ليبيا والبحرين

الحرية للشعب والاندحار للنظام

جواد العطار

يبدو ان رياح التغيير التي تعصف بالبلدان العربية منذ اكثر من ثلاثة اشهر لن تستثني ايا من تلك الانظمة التي مضى عليها عقودا من الزمن، لا لشيء بل لان رؤوس هذه الانظمة لم تنصت يوما لمعاناة شعوبها او لصوت المطالب المشروعة؛ انما تحجرت وتسمرت في مناصبها بعيدا عن التفكير في التجاوب معها او حتى تلبيتها.

لكن ما يلفت الانتباه ويثير التساؤل هو المفارقات الكبيرة في التعاطي مع تحركات ومطالب الجماهير واختلافها؛ من بلد عربي لآخر؛ على صعيد المواقف. فمن قراءة بسيطة لما يحدث على الساحة العربية وبالذات ما يحدث الآن في ليبيا والبحرين، نلحظ من خلالها البون الشاسع في المواقف الاقليمية والعربية والدولية على صعيد ما يحدث لشعب هذين البلدين وردة الفعل تجاههما، واذا كانت اوجه الشبه تتلاقى في البلدين باربع:

1. الابتلاء بحكام استمروا في السلطة لاكثر من اربعة عقود، فرئيس وزراء البحرين خليفة بن سلمان؛ عم الملك؛ يعتبر اقدم رئيس وزراء في العالم مشابها للعقيد القذافي، الا ان الاخير تجاوز العقد الرابع بقليل.

2. التقارب الزمني في انطلاق التظاهرات ومصدر الدعوات التي جاءت عبر الفيسبوك، فالبحرين انطلقت تظاهراتها في 14 شباط الماضي، وتبعتها احتجاجات ليبيا في 16 من الشهر ذاته.

3. السلمية في التظاهر كان شعار كلا الشعبين، ورغم استمرار سلميتها في البحرين وعلى ذات النهج، الا انها انحرفت في ليبيا وتحولت الى ثورة شعبية مسلحة.

4. القسوة في التعامل والقمع والتنكيل من قبل السلطات البحرينية والليبية، كانت صورة واحدة ومشتركة لكبت المطالب وانهاء التظاهر والاحتجاج.

فمن الطبيعي ان يكون رد الفعل تجاهها بنفس القوة والسرعة والتأثير. لكن ما جرى يثير العديد من علامات الاستفهام... فالمواقف الدولية متباينة وردود الفعل الاقليمية متعاكسة. فالموقف الاقليمي الذي تمثله دول الجوار العربي خصوصا والبلدان العربية عموما، قاد تحركا سريعا برعاية وتنسيق من الجامعة العربية لنصرة الشعب الليبي، ودعوة المجتمع الدولي للتحرك العاجل، رغم تسلحه وسيطرته على اغلب المدن الشرقية. في حين عكس صمتا رهيبا تجاه الشعب البحريني الاعزل الذي تعرض وما زال يتعرض للقمع والقتل غير المبرر ولم يسيطر الا على ساحة او كما يسميه البحارنة دوارا للاعتصام السلمي فيه تعبيرا عن مطالبه، وحتى هذه الساحة حرمه النظام منها حينما سارع الى ازالتها حتى لا تصبح ساحة رمزية للشهداء الذين سقطوا فيها.

اما في الموقف الدولي فالتحركات التي قادها مجلس الامن الدولي ادت الى اصدار القرار 1973 في 18/3/2011 خلال ايام، والقاضي بتطبيق منطقة حظر طيران فوق الاراضي الليبية وتوجيه ضربات جوية وصاروخية لاهداف عسكرية منتقاة هدفها حماية المدنيين، في المقابل لم ينطق مجلس الامن او يجتمع لمناقشة القضية البحرينية مع استمرار تعرض المدنيين الى الخطر، كما لم تصدر اية دولة من التي تشارك قواتها في تطبيق الحظر على ليبيا وتنفيذ الضربات، اية مواقف ذات قيمة او حتى تصريح بشأن المدنيين البحرينين او سبل حمايتهم.

واذا كان كانت المواقف اعلاه قد جاءت متباينة على الصعيد الخارجي فانها جاءت متشابهة، الى حد بعيد، في البلدين على الصعيد الداخلي... حيث استخدم النظام الليبي القوة المفرطة في مواجهة الثورة المسلحة التي طالبت باسقاطه، وماثله النظام في البحرين باستخدام القوة المفرطة؛ في مواجهة التظاهرات السلمية والمتظاهرين العزل الذين لم تتجاوز مطالبهم دعاوى الاصلاح؛ بدلا من ان يتجه الى الحوار الذي اعلنه مواربة والذي رافقه باجراءات قسرية عنيفة ضد المتظاهرين في دوار اللؤلؤة، بل اتجه الى ابعد من ذلك حينما حاول تصدير الازمة الداخلية للخارج، وعلى مستويين:

الاول - دعوة دول مجلس التعاون للتدخل عسكريا لقمع المتظاهرين والذي طبقته القوات السعودية بشكل مباشر.

الثاني: التصعيد مع ايران ومحاولة خلق ازمة دبلوماسية معها لاضفاء الصبغة الطائفية على التظاهرات بهدف حرفها عن مسارها وخلق المبرر لاستمرار قمعها.

ان ما جرى في ليبيا يبدو انه يسير نحو الحسم مع تسلح الثوار والتدخل الخارجي، لكن المؤامرة التي يتعرض لها الشعب البحريني لن تحسم الموقف لا بالقمع والتنكيل ولا بالتدخل الخارجي، وستؤدي الى نتيجة واحدة لا تقبل النقاش او التضليل ان عاجلا ام آجلا، وهي حرية البحرين وتحقيق المطالب واندحار النظام... مهما حاول التغطية ومهما تعامل المجتمع الدولي والمحيط الاقليمي والعربي بمكاييل ومقاييس تخدمه وتطيل من عمره ومهما حاولت وسائل الاعلام العربية التعتيم، لان حرية الشعوب اليوم ريحا عاتية بدأت تعصف بالمنطقة... ولن تتوقف حتى تتحقق مطالبها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/آذار/2011 - 21/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م