
شبكة النبأ: يرى اغلب المتابعين
لأحداث اليمن ان في اطالة امد الازمة خطر يهدد نسيج ومقومات تلك الدولة
المضطربة، فيما يلقي المحتجون على صالح مسؤولية ما حدث وسوف يحدث مع
استمرار تشبثه في السلطة، في الوقت الذي لم تتضح اي رؤية جديدة تؤمن
نقل السلطة بحسب ما يصر عليه الرئيس اليمني في مواقفة.
ومع انقسام الراي العام حول كيفية والية تنحي صالح، بات الاخير
يستغل هذا الانقسام لصالحه، كما يرى اغلب المحللين، وهو ما قد يكون
خطرا عليه شخصيا في حال تقطعت السبل في اقناعه على التنحي سليما.
تعثر مفاوضات انتقال السلطة
فقد تعثرت المحادثات اليمنية بشأن انتقال السلطة من الرئيس علي عبد
الله صالح في اطار لعبة لرفع سقف المراهنات لكن مصادر قريبة من
المفاوضات قالت ان التوصل الى اتفاق مازال ممكنا.
وتعهد صالح الذي تبدلت مواقفه أكثر من مرة بين النهج التصالحي
والتحدي بألا يقدم اي تنازلات أخرى للمعارضة التي تطالب بتنحيه بعد 32
سنة من الحكم الفردي لهذا البلد الفقير.
وفي اشارة الى أن العملية السياسية لنقل السلطة التي جرت بين شد
وجذب قد لا تكون ماتت تماما أوصى حزب المؤتمر الشعبي الحاكم في اليمن
بتشكيل حكومة جديدة لصياغة دستور جديد يستند الى نظام برلماني بما يتسق
مع عروض بالاصلاح قدمها صالح من قبل.
لكن العنف استمر في تعطيل العملية السياسية. ووقع انفجار في مصنع
للذخيرة بجنوب البلاد حين حاول سكان سرقة الذخيرة بعد يوم من وقوع
اشتباكات بين متشددين والجيش في بلدة جعار.
وقال أطباء في مستشفى حكومي في البلدة ان عدد قتلى الانفجار في مصنع
الذخيرة بجنوب اليمن ارتفع الى ما بين 50 و55 قتيلا. بحسب رويترز.
وقال صالح الذي اجتاز حربا اهلية ويخوض مواجهات مع متشددين ونجا من
محاولات اغتيال ان اليمن سينقسم عبر خطوط اقليمية وقبلية اذا تنحى بشكل
فوري.
وعقد صالح الذي يتعرض لضغوط من عشرات الالوف من اليمنيين المحتجين
في الشوارع للمطالبة برحيله بعد 32 عاما في السلطة اجتماعا لحزبه يوم
الاحد كرر فيه رفضه تقديم المزيد من التنازلات للمعارضة التي قال ان
مطالبها لا تنتهي.
وأضاف مخاطبا الحزب الحاكم "كلما جاءت مطالبهم ولبيناها ارتفع سقف
المطالب مرة أخرى. ونحن عندما نلبي هذه المطالب.. ليس من ضعف.. وانما
لتجنب اقلاق أمن الوطن واراقة الدماء وازهاق الانفس." وشدد على أنه لن
يقدم المزيد من التنازلات بعد الان.
وقال متحدث باسم تحالف المعارضة الرئيسي في اليمن أن المحادثات
توقفت وهو تطور سيزيد في حالة استمراره المخاوف من أن تتحول العملية
السياسية الى عنف بين وحدات عسكرية متصارعة.
وقال زعيم من المعارضة طلب عدم نشر اسمه "نحن على طريق استكمال
الاتفاق لكن الرئيس يحاول تحسين شروط التفاوض خاصة فيما يتعلق بأولاده
وأقاربه."
وذكرت مصادر سياسية يمنية ان الاتفاق سيقضي على الارجح باستقالة
صالح واللواء علي محسن الذي دفع بقوات لحماية المحتجين.
كما سيتنحى عن مناصبهم أيضا أبناء الرئيس اليمني وأقاربه لكن
الحكومة تريد الحصول على ضمانات حتى لا تتم ملاحقتهم قانونيا. ولم يتضح
ما اذا كانوا سيمكثون في اليمن لكن هذا وارد.
وقال مصدر للمعارضة انه من المتوقع ان يسلم صالح السلطة الى نائب
الرئيس تمشيا مع الدستور. وذكر مسؤول من المعارضة ان نائب الرئيس
الحالي لا يريد المنصب وسيتم على الارجح اختيار شخص اخر.
وستتشكل حكومة جديدة تعدل الدستور وتسن القوانين الخاصة بالانتخابات
البرلمانية والرئاسية. ومن المرجح ان تتحرك عملية نقل السلطة بأسرع مما
كان صالح يتحدث عنه بحيث تتم قبل نهاية العام.
وفيما يشير الى استمرار الاضطرابات قال سكان ان محتجين غاضبين
اضرموا النار في مكتب تابع لاحد البنوك في مدينة المكلا بعد أن هاجمت
قوات الامن جنازة رجل قتل في احتجاجات سابقة واصابت ثلاثة من المشيعين.
اشتباك بين الجيش ومتشددين
من جهة اخرى اشتبك متشددون مع الجيش اليمني في بلدة جنوبية فيما
يغذي المخاوف الغربية من امكانية انزلاق البلاد الى فوضى يستفيد منها
تنظيم القاعدة في حالة ارغام الرئيس صالح على الرحيل.
وحاول الجيش طرد ائتلاف من الاسلاميين من جعار في محافظة أبين بعدما
سيطروا على مبان وانسحبت قوات الامن فيما يبدو من البلدة التي يقطنها
مئات الالاف. وقتل جندي وحلقت طائرات فوق البلدة لكن لم يتبين ما اذا
كانت صنعاء استعادت السيطرة.
وينظر الى أبين على أنها معقل لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وهو
الجناح اليمني من التنظيم الذي تخشى الدول الغربية والسعودية المجاورة
من امكانية أن يستغل أي فراغ في السلطة اذا تنحى صالح فورا.
وقتل خمسة جنود في كمين في بلدة لودر الواقعة بمحافظة أبين. وأنحت
الحكومة باللائمة في هذا الحادث على متشددي القاعدة. وأطلق متشددون
صواريخ على مبان حكومية في زنجبار.
وأعلنت القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليتها عن محاولة فاشلة في أواخر
2009 لتفجير طائرة كانت متوجهة الى ديترويت وعن طرود ملغومة كانت مرسلة
الى الولايات المتحدة في أكتوبر تشرين الاول 2010.
ومع ضعف سيطرة الحكومة المركزية اعتمدت حكومة صالح على حلفاء قبليين
للحفاظ على النظام لكنها واجهت في السنوات الاخيرة حركات تمرد من
الشيعة الزيديين في الشمال وحركة انفصالية تأمل في عودة دولة اليمن
الجنوبي الذي اتحد مع الشمال في ظل حكم صالح في عام 1990.
وأدى العنف الى انشقاق شخصيات عديدة منهم قادة عسكريون مثل اللواء
علي محسن وسفراء ونواب بالبرلمان ومحافظون وزعماء قبليون البعض منهم من
قبيلة صالح.
وتساند واشنطن والسعودية صالح باعتباره رجلهم لمنع توسيع القاعدة
لموطئ قدمها في بلد يقول كثير من المحللين السياسيين انه على وشك
الانهيار.
وقتل أكثر من 80 شخصا منذ بدء احتجاجات اليمن في يناير كانون الثاني
مستوحاة من ثورة شعبية في كل من تونس ومصر للمطالبة برحيل صالح.
دستور جديد
الى ذلك أفادت وسائل الاعلام الحكومية أن الحزب الحاكم في اليمن
أوصى بتشكيل حكومة جديدة لصياغة دستور جديد يستند الى نظام برلماني بما
يتسق مع عروض بالاصلاح قدمها الرئيس علي عبد الله صالح.
وأفاد موقع وزارة الدفاع اليمنية على الانترنت بأن أعضاء اللجنة
المركزية لحزب المؤتمر الشعبي يشددون على الحاجة الملحة لتشكيل حكومة
مكلفة بصياغة دستور جديد للبلاد على أساس نظام برلماني.
وقال مصدر حزبي ان اللجنة المركزية للحزب التي تضم ألوف الاعضاء
طلبت من صالح البقاء في السلطة حتى عام 2013 عندما تنتهي ولايته. وكان
احد اوائل التنازلات التي قدمها صالح عندما بدأت الاحتجاجات في فبراير
شباط هي قوله انه لن يسعى لولاية جديدة بعد ذلك الموعد.
اللواء علي محسن
في سياق متصل ذكرت برقيات دبلوماسية امريكية نشرها موقع ويكيليكس
على الانترنت ان اللواء علي محسن الذي يدعم المحتجين المؤيدين
للديمقراطية في اليمن هو مثل الرئيس علي عبد الله صالح يتسم بالدهاء
وله قدرة على البقاء ومارس السلطة من أجل فائدته الشخصية.
واللواء علي محسن شخصية قوية مقربة من صالح وأعلن تأييده للحركة
الديمقراطية الاسبوع الماضي وأرسل قوات لحماية المحتجين في العاصمة
صنعاء حيث تجمعوا بعشرات الالاف للضغط على صالح ليتخلى عن السلطة بعد
32 عاما.
غير ان توماس كرايسكي الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في صنعاء رسم
في عام 2005 صورة في برقيات دبلوماسية لقائد عسكري شديد القسوة
والصرامة من المرجح ان يدعم أجندة سياسية اسلامية راديكالية ولا يحظى
بتأييد شعبي يذكر.
وكتب كرايسكي في برقية حصلت رويترز على نسخة منها "يذكر اسم علي
محسن بصوت خافت بين معظم اليمنيين ونادرا ما يظهر علانية." وأضاف "ينظر
الى علي محسن ... بصفة عامة على انه ثاني أقوى رجل في اليمن. الذين
يعرفونه يقولون انه شخصية جذابة واجتماعية."
وقالت البرقية في اشارة الى دور محسن في حكم اليمن "بقبضة حديدية"
انه يسيطر على نصف الجيش اليمني على الاقل. ورغم الاراء القوية
والتفصيلية فان اجزاء اخرى من البرقية احتوت على معلومات رئيسية غير
دقيقة مثل سن محسن والمنطقة التي يتولى قيادتها.
وتعتمد الولايات المتحدة والسعودية منذ فترة طويلة على صالح في
محاولة منع القاعدة من استخدام اليمن قاعدة للتامر على شن هجمات على
البلدين. ويسود انقسام شديد اليمن وكان على وشك ان يصبح دولة فاشلة قبل
اندلاع الاحتجاجات في يناير كانون الثاني بالهام من الانتفاضات في تونس
ومصر.
وبعد انشقاق محسن يوم 21 مارس اذار رد صالح بتوجيه تحذير من "
انقلاب" يقود الى حرب أهلية وعزز حراسته الشخصية خوفا من محاولة
اغتياله.
وبعد ايام قال محسن بأنه ليس لديه رغبة في ان يمضي بقية حياته في
السلطة وانه يريد ان يمضي بقية حياته في هدوء وسلام واسترخاء بعيدا عن
مشاكل السياسة ومقتضيات الوظيفة.
اسوأ السيناريوهات وافضلها
الى ذلك تعرض استاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند والجامعة
الاميركية في القاهرة شيلا كاربيكو في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"
الاميركية على موقعها في الانترنت اسوأ السيناريوهات المتوقعة بالنسبة
الى اليمن وافضلها جراء ما يشهده هذا البلد العربي من احتجاجات مطالبة
بتغيير نظام الحكم الحالي هناك. وكتبت الاستاذة كاربيكو: "بينما لا
تزال اشياء كثيرة غير معروفة عن مآل الازمة السياسية الحالية في اليمن،
ثمة شيء واضح: ان التطورات تتحرك بسرعة كبيرة وبصورة معقدة لا يمكن
معها لأحد التنبؤ بالمنعطف التالي، ناهيك عن النتيجة النهائية. غير ان
من الممكن، بناءً على الاحداث الاخيرة، النظر في اسوأ سيناريوهات متسمة
بالعنف او الفوضى، وافضل سيناريوهات قائمة على اساس عقد اجتماعي جديد
يؤشر الى مستقبل اكثر ديموقراطية.
وعلى الاقل منذ ان استعاد الرئيس علي عبد الله صالح الوحدة خلال حرب
اهلية قصيرة في 1994، ترنح اليمن تحت وطأة اعباء كريهة من الفقر
وانعدام المساواة والفساد والمحسوبية وتقييد الحريات السياسية وتآكل
الاستثمار الاقتصادي وخراب الوضع البيئي. وقد عمد الرئيس الموجود في
السلطة منذ اوائل العام 1979 في اليمن الشمالي والمصمم في ما يبدو
مصمماً على البقاء في الحكم مدى الحياة، والذي يعد ابنه المفضل احمد
علي صالح ليكون خليفته، ويحتفظ باحتكار للمقاعد لحزبه الحاكم، المؤتمر
الشعبي العام في برلمان يزداد عقماً، الى تعطيل عملية انتخابية تنافسية
متعددة الاحزاب وناجحة.
واما الجنوبيون الذين يعيشون في ما كان يعرف باسم جمهورية اليمن
الديموقراطية الشعبية قبل 1990، فانهم يقومون بعد فشل محاولتهم
الانفصالية في 1994 بالاحتجاج منذ سنوات على الحرمان المادي والقمع
العسكري. وكان السخط يغلي تحت السطح في الشمال السابق حيث يحكم علي عبد
الله صالح منذ 1978 ايضاً. وكافح نظام الحكم ضد التمرد الحوثي المحلي
في محافظة صعدة، وهو تمرد موحى به من ايران. واعتبر كل من الحراك
الجنوبي والتمرد الليبي مظالمه منفصلة عن مظالم بقية البلاد، وقد صورهم
نظام الحكم بنجاح كمعزولين ومرتدين نحو جمهورية اليمن الديموقراطية
الشعبية والإمامة الزيدية، على الترتيب، قائلاً انهم يهددون وحدة
الجمهورية. ولكن المواطنين في كل انحاء البلاد كانوا ساخطين، ومحبطين
وبائسين.
والهمت الثورتان اللتان اطاحتا بالدكتاتورين التونسي والمصري في
اوائل 2011 اليمنيين. وقد تدفق الى الميادين العامة اناس معظمهم من
الشبان متجاوزين ائتلاف المعارضة الرسمي المسمى احزاب اللقاء المشترك.
وبالرغم من انهم لم يتمكنوا، بعكس ما كان ممكناً في تونس ومصر والبحرين،
من التجمع باعداد كبيرة يمكن تصويرها في منطقة مركزية واحدة في العاصمة،
فقد شكلوا انفسهم في نحو ست من المدن الكبرى وعدد من البلدات الصغيرة
كحركة وطنية مؤيدة للديموقراطية. وهتفوا بالشعار التونسي "ارحل"
و"الشعب يريد اسقاط النظام" مطالبين برحيل الرئيس ونظام حكمه باكمله.
وفي تهكم على الهجمات العنيفة التي شنها متظاهرون موالون للنظام هتفوا
قائلين "النظام يريد اسقاط الشعب".
وعلى الرغم من الوعود الخاوية للرئيس صالح بانتقال السلطة عن طريق
الانتخابات في العام 2013، فان المظاهرات لم تتوقف بل انها انتشرت
وتوسعت. وقد استقال عدد من اعضاء البرلمان وحزب المؤتمر الشعبي العام
الحاكم والحكومة تضامنا مع "الشباب". كما ان عددا من كبار شيوخ قبيلة
الرئيس نفسه، قبيلة حاشد، اعلنوا عن تعاطفهم مع الثوار.
ويوم الجمعة الثامن عشر من الشهر الحالي اصدر احدهم الاوامر في نوبة
غضب او ذعر الى القناصين لاطلاق النار على المتظاهرين قرب جامعة صنعاء.
وفي اليوم التالي كان هناك خمسون على الاقل قتلى، واخرون مصابون اصابات
بالغة. ولم يلبث 150 ألفا ان بدأوا مسيرة وفي نفوسهم مشاعر من الغضب
والاسى، في اكبر يوم غضب شهدته في صنعاء حتى الان.
واعلن كبار الدبلوماسيين والوزراء واعضاء الحزب الحاكم والخدمة
المدنية استقالاتهم بصورة جماعية. واكثر عمليات الانشقاق تأثيرا كانت
بين افراد الجيش، الذي ظل لفترة طويلة القاعدة الرئيسة التي يعتمد
عليها صالح. واشدها قسوة بالنسبة الى الرئيس صالح اعلان اللواء علي
محسن (الاحمر)، زميل النظام والقائد الذي قام بحملة العام 1994 وسحق من
دون رحمة حركات التحرر في اليمن الجنوبي وفي الحرب ضد الحوثيين،
انضمامه الى المتظاهرين. وفي اعلانه القيام بثورة عسكرية جزئيا، امر
وحدات دباباته بحماية المتظاهرين حتى في الوقت الذين اعدت فيه قوات
الحرس الجمهوري بقيادة احمد صالح نفسها واتخذت مواقع لها حول مجمع
الرئاسة الضخم. وما يخشاه الاصلاحيون هو ان يتخفى الذئب في ملابس الحمل.
فما هي السناريوات المحتملة للايام، او الاسابيع، او الاشهر المقبلة؟
يتردد منها القليل، ومعظمها كارثي. ويستطيع المتمردون الاشتباك مع
الحرس الجمهوري المجهز باسلحة اميركية ويقودها احمد علي صالح والقوات
الاخرى التي يراسها اعضاء من عائلة صالح. كما ان انتصار علي محسن يرقى
الى مرتبة الانقلاب العسكري على أيدي دكتاتور جديد لا يقل شعبية عن
الرئيس صالح او ابنه. اما وقوع معركة مطولة فقد تؤدي الى تدمير البلاد
او انهيار الدولة. اذ يمكن لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة
ان تعلن سيادتها مرة خرى. كما ان بامكان التطلعات الاقليمية او القبلية
الاخرى للحصول على حكم ذاتي ان تبرز على السطح. وقد تتكرر اوضاع
الصومال، او الحال في ليبيا، اذ يمكن للثوار الاستيلاء على بعض الاراضي
فيما يعمد النظام القديم الى افراز غضبه على السكان في تلك المناطق.
ويستحيل التكهن بنتائج قتال النهائية، فيما عدا وقوع المزيد من سفك
الدماء.
ويمكن لاي من هذه النتائج ان تحول احلام اليمنيين بالحرية الى
كوابيس من الطغيان و/أو الفوضى. وسيصاب اصلاحيون اخرون في العالم
العربي الذين يسعون وراء التحرير بخيبة أمل. كما ان اعمال القتال او
الفوضى في اليمن يمكن ان تهدد بالتالي الاستقرار في المملكة العربية
السعودية المجاورة، وان تشجع الجهاديين المتطرفين في شبه الجزيرة،
وبالتالي تعرض للخطر مصالح الولايات المتحدة.
غير انه ليس هناك ما يدعو لان تنقلب الامور الى الاسوأ في اليمن
وجيرانها واميركا. فما هي البدائل؟ يبدو ان افضل سياريو هو ان يسير
صالح على هدي بن علي ومبارك وليس القذافي. فاذا هو استقال على الفور،
فانه يمكن نقل السلطة الى حكومة انتقالية مدنية تكنوقراطية. ويمكن
تنظيم انتخابات نيابية ورئاسية جديدة خلال أشهر. ويمكن لعملية الانتقال
ان تكون ايسر بطريقة او باخرى من تجربة مصر، لان هناك احزابا محلية
منظمة ومشروعة في اليمن. ويمكن اعادة الحياة الى العملية الانتخابية
المتعددة الاحزاب حيث انها عُطلت ولم تستأصل.
وقد يكون من المرغوب فيه تعديل الدستور، اذ ان صالح نفسه عرض اخيرا
ان يفعل ذلك عن طريق تنازلات ضئيلة، مثل ان يتولى النظام البرلماني
التحكم في ادارة البلاد بدلا من النظام الرئاسي. وخلافا لما هو عليه
الوضع في مصر، فان اليمن لا يحتاج الى تغيير الدستور قبل عقد
الانتخابات. فبدلا من تعديلات جزئية، يستطيع اليمنيون اعادة الدستور في
صيغة معاصرة للحوار الوطني للقوى السياسية الذي عقد مؤتمرات جماعية
وورشات دراسية في انحاء البلاد في العام 1993 وفي اوائل العام 1994،
عرض بعدها مقترحات دستورية وتعاقدا اجتماعيا، اطلق على اهم بنوده ميثاق
الالتزام والاتفاق. ويمكن اعادة الحياة الى هذا المجهود الذي فشل في
القضاء على الحرب الاهلية العام 1994 بحيث يضم المحتجين المنتشرين في
الطرقات في اطار محادثات يمنية اصيلة حول الاصلاحات الضرورية والمساعدة
في رؤية الطريق الوطني نحو حكم مدني ديمقراطي وشفاف ومسؤول.
وهذا شأن طويل الامد، لكنه ممكن. انه افضل سيناريو بالنسبة الى
اليمنيين الغاضبين الذين يضعون حياتهم على المحك وان كانت تعتمل الامال
في نفوسهم، وبالنسبة الى الحركة المتهالكة والمؤيدة للديمقراطية،
وبالتالي بالنسبة الى اميركا. لقد انفقت الولايات المتحدة في
استراتيجيتها لمكافحة الارهاب خلال السنتين الماضيتين مئات الملايين من
الدولارات لدعم دكتاتورية عسكرية فاسدة تراجعت عن الاصلاحات وكممت
الصحافة وكتمت التطلعات الشعبية، ولجأت الى اعتقالات غير مشروعة بل
واعدامات.
ان دعم حالة راهنة غير قابلة للحياة اقتصاديا وسياسيا وبيئيا واثنيا
لا يجعل الاميركيين أكثر امنا او يُكسبهم القلوب والافئدة في شبه
الجزيرة العربية. ولكنها تضع الولايات المتحدة في الموقع الخطأ من
التاريخ، بل ويمكن ان يكون ذلك سببا في ارتياح اسوأ اعدائنا. وعلى
ادارة اوباما والحكومات الغربية الاخرى ان تعل توقفا فوريا للمعونة
العسكرية الى حكومة صالح، وان تبذل كل الضغوط الدبلوماسية الممكنة
لاقناع الرئيس صالح ان الوقت قد حان لكي يتخلى عن السلطة. |