قف... انت عراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: مواطنو العالم يفتخرون بانتماءاتهم الى بلدانهم وتتعدد اوجه الفخر من قبلهم.. في امريكا ابرز مثل لهذا الفخر هو العلم وانتشاره في كل مكان.. وفخرهم بتمثال الحرية وببرج التجارة العالمي الذي قصدته طائرات القاعدة في تفجيرات ايلول 2001 واصبح بن لادن محط فخر لبعض المسلمين ومصيبة للاكثرية منهم.

الفرنسيون يشعرون بالفخر لنبيذهم واجبانهم وببرج ايفل الشهير اضافة الى افتخارهم بتسمية باريس عاصمة الاناقة والعطور.

الالمان يفتخرون بسيارات المرسيدس وال bmw.. الايطاليون يفخرون بالبيتزا والقهوة.. السويسريون يفخرون بسرية مصارفهم.. اليابانيون بامراطورهم ودقة صناعاتهم.. وهم قبل هذا وذاك يفخرون بالمنجزات الكبيرة التي قدمتها اوطانهم لهم وقدموها لأوطانهم.

الا انهم رغم هذا لا يقولون مثلا: انا امريكي وافتخر، او انا الماني وافتخر، او ارفع راسك انت عراقي، او انت ياباني.. الى اخر قائمة البلدان التي ذكرتها.

العرب وحدهم ابتكروا هذا الشعار وشعارات اخرى واصبحنا نسمع من يقول اماراتي وافتخر، وسعودي وافتخر، وانت عراقي ارفع راسك الى غيرها من شعارات الافتخار العربية.

وليس بالضرورة ان يطابق الشعار واقع الحال او ان ينسجم معه او ينطبق عليه كحال الكثير من الشعارات العربية على مر تاريخنا المجيد.

فمثلا على مستوى التعليم تأتي جامعاتنا في مراتب متأخرة عن جامعات دول العالم.. وعلى مستوى الزراعة نستورد الكثير من غذائنا، وعلى مستوى الصناعة ايضا نقوم باستيراد منتجات الاخرين، وعلى مستوى التكنولوجيا والتقنيات الاكترونية لا مجال لليسير من الافتخار فيها.. فالويندوز والماكنتوش والفيس بوك وتويتر ويوتيوب وجوجل وغيرها من اشارات القرية الكونية الصغيرة ليست في متناول افتخارنا العربي..جل افتخارنا ينصب على كميات النفط والغاز التي لدينا وعلى ماضينا البعيد في كهوف التاريخ.

العراقي هو الوحيد الذي رفع شعار (ارفع راسك انت عراقي) واضافها الى بقية الشعارات التي تزدحم بها ساحة الافتخار العربي.

وقد تعددت الآراء في نشأة هذه العبارة.. هناك من ينسبها الى القائد الضرورة وفلتة العراق في زمانه وكل زمان صدام حسين، وهناك من يقول انها قيلت ضده في العام 1996 من قبل المرجع الشيعي محمد صادق الصدر.

وهناك من يذهب الى ان قائلها هو الجمهور العراقي بلافتة كبيرة في ملعب العباسيين في مباراة العراق مع سوريا في العام 1995.

ومنهم من يختم النقاش حول الموضوع لأنه يشعر باليأس والمرارة قائلا: هو خلّو راس للعراقي حتى يرفع راسه.. ومن النساء من تذهب بعيدا في رفعة راسها العراقي حين تجيب على تساؤلاتنا بقولها: (سألوني الناس ليش رافعة راسج وعيونج كوية؟ كلتلهم كل الناس بشر بس اني عراقية).. وكأن العراقي ليس من جنس البشر ربما هو من جنس الشياطين او الملائكة، لا ادري.

ارفع راسك، تذكّرني بأيام الخدمة العسكرية الاجبارية في معسكرات التدريب التي تسبق الدخول الى اتون الحرب الطاحنة.

كان عريف الصف في محاولة منه لضبط ايقاع مسيرنا ومشيتنا العسكرية يصيح (ارفع راسك، عدّل صدرك، وحّد) وكنا نستجيب لصيحاته بسرعة تحاول ان تغطي على ارتباكنا.

ساحات التدريب هي المكان الوحيد الذي كنا نرفع فيه رؤوسنا، فبعدها حين يتم ترحيلنا الى جبهات القتال والحرائق المندلعة لا تستطيع ان ترفع راسك خوفا من قناصة العدو، وحتى تدخين السيكارة يصبح حلما من احلامك التي قد تكلف حياتك.

وانت لا ترفع راسك امام الضابط المسؤول عنك وهو يعنفك.. وانت لا ترفع راسك امام فرق الاعدام التي تقف خلف القطعات اذا تراجعت من موقعك هربا من القصف وتقدم جنود الاعداء.. وانت لا ترفع راسك حين تكون في اجازتك الدورية وجنود الانضباط العسكري يملؤون زوايا الاسواق او يصعدون الى السيارات العامة للبحث عن الغائبين او المتخلفين او الهاربين.. وانت لا ترفع راسك امام صور القائد الرمز في جميع الاماكن خوفا من ان يرى احدهم نظرات الكراهية في عيونك.. او خوفا من وشاية احدهم عبر تقرير امني او حزبي.

هل هو الاذلال الطويل وانحناءة الراس لعقود والتعرض لصفعات مستمرة على الرقبة هي من جعلت العراقيين يبتكرون هذا الشعار؟

اذن هي رد فعل لاشعوري اتجاه تلك العقود الطويلة من ممارسات الاذلال والقمع التي ناء بحملها العراقيون، وجعلت ظهورهم محنية لا يقوون معها على رفع رؤوسهم.. وهو الخوف ايضا من ان ترفع راسك احتجاجا على هذا الاذلال في جمهورية كل ما فيها يبعث على الخوف الذي بدوره يولّد خوفا جديدا لتصبح في النهاية خائفا حتى من نفسك قبل خوفك من الاخرين.. كيف تعرف انك عراقي؟ تخرج من منزلك صباحا ترى امامك القمامة تزرع الارصفة... انت عراقي.

تدخل لأي كراج للنقل العام يتم تفتيشك وتفتيش اغراضك التي تحملها.. انت عراقي.

لا تستطيع ان تمشي على الارصفة، التي كانت ارصفة، واحتلتها البسطيات والجنابر.. انت عراقي

تنحشر في الازدحامات المرورية وتضيع ساعات عمرك.. انت عراقي.

لا تستطيع ان تنظر الى المحلات التجارية على يمين الشارع او يساره بسبب الحواجز الكونكريتية.. انت عراقي.

تدفع الرشوة في كل دائرة تدخلها لإنجاز معاملة لديك.. انت عراقي

في المنزل تنظر الى بورد الكهرباء، (وطنية)، بعد ساعة، (مولدة) ساعة اخرى (سحب) بعدها (مولدة المنزل).. انت عراقي.

طفلك تشاجر مع احد اطفال الجيران يستدعون العشيرة..انت عراقي.

قتلت عشرة اشخاص ولديك عشرة احكام بالإعدام يتم تهريبك من السجن.. انت عراقي..

حكومتك فاسدة، تعض اصبعك ندما لأنك انتخبت الفاسدين.. كل مرة تنتخب الفاسدين لأنك فاسد بدورك.. اذن انت عراقي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/آذار/2011 - 9/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م