية.

بعض المشرعين الأميركيين تنتابهم الشكوك بعد أن بينت الأرقام إنفاق المليارات على حروب العراق وأفغانستان خلال العقد الماضي، في حين يقول بعض النواب إن الإدارة الأميركية لم تقدم طرحا مقنعا يبرر إنفاق الأموال في البلدان العربية التي تشهد حالة من التغيير.

المقاومة التي واجهتها الإدارة الأميركية من المشرعين الأميركيين، أجبرتها على التوجه نحو مانحين أجانب ودوليين، مثل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلا أن مساعيها تلك كانت محدودة النجاح.

كما حاولت الإدارة الأميركية إقناع الدول الأوروبية التي قامت بحجز أموال في حسابات مسؤولين مصريين متهمين بالفساد باستخدام تلك الأموال لمساعدة الحكومة الجديدة في القاهرة.

يقول أحد مسؤولي إدارة أوباما أن هذه نظم محورية في إقليم محوري، واستقرارها أمر مصيري.

يذكر أن مشروعا تم اقتراحه الشهر الماضي لمساعدة الديمقراطيات الوليدة على غرار المشروع الأميركي الذي استخدم لمساعدة دول أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، قد واجه أيضا مقاومة شرسة في الكونغرس الأميركي.

مسؤولو إدارة أوباما فكروا كذلك في تغيير وجهة المساعدات العسكرية الأميركية لمصر، وتوجيهها إلى الحكومة بدلا من الجيش، لكن النواب الأميركيين عارضوا الفكرة لسببين، الأول هو مخافة أن يؤثر ذلك على مبيعات الأسلحة الأميركية، والثاني مخافة أن يعني ذلك تخفيض المساعدات العسكرية الأميركية إلى إسرائيل، حيث ترتبط قيمة المساعدات العسكرية الأميركية لكل من مصر وإسرائيل ببعضها بعضا منذ ثمانينيات القرن الماضي.

النائب الأميركي غاري آكيرمان يجادل بأن مثل هذه الخطوة ستشجع دول أوروبا الشرقية على التقدم بطلب مشابه لكي تطفئ الولايات المتحدة ديونها المتعقلة بذمتها البالغة 9 مليارات دولار.

يقول الكاتب رون نيكسون إنه بينما ضخت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في برامج عسكرية أجنبية وحملات لمكافحة الإرهاب، ساهمت مجموعة صغيرة من المنظمات الأميركية -التي تمولها الحكومة- في تعزيز الديمقراطية في الدول العربية.

وقال الكاتب إن الأموال التي تنفقها هذه المجموعات لا تكاد تُذكر بالمقارنة مع أموال وجهود وزارة الدفاع الأميركية. ولكن مع مراجعة المسؤولين الأميركيين وغيرهم انتفاضات الربيع العربي، فقد وجدوا أن حملات الولايات المتحدة لبناء الديمقراطية قد لعبت دورا أكبر في تأجيج الاحتجاجات مما كان معروفا من قبل، وذلك مع القادة الرئيسيين لهذه الحركات بعد أن تم تدريبهم من قبل الأميركيين على تقنيات وسائل الاتصال الجديدة من خلال أدوات جديدة وطرق مراقبة الانتخابات.

ونقل الكاتب عن مقابلات تمت في الأسابيع الأخيرة وبرقيات الدبلوماسية الأميركية التي حصلت عليها ويكيليكس أن بعض المجموعات والأفراد الذين نشطوا مباشرة في الثورات والإصلاحات التي تجتاح المنطقة، بما في ذلك حركة شباب 6 أبريل في مصر، ومركز البحرين لحقوق الإنسان وناشطون على مستوى القاعدة الشعبية مثل انتصار القاضي في اليمن، تلقوا تدريبا وتمويلا من جماعات مثل المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني وفريدوم هاوس، وهي منظمة حقوقية غير ربحية ومقرها يوجد في واشنطن. وقالت برقيات ويكيليكس إن نشاط هذه المجموعات عادة ما كان يثير توترا بين واشنطن وزعماء دول عربية كانوا يشتكون من أن سلطاتهم تتعرض للتقويض.

والجمعيات الجمهورية والديمقراطية مرتبطة بالحزبين الجمهوري والديمقراطي. وقد تم إنشاؤها من قبل الكونغرس، ويموّلها الصندوق الوطني للديمقراطية الذي أنشئ في عام 1983 لتوجيه المنح من أجل تعزيز الديمقراطية في الدول النامية.

فإنه لا أحد يشك في أن الانتفاضات العربية ذات منشأ محلي، وليست ناجمة عن نفوذ أجنبي كما يدعي بعض الزعماء في الشرق الأوسط.

يقول ستيفن مكينيرني المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط نحن لم نمولهم ليبدؤوا الاحتجاجات، لكننا نساعدهم في دعم تنمية مهاراتهم، وأضاف هذا التدريب لعب دورا في ما حدث في نهاية المطاف، ولكنها كانت ثورتهم. نحن لم نبدأها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/نيسان/2011 - 13/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م