
شبكة النبأ: تتباين المواقف التركية
مع التغييرات التي تحدث حاليا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بشكل يثير
الحيرة والارتياب بصورة ملفته، حيث تتعامل انقرة مع تلك القضايا
بمعايير متغيرة ورؤى لا تتسم بالثبات، مما يطرح العديد من التساؤلات
عما تحاول القيادة التركية الوصول اليه.
فيما يرى اغلب المحللين ان تركيا الجديدة تسعى الى مسك العصا من
كافة الاطراف، وتلعب على اكثر من حبل، في موقف براغماتي تتضح خلاله
حرصها على عدم خسارة اي طرف رابح في المستقبل القريب، بغض النظر عن
الاعتبارات الأخرى.
فالمصلحة العليا لتركيا هي الركيزة الاساسية التي تستند عليها طبيعة
المواقف السياسية تجاه ما يدور في فلك المنطقة، سيما انها تسعى الى
استعادة بريق مجد افل منذ عهد بعيد، الى جانب رغبة جامحة في الانصهار
مع القطب الغربي من العالم.
مركز الثقل في الشرق الأوسط
فقد رأى تقرير صادر عن مركز دراسات الديمقراطية في صوفيا "ان مركز
الثقل في الشرق الاوسط شهد خلال العقود القليلة الماضية تحولا من مصر
وسوريا الى المجال التركي – الايراني الذي كان يعتبر " محيطا غير عربيا".
واشار التقرير الى ان الحقبة المثيرة للاهتمام في القومية العربية
تجلت خلال الخمسينات و الستينات لاسيما بعد تأميم قناة الويس واعلان
الوحدة بين مصر و سوريا التي لم تدم طويلا، ولكنها كانت تطورات جعلت من
مصر مركزا لتطلعات الشعوب العربية نحو الاستقلال عن القوى الكبرى التي
توصف بالاستعمارية. بحسب صحيفة الوطن.
ان التحول في القوة وفق التقرير من مصر الى ايران تشكل و تبلور بعد
الهزيمة التي الحقتها حرب الايام الستة بالعرب العام 1967 و من ثم
انتصار الثورة الاسلامية في ايران العام 1979،موضحا " ان معالم الخطوط
المنبثقة من الازدواجية التركية – الايرانية بدأت تتضح و ترصد في الشرق
الاوسط منذ العام 1991 بعد الحاق الهزيمة بجيش صدام حسين وطرده من
الكويت، معتبرا ان " هذا التطور منح ايران وتركيا افقا سياسيا لتقوية
مركزهما في منطقة الخليج وهو ما تحول الى امر واقعي بعد غزو افغانستان
العام2001 واجتياح العراق العام 2003.
ويشدد التقرير على ان اسقاط نظامي طالبان و صدام حسين قوضا موازين
القوى في الشرق الاوسط الكبير واديا الى ابراز قوة ايران و تركيا
ودورهما الجديد الفاعل في المنطقة.
ويستنتج التقرير ان التحول الجذري في السياسة التركية حصل بعد وصول
حزب العدالة والتنمية الى الحكم العام 2002، ومن ثم تعزز بعد رفض
البرلمان التركي السماح للقوات الاميركية بالمرور عبر الاراضي التركية
لاسقاط نظام صدام حسين في العراق.
ووصف التقرير السنوات الثلاث الاولى من القرن الجديد بأنها كانت "
حاسمة" لمنطقة الشرق الاوسط على خليفة ما شهدته من احداث ادت الى تغيير
البيئة الامنية في ايران من ناحية، وتأقلم تركيا العلمانية مع الهوية
الاسلامية من ناحية اخرى، وحدوث تغير في الموقف التركي من اقليم
كردستان العراق و طريقة التعامل مع اتراك تركيا التي تجلت في اطلاق ما
يسمى مبادرة الانفتاح الديمقراطي التي تجمدت لاسباب كثيرة تتعلق
بالداخل التركي.
واعتبر التقرير ان التحول في التوازن الاستراتيجي في الشرق الاوسط
ناتج عن مجموعة عوامل بعضها محلي و اقليمي وبعضها الاخر دولي، موضحا "ان
تركيا تحاول اعادة انشاء الامبراطورية العثمانية، فيما ايران تسعى
لتشكيل ما يعرف باسم " الهلال الشيعي" معتبرا ان هذين البلدين يشكلان
الان ما يمكن تسميته ب" القوة اللينة" في الشرق الاوسط والتي لا تستطيع
ان تمارسها اي من الانظمة العربية".
الديمقراطيات العربية الجديدة
في السياق ذاته رأى تقرير صادر عن مركز " كارنيغي" الاميركي
للدراسات مكرس للبحث في ما عرف بأسم "النموذج التركي" كمثال يحتذى في
البلدان العربية و في المقدمة منها مصر انه " لا يمكن تقديم تجربة
وطنية بصفتها " نموذجا" لاي دولة اخرى،مشيرا الى ان " التجربة التركية
لا تخلو من ثغرات و مشاكل".
الا ان التقرير وجد ان هناك تجارب تركية مهمة يمكن الاستفادة منها
اليوم في حالة مصر على سبيل المثال، وهي اولا " انشاء مجلس امن قومي"
لتنظيم العلاقة المستقبلية بين القوات المسلحة وبين القادة المدنيين
المنتخبين" موضحا " ان مجلس الامن القومي التركي انشئ في اوائل
الستينات ويقوم برسم السياسة الخاصة بالشؤون الدفاعية والستراتيجية،
ويعزز التوافق بين القيادات العسكرية و المدنية، وهو يؤمن للجيش دورا
وصوتا في الدولة الديمقراطية".
واعتبر التقرير ان مصر يمكن ان تنشئ مجلسا للامن القومي يضمن
التعاون بين الجناحين العسكري و المدني الذي يعتبر العامل الحاسم في
الفترة الانتقالية، مقترحا ان يضم هذا المجلس في عضويته، المسؤولين
الحاليين في المجلس العسكري والرئيس المدني المنتخب ورئيس الحكومة و
الوزراء المعنيين وبحيث يتولى رئاسته رئيس الدولة، ويتولى تحديد ووضع
السياسات الامنية الداخلية و الدفاعية و الخارجية و الالتزامات الدولية
و العلاقات الستراتيجية وحماية النظام الدستوري في البلاد.
وقال التقرير ان هذا المجلس من شأنه ان يطمئن الجيش الى انه سيكون
له دور ورأي في النظام الديمقراطي الجديد، في المقابل فأن المجلس سيحظى
بدعم القوات المسلحة لضمان انتقال آمن و مستقر نحو الديمقراطية.
وشدد التقرير على ان مصر تحتاج الى التحرك بسرعة لبناء المؤسسات
لارساء اسس الديمقراطية، منبها الى ان عملية بناء المؤسسات و السلوكيات
الديمقراطية ليست سهلة و تستلزم وقتا طويلا، مشيرا الى ان عملية التحول
الديمقراطي في تركيا استغرقت عقودا كثيرة وواجهت تعثرات بسبب
الانقلابات العسكرية.
واقترح التقرير تشكيل لجنة وطنية عليا لاصلاح القوانين والانظمة
الانتخابية تتألف من خبراء مصريين في القانون و السياسة لاستعراض
الخيارات المختلفة و التوصية باعتماد الانسب منها وصياغة قانون انتخابي
جديد، وكذلك الاسراع بأنشاء مفوضية عليا للانتخابات للاشراف على
الانتخابات و تنظيمها على اسس الحيادة و الكفاءة و الشفافية.
ووفقا فأن الانتخابات لامعنى لها من دون وجود احزاب سياسية تقدم
البدائل السياسية، وتطرح المرشحين، مستنتجا "ان مصر تحتاج قوانين
انتخابية برلمانية و محلية ورئاسية جديدة، مشيرا الى ان التمثيل النسبي
سيكون اكثر ملاءمة على المستويين البرلماني و المحلي لضمان تمثيل واسع
لالوان الطيف السياسي الجديد في مصر.
الثورة المصرية
من جهة اخرى كان الرئيس التركي عبد الله جول جالسا امام اكثر من 20
شابا وشابة من طليعة الثورة المصرية الداعية للديمقراطية حين تلقى
رسالة نصية من ابنه الذي يدرس بالولايات المتحدة. فقال جول لمستمعيه في
قاعة بالسفارة التركية بالقاهرة قرب نهر النيل ان الرسالة التي بعث بها
ابنه تقول "انهم يرسلون ما تقوله الى موقع تويتر."
وكان جول يقدم المشورة الرصينة للجميع بدءا من القادة العسكريين
الذين يشرفون على انتقال مصر الى ديمقراطية دستورية وحتى الرؤساء
المحتملين وقيادات الحركات السياسية الرئيسية كلها فضلا عن المثقفين
والكتاب كما اسدى قدرا من النصح للشبان الذين شاركوا في الاحتجاجات
بميدان التحرير بوسط القاهرة.
وجول هو أول رئيس دولة يزور مصر منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك
في 11 فبراير شباط وقد لقي ما قاله الرئيس التركي صدى في البلاد التي
انتمى كل رؤسائها الى الجيش منذ أطاحت حركة الضباط الاحرار بالملكية
عام 1952.
وحين كان جول يشاهد المظاهرات على شاشة التلفزيون تذكر نشاطه
السياسي حين كان طالبا وكيف أفسد انقلاب عسكري عام 1980 الاسابيع
الاولى من زواجه. وقال وهو يسرد ذكرياته وسط ضحك مستمعيه "قضيت شهر
العسل في سجن عسكري."
وتولى حزب العدالة والتنمية الذي انتمى له جول الى أن أصبح رئيسا
الحكم في انتخابات عام 2002 حين تخلى الناخبون عن الاحزاب العلمانية
التقليدية التي شابها الفساد وسوء الادارة الاقتصادية. وضغط الحزب
لاجراء اصلاحات نجحت في تقليص نفوذ الجيش.
ويخشى كثيرون في مصر من أن يحجم الجيش الذي يدير شؤون البلاد منذ
سقوط مبارك عن ان يتنازل عن كامل صلاحياته حين تجري الانتخابات.
وقال جول متحدثا للصحفيين في طريق عودته الى اسطنبول ان المصريين
الذين التقى بهم عبروا عن اعجابهم بما حققه حزب العدالة والتنمية. وقال
جول انهم قالوا له "تركيا نموذج لنا. أنتم مسلمون وديمقراطيون
وعلمانيون واقتصادكم تقدمي وبالتالي هذا نموذج لنا."
وينظر الى الانتخابات التركية على نطاق واسع على أنها نزيهة ومن
المتوقع أن يفوز الحزب بولاية ثالثة حين تجري الانتخابات في 12 يونيو
حزيران. غير أن منتقدين في تركيا يشككون في المسوغات الديمقراطية لحزب
العدالة والتنمية. ويشيرون الى اعتقال صحفيين في التحقيق الاخذ في
الاتساع في مخططات لانقلاب عسكري مزعوم كدليل على عدم تسامح الحكومة.
وكما يرصد بعض المصريين خطرا في فوز الاخوان المسلمين بالانتخابات
وانشاء دولة دينية فان بعض الاتراك يرون أن حزب العدالة والتنمية يتمتع
بنفوذ اكثر من اللازم ولديه جدول أعمال خفي يحاول تنفيذه وينطوي على
تطبيق الشريعة الاسلامية في تركيا.
وبزغ نجم جول ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان من جماعات اسلامية
محظورة في نهاية التسعينات لينشا حزب العدالة والتنمية. ويروج الحزب
للقيم الاسلامية لكنه يتعهد بالالتزام بالمباديء العلمانية للجمهورية
التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 من اطلال الامبراطورية
العثمانية.
واستقبل وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة المستقيلة الرئيس التركي
في مطار القاهرة ليتوجه جول مباشرة لاجراء محادثات مع المشير محمد حسين
طنطاوي وباقي أعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة.
وقال مساعد لجول - وهو الرجل الذي تنظر اليه القيادة التركية بقدر
من الشك - ان طنطاوي اختتم الاجتماع الذي امتد لثلاث ساعات قائلا ان
التجربة التركية هي الاقرب لنا وهي مثال نستطيع الاستفادة منه فعلا.
وخرج جول من هذا الاجتماع مقتنعا بأن القادة العسكريين يعتزمون توجيه
مصر نحو الانتخابات في أقرب وقت ممكن والانتقال الى سلطة مدنية.
والى جانب الحديث عن الاصلاحات التي أجرتها تركيا أكد جول أهمية
الادارة الاقتصادية الرشيدة محذرا من أن أي اجراءات شعبية مثل زيادة
الرواتب الحكومية يمكن أن تؤدي الى زيادة التضخم. وحين اجتمع جول مع
قيادات وشبان الاخوان المسلمين اكبر جماعة معارضة في مصر لاحظ جول
انضمامهم للتيار السياسي السائد تاركين وراءهم العقيدة.
ولدى سؤاله ان كانت الحرية قد تشجع القوى المتشددة أجاب جول "أنا
قلت لا تقلقوا بهذا الشأن. الديمقراطية تعيد تشكيل كل الحركات المتشددة.
أنا مقتنع بهذا فعلا."
وقال ان الثورة أعادت للمصريين كرامتهم. ويشترك الاخوان المسلمون
والليبراليون وغيرهم من المنتمين للتيارات الاخرى في طموحات كثيرة.
وقال جول "كلهم يقول.. تكفينا مصر ديمقراطية."
وقال جول للمجلس العسكري وكل من التقاه ان انتقال السلطة بنجاح
يتوقف على ما اذا كانت النتيجة سترضي الجيل الشاب الذي أنهى حكم مبارك
الشمولي الذي دام 30 عاما.
من جهته وصف وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو العلاقات
التركية- المصرية بأنها علاقات تاريخية، مؤكدا أن بلاده تطمح لأن تكون
مصر قوية. وأضاف أوغلو، في حوار مع صحيفة 'الشرق' القطرية بثته وكالة
الأنباء الأردنية 'بترا' بالتزامن مع الصحيفة 'إنه خلال عملية التحولات
قدمنا دعمنا الكامل لهذا التحول في مصر، وقررنا زيارة مصر للتشاور مع
رئيس المجلس الأعلى العسكري المشير محمد حسين طنطاوي لكي نتشارك معه
الخبرات والرؤى البناءة وكيفية إنجاح هذا التحول الحاصل'.
وأوضح أن زيارة الرئيس التركي عبد الله جول إلى مصر استهدفت تعزيز
العلاقات التاريخية بين مصر وتركيا وتعزيز التحول نحو الديمقراطية.
وأشار أوغلو إلى أن اللقاء مع المشير طنطاوي كان مثمرا جدا وقمنا
بالتباحث معه وتبادل وجهات النظر في كافة المجالات وبكيفية تحويل
السلطة إلى المدنيين، كما اجتمعنا مع قادة الكتل السياسية كافة
والمثقفين وقادة الشباب، موضحا أن الهدف من الزيارة هو إظهار التضامن
التركي مع مصر بعد الأحداث الأخيرة.
وتابع 'إننا أردنا أن نتباحث في كافة المواضيع ذات الاهتمام المشترك
في جو ودود وكيفية العمل سويا خلال هذه المرحلة الانتقالية هذه'، مؤكدا
حرص تركيا على تقوية مصر في هذا الوقت'، مشيرا في هذا الصدد إلى تأسيس
لجنة مشتركة للتعاون في مجال السياحة خلال الصيف لتعزيز دور السياحة في
مصر، كما قررنا العمل سوية للقيام بالمشاريع المشتركة مثل نقل السياح
من تركيا لمصر، وأقمنا لجنة ثانية للبحث في كيفية تطوير الاقتصاد
المصري خلال الفترة الانتقالية والدور الذي يمكن للشركات التركية أن
تلعبه في هذا المجال ونحو تعزيز وتطوير الاقتصاد المصري.
وقال 'التقينا أيضا خلال الزيارة مع ممثلي الإخوان المسلمين ومع
العديد من القادة السياسيين الآخرين من منطلق ضرورة الالتقاء مع جميع
الحركات السياسية التي ساهمت في هذا التحول دون أي تمييز بينهم'، مشيرا
إلى أن الإخوان المسلمين جزء من المجتمع المصري لذا لابد من عدم
إهمالهم'.
ووصف الزيارة بأنها كانت مثمرة جدا وقال 'نحن فخورون بالعلاقات
الجيدة بين تركيا ومصر وفخورون بالنجاح الذي تحقق على يد الشعب المصري
في التغيير وسنستمر في دعم هذا التحول الحاصل في مصر'.
ونفى وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو وجود أي توجه لدى تركيا
لتصدير النموذج التركي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية قائلا 'إن هذه
التجربة التي قادها الحزب لتعزيز الديمقراطية وتنمية الاقتصاد التركي
هي تجربة فردية بحتة وأن الحزب لم يدع انه نموذج يحتذى.
وأضاف 'يبقى أن هذه تجربة تركية فردية بحتة، وإذا ما أراد الآخرون
من أحزاب أو جماعات أو حتى دول استقاء الدروس من هذه التجربة فعلى
الرحب والسعة، بناء على الإرادة السياسية الخاصة بهم'، غير أنه أوضح
أنه لن يكون هناك علاجات جاهزة للتطبيق لكل دولة.
وتابع قائلا ' إذا أرادوا الحصول على الخبرة فنحن جاهزون للمساعدة
والعون بناء على علاقات الأخوة وليس على أساس الأستاذ والمتلقي، فنحن
أخوة لكل الدول في المنطقة والإقليم وسنكون سعداء بتقديم العون'.
من ناحية أخرى، أكد وزير الخارجية التركي قلق بلاده من حدوث كارثة
إنسانية في ليبيا، وقال: 'إن الحكومة التركية تساند جميع تلك المطالب
الشعبية الطامحة إلى المزيد من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان
وتشاطر الجامعة العربية نفس المخاوف من الحرب التي تشنها قوات العقيد
معمر القذافي ضد المدنيين '، لكنه شدد على حرص تركيا ودول الجوار
العربي على أن يكون الانتقال للسلطة سلميا في الجماهيرية.
التغيير أو مواجهة الهزيمة
من جانب آخر قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ان عهدا
جديدا يجتاح الشرق الاوسط وان على الحكام العرب أن يتبنوا التغيير أو
المخاطرة بازاحتهم. ورفض مزاعم كثير من الحكام العرب بأن موجة
الانتفاضات الشعبية التي لم يسبق لها مثيل وأطاحت برئيسي تونس ومصر
وألهمت حشودا في كل من ليبيا واليمن والبحرين وسوريا من عمل "عناصر
أجنبية".
وقال داود اوغلو ان الشرق الاوسط يمر بحالة جيشان سياسي واجتماعي
مثل تلك التي هيمنت على شرق أوروبا في التسعينات وأطاحت بعدد من
الدكتاتوريات الشيوعية. وقال "تشهد المنطقة عهدا من التغيير مثلما حدث
في أوروبا الشرقية في أواخر التسعينات. بمجرد وجود طلب شعبي في منطقة
تتأثر كل دولة بتلك المطالب."
وقال الوزير التركي ان العالم يتغير وان الاجيال العربية الشابة "أرادت
مزيدا من الكرامة والرخاء الاقتصادي والديمقراطية. "والان ينبغي
للزعماء الحكماء في المنطقة قيادة هذه العملية وليس محاولة منعها. من
يحاولون منع هذا العملية سيواجهون مزيدا من المصاعب مثلما هو الحال في
ليبيا." ومضى يقول "هذا عهد جديد سيفرز كثيرا من التحديات وكثيرا من
الفرص وكثيرا من المخاطر."
وكان داود اوغلو يتحدث بعد يوم من تكثيف تحالف دولي في لندن الضغط
على الزعيم الليبي معمر القذافي للتخلي عن السلطة وقراره مواصلة العمل
العسكري ضد قوات القذافي الى أن يمتثل لقرار للامم المتحدة.
وردا على سؤال بشأن اتهامات سورية بأن "عناصر أجنبية" تقف وراء
أسبوعين من الاحتجاجات المناهضة للحكومة قال داود اوغلو "ليس لدينا أي
دليل. في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن.. في كل تلك الدول
كانت بداية أصيلة."
وقال ان محمود بوعزيزي بائع الخضراوات التونسي الذي اشعل النار في
نفسه في احتجاج بعدما صفعته ضابطة شرطة على وجهه وأهانته كان " تونسيا
عاديا".
وأضاف "اذا اعتقدنا أن تلك الامور تقودها عناصر أجنبية فهذا يعني
عندئذ أننا نعتقد أنه لا يمكن للافراد العرب أو المجتمعات العربية
المطالبة بالتغيير أو فعل شيء كهذا.
"يريد عرب عاديون.. شبان عرب.. رجال ونساء مزيدا من الكرامة والحرية
والمشاركة في الحياة السياسية. أعتقد أن المطالب بالتغيير أصيلة."
وتابع يقول "ينبغي أن نفهم تلك الاصوات في ميدان التحرير.. وفي تونس
وفي المناطق الاخرى. عندئذ يمكننا الاستعداد للمستقبل."
وأدلى داود اوغلو بتصريحاته قبيل القاء الرئيس السوري بشار الاسد
كلمة أمام البرلمان هي الاولى له منذ بدأت الاحتجاجات قال فيها ان
الاحتجاجات نتيجة "لمؤامرة كبيرة خيوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة
ولها بعض الخيوط داخل الوطن".
وقال داود اوغلو ان بلاده أجرت مشاورات عديدة مع سوريا مع تنامي
التحدي لحكم الاسد الذي بدأ قبل 11 عاما. وقال "نحن ندعم الاصلاحات
والتحول الى الديمقراطية لكن ينبغي أن يكون تحولا سلميا وليس من خلال
العنف والهجمات ضد المدنيين أو من خلال محاولة الابقاء على الوضع
الراهن أو زعزعة الاستقرار." ويتطلع داود اوغلو الى عهد جديد في ليبيا
بمجرد اقناع القذافي بأن عصره قد ولى.
وقال "طول أمد الوضع الراهن المتمثل في التوتر الاهلي أو انقسام
ليبيا.. خيارات غير جيدة. وينبغي للقذافي أن يدرك هذا أيضا. "ينبغي أن
يكون هناك عهد جديد في ليبيا يقوم على طموحات الشعب."
لكن ينبغي أولا للمجتمع الدولي الذي يستخدم القوة العسكرية لحلف
شمال الاطلسي أن يوقف الهجمات على المدنيين وينجز وقفا لاطلاق النار
ويمضي بالتوازي مع ذلك في عملية سياسية حتى يتسنى للشعب تقرير مستقبله.
ووصف داود اوغلو الوضع في اليمن بأنه "حرج للغاية".
ولم يجب الوزير التركي مباشرة على سؤال بشأن ما اذا كانت بلاده تؤيد
اقتراحا أمريكيا بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح وذهابه الى المنفى مع
أسرته وقال ان الهدف الرئيسي هو الحفاظ على وحدة اليمن وتجنب نشوب صراع
طائفي.
"في هذا السياق كانت هناك مثل هذه العملية في اليمن من أجل التغيير
السياسي. توجد قوة دافعة ونحن نؤيد ذلك التغيير." وشاركت تركيا في جهود
دبلوماسية مكثفة لتهدئة التوترات المتأججة في البحرين.
وقال داود اوغلو انه سيزور البحرين الاسبوع القادم لمشاهدة الوضع
على الارض وتشجيع الاصلاحات بعدما تحدث مع وزراء من البحرين والسعودية
والامارات وايران لتهدئة التوتر. وقال "تصاعد التوتر في البحرين ربما
يسبب تصعيدا للتوتر في الخليج."
لن نظل صامتين وعلى الأسد الاستماع
بينما وجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أكبر حليف للرئيس
السوري بشار الأسد، دعوة له بضرورة الاستماع إلى مطالب شعبه، أكدت
مصادر سورية أن الرئيس الأسد التقى ولي عهد قطر الشيخ تميم بن حمد بن
خليفة آل ثاني الذي وصل إلى دمشق مبعوثا من والده أمير قطر الشيخ حمد
بن خليفة، وبحسب البيان فإن اللقاء دام قرابة ساعتين، غادر بعدها الشيخ
تميم دمشق ولم تصدر أي تفاصيل أخرى في دمشق عن هذا الاجتماع.
وفي السياق ذاته كان الرئيس الأسد تلقى اتصالا هاتفيا من أمير دولة
الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، أعرب خلاله الأمير الصباح عن دعم
الكويت لسورية في وجه ما تتعرض له من محاولات لزعزعة أمنها، حسبما نقلت
وكالة الأنباء السورية الرسمية، واتصالا هاتفيا من أمير دولة قطر حمد
بن خليفة آل ثاني، والرئيس العراقي جلال طالباني وملك البحرين، أعربوا
خلاله عن وقوفهم إلى جانب سورية.
إلى ذلك أشار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى أن الرئيس
السوري بشار الأسد لم يرد عليه بـ"سلبية" عندما حثه على الاستماع إلى
شعب سورية، وذلك في مكالمتين هاتفيتين على مدى الأيام الثلاثة الأخيرة.
وقال أردوغان في مطار أنقرة قبل أن يتوجه في زيارة للعراق، بأنه
اقترح على الأسد أن يلبي مطالب آلاف السوريين الذين شاركوا في مظاهرات
تنادي بالديمقراطية في أنحاء مختلفة بسورية. ونقل أردوغان عن الأسد
قوله "إنهم يعملون على رفع حالة الطوارئ لتلبية المطالب. ويعملون من
أجل تشكيل أحزاب سياسية"، وأعرب أردوغان عن أمله في أن "تنفذ هذه
الإجراءات بالفعل وألا تظل وعودا"، وأضاف "لم نتلق ردا سلبيا عندما
حثثنا الأسد على الاستماع إلى صوت الناس. أتمنى أن يعلن الأمر اليوم أو
غدا".
وقال أردوغان "من المستحيل بالنسبة إلينا أن نظل صامتين في مواجهة
هذه الأحداث (...) لدينا حدود بطول 800 كيلومتر مع سورية". وأعرب
أردوغان عن أمله في ألا يتحول الوضع في سورية إلى ثورة "على غرار ما
يحصل في ليبيا، مما قد يفاقم مخاوفنا" وذلك بحسب ما نشرته صحيفة "الشرق
الاوسط" اللندنية.
وإثر سؤال حول رد فعل الرئيس السوري على نصائح أردوغان، قال الأخير
"لم يرفضها، وأكد أنهم يعملون على رفع قانون الطوارئ" الساري في البلاد
منذ نحو 50 عاما في سورية.
وأضاف أن رئيس جهاز الاستخبارات التركية توجه إلى دمشق لإجراء
محادثات مع المسؤولين السوريين. وتقيم تركيا وسورية منذ سنوات علاقات
دبلوماسية واقتصادية وثيقة رغم أنها شهدت توترا في السابق، ويتبادل
مسؤولو البلدين الزيارات بانتظام. وتشهد سورية منذ أسبوعين احتجاجات
غير مسبوقة ضد النظام، ولا سيما في درعا جنوب البلاد. |