البرلمان العراقي... جداول بلا أعمال وأعمال بلا جداول

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

تفاعل المهتمون بالشأن السياسي العام ايجابيا مع الطريقة التي افتتحت بها الجلسات الأولى للبرلمان العراقي في دورته الحالية لاسيما مع أداء رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي الذي بدأ للوهلة الأولى (قويا ناعما) وكأنه يسير بخطى واثقة وحثيثة نحو تحسين الأداء البرلماني بشكل عام، وتجاوز العثرات التي هيمنت على هذا الأداء خاصة في عهد رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني المشهور بولعه بالخطابات، ورئيس مجلس السن فؤاد معصوم الذي ظهرت في عهده بدعة الجلسة المفتوحة كما اتفق على ذلك جميع رجال القانون وتابعهم على ذلك العدد الأكبر من السياسيين غير المعاندين.

 ولكن لم يمض من الزمان وقت طويل حتى اخذ مجلس النواب يسير في متاهات ودهاليز متعرجة تعيد للاذهان شيئا كبيرا من ملامح صورة البرلمان الماضية، والادلة على هذا الاستنتاج اكثر من ان تحصى ولعل من ابرزها خواء جدول الاعمال من التشريعات المهمة فضلا عن تدني عدد ما اقر من قوانين حتى الان بالقياس الى العدد الهائل من التشريعات التي تنتظر مخاضات القراءة والمناقشة والتصويت منذ اماد بعيدة.

وبالرغم من عدم انتظام بث محاضر جلسات البرلمان العراقي في دورته الحالية غير ان ظاهرة جديدة رُصدت بوضوح في مجريات عمل مجلس النواب، وتتمثل هذه الظاهرة بدعوات رئيس البرلمان المتكررة والتي يطلب فيها من الاعضاء الحاضرين الموافقة او عدم الموافقة مبدئيا على مناقشة مقترح قانون ما.

 وبحسب المتابعة المستمرة لغالبية جلسات الدورة النيابية السابقة فان هذا العرف لم يكن في وارد عمل مجلس النواب السابق على الاقل في نطاق ما كان يعلن من محاضر الجلسات وينقل عبر القناة الرسمية للدولة، هذا من جهة ومن جهة اخرى فان قضية التصويت من حيث المبدأ ليس لها اصل صريح في النظام الداخلي لمجلس النواب السابق والذي ما يزال ساري المفعول في المجلس الجديد، وذلك واضح من قراءة النظام الداخلي للمجلس في المادة التاسعة المحددة لمهمات رئيس مجلس النواب والتي يمكن ترتيبها بالشكل الاتي:

أولاً: العمل على تطبيق الدستور والقوانين والنظام الداخلي للمجلس.

ثانياً: افتتاح جلسات المجلس وترأسها.

ثالثاً: دعوة مجلس النواب الى جلسة استثنائية.

رابعاً: طلب تمديد الفصل التشريعي لدورة انعقاد مجلس النواب بما لا يزيد على ثلاثين يوماً.

خامساً: إدارة المناقشات والمحافظة على انتظامها، وتحديد موضوع البحث، ويوجه نظر المتحدث إلى التزام حدود الموضوع والنظام وله أن يوضح أو يستوضح أية مسألة يراها غامضة.

سادسا: تمثيل المجلس في الاحتفالات الوطنية والمناسبات الأخرى وله تخويل احد نائبيه او غيرهما من الأعضاء.

سابعا: اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن والنظام داخل المجلس.

ثامنا: الرقابة والإشراف على جميع الموظفين والعاملين في ديوان المجلس.

تاسعا: عرض الأمور التي تتطلب إجراء التصويت عليها وإعلان نتائجها.

وكما هو ملاحظ فان الفقرة (تاسعا) لا يمكن اعتبارها مسوغا للإجراء المتبع من لدن رئيس المجلس، والقاضي بعرض قضية ما على التصويت بدعوى ان هذا الاجراء لا يخرج في نهاية المطاف عن كونه داخلا في جملة الامور التي تتطلب اجراء التصويت والاعلان عن النتيجة كما تنص عليه الفقرة نفسها، لان الفهم بهذا الشكل قد يطيح بمفهوم الفقرة خامسا التي ترتب على رئيس المجلس او نائبيه تحديد موضوع البحث وينحدر بمنزلة المجلس الى مستوى المقهى او الصالون الادبي المفتوح.

اما اذا سلمنا بقضية (التصويت من حيث المبدأ) جدلا فان هذا الامر سيضيف عثرة اضافية في طريق العمل البرلماني الذي يستدعي استغلال كل دقيقة عمل من اجل اتمام عملية التشريعات الملحة بأسرع وقت ممكن.

ان المفترض برأس العمل النيابي وهو رئيس المجلس الحالي او من ينوب عنه ان يحسم جميع النقاط الموضوعة في جدول اعمال جلسته التي هو بصدد ادارتها قبل التوجه الى افتتاحها رسميا لا ان يتم الدخول الى قبة البرلمان بأجندة ناقصة، واذا كان ثمة دواعي سياسية تشفع لاستخدام هذا الاجراء في ظروف خاصة فمن الاجدر ان يتقيد هذا الاجراء بتلك الظروف ولا يتحول الى عرف سائد يزيد من رقعة الخرق اتساعا ويتسبب في التشويش والارباك وهدر الوقت والجهد بغير طائل.

 ان أي مراقب لأوار الازمة السياسية بوجهها البرلماني يستطيع ان يصدر حكما قطعيا بكون غالبية موضوعات جدول اعمال مجلس النواب لا تستجيب الى الحد الادنى مما هو منتظر اجتماعيا. كما ان أي مواطن على قدر بسيط من الاطلاع لن تنطلي عليه خدعة الظهور بمظهر المنهمك في العمل في حين ان المراد هو التسويف والمماطلة وتأخير ما حقه الصدارة وتقديم ما يقبل التأجيل من تشريعات قانونية.

 وعلى سبيل المثال فمن جملة القوانين التي يدرك عموم المواطنين العراقيين مدى اهميتها لواقعه السياسي تحديدا هو كتابة قانون انتخابي جديد يتجاوز اخفاقات القانون المعمول به حاليا، اما لماذا هذا القانون تحديدا، فهذا راجع الى ان احد السيناريوهات الرائجة لحل الازمة السياسية الحالية في البلاد يكمن في اجراء انتخابات نيابية مبكرة تعيد رسم الخريطة السياسية بمعايير اكثر ديمقراطية، وليقين غالبية المجتمع العراقي بكون القانون الانتخابي بشكله المعمول به حتى الان لا يمكن له ان يحقق ادنى درجات الديمقراطية المقبولة جماهيريا ومن المثالب التي تؤشر على هذا القانون: ان عدد من تم انتخابهم فعليا من القادة السياسيين الحاليين لا يتجاوز اكثر من 15 نائبا من مجموع 325، ما يعني ان النسبة المئوية لمن وصلوا الى مقاعد البرلمان عن جدارة واستحقاق لا تزيد على 4%، اما نسبة 96 % الباقية فقد جاءت بمعونة كبار الفائزين.

 بل حتى المقاعد التعويضية التي يفترض من الناحية العقلية ان تذهب لصالح كبار الخاسرين أي الى من حصلوا على اكثر الاصوات ولكن اقل من العدد المطلوب لتجاوز العتبة الانتخابية ذهبت هي الاخرى لفائدة كبار الفائزين، ولم يكن للقانون الانتخابي ان يوفر ارضا خصبة لضياع اصوات الجماهير الا لأنه كان قد كتب تلبية لرغبة احزاب سياسية بعينها ولم يأت تعبيرا لحاجات اجتماعية حقيقية.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/نيسان/2011 - 6/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م