
شبكة النبأ: ان نجاحات الانتفاضات في
ربيع الثورات العربية في زعزعة المستبدين وطردهم عن كراسي الطغيان
والاستبداد، يؤشر على شوق المواطن العربي لنيل الحرية، وتحقيق المواطنة
ورفض الظلم والاستعباد، كل هذا وغيره، جعل العديد من دول العالم
المتحضر تعيد النظر في مواقفها تجاه العالم العربي، وفي مقدمة هذه
الدول الولايات المتحدة الامريكية.
ان من المكاسب الكبيرة التي حققتها الثورات العربية هي عالميته، فلم
تقتصر على حدود البلد الضيقة وانتشرت الى كل ارجاء المعمورة واصبحت
حديث الساعة والعصر، فبعد احداث 11/سبتمبر وانعكاساته الكارثية حيث
تحول المواطن العربي الى موضع الشك والريبة اينما توجه وحيثما حل،
ولصقت به تهمت الارهاب وحسب المقاس، الان قد يتغير الوضع بصورة كلية
ليفرض احترامه على الجميع وتزول صورة الارهابي عن اذهان الشعوب الاخرى
لتل محلها صورة الثائر العربي المطالب بالحرية ان اغتنم الفرصة وتخلص
من ارث الاستبداد وثقافته.
ان السياسة الامريكية تعيد حساباتها تجاه التغيرات التي طرأت على
الساحة العربية، فلا مجال لاستخدام السياسة القديمة خصوصاً بعد زوال
الانظمة الديكتاتورية القديمة وصعود انظمة جديدة الى سدة الحكم في
الدول التي نجحت فيها الثورة، مما قد يتناغم وسياسة امريكا المعلنة في
دعم الحرية والديمقراطية ونشرها في العالم باسره.
الإدارة الامريكية تستعد
من جهتها ذكرت الصحافة الامريكية أن إدارة الرئيس الامريكي باراك
أوباما تستعد لاحتمال أن توصل الثورات العربية حكومات إسلامية إلى
الحكم في الشرق الأوسط وشمال أفريقي، وأشارت إلى أن الإدارة الامريكية
تتخذ إجراءات للتمييز بين الحركات المختلفة التي تروج للإسلام في الحكم،
وقد أمر البيت الأبيض بإجراء تقييم للتمييز بين حركة الاخوان المسلمين
في مصر وتنظيم القاعدة، وركز التقييم على نظرة التنظيمين إلى الجهاد
العالمي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والولايات المتحدة والإسلام في
السياسية والديمقراطية والقومية، وتوصل التقييم إلى فوارق بارزة بين
التنظيمين، فخلط الاخوان بين القومية والإسلام يميزهم عن القاعدة التي
ترى الحدود عائقاً أمام استرجاع الخلافة الإسلامية.
وينتقد الاخوان الولايات المتحدة بسبب موقفها المنافق من
الديمقراطية التي تروج لها فيما كانت تدعم نظام الزعيم الليبي معمر
القذافي، وقال مسؤول في الإدارة الامريكية رفض الكشف عن اسمه "لا يجب
أن نخاف من الإسلام في سياسة تلك الدول"، وأضاف "سنحكم على سلوك
الأحزاب السياسية والحكومات وليس على علاقتهم بالإسلام"، وعلى الرغم من
أن الحركات الإسلامية لم تقد الانتفاضات الشعبية في العالم العربي بشكل
واضح إلا أنها قد تصل إلى الحكم من خلال الديمقراطية. بحسب وكالة
يونايتد برس.
وقد أعرب بعض المسؤولين في الاستخبارات وفي الحزب الجمهوري عن
خشيتهم من تقبل الولايات المتحدة بعض الحركات الإسلامي، وقالوا ان حماس
في الأراضي الفلسطينية وحزب الله في لبنان وصلا إلى الحكم من خلال
الديمقراطية وكلاهما يرفضان وجود إسرائيل ولم يتخليا عن العنف، ويرى
البعض في تركيا مثالاً للدولة الإسلامية، غير أن بعض المحللين يقولون
إن حزب العدالة والتنمية الحاكم ذا الجذور الإسلامية محاط بجيش ونظام
قضائي علماني متشدد، وهو أمر لا يتوفر في مصر وتونس، وتشهد منطقة الشرق
الأوسط موجة من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، انطلقت من تونس
وأسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي، ثم أطاحت بالرئيس المصري حسني
مبارك، وامتدت إلى عدة دول عربية حيث شهدت البحرين تظاهرات حاشدة
مطالبة بالإصلاح، فيما يطالب اليمنيون بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح،
وتشهد ليبيا أعمال عنف بعد مطالبات بسقوط نظام الزعيم معمر القذافي.
تقويض القاعدة وإيران
الى ذلك اعتبر كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الامريكية ان تنظيم
القاعدة وإيران هما الخاسران الأكبران من موجة الإصلاح التي تجتاح شمال
إفريقيا والشرق الأوسط، وقال وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس ورئيس
هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولن في موجز صحافي انهما
متفائلان من التغيرات الحاصلة في المنطقة، وقال غيتس "أظن بداية ان
الثورتين في تونس ومصر والاحتجاجات في أماكن أخرى التي تؤدي إلى
إصلاحات في عدد من الحكومات هي انتكاسة استثنائية للقاعدة"، وأضاف ان
ما يحصل "يكذب زعم القاعدة بأن الطريقة الوحيدة للتخلص من الحكومات
الاستبدادية هو العنف المتطرف"، وشدد على ان شعوب المنطقة تثبت ان هذا
الأمر ليس صحيحاً، وأعرب عن اعتقاده بأن موجة الإصلاح تتسبب بانتكاسة
لإيران، وأوضح ان "تعارض تصرفات الجيوش قي تونس ومصر والبحرين، في ما
عدا فترة العنف القصيرة، تتناقض بشكل شديد مع القمع الوحشي الذي يقوم
به الإيرانيون ضد أي شخص يتجرأ على التظاهر في بلادهم"، وإذ رأى ان
الأمر قد يستغرق أشهرا عدة قبل أن تظهر العواقب الكاملة للثورات، إلا
انه قال "ان عملية التغيير بدأت وأفق هذا التغيير خصوصاً إذا تم من دون
عنف، وأدى إلى وصول حكومات ديمقراطية يعتبر ربحاً لكل شعوب المنطقة
أولاً وبالتالي للجميع". بحسب يونايتد برس.
وشارك مولن غيتس تفاؤله لأنه لمس تأثير الثورات خلال زيارته الى 7
دول في منطقة الخليج، وقال ان أحد الأسباب التي تدفعه لمشاركة التفاؤل
هو ان الأمر يتعلق بشعب كل بلد، وبالتغيير داخل هذه الدول، وأضاف ان
على كل الدول أن تتأقلم مع هذه التغييرات، والعلاقات ستتغير أيضاً "وأنا
متفائل لأن ثمة فرصة للاستقرار لم تكن موجودة قبل 4 أسابيع".
كما خلص تقرير نشر مؤخراً إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما "يساعد
إيران" موضحاً كيف يخدم تعامل واشنطن الغريب مع انتفاضات الشرق الأوسط
الجمهورية الإسلامية، وذكر التقرير أنه "خلال عهد أوباما، تحرك التوازن
الإقليمي للنفوذ والسلطة بعيدا عن الولايات المتحدة باتجاه إيران
وحلفائها"، فيما "واصلت طهران تعميق تحالفاتها مع سوريا وتركيا وتوسيع
نفوذها في العراق ولبنان وفلسطين"، وذكر بان "استطلاعات الرأي العام لا
تزال تشير أن القادة الرئيسيين في محور المقاومة في الشرق الأوسط هم
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، والرئيس السوري بشار الأسد، والأمين
العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والقيادي في حركة حماس خالد مشعل،
ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان"، وهم جميعا، بحسب وصف "فورين
بوليسي"، "أكثر شعبية إلى حد كبير من نظرائهم في الأنظمة المتحالفة مع
والمدعومة من الولايات المتحدة في الأردن والسلطة الفلسطينية،
والسعودية".
لكن "إدارة أوباما تقف عاجزة فيما تظهر فرص جديدة أمام طهران لإعادة
التوازن الإقليمي لصالحها في البحرين ومصر وتونس واليمن وربما في أماكن
أخرى"، ورأى أنه "إذا لم يتم استبدال الأنظمة الموالية للولايات
المتحدة بأنظمة إسلامية سلفية، فإن الحكومات العربية التي ستبزغ عن
الثورات الحالية ستكون على الأرجح أكثر تقبلا إلى حد ما للرسالة
الإيرانية بشأن المقاومة والاستقلال عن إسرائيل والغرب"، ورجح التقرير
الى أن "تحول كل هذه التطورات، خلال العام المقبل، التوازن الإقليمي
أكثر ضد الولايات المتحدة ولصالح إيران وخاصة أن نهج إدارة أوباما بعد
عهد زين العابدين بن علي (في تونس) وحسني مبارك (في مصر)، حيال إيران
يضع مصالح الولايات المتحدة في خطر شديد".
وأوضح أن أوباما "يعرض للخطر، أولا وقبل كل شيء، إمكانية التعامل
بشكل بنّاء مع جمهورية إسلامية أكثر تأثير، ففي حين يجب على الولايات
المتحدة أن تعرف كيف تتعامل مع حركات إسلامية شرعية وأنظمة سياسية
مستقلة، والتي ستكون البديل الأكثر احتمالا للأنظمة الاستبدادية
الموالية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن نهج أوباما يأخذ سياسة
الولايات المتحدة في اتجاه معاكس تماما"، وحذر "الولايات المتحدة من
أنها تواجه تحديات خطيرة في الشرق الأوسط"، وان موقعها الاستراتيجي في
هذا الجزء الحيوي من العالم يتآكل أمام أعيننا والانغماس في الأوهام
حول تغيير النظام في إيران لن يؤدي إلا إلى تأزم الوضع.
تصحيح السياسة الاميركية
في سياق متصل اعتبر السناتور الاميركي جون كيري في خطاب ان السياسة
الاميركية في الشرق الاوسط بحاجة الى "تصحيح" كي تتأقلم مع الحقائق
الجديدة في المنطقة التي تشهد غليان، وقال السناتور كيري في خطاب امام
معهد كارنيجي للدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الاميركية "علاقة
الولايات المتحدة مع المنطقة تتطلب تصحيحا اكبر كي تعكس الحقائق
الجديدة"، واضاف السناتور الديموقراطي الواسع النفوذ الذي يترأس لجنة
الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي "غالبا ما رأينا خلال السنوات
العشر الماضية انظمة المنطقة سورا اساسيا في المعركة ضد الارهاب مع
غضنا الطرف عن انتهاكات نعتبرها مفرطة"، واوضح "لم يعد بامكاننا ان نرى
الشرق الاوسط فقط من خلال 11 ايلول/سبتمبر" مضيفا انه يتوجب على واشنطن
بالاحرى ان تستند على الوضع في 2011، كما اسف كيري لان السياسة
الاميركية في المنطقة "كانت لعدة عقود تنتهج من خلال التبعية للنفط
الاجنبي" موضحا ان "الديموقراطية وحقوق الانسان كانت محتجبة"، واعتبر
كيري ان الثورات في مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن تمثل "تحديا
كبيرا لشعوب المنطقة ولعلاقة الولايات المتحدة مع هذه الشعوب على
السواء". بحسب فرانس برس.
من جهته انتقد سفير الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة
زلماي خليل زاد استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن
الانتفاضات الحاصلة في الشرق الأوسط والتي تعتمد على الوضع في كل دولة
على حدة، معتبراً أن هذه المقاربة غير مناسبة للتحديات والفرص البازغة
من الاضطراب السياسي في المنطقة، وقال خليل زاد في مقال له إن الولايات
المتحدة من خلال استراتيجية أوباما التي يتبعها في تعامله مع
الانتفاضات الحاصلة في الشرق الأوسط، "بدل أن تشكل خطة إقليمية،
ستتعامل مع المتظاهرين من أجل الديمقراطية والحرية في كل دولة وفقاً
لظروفها الخاصة".
وأضاف أن هذه المقاربة "غير ملائمة" لا للتحديات ولا الفرص التي
تنتج عن هذه الاضرابات السياسية الحاصلة، وقال إن مقاربة الإدارة
الأمريكية أنتجت حتى الآن نتائج مختلطة، فبالنسبة للجانب الإيجابي، لقد
رحل "الديكتاتوريان" من مصر وتونس بسلام (أي الرئيسان السابقان المصري
حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي)، ويبدو أن الانتقال الثابت
نحو الديمقراطية في البلدين جارٍ، وبالتالي فإنهما ما زالتا في مرحلة
تغيير، وفي البحرين، فإن الضغط الأمريكي أقنع بداية الحكم الملكي بوقف
الهجمات على المتظاهرين والدخول في حوار سياسي مع المعارضة، لكن خليل
زاد قال إنه ما بزال غير معروف إلى أي مدى سيتحرر فيه النظام، واعتبر
أن الأحداث في المناطق الأخرى من الشرق الأوسط أكثر إقلاقاً،
فالتظاهرات تتصاعد ضد شركاء أمريكا في اليمن والجزائر والسعودية
والمغرب والأردن وبعض دول الخليج الأخرى، وقال إنه "من غير الواضح إن
كانت هذه الأنظمة ستتمكن من التوصل إلى تفاهم مع الحركات المعارضة من
دون تدخل أمريكي أكبر". بحسب يونايتد برس.
ورأى أن دخول قوات سعودية إلى البحرين تشير إلى أن الإدارة
الأمريكية تخسر تأثيرها على من يؤيدون القمع في الخليج، مضيفاً أن
الإدارة فشلت أيضاً في تقديم الدعم الكافي لحركات المعارضة في الدول
التي تحكم فيها أنظمة مناهضة لواشنطن، وقال إن الولايات المتحدة أظهرت
كذلك ميلاً قليلاً باتجاه استراتيجية دعم شاملة للمعارضة في إيران
وسورية، واشار إلى أن هذه الاستراتيجية الأمريكية التي تعتمد على
التعامل مع كل بلد على حدة وفقاً لوضعه الخاص، تحافظ على مرونة
الولايات المتحدة وتعارض صورة أن الولايات المتحدة "تتدخل" في الشرق
الأوسط، محافظة على ما كان وصفه أوباما بالطبيعة "العضوية الكاملة"
للاضطرابات.
لكن خليل زاد اعتبر أن لهذا التفكير علتين أساسيتين، العلة الأولى
تتمثل بأن هذه الاستراتيجية تجاهل الرابط بين السياسة الأمريكية في وضع
معيّن والمحصلات في أماكن أخرى، معتبراً أن المقاربة الأمريكية لكل
انتفاضة لها نتائجها في دول أخرى، والعلة الثانية هي أن هذه
الاستراتيجية تفاعلية، فهي تسمح بإدارة المستجدات العاجلة لكنها تقوّض
القدرة الأمريكية على رسم الأحداث بشكل استباقي حتى وإن كانت الأنظمة
تراقب أفعال الولايات المتحدة وتتعلم الدروس، وقال 'إن اردنا تفادي عدم
الاستقرار ووضع الأنظمة المعادية في موقع دفاعي، فنحن بحاجة
لاستراتيجية تسمح لنا بأخذ زمام المبادرة'.
واعتبر أن ما تحتاجه واشنطن، استراتيجية إقليمية استباقية تميّز بين
الدول الانتقالية، والاستبدادية الصديقة، والديكتاتورية المناهضة
لأمريك، وقال إن على الولايات المتحدة أن توجّه الانتقالات الحاصلة في
تونس ومصر والعراق نحو التدعيم الديمقراطي الكامل، وأضاف أن على واشنطن
أن تدفع بالأنظمة الحاكمة في الدول الصديقة لكن القمعية، نحو فتح
المجال أمام اللاعبين المسؤولين وإجراء إصلاحات سياسية، وقال "علينا ان
نشجع الأنظمة في المغرب والخليج على تطوير ملكيات دستورية، مع الضغط
على الزعماء في الجزائر واليمن على تقوية البرلمان والتحاور مع
المعارضة، واتباع حدود دستورية"، معتبراً أنه من دون هذه التحولات فإن
هذه الدول ستشهد خطر زيادة عدم الاستقرار، واعتبر أن الانتفاضات الأكثر
واعدة في الشرق الأوسط هي تلك الحاصلة في الديكتاتوريات المناهضة
لأمريكا، وقال إن التحدي العاجل هو ضمان الإطاحة بالزعيم الليبي معمر
القذافي، لافتاً إلى ان الخطوات المفترض اتباعها لهذه الغاية هي دعم
ومساعدة السلطات في المناطق المحررة، وتقديم المعونات الإنسانية
والعسكرية "للمتمردين الأصدقاء"، والتواصل مع عناصر داخل تحالف القذافي
بينها القبائل.
واعتبر أن نظام القذافي سيسحق معارضيه في حال عدم وجود دعم خارجي
أكبر للمعارضة، وستحذو دكتاتوريات أخرى حذوه لسحق المعارضين
الديمقراطيين وتقاوم التحرر، ورأى أنه في حال حصول العكس، وسقوط نظام
القذافي فإن الأنظمة الموالية لأمريكا ستدعم آفاق الإصلاح في إيران
وسورية عبر معارضة "البروباغندا الإيرانية" بأن الثورات الحاصلة
إسلامية وموجهة فقط ضد شركاء أمريك، وقال "نحن في وضع مفصلي، فكما حصل
في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، فإن الاختلال الوظيفي في
الشرق الأوسط الآن، يشكل أكثر التحديات تهديداً بالنسبة للمجتمع الدولي"،
واعتبر أن الثورات السلمية الديمقراطية الموجهة من الشباب تشكل فرصة
للتحفيز على تحول اساسي، وقال خليل زاد إنه بمشاركة مسؤولين فاعلين، "يمكننا
اتخاذ خطوات معقولة لتسهيل وتقوية هذا التحول في الشرق الأوسط".
نظرة جديدة إلى العالم العربي
من جانب اخر يرى خبراء ان الانتفاضات وحركات الاحتجاج في العالم
العربي ستدفع الدول الغربية الى محاكاة المنطقة بنظرة جديدة تتبنى
تطلعات الشعوب الى التغيير والحريات، بديلاً عن دعم انظمة متسلطة او غض
الطرف عنها لحفظ المصالح، ويقول خطار ابو دياب الخبير في الشؤون
السياسية والاستاذ في جامعة باريس "نحن أمام انهيار نظام قديم في
العالم العربي وبلورة نظام جديد قد يستغرق اسابيع او اشهرا او سنوات،
لكن هذا التسونامي الديموقراطي الذي انطلق من سيدي بو زيد في تونس لن
يتوقف عند حدود معينة"، ويضيف "ان الشباب العربي الذي نزل الى الشارع
فرض على الدبلوماسيات الغربية عدم اعتبار الأنظمة قدراً نهائياً، وعدم
اعطاء الاولوية للمصالح الاقتصادية والنفعية بل الاستماع الى الشعوب
والمعارضات"، ويوضح "ان الهاجس بالنسبة الى الولايات المتحدة والدول
الاوروبية في علاقاتها مع الدول العربية كان الاستقرار لاسيما بعد
أحداث 11 سبتمبر 2001 وبروز خطر الإرهاب الذي أعطى صدقية للمخاوف
الغربية".
ويقول مدير مركز كارنيغي للدراسات بول سالم "ان الانظمة العربية
اقنعت الغربيين بان التطرف الإسلامي هو البديل اذا رحلت هي، لكن تبين
ان هذا غير صحيح"، ويتابع "دخل الإسلاميون الثورات بعد انطلاقها لكنها
ليست ثوراتهم لا تنظيماً ولا شعارات، وهم مدركون لذلك"، ويضيف ان
الإسلاميين "سيطروا خلال السنوات الثلاثين الاخيرة على الوعي العام
بشعاراتهم الدينية، لكن تبين ان الشعب يريد أموراً أخرى يريد الحرية
والحداثة، يريد التنوع والديموقراطية"، ففي "ثورة الياسمين" في تونس
و"ثورة 25 يناير" المصرية وفي كل الاحتجاجات التي تعم العالم العربي،
تحرك الشارع المحبط والمهمش والساعي الى الحقوق بدفع من شبان وشابات
منفتحين على التقنيات الحديثة ورافضين للفساد ومطالبين بفرص عمل
وبالحريات، ويأخذ الكثير من الناشطين والمثقفين في الدول الغربية على
حكوماتهم سوء تقديرها لاسيما في الأسابيع الاولى للانتفاضات، للتغيير
الذي يشق طريقه في الدول العربية، وترددها او تأخرها في تأييد مطالب
الشعوب خوفاً على علاقاتها المميزة مع قادة هذه الدول. بحسب فرانس برس.
وتوضح الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط أنياس لوفالوا صاحبة كتاب "الشرق
الأوسط، دليل الاستعمال"، ان التحركات الشعبية العربية "أحدثت مفاجأة
قوية على مستوى الحكومات الغربية التي كانت تنظر الى العالم العربي من
خلال عدستين هم، مكافحة التطرف الإسلامي ومكافحة الهجرة غير القانونية"،
وترى ان هذه النظرة "حجبت الرؤية عن قادة الغرب الذين حصروا حوارهم مع
المسؤولين السياسيين لضبط الهجرة والتطرف ولم يلمسوا التغيير الحاصل في
المجتمعات على الضفة الجنوبية للمتوسط، لاسيما بين الشباب"، واذا كانت
عواصم مثل واشنطن وباريس استدركت ارباك الاسابيع الأولى واتخذت مواقف
أكثر حزماً لجهة رفض العنف والمطالبة بالاستماع الى صوت الشعب، وصولاً
الى دعوة القادة الى الرحيل، فإن علاقاتها مع الديموقراطيات الناشئة في
مرحلة ما بعد الثورات لاتزال غير واضحة.
وتقول لوفالوا "يجب أن يقبل الغرب حقيقة ان هذا العالم تغير وان
محادثيه التقليديين لم يعودوا مقبولين ومحترمين في مجتمعاتهم"، وتضيف "بالتالي
لابد من اقامة حوار مع محادثين جدد ومع المجتمع المدني، والعمل معهم
بجدية من اجل اعادة الثقة المفقودة وتحقيق تبادل متوازن مع شركاء
حقيقيين"، وكما ترى ان "المشكلة الآن تكمن في معرفة من هم هؤلاء
المحاورون الجدد".
كما يشير سالم الى ان من اهم الاعتبارات التي سيبني عليها الغرب في
المرحلة المقبلة سياسته سيكون الموقف من إسرائيل النفط والحفاظ على
مصالح الشركات الاوروبية والأمريكية العاملة في الدول النفطية، ويقول "موضوع
النفط مهم، لكن الموضوع الإسرائيلي في مصر اهم من النفط الليبي مثل،
ففي مصر، ستكون واشنطن محبذة لأي نظام لا يكسر معاهدة السلام مع
إسرائيل" ويشدد خطار ابو دياب من جهته على ضرورة ان يتعاطى الغرب في
المرحلة المقبلة مع الدول العربية على قاعدة المساواة والعدالة لاسيما
في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، ويقول "ثبت ان كل هذه الثورات
والانتفاضات غير ايديولوجية وتسعى فقط الى الكرامة كما الى الحرية
والخبز والعدالة الاجتماعية"، ويضيف "إلا أن مدى صلابة التحولات يكمن
ايضا في انتاج مشهد اقليمي جديد أكثر استقراراً وعدالة ومن ضمنه اقامة
الدولة الفلسطينية القابلة للحياة"، ورأى ان "ذلك سينزع الكثير من
الصواعق المستقبلية حيال هذا الشرق الأوسط المتفجر".
قلق مجموعات الضغط الأمريكية
على صعيد اخر ذكر تقرير صحفي الى ان الاضطرابات في الدول العربية
تثير قلق مجموعات الضغط الامريكية التي تساعد زعماء هذه الدول في
الحصول على دعم امريكي في مجالات السياسة والتسلّح والإرهاب والنفط
والتجارة، وذكر في التقرير ان ثلاثة من الأسماء البارزة في مجموعات
الضغط الامريكية، (توني بوديستا وروبرت ليفينغسون وتوبي موفيت) قدموا
خدمة كبيرة لأحد زبائنهم وهي مصر حين التقوا عشرات النواب من أجل
إقناعهم بوقف مشروع قانون يدعوها إلى وقف انتهاكات حقوق الإنسان، وقال
ان هذه الانتهاكات هي التي كانت وراء سقوط الرئيس حسني مبارك.
وأشار إلى أن موفيت، وهو نائب سابق، أبلغ زملاءه ان القانون "قد
يعتبر إهانة" إلى حليف مهم ورأى التقرير ان ما تشهده بعض الدول العربية
من انتفاضات ومظاهرات شعبية تنادي بالتغيير الديمقراطي وإسقاط الأنظمة،
يضع جماعات الضغط الامريكية التي تعمل لصالح هذه الدول تجد نفسها في
وضع غير مستقر في محاولتهم للبقاء مستعدين ومستبقين للأحداث المتسارعة
من دون أن يبدوا وكأنهم يساعدون الطغاة والمستبدين، وأوضح الى انه في
ليبيا والسعودية والبحرين واليمن ومصر وغيرها من دول المنطقة، اعتمد
القادة بشكل متزايد على مجموعات الضغط الكبرى وأبرز المحامين في واشنطن
ودفعوا لهم مئات ملايين الدولارات، ولفتت إلى أنه في حين يميل بعض
هؤلاء إلى موقف تقدمي على ضوء الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، بدأ
آخرون يتخلون عن عدد كبير من زبائنهم في الوقت نفسه بسبب الاضطرابات،
فبالنسبة الى الثلاثي بوديستا وليفينغسون وموفيت الذين يملكون عقداً
مشتركاً بملايين الدولارات مع مصر، فقد قرروا، على الأقل حالياً،
مواصلة العمل وكثفوا اتصالاتهم بمسؤولي السفارة المصرية في واشنطن بعد
تنحي الرئيس حسني مبارك. بحسب يونايتد برس.
وكشف التقرير نقلاً عن مسؤولين في مجموعات ضغط ان الهدف الآن هو
مساعدة الجيش المصري الذي يدير البلاد على السير باتجاه انتخابات حرة
ونزيهة، وقال ليفينغستون "ما فعلناه لهم في الماضي سنواصل فعله في
المستقبل، كل ما في وسعنا لبناء علاقات جيدة بين مصر اليوم والولايات
المتحدة"، إلاّ أنه أكد انه في حال اتجهت الدول العربية نحو "الأسلمة
والأصولية وتتعارض مع مصالح الولايات المتحدة"، فسيعيد النظر في موقفه،
كما أن شركة 'كورفيس للحلول الجيوسياسية' التي وقعت عقوداً مع العديد
من الدول في المنطقة بينها السعودية واليمن والبحرين وقبرص تواصل عملها
كالمعتاد، وقال نائب رئيس الشركة توماس بييتراس "زبائننا يواجهون بعض
التحديات اليوم وأهدافنا الطويلة الأمد لمد الجسور بينهم وبين الولايات
المتحدة لم تتغير وسنقف إلى جانبهم".
ونقل عن أرقام فدرالية ان مجموعات الضغط الامريكية تحصل على أكثر من
50 ألف دولار شهرياً من زعماء في الشرق الأوسط، وان الإمارات دفعت 5.3
مليون دولار في العام 2009 للضغط على مسؤولين امريكيين، فيما أنفق
المغرب 3 مليارات ذهبت غالبيتها للتركيز على النزاع الحدودي مع الجزائر
التي دفعت من جانبها 600 ألف دولار، أما تركيا فدفعت 1.7 مليون دولار
في العام 2009 للضغط على مسؤولين امريكيين، فيما أنفقت السعودية 1.5
مليون، ويذكر ان شركة 'وايت أند كايس' القانونية وعدت ليبيا منحها حسماً
بنسبة 15% على ضوء 'العلاقة الخاصة' التي قررت الولايات المتحدة نسجها
مع الزعيم معمر القذافي في العام 2008. وقال هاورد مارلو، رئيس رابطة
مجموعات الضغط الامريكية، ان "هذه النوع من الأنظمة لديها الكثير من
الأموال تحت تصرفها، وهذا عامل جذب كبير"، إلاّ أنه أكد ان العديد من
هذه المجموعات تبقى بعيدة عن الطغاة الذين يمارسون سياسات يمقتها
الامريكيون "لأن هذا يحتاج إلى الشجاعة"، وأشار ليفينغستون إلى أنه عمل
لصالح ليبيا في قضية تفجير طائرة لوكربي ومن أجل تطبيع علاقاتها مع
الولايات المتحدة.
دعم الثورات العربية
الى ذلك غادرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون واشنطن في
جولة سعت خلالها لايجاد سبل لمساعدة المعارضة الليبية على اسقاط ثالث
زعيم عربي والحفاظ على زخم الثورات المطالبة بالديمقراطية، وبدأت
الوزيرة الاميركية جولتها في باريس لاجراء لقاءات مباشرة مع المعارضة
الليبية قبل التوجه الى تونس ومصر لتكون اول مسؤول اميركي رفيع المستوى
يزور هذين البلدين منذ تنحي رئيسيهما زين العابدين بن علي وحسني مبارك،
وفي باريس اجتمعت كلينتون مع نظرائها الفرنسي والروسي والبريطاني
والكندي والالماني والايطالي والياباني لبحث الوضع في المنطقة العربية،
وقالت كلينتون امام لجنة المخصصات المالية في مجلس النواب حيث دافعت عن
ميزانية الولايات المتحدة للمساعدات الخارجية في مواجهة خطط الجمهوريين
لخفضها، "لدينا مصلحة كبيرة في ضمان ان تكون مصر وتونس نموذجين
للديموقراطية التي نود أن نراها تتحقق". بحسب فرانس برس.
واثناء زيارتها لمصر وتونس تعتزم كلينتون تحدثت مباشرة مع الشعبين
المصري والتونسي والتقت القادة الانتقاليين كما طالبت بالالتزام بمزيد
من المساعدات الى هذين البلدين، ودعت لتقديم مساعدة الى مصر اضافة الى
150 مليون دولار كمساعدة اقتصادية وانتخابية اعلنتها الشهر الماضي،
وتطالب كلينتون ايضا ب 20 مليون دولار لتونس "تلبية لبعض احتياجاتها"،
ويعمل اعضاء بارزون في مجلس الشيوخ الاميركي لانشاء "صندوق" خاص من اجل
مساعدة مصر وتونس على انعاش اقتصادهما بعد الثورتين الشعبيتين، ولاظهار
حسن نوايا واشنطن. |