الغرب وعواصف التغيير في الدول العربية

 

شبكة النبأ: اتسمت تصريحات الرئيس أوباما حول الأحداث الجارية في مصر وليبيا بشيء من البطء والإيجاز أحياناً بحيث كان من السهل عدم الانتباه للتحول الذي طرأ على استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

فيصف محرر موقع امريكا دوت غوف، في هذا التحليل حقيقة أن أوباما يراهن بدعمه موجة التغيير الكاسحة التي تجتاح العالم العربي – على الرغم من قلق حلفائه التقليديين كإسرائيل والمملكة العربية السعودية – على أن الحكومات الديموقراطية ستكون مستقرة وآمنة أكثر من الأنظمة السلطوية مما سيعزز بالتالي مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

والواقع أن غريزتي تقول لي بصفتي زائراً للعالم العربي منذ أكثر من 30 سنة إن أوباما على حق. لكن لو تذكرنا المخاطر الكامنة لتبين لنا أن من الضروري جداً معرفة كيف سيتخذ البيت الأبيض أحكامه وهل الاستخبارات الأمريكية تؤيد هذه الأحكام ومن ثم القرارات اللاحقة؟

لكن على الرغم من أن رد البيت الأبيض على الأحداث العاصفة الراهنة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا يبدو غريباً أحياناً، يمكن القول إن السياسة الأمريكية التي تمر الآن بمرحلة تطور منذ أشهر عدة باتت تتفق تماماً مع رؤية أوباما للعالم. فهذا الرجل يعتقد جازماً أن التغيير أمر حتمي ومطلوب، وأن على الولايات المتحدة أن تقف بجانب القوى الجديدة التي تشكل العالم الآن.

وإذا كان أحد المسؤولين الإسرائيليين قد أعرب عن حذره خلال زيارته لواشنطن بالقول: إننا قريبون جداً من عين العاصفة بحيث لا يمكننا الحكم على الأشياء على نحو صحيح مما يفرض علينا أن نكون أكثر تواضعاً في تقديرنا ونطرح الكثير من الأسئلة، إلا أن بيت أوباما الأبيض لا يشعر بأنه يمتلك ترف تأجيل اتخاذ القرار لأن التاريخ يتحرك بسرعة برأي مسؤول أمريكي يقول: إن علينا الرد على أحداث الواقع بسرعة.

جدير بالذكر أن جذور التحول السياسي الأمريكي تعود لأيام أوباما الأولى في البيت الأبيض، وإحساسه آنذاك ان علاقة أمريكا بالعالم العربي ليست جيدة.

وعلى الرغم من أنه بدا كمن يتوافق مع زعماء المنطقة السلطويين، أصدر في أغسطس 2010 أمراً توجيهياً طلب فيه من الوكالات الحكومية المختصة الاستعداد للتغيير.

إذاً لما كانت المؤشرات تبين زيادة استياء المواطنين من أنظمتهم في الشرق الأوسط وان المنطقة على وشك الدخول في فترة تحول حرجة، طلب الرئيس من مستشاريه تدبر أمر الأخطار الكامنة وإبلاغ المسؤولين في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بأنه من الضروري التحول بشكل تدريجي نحو انفتاح سياسي حقيقي أكبر ورفع المظالم عن الناس.

بعد ستة أسابيع من ذلك، أطاحت مظاهرات الشوارع زعيمين مستبدين في تونس ومصر على الرغم من طبهما المساعدة من واشنطن التي بدت آنذاك غير مكترثة بهما.

والواقع أن أوباما لم يهب لإنقاذهما لإيمانه ان التحولات الجارية كانت تطورات إيجابية.

يقول بن روديس نائب مستشار أوباما لشؤون الأمن القومي: لنا اهتمام أساسي بالاستقرار من خلال التغيير السياسي والاقتصادي ومن مصلحتنا ذلك لأن الوضع القائم – يقصد الأنظمة السلطوية – غير مستقر.

ويضيف روديس قائلاً: توافر حركة الشباب الديموقراطية التي تكتسح العالم العربي اليوم بديلاً للثورات الإسلامية التي تنادي بها إيران والقاعدة. ولاشك أن التهديد الذي تواجهه أمريكا سوف يتراجع اذا ما نجح سيناريو التغيير الراهن.

ولعل من المفيد الإشارة هنا الى أن البيت الأبيض كان قد درس التحولات الديموقراطية في كل من اندونيسيا، الفلبين، صربيا، بولندا وتشيلي من أجل الاستفادة من دروسها. ويلاحظ المسؤولون ان مستشار الأمن القومي توم دونيلون قرأ في الأسبوع الماضي تقرير وزير الخارجية الأمريكية السابق جورج شولتز حول إسقاط الرئيس فيرديناند ماركوس بشكل سلمي في الفلبين.

ويبدو أن هذه الدراسة أدت الى توصل المسؤولين الأمريكيين لنتيجة مفادها ان على حكومات الدول إشراك أطراف المعارضة بالسلطة وتحقيق التغيير المطلوب والملموس من خلال إطلاق سراح السجناء المعتقلين لأسباب سياسية للتحرك بعد ذلك نحو عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية ومن ثم العمل لإعادة كتابة الدستور بما يتلاءم مع قواعد الحكم العصري وتطلعات الشعب.

ثورة فيسبوك

الى ذلك ربما تكون الوسائل الإعلامية الاجتماعية قد وفرت أداة هامة للانتفاضة السياسية التي يشهدها العالم العربي، غير أن المشاركين في لجنة للنقاش والمناظرة من خبراء وسائل الإعلام العرب والأميركيين يقولون إن النقاش الدائر حول دور تلك الوسائل لا ينبغي له أن يحول الانتباه عن الشجاعة التي يبديها الناس الذين نهضوا من أجل حقوقهم. قال مايكل نيلسون، أستاذ دراسات الإنترنت في جامعة جورجتاون، إن مسألة ما إذا كان الذي يحدث هو ثورة "فيسبوك" أو "تويتر" إنما هو "دعوى ساذجة."

وأضاف نلسون قوله "إن الإنترنت، في نهاية المطاف، ليست هي التي تسبب هذه الثورة، ولكنها تمكنها" تماما مثل ما مكن اختراع المطبعة في القرن الخامس عشر من انتشار الطفرة الإصلاحية البروتستانتية في أوربا من خلال المشاركة في المعلومات وتبادلها. موقع أميركا دوت غوف.

وكان نيلسون يتحدث إلى مجموعة من الشخصيات الإعلامية وخبراء وسائل الإعلام في جلسة لجنة نقاش خاصة عقدت في 1 آذار/مارس في واشنطن برعاية مركز مساعدة وسائل الإعلام الدولية والوقف القومي للديمقراطية.

ومما يذكر أن المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري رودام كلينتون، قد أشادوا بأولئك الذين لجأوا إلى الاحتجاج السلمي للإطاحة بالنظامين اللذين حكما تونس ومصر عقودا من الزمن. وامتدح أوباما المصريين على ما أبدوا من "قوة للكرامة الإنسانية" وقالت كلينتون إن المحتجين ألهموا الشعب الأميركي.

وقالت الصحفية والمدوّنة المصرية منى الطحاوي التي شاركت في اللجنة إن فيسبوك وتويتر "لم يخترعا الشجاعة" لكنهما مكّنا الناس من مختلف شرائح المجتمع والذين كانوا ينتقدون حكوماتهم من التواصل مع بعضهم البعض والعمل سوية.

وأضافت الطحاوي أن الناس الذين يقولون بأن أيا من الوسيلتين الإعلاميتين الاجتماعيتين أو نشر ويكيليكس البرقيات الأميركية السرية التي تصف إساءات الحكومات العربية، هي التي أشعلت شرارة الاضطراب، إنما ينكرون ضمنا الإرادة الإنسانية العالمية في الحرية.

ومضت الطحاوي إلى القول "إنك عندما تقول إنه ويكيليكس أو عندما تقول إنه فيسبوك، فإنك كما تقول أساسا إن شيئا ما خارجا عن نطاق هؤلاء الناس الذين حرموا من حريتهم ومن كرامتهم سنين طويلة والذين يطالبون الآن بتلك الحرية والكرامة هو الذي نبههم وقال لهم "هيا، يجب أن تنهضوا."

إلا أن الطحاوي لم تستبعد أهمية وسائل الإعلام الاجتماعية، إذ قالت إن الكثيرين من أبناء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خبيرون جدا وماهرون في استعمال الإنترنت وهم يستخدمون فيسبوك "بطرق لا يمكن تخيلها" لأغراض سياسية بما فيها الترويج لحقوق المثليين وحقوق المرأة."

وأشارت الطحاوي إلى أنها لمست ما يشجعها في التغييرات الجارية في المنطقة. وأضافت قائلة "لعلي متفائلة بطيش، لكنني أتبنى الطيش لأننا نمر بفترة رائعة الآن... فالفرصة متاحة للمنطقة كي تتنفس الصعداء وتقول "فلنصلح هذا الأمر."

وقالت أميرة معاطي من الوقف القومي للديمقراطية إن من المهم للمجتمع الدولي أن يؤيد الصبغة الديمقراطية للإنترنت، لكن "الأهم هو دعم الناشطين الذي يدفعون عجلتها والمبتكرين الذي كانوا أول من فكروا في ربط وسائل الإعلام الجديدة بالتغيير الاجتماعي."

وشجعت معاطي المؤسسات الأميركية وغيرها على العمل مباشرة مع المجتمع المدني المصري وهو يخوض مرحلة انتقال إلى عهد جديد.

وقالت معاطي إن "المصريين يسعون في سبيل نظام يكفل لهم بقاء الفراعنة في غياهب تاريخهم القديم ويسمح لهم باختيار أو معارضة أو تغيير قادتهم، ومن المهم دعمهم وهم يطورون المؤسسات والبنى التي تمكن من حدوث ذلك."

أما عبد الرحيم فقرا، مدير مكتب فضائية الجزيرة التلفزيونية في واشنطن فجادل قائلا بأنه كان للإعلام الاجتماعي دور هام، لكن الناس بحاجة إلى الوسائل الإعلامية التقليدية لنشر هذا الكم الهائل من مدونات تويتر وأشرطة اليوتيوب ونشرات الفيسبوك حول الاضطرابات ووضعها في إطارها."

وأضاف فقرا أن "وسائل الإعلام الاجتماعية قد وضعت النقاط لكن وسائل الإعلام التقليدية هي التي وصلت بين تلك النقاط، وعند ذلك اكتملت الصورة."

وأشار فقرا إلى أنه كي يتسنى جعل الإنترنت منبرا ديمقراطيا فإن الحاجة تمس لزيادة معرفة القراءة والكتابة وتعليم الأجيال من كبار السن كيفية المشاركة.

وقال نيلسون إنه بدلا من خلق منابر جديدة في وسائل الإعلام الاجتماعية للناس كي يتفاعلوا يجب "إبلاغ الناس بما هو متوفر وترك الناس الشجعان في تلك البلدان يتواصلون على الشبكة."

ونبه نيلسون إلى ضرورة بقاء المستخدمين متيقظين لضمان بقاء الإنترنت حرة. وأضاف قوله "إن الأنباء الطيبة هي أن الحواجز أمام الدخول أصبحت منخفضة جدا الآن. وأما الأنباء السيئة فهي أن السياسيين لا يزالون يبذلون كل ما في وسعهم لتجنب فتح مزيد من المجال أمام الناس الذي يستطيعون إطلاع المواطنين على ما يجري."

واختتم كارل غيرشمان، رئيس الوقف القومي للديمقراطية مناقشات اللجنة بالقول إن الأهمية المميزة لـ"اليقظة العربية" الحالية هامة جدا بالنسبة للناس حول العالم وليس في الشرق الأوسط وحسب.

وقال إن "هذه الثورة... التي صنعها الشعب، شعب غير غربي، ستمتد إلى مناطق أخرى من العالم بقوة كبيرة."

وحث غيرشمان مستمعيه في النهاية على "بذل كل ما في استطاعتنا لمساعدة أولئك الشباب الذين أبدوا كل هذه الشجاعة وغيرهم في إقامة الديمقراطية" منبها إلى أن خلق ديمقراطية حقيقية سيتطلب وقتا طويلا وسيكون "صعبا جدا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/آذار/2011 - 15/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م