مسيرات القطيف بين الممنوع والمحظور

ياسر محمد

لم تكن الأحداث التي تمر بها الساحة الأفريقية بمنأى عن بقية دول الشرق الأوسط، فالإنسان هو الإنسان يرغب بأن يحصل على حقوقه ويطالب بها بالحد المسموح. ففي الماضي بعد أن كانت أي حركات أو مجاميع شيعية تمارس الحراك السياسي وترفع من سقف المطالب الإصلاحية كان القول السائد بأنها حركات تدعمها إيران وتحركها داخل أوطانها.

أما اليوم فقد فشلت تلك الترهات وباتت الجماهير الشعبية بمختلف انتماءاتها الفكرية والدينية تعيش الأحداث المتتالية في الوطن العربي وتتابع عن كثب الأدوار التي قام بها الشباب في مصر وتونس وليبيا واليمن وبقية نقاط الحراك المطلبي في العالم العربي راغبة بأن تكون جماهير حية لا تتناسى حقوقها ومطالبها وتثبت للجميع بأن لا أحد يحركها سوى الرغبة في الحصول على الحقوق.

وبملاحظة المطالبات في العديد من مناطق الحراك حول العالم؛ فإنها تبدأ صغيرة مطالِبةَ بحقوق العمل والحرية والإصلاحات التنموية والسياسية دون المساس بأصل الأنظمة الحاكمة وتغييرها، إلا أن عناد الأنظمة دائماً ما كان يحرف شعار المطالبين من إصلاحي إلى إسقاطي وتغييري، لرأس الأنظمة الحاكمة. وهذا ما لا يسعى له أي مواطن في أي بلد تعيش الاستقرار الأمني.

ولم تكن البحرين أو القطيف والأحساء ببعيدة عن قلب الأحداث، فقد كان التوجس من انفجار الأوضاع متوقعاً خاصة بعد مرور منطقتي الأحساء والقطيف بمخاض عسير في ما يتعلق بجانب الحريات الدينية والاحتقان في جانب عدم الحصول على المساواة في شغل المناصب الإدارية والوظيفية إضافةً لمختلف التأزمات التي مرت بها المنطقتين.

 لقد باتت الصورة جلية في نوعية المطالب التي رفعها القطيفيون والإحسائيون في التظاهرات الأخيرة، وهي مطالب لا تخل بالاستقرار السياسي ولا تحط من هيبة الدولة، بل على العكس تماماً فهي تظهرها عند التعاطي معها بإيجابية على أنها نوع من حرية التعبير المشروعة وفقاً للمواثيق الدولية التي وقعت عليها المملكة.

لقد كان مستهجناً مقابلة المتظاهرين في القطيف بالرصاص لتفريق المسيرات السلمية وهو ما لم يكن متوقعاً من قبل القوات الأمنية، فلو سلمنا بأن التظاهر والاحتجاج السلمي ممنوع في البلاد، فكذلك استخدام السلاح ضد مئات من الناس الذين خرجوا بشعارات سلمية، يُعَدُّ أمراً محظوراً، خاصة عندما يحصد الجرحى والمصابين بالرصاص.

وبنظرة لجملة من الشعارات التي كان يرفعها المتظاهرون فإنها جميعها شعارات خالية من العبثية والتشتت، وتحمل في مضمونها هدف واحد هو "السجناء المنسيون" منذ ستة عشر عاماً، ومن بين تلك الشعارات: "خروجنا سلمي مطلبنا شرعي"، "سلمية.. سلمية"، "الحرية للسجناء"، "المنسيون قضيتنا، والإفراج عنهم مطلبنا".. وغيرها من الشعارات التي لم تستهدف المساس بأمن واستقرار وطننا العزيز.

فمن المرفوض اللجوء لاستخدام القوة ضد شباب سلاحهم الوحيد أيدٍ يصفقون بها أثناء ترديد شعارات سلمية! وآخرون يرفعون علم المملكة متمسكين بوطنيتهم وولائهم لوطنهم الذي لا يريدون منه شيء سوى حق واحد وهو إطلاق أبنائهم السجناء وتحت مظلة قيادة البلاد التي هي راعية لكل المواطنين.

إن ما يؤلم القلب أن تتجول في شوارع القطيف وترى عدداً من المدرعات وقوات الشغب تتمركز في بلد الحرمين في مشهد لم نألفه منذ أن بصرت أعيننا الحياة، فلم نألف أن نرى قوات الأمن تواجه أبناء الوطن البررة وخيرة شبابه المشهود لهم بالنزاهة والالتزام في المجال الوظيفي والوطني لمجرد كلمات رُددت وحقوق طولبت بهذه الكيفية.

إن مثل هؤلاء الشباب يرغبون العيش الكريم وتحقيق العدالة والمساواة مع الآخرين لهم ولأبنائهم وأهاليهم، وربما يولد استخدام القوة معهم مزيداً من العناد والإصرار على الخروج للشارع كما شاهدنا في أحد المقاطع المصورة من تقدم عدد من الشباب ناحية رجال الشغب وهم فاتحين صدورهم وكأنهم يريدون القول: مرحباً بالموت.

إننا لا نرغب بوطن تعلوا سماءه أصوات الرصاص والخوف والهلع، بل نرغب بأن يبقى وطنناً مستقراً آمناً وأن تكون قيادة البلاد محتوية للأزمة ومسارعة في حل قضية السجناء المنسيون، فستة عشر عاماً كفيلة بتوضيح محكوميتهم والتكفير عنهم أسوة بأبناء الوطن الآخرين وما قدم لهم من برامج مناصحة انتهت بإخراجهم من السجون لتقر أعين أهاليهم بهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/آذار/2011 - 10/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م