هل ولد الناس احرارا؟

إطلاق سراح... عن السجون والحريات

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما هو ثمن الحرية؟ او هل للحرية اثمان باهظة يتوجب دفعها؟ هل هي حرية الفرد؟ ام حرية الشعوب؟ ام حرية الانظمة الحاكمة؟ ام حرية السجين؟ ام حرية السجان؟ عن اية حرية نتحدث؟

وللحرية الحمراء باب  بكل يد مضرجة تدق

تلك حرية الشعوب المضطهدة من فبل محتليها.. ماذا فعلوا بها بعد ان دقوا ابوابها بأيدي قوافل الشهداء طيلة سنوات طويلة؟

الناس ولدوا احرارا.. تلك هي حرية الفرد، ولا يمكن ان يكون الاستعباد الا نقيضا لهذه الحرية الفطرية.. انها حرية غير مكتسبة يمنحها دستور او حاكم او حزب سياسي او اي مجموعة بشرية اخرى..

ومنها ما يكثر الحديث عنه على نطاق العلاقات بين الدول، فهي السيادة الوطنية وهي الاستقلال الناجز وهي العلم والنشيد الوطنيان وهي الحدود وجواز السفر وغيرها من مظاهر تلك السيادة التي تتشدق بها انظمة الحكم في بلداننا العربية.

هل هي متحررة من تاثيرات القيود التي تحيط بها؟ هل هي حرة في قراراتها المصيرية والاستراتيجية والتي تتوقف عليها حريات شعوبها؟

ومنها حريات محبوسة خلف جدران عالية وابواب مقفلة.. او هي جدران العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية.. والفرد اسير لها لا يسنطيع عبورها الى فضاءات ارحب.. فهي زنزانة مهما اتسعت فانها تضيق عليه ويختنق فيها.

حامل المفاتيح اسير اخر لتلك القيود.. لكنه خارجها او هكذا يظن نفسه طالما هو في الجهة الاخرى.. هل هو فرح بحريته الماسورة بقيود الاسير الذي يقابله؟

 للشاعر التونسي منصف المزغني:

هذا السجان... حر.. في ان يتصور... انه مسجون بمساجينه.

يتساءل كمال شيخو: ماذا يعني الخروج من السجن؟

العودة إلى الحياة تعني لي العودة إلى الحرية باعتبار أن الحياة في وجه من وجوهها ليست سوى التجلي الأسمى لمسألة الحرية سواء بمستواها الفطــــــري الطبيــعي أو بمعناها الإنساني الفكري والثقافي, لأن الحياة بلا حرية بمثابة سلخ الجلد عن الجسد, أو هي إفراغ لطاقة الجسد وقوى النفس وفصلهما فصلاً تعسفياً ليصبح الإنسان الفرد كتلة معطلة.

في السجون العراقية، السجن لم يتحرر من قيود ثقافته السابقة، ثقافة الوطن المسجون.. فرغم الكثير من الحريات التي هطلت على ارض العراق منذ العام 2003 ورغم دورات حقوق الانسان التي تقام للشرطة العراقية عن حقوق الانسان وحرياته، ورغم المناهج الدراسية حول تلك الحقوق التي اضيفت الى المناهج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة لم تثمر الا مزيدا من الانتهاكات والتجاوزات بحق السجناء وحرياتهم.

قد يكون لم يفكر بعاقبة كتابة صك دون رصيد، فالكثيرون يفعلون ذلك، لتمشية اعمالهم، خاصة وانه يملك مكتبا للصيرفة.. فعلها ولم يستطع الوفاء بتلك الصكوك ليجد نفسه خلف القضبان لمدة خمسة عشر شهرا.

الامور عادية في السجن.. لكن ماذا عن لحظة انتهاء محكوميته والتهيؤ للخروج من هذا السجن؟

انها قصة اخرى لكنها قصة السجان المسجون مع سجينه.. كيف ذلك؟

الكتاب الصادر من المحكمة باطلاق سراحه يستكين في جيب احد افراد الشرطة.. لا يخرج الا بمبلغ معين يزيد او ينقص حسب امكانيات السجين المادية. كم تحتاج الى تواقيع لضباط الشرطة لخروجك من الزنزانة للمرة الاخيرة؟ الكثير.. لكن اكثر من واحد من هذا الكثير يسهر في الملهى والنادي الليلي.. ولا تجده حين تريده. هل تنتهي المسالة عند حد التوقيعات؟ معاذ الله.

مدير السجن يؤدي صلاته في غرفته.. نعم هو يصلي.. لا احد يجرؤ على مقاطعته.. يخرج من بين يدي ربه.. ويفتح الباب على مصراعيه.. لكن بابه يكلف الداخل اليه مبلغ 700 دولار لاجل توقيع صغير بمساحة 2 سنتمتر على معاملة خروج السجين الذي قضى مدة عقوبته.. لا اقل من ذلك.. فهناك الكثيرون ممن يبقى في السجن لانه لا يستطيع ان يدفع تكاليف الحرية الباهظة.. وهي باهظة في شقيها المادي والمعنوي..

السجان يتحول الى سجين ماديته، تأسره قيود الرشوة التي يطلبها، من مسجونيه.. يدفعون اليه ويتحررون من سجنهم.. لكنهم يدخلون سجانيهم في سجون الضمير تدوس عليه تلك الرغبات وتلك الشهوات.

اي سجن اقسى من الاخر؟ سجن تتحرر منه ولو بعد حين؟ ام سجن يستمر معك كل حياتك؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/نيسان/2011 - 6/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م