هل تتجه ليبيا القذافي نحو التقسيم..؟

علي الأسدي

أعلنت الولايات المتحدة أن الأجواء الليبية مؤمنة تماما ضد أي طائرات ليبية قد تنطلق من أي مطار ليبي، كما أن قدرات قواعد الصورايخ الليبية قد عطلت تماما، وبذلك يكون الهدف الأول من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 قد تحقق على أرض الواقع.

 أما الهدف الثاني وهو حماية المدنيين فيجري تنفيذه من خلال ضرب قوافل المدرعات الحكومية المتحركة صوب المدن أو المحتشدة بالقرب منها، وقد جرى بالفعل تدمير الامدادات المحتشدة حول مدينة بنغازي، وبذلك جنبت سكانها عمليات ابادة كانت على وشك الوقوع. ورغم مرور أسبوع على عمليات فجر أوديسا سبوع أسبوع ألا تبدو في الأفق أي بادرة أمل لوقف نزيف الدم وهدر المال أيا كان وراءه، فما عدا أقاويل عن محاولات توسط لم تظهر بعد خطة جادة لوضع نهاية قريبة لأعمال عسكرية قد تتطور إلى حرب أهلية قبلية شرسة.

الجامعة العربية التي يعنيها الأمر قبل أي جهة أخرى وقفت متفرجة، ولم تتحرك للتوسط في رأب الشرخ الذي يزداد اتساعا وتعقيدا بين الشعب الليبي وحكومته. الكل يتذكر موقف الجامعة العربية في ظل رئيسها الحالي عمرو موسى، وكيف عارضت بشدة خطة التدخل العسكري ضد العراق التي كانت الاستعدادات لها تتصاعد قبل أن تتخذ طريقها للتنفيذ عام 2003. فلماذا عارضت التدخل العسكري في العراق، بينما قامت وقبل أن تبذل أي جهد لاحتواء الموقف المتوتر بين الحكومة والمعارضة بالطلب من مجلس الأمن الدولي لفرض منطقة حظر جوي يقوم بتنفيذها التحالف الغربي على الأجواء الليبية، مواقف متناقضة يصعب تفسيرها.

الأمم المتحدة هي الأخرى لم تتوسط لنزع فتيل الأزمة في حين كان عليها فتح قنوات اتصال مع الطرفين لتامين الوقف الفوري لاطلاق النار، تمهيدا لتقريب وجهات النظر المتباينة بينهما وتشجيعهما للجلوس معا على طاولة المفاوضات باشرافها. محاولة كهذه لو حصلت لكانت أنقذت حياة مئات المواطنين نساء وأطفالا بصرف النظر أن كانوا من المعارضة أو من أنصار النظام. لكن ما يجري على أرض الواقع هو تعزيز دور المعارضة المسلحة من جانب وإضعاف دور القوات الحكومية بتجريدها من وسائل الهجوم أو الدفاع عن المواقع التي تتواجد فيها في أنحاء البلاد. وتنفيذا لهذا الهدف تقوم فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بالدور الرئيس لعزل طرابلس والمدن الغربية القريبة منها عن مدينة بنغازي في الشرق. وقد قامت بالفعل ولليوم السادس على التوالي بقصف خطوط الامدادات العسكرية الحكومية المتجهة إلى بنغازي. وكان الأميرال مايكل نولن رئيس الأركان الأمريكي قد صرح، " بأنه بعد اقامة منطقة الحظر الجوي فلن يكون بامكان قوات القذافي في الغرب من مواصلة الدعم اللوجستي لقواته في بنغازي التي تفصلها عن بعضهما حوالي ألف كم ".

 تصريح الأميرال الأمريكي يثير التساؤلات عن مغزى عزل غرب ليبيا عن شرقها، ويدق ناقوس الخطر حول انهيار الدولة الليبية، بتفتيت وحدتها بين القبائل المكونة للمجتمع الليبي. فلا يمكن فهم العمليات العسكرية المكثفة والواسعة التي تقوم بها قوات التحالف تحت عنوان الحظر الجوي سوى من هذا المنظور، ولا يمكن اعتبارها مجرد عمليات لحماية المدنيين، فنظرة أشمل لما يجري على الأرض وفي الجو يتبين بوضوح الغرض هو ميلاد دولتين ليبيتين واحدة في الغرب وأخرى في الشرق. قد يكون التقسيم في الحالة الليبية الراهنة حلا وسطا من وجهة نظر التحالف الغربي، تحاول فرضه على الأقل في الأمد المتوسط. هذا اذا ما حاولت القيادة السياسية للتحالف الغربي الابقاء على القذافي وعدم اجباره على التنحي، حيث سيعزز هذا من اصرار المعارضة الليبية في الشرق على الانفصال واقامة كيانها المستقل عنه بأي ثمن.

فالتحالف الغربي الشاهد على الحالة التي تعيشها الصومال منذ ثلاثة عقود غير مستعد للتورط في حرب ليبية أهلية طويلة قد تتحول إلى نزاعات قبلية لا نهاية لها. وهذا ما عبرت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بالقول، " أنها تخشى من تحول ليبيا إلى دولة فاشلة، وأن تصبح نسخة مكبرة عن الصومال".

 العامل المعجل للسير في طريق التقسيم هو التشبث غير المعقول بالسلطة من جانب القذافي، فالرجل أعلن أنه سيقاتل حتى آخر قطرة من دمه ودماء شعب ليبيا. شعور القذافي هذا هو نفس شعور أسلافه الديكتاتوريين بدء من صدام حسين ومبارك وبن علي، واللاحقون مثل علي عبد الله صالح وبشار الأسد وملوك وأمراء السعودية والخليج، فتلك الزعامات تفرض وجودها على رأس دولها برغم رفض مجتمعاتها لها، وهي ظاهرة لسوء الحظ تحاط بتقدير وحماية الدول الغربية التي تسعى للاطاحة بديكتاتور ليبيا برغم تعارضها مع قيمها الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان.

 ينقل عن وزير الخارجية الاسترالي الأسبق، والرئيس الفخري لمجموعة الأزمات الدولية السيد غاريث ايفانز قوله: " إن السيادة ليست رخصة للقتل، ولا ينبغي لأي دولة أن تتخلى عن مسؤوليتها في حماية شعبها من الجرائم ضد الإنسانية، ناهيك عن تبرير ارتكاب مثل هذه الجرائم نفسها، فعندما تفشل دولة ما بشكل واضح في توفير هذه الحماية، فإن المجتمع الدولي يصبح مسؤولا عن توفيرها عن طريق اتخاذ تدابير «جماعية وحاسمة وفي وقتها المناسب» من خلال مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة."

واذا ما أزحنا سيناريو التقسيم المحزن جانبا، واذا ما تمعنا في التصريحات الأخيرة لمسئولين في وزارات الخارجية في كل من لندن وواشنطن وباريس، يحق للبعض المتفائل منا أن يتطلع إلى بصيص أمل، والى خيط ضوء في نهاية النفق. فقد صرح وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه لاذاعة (آر تي أل) قائلا " لا أتخيل بعد كل ما جرى وما يجر ي في العالم العربي أن نظاما يجسده شخص كالقذافي قادر على الاستمرار، ولكننا نريد أن يقرر الليبيون أنفسهم هذا الأمر". وقال: " أن المرحلة التالية ستكون مبادرة سلام، يجب التفكير الآن بإحلال السلام، بتوفير الشروط لحوار وطني بين المجلس الوطني الانتقالي وقوى سياسية أخرى ربما، هناك الكثير من السلطات التقليدية في ليبيا". وكان السيد دينيس ماكدوناو مساعد مستشار الأمن القومي الأمريكي قد أدلى لمراسل شبكة (إم. إس. إن بى. سى) الإخبارية برايه في ما يجري في ليبيا قائلا: " لا يفاجئني أن يكون بعض رجال القذافي قد حاولوا تحت الضغط الكثيف منه لإجراء اتصالات معنا سعيا وراء مخارج لأزمتهم الشديدة والمخيفة." لكن مسئولا في وزارة الخارجية الأمريكية قد أفصح عن بعض تفاصيل تلك الاتصالات، حيث قال: " أن وزارة الخارجية الأمريكية تلقت مرارا اتصالات حتى بداية الأسبوع من مسئولين ليبيين مثل وزير الخارجية موسى كوسا وعبد الله السنوسي صهر العقيد معمر القذافي وأحد رؤساء أجهزة الاستخبارات، وإن المحادثات تطرقت إلى احتجاز أربعة صحفيين "، كما جاء في صحيفة " نيويورك تايمز" الأمريكية يوم 23 آذار الجاري. لنتفاءل خيرا، فالشعب الليبي الشقيق جدير بالسلام والرخاء، وحان الوقت لينعم بثروات بلده الوفيرة التي بعثرت في العقود الأربعة الماضية دون تخطيط رشيد وارادة حكيمة، وهو قادر بقواه الوطنية الواعية أن يقود التحولات ويكرسها لخدمة كافة أبنائه دون تمييز.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/آذار/2011 - 23/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م