الروح الوطنية الاصلاحية مصدر الاحتجاجات الجماهيرية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يخبرنا التأريخ البشري البعيد والمنظور منه، أن الثورات والهزّات الجماهيرية الكبرى التي حدثت في العالم، غالبا ما يقف وراءها ثوار فقراء، وصلت بهم الامور الى الحد الذي لا يسمح بمواصلة الصمت، أو التحمّل، أو الصبر على انتهاكات السلطان لكرامة الانسان، وحياته، وحرياته، ومع تطور الوعي لدى عامة الناس، تتطور المطالب والحاجات، فلا تنحصر بالمأكل، والملبس، والسكن، والحاجات المادية الاخرى، بل ترتفع هذه الحاجات، الى حفظ كرامة الانسان، واحترام خياراته، وهو ما يحدث تحديدا في منطقة الشرق الاوسط راهنا، حيث الروح الاصلاحية تتصدر الحاجات كافة.

ولم يعد الفقير يقبل برفع مستواه المعيشي حصرا، ولم يعد العاطل عن العمل قانعا بتوفير فرصة العمل فقط، بل تجاوزت حاجات الجماهير، طابعها المادي، لتقفز الى المطالبة بتحقيق الحاجات الاعتبارية، التي تعيد الكرامة للناس، الذين أمتهنت كرامتهم، وتعيد لهم حرياتهم، وحقوقهم التي سُلبت منهم، بأيدي الحكومات الفردية المتجبرة.

لذا ما يقف وراء الانتفاضات الشعبية الحالية، هي روح ثورية اصلاحية وطنية، آمنت بأن مجاراة السلطات القمعية، لم تعد هي السبيل نحو حياة تليق بهم.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي، في توجيهاته التي صدرت بخصوص الانتفاضات والاحتجاجات الحالية: (إن هذه الاحتجاجات العارمة إنما تنم عن روحٍ وطنية وإصلاحية وتدعو للتغيير الجذري وهذا حق إنساني مشروع).

ولم تعد الجماهير غائبة في بطون السبات، والخنوع، والقبول بما تمليه الحكومات عليهم، بل اصبحت الجماهير تعي حقوقها، وتعرف ماذا تريد، وما الذي ينبغي أن تقوم به الحكومة تجاه مواطنيها وشعوبها، فعالم اليوم هو عالم الحرية، واحترام الرأي، وحرية التعبير، والتنوّع، والتشارك، ونبذ العنف، وهذه حقوق مكفولة للشعوب والامم، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله في هذا الصدد:

(من الحق الشرعي والقانوني أيضا حرية التعبير عن الرأي واستخدام أي وسيلة إعلامية من وسائل الاتصال, كما أن من مصاديق حرية التعبير؛ تأسيس الجمعيات والتنظيمات والأحزاب المخلصة وإقامة المؤتمرات والندوات وغيرها.. ومتى صودر هذا الحقُ معناه الانزلاق إلى هاوية الدكتاتورية والاستبداد. وامتلاء السجون بالأبرياء).

ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلا بهذا الخصوص: (ومن مطاليب هذه الشعوب اطلاق الحريات في مختلف المجالات ضمن الإطار الشرعي.. وهذا مطلب حيوي يشمل كل مجالات الإعمار والتربية والزراعة والحضر والسفر والتجارة والسياسة والاقتصاد).

ولابد من التأكيد هنا على أن أساليب العنف، والتقتيل العشوائي، لم تعد قادرة على كبح مطالب الجماهير، وسعيها الحثيث لتحصيلها، بل على الحكومات القمعية كافة، وقادتها المستبدين، أن يفهموا تماما، ويقتنعوا بأن أساليب الردع القسرية المتوحشة، لم تعد قادرة على إيقاف الاعصار الشعبي الراهن الذي زلزل عروش الطغاة، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص:

(إن استخدام وسائل العنف وإطلاق الرصاص الحي على المحتجين الأبرياء موقف غير مقبول ويزيد الجماهير تصميماً وإصراراً للمضي في طريق التغيير).

وعندما يجري الحديث عن الاسباب، التي دفعت بالجماهير الى الانتفاض، هو امتلاكها لروح وطنية خالصة، تهدف الى الاصلاح، وترفض التجاوزات الحكومية، مهما كان نوعها او حجمها، لاسيما تلك التي تتعلق بقضايا الفساد، والاستئثار، والاستحواذ على الاموال العامة، وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: (ان الفساد الإداري والاستئثار بأموال الناس وإيداعها في حسابات خاصة في البنوك الأجنبية أدى إلى المزيد من الحرمان والبطالة والتخلف والمرض والجهل وسوء الخدمات مما عمق جراح المظلومين والمسحوقين من أبناء هذه الشعوب وجر عليها أنواع المآسي والمحن).

وهذا هو ديدن الحكام الطغاة، والحكومات القمعية، التي لا تقرّ بمصالح الشعب، ولا تهتم إلا بمصالحها، وبما يحمي عروشها ومناصبها، لكن شعوب الشرق الاوسط، وخاصة العربية منها، لم تعد مثلما كانت بالامس، إنها اليوم عرفت حقوقها، وعرفت حجم التجاوزات الحكومية الكبيرة التي وقعت عليها، لذلك لن يستقر الحال في هذه الدول، ما لم تتغير الحكومات، واساليب الحكم، وتأسيس انظمة تحررية، تهتم بشعوبها، قبل اهتمامها بمصالحها، ومنافع قادتها وحكامها.

وفي هذا الصدد يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، قائلا في توجيهاته للجماهير والساسة والمعنيين عموما: (نؤكد حقيقة ثابتة أن لا استقرار لبلادنا إلا بالتعددية السياسية والمؤسسات والانتخابات الحرة النزيهة - وأمرهم شورى بينهم- دون أدنى استئثار وحرص، فضلاً عن عدم قمع صوت المعارضة وان حركات الاحتجاج إنما تستنكر الاستئثار السياسي وهيمنة الحزب الواحد الذي أدى بواقع الحكومات إلى التخلف والاستبداد التي هي أم كل فساد وجهل وتخلف).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/آذار/2011 - 24/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م